• غسان سلامة: هناك مليونير جديد كل يوم في ليبيا... والطبقة الوسطى تتقلص يومًا بعد آخر، والطبقة السياسية لديها كمٌّ كبير من الفساد يندى له الجبين
• وزير المالية الليبي السابق: بعد رفع الحظر عن أكثر من مائة مليار دولار من الأموال المجمدة أتت إلى ليبيا، ثم تم تهريبها إلى خارج البلاد عبر كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية.
• وزيرة الصحة السابقة فاطمة الحمروش تؤكد أن لديها وثائق تثبت اختلاس مليار ونصف المليار دولار في ملف الجرحى
• رئيس ديوان المحاسبة الليبي في تسجيل صوتي: ليبيا تجاوزت مرحلة الفساد لتصل لمرحلة الاستخفاف في التصرف بالمال العام
• أول فصول تهريب الأموال الليبية خارج الحدود بدأت في بداية تمانينيات القرن الماضي مع تأسيس الحكومة الليبية للشركة العربية الليبية للاستثمارات الخارجية
• خلال مطلع 2010م أصدرت الحكومة الليبية أكثر من عشرين قانوناً جديداً، أحدتث تغييرات شاملة في التجارة والجمارك وضرائب الدخل والبورصة والعمل والاتصالات والتوثيق العقاري.
• الحكومات الأجنبية جمدت أموالا ليبية سيادية تقدر بنحو 150 مليار دولار و144 طنا من الذهب، منها 1.2 مليار يورو مودعة في بنوك نمساوية، و12 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا، وفي كندا 2.3 مليار دولار كندي، وفرنسا لديها في بنوكها 6.7 مليار يورو، وأكثر من 7 مليارات يورو في ألمانيا، وفي إيطاليا 8 مليارات دولار، و827 مليون دولار في البنوك السويسرية، ولدى الولايات المتحدة الأميركية ما يقرب من 34 مليار دولار مجمدة في مصارفها.
• تتضارب المعلومات وتختلف حول الرقم الحقيقي لكنز الأموال الليبية المخفي في دولة جنوب أفريقيا ... والصندوق الأسود لها هو بشير صالح بشير كاتم أسرار القذافي المقيم حاليا في جوهانسبرغ
• الشفافية العالمية: هناك زيادة كبيرة في مستوى الفساد في ليبيا التي احتلت المركز 161 بين الدول الأكثر فساداً من بين 168 دولة
• رئيس ديوان المحاسبة الليبي: ليبيا تجاوزت مرحلة الفساد لتصل إلى مرحلة الاستخفاف في التصرف بالمال العام
• مسؤول ليبي: لا أحد استطاع أن يقرر أو حتى يذكر رقماً صحيحاً للمليارات الليبية المدفونة في جنوب أفريقيا
طرابلس: الأموال الليبية المهربة أو المجمدة، تشمل أرصدة مالية تقدر بالمليارات، وسندات وودائع، بالإضافة إلى استراحات وفنادق ضخمة وأراض ويخوتا وسيارات فارهة وطائرات خاصة، كلها ملك للشعب الليبي، لكن لا يمكنه الانتفاع بها، بل إن سلطات بلاده لا تعرف أو لا تعلن بشكل صريح ودقيق ورسمي عن حجم هذه الأموال «المنهوبة والمهربة» في الخارج.
هذا التقرير سيتناول بالعرض الأموال السائلة، وهي عبارة عن نقود وودائع وذهب وأحجار ثمينة، وهي ملك للدولة الليبية والتصرف فيها من اختصاص مصرف ليبيا المركزي في طرابلس، كما سيتتبع التقرير الأموال التي على هيئة استثمارات، والتي ملكيتها وحق التصرف فيها يعود للمؤسسة الليبية للاستثمار، وهي مؤسسة ليبية ضخمة، مرتبطة به خمس مؤسسات فرعية، تؤلف في مجملها مجتمعة المحفظة الاستثمارية الليبية الضخمة. وهذه المؤسسات هي: الشركة الليبية للاستثمارات الخارجية (LAFICO)، والمحفظة الاستثمارية طويلة المدى (LTP)، وشركة الاستثمارات النفطية (OilInvest)، والصندوق الليبي للاستثمار الداخلي والتنمية (LLIDF)، ومحفظة ليبيا أفريقيا للاستثمار (LAP).
دلائل وجود الفساد المالي بعد 2011م
سنوات الفوضى والفساد، اللذين تفاقما وتضاعفا خلال الآونة الأخيرة، جعلت غسان سلامة رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يصف هذا الفساد المالي المستشري في البلاد الليبية ويؤكد وجوده، قائلا يوم 27 مارس (آذار) الماضي: «هناك مليونير جديد كل يوم في ليبيا... والطبقة الوسطى تتقلص يومًا بعد آخر»، الطبقة السياسية في ليبيا «لديها كمٌّ كبير من الفساد يندى له الجبين»، وأن «ثروات طائلة تنتج عن المناصب يجري استثمارها خارج ليبيا» سياسيون في ليبيا «يستولون على المال العام ثم يوظفونه في الخارج».
ولم يكتف سلامة بالوصف، بل هدد- بدبلوماسية مبطنة- أباطرة المال الليبي المنهوب من السياسيين وغيرهم، فقال: «إن الأوان آن لكي يكف أي طرف عن التمسك بالمنصب الذي يمكّنه من اقتناء الثروة».
ويدق وزير المالية الليبي السابق، الدكتور حسين زقلام، ناقوس الخطر بشدة يقول: «تم رفع الحظر على الأموال المجمدة، فأتت إلى ليبيا، ثم تم تهريبها إلى خارج البلاد عبر كافة المنافذ البرية والبحرية والجوية». وكان الوزير زقلام هدد في فبراير 2012 بالاستقالة وبكثير من الأسف تحدث لليبيين، ووضع النقاط على الحروف موضحاً أن «إجمالي المبالغ التي تم الإعلان عن الإفراج عنها من الأموال الليبية المجمدة في الخارج بلغت أكثر من مائة مليار دولار. وأن هذه المبالغ كان يفترض أنها ستوجه بالدرجة الأولى إلى برنامج إعادة الإعمار والتعاقد مع عدد من الشركات، خاصة فيما يتعلق بصيانة وتأهيل المدارس وبعض المستشفيات والجامعات ومقرات الشرطة والإدارات ومؤسسات الدولة التي تعرضت للتخريب والتدمير خلال فترة الثورة، وكذلك استكمال بعض المشروعات خاصة المطارات... لكن هذه الأموال يتم تهريبها عبر المطارات والموانئ والمنافذ البرية».
وختم وزير المالية حسن زقلام تصريحة بقوله: «إن أموال الشعب الليبي المفرج عنها تهرب للخارج، وعلى الشعب أن يطالب بتجميدها من جديد...».
تصريحات وزير المالية السابق المحبطة، أكدها محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي السابق بقوله: «إن حجم الأموال التي نهبت بعد 17 فبراير يفوق ما نهب خلال الـ42 عاماً الماضية»، فيما تؤكد وزيرة الصحة السابقة فاطمة الحمروش: «إن لديها وثائق تثبت اختلاس مليار ونصف المليار دولار في ملف الجرحى».
الفساد في ليبيا
الفساد في ليبيا موجود للأسف، ولا أحد يمكن أن ينكر وجوده! فعلى المستوى الدولي قالت منظمة الشفافية العالمية في تقريرها الذي أصدرته أواخر شهر مارس عام 2013م الماضي إن «هناك تنامياً كبيراً لمستوى الفساد في ليبيا التي احتلت المركز الـ161 بين الدول الأكثر فسادا من بين 168 دولة»، ومحلياً أكد خالد شكشك، رئيس ديوان المحاسبة الليبي، أواخر العام 2014م في تسجيل صوتي له، أن «ليبيا تجاوزت مرحلة الفساد لتصل لمرحلة الاستخفاف في التصرف بالمال العام، وأن ميزانية عام 2013 بلغت أكثر من سبعين مليارا، دون أن يحدث أي تحسن في البلاد، فالليبي يعالج خارج بلاده رغم صرف سبعة مليارات على قطاع الصحة، والدولة عاجزة عن حماية الحدود والمنشآت، رغم صرف سبعة مليارات على وزارة الدفاع».
وفي محاولات متواضعة من هذا الديوان للحد من هذا الفساد والعبث بالملايين الليبية، أصدر شكشك قرارات مستعجلة نصت على منع المسؤولين ببعض المصارف ومنعهم من الاستمرار في مواصلة أعمالهم، وأمر الجهات المسؤولة بعدم تكليفهم بأي عمل قيادي في المستقبل، ومن هؤلاء المسؤولين مدير عام مصرف الجمهورية، ومدير إدارة مخاطر الائتمان بنفس المصرف، كما منع نائب مدير مصرف الجمهورية فرع الفلاح عن العمل، وأوقف مدير مصرف شمال أفريقيا فرع زليتن عن العمل، بالإضافة إلى قرار مستعجل نص على تجميد أرصدة الحسابات المصرفية لعدد 38 شركة و62 شخصًا بسبب تورطهم في عمليات تهريب نقد أجنبي وتزوير مستندات رسمية!
بداية تهريب الأموال الليبية واستمراره
أول فصول تهريب الأموال الليبية خارج الحدود بدأت في بداية تمانينيات القرن الماضي مع تأسيس الحكومة الليبية للشركة العربية الليبية للاستثمارات الخارجية، لتكون بمثابة الذراع القوية التي تسند النظام الذي فرض عليه حصار اقتصادي وجوي وجمدت أمواله عبر قرارات صادرة من مجلس الأمن بسبب اتهامة بالتورط في عدد من الأعمال الإرهابية. ولتتوالي بعد هذه الشركة شركات أخرى، وكيانات اقتصادية كبرت مع الوقت وصارت منظومة مالية موازية، بديلاً عن المنظومة الرسمية المتمثلة في مصرف ليبيا المركزي، هذه المنظومة الموازية صارت متخمة بالمليارات التي تستثمر أموال الليبيين في أكثر من خمسة وأربعين دولة في أوروبا وأفريقيا وبقية قارات العالم. وتضعهم في مصارف أجنبية بطرق علنية مكشوفة أو سرية معقدة. وعبر هذه المنظومة الوهمية كان النظام يبيع النفط ويشتري السلاح، ويستثمر أمواله ويهربها خارج ليبيا دون أن يتم كشف هذه العمليات لأنها خارج الإطار الرسمي المتعارف عليه... وبعد صبر مرير على حصار اقتصادي طويل، استمر ما يقرب من عشر سنوات، نجح نظام معمر القذافي السابق في حلحلة كثير من القضايا العالقة بينه وبين الغرب الذي كان قد فرض حصاراً جوياً، وعقوبات اقتصادية على ليبيا، وجمد الأموال الليبية في المصارف الخارجية، وشدد الحظر على تصدير النفط الليبي.
في شهر مارس 2003م، شرعت الحكومة الليبية في تنفيذ خطوات حقيقية وجادة لتحقيق إصلاحات اقتصادية شاملة في البلاد، بدأت بتعيين الدكتور شكري محمد غانم رئيساً للوزراء، من أجل أن يقود ويشرف على تطبيق هذه الإصلاحات. ونجح في ذلك لحد ما، فقبل أن ينصرم عام 2003م، حقق النظام الليبي للغرب كل مطالبة، دفع التعويضات التي طالبه بها، وتخلى عن برنامجه النووي ووعد بإصلاحات سياسية واقتصادية. ساعدت الظروف السابقة ليبيا لتعلن للعالم وفي نفس العام عن تأسيسها للصندوق السيادي الاستثثماري الليبي بواقع (60) مليار دولار، بعد أن رفع تمهيدًا لنقل ليبيا من واقعها المرير إلى واقع أفضل.. وتشير المصادر إلى أنه خلال مطلع 2010م أصدرت الحكومة الليبية أكثر من عشرين قانوناً جديداً، أحدتث تغييرات شاملة في التجارة والجمارك وضرائب الدخل والبورصة والعمل والاتصالات والتوثيق العقاري.
شكري غانم السياسي والاقتصادي المتمكن، قاد إصلاحات النظام عبر منصبه كرئيس للحكومة من عام 2003 وحتى 2005، تم وهو رئيس لمؤسسة النفط الليبية من 2005 حتى 2011م، وهو العام الذي تمكن فيه من مغادرة لبييا إلى إيطاليا، وبعدها إلى النمسا حتى أعلنت الشرطة النمساوية عن وفاته في ظروف غامضة، وأعلنت أنها وجدت جثته طافية على نهر الدانوب في فيينا يوم 30 أبريل (نيسان) 2012م.
مليارات ليبيا خارجها فهل ستعود؟
عادت من جديد قصة المليارات الليبية المهربة والموجودة في كثير من المصارف في مختلف دول العالم، هذه الأموال التي أنكر القذافي وجودها باسمه، وأنه لا يوجد دولار واحد باسمه في أي مصرف خارج ليبيا، لكن مجلس الأمن وقبل أن يأذن للناتو بالتدخل العسكري لإنهاء نظام حكمه، أصدر يوم 28 فبراير 2011م القرار رقم (1970) الذي نادت الفقرة السابعة عشر منه وبشكل فوري «... بتجميد جميع الأموال والأصول المالية والموارد الاقتصادية الأخـرى الموجـودة في أراضـيها والتي يملكهـا أو يـتحكم فيهـا، بـصورة مباشـرة أو غـير مباشـرة، الكيانات أو الأفراد المذكورون في المرفق الثاني للقرار، وهم: معمر القذافي وابنته عائشة، وأبناؤه: سيف الإسلام، والمعتصم بالله، وهانيبال، وخميس، أو الذين يعملون باسمهم أو بتوجيه منهم، أو الكيانات التي يملكونها أو يتحكمون فيهـا، ويقـرر كذلك أن تكفل جميع الدول الأعضاء عدم إتاحة أي أموال أو أصول مالية أو موارد اقتصادية، بواسطة رعاياها أو بواسطة أي كيانات أو أشخاص موجودين في أراضيها، للكيانات أو الأشخاص المذكورين».
وفي السابع عشر من مارس 2011م، صدر القرار رقم (1973) ليؤكد ما ورد في قرار 1970 ويضيف فقرة يتم بموجبها تجميد أصول محمد والساعدي وسيف الإسلام معمر القذافي، ومعهم عبد الله السنوسي وأبو بكر يونس جابر، وأبو زيد دوردة، ومعتوق محمد معتوق. إلى جانب تجميد أصول خمس مؤسسات وكيانات مالية ليبية، وهي مصرف ليبيا المركزي، المؤسسة الليبية للاستثمار، والمصرف الليبي الخارجي، ومحفظـة الاستثمار الأفريقية الليبية، ومؤسسة النفط الليبية.
وردًا على هذه الإجراءات القاسية، نفى معمر القذافي، من خيمته في طرابلس، لصحافية فرنسية يوم 5 مارس 2011م أن تكون لديه أموال في الخارج، وتحدى العالم إثبات ذلك.
وبعد أن سقط النظام الجماهيري، وقبل أن يموت القذافي رأس هذا النظام، تولى حكم البلاد المجلس الوطني الانتقالي، والمجلس التنفيذي بشكل مؤقت لحين إجراء انتخابات ديمقراطية، وتشكيل حكومة ليبية جديدة. وقبل أن يتم إجراء هذه الانتخابات، وتشكيل تلك الحكومة المرتقبة، كان من أولويات المجلس الانتقالي والمكتب التنفيذي استعادة الأموال والأصول الليبية التي كانت تحت يد القذافي، وتم تجميدها. ولم يتوقف المجلس الانتقالي والمجلس التنفيذي، عن مطالبتهما المستمرة والملحة، بأن يفرج مجلس الأمن عن هذه الأموال، من أجل ضمان دفع الرواتب لليبيين، وتفعيل الخدمات الأساسية في البلاد، فطلبوا خمسة مليارات دينار، لكن مجلس الأمن أفرج فقط عن مليار ونصف المليار دينار ليبي.
وفي أول سبتمبر (أيلول) 2011م، ومقابل وعد بانتقال ديمقراطي، أفرج مجلس الأمن عن 15 مليار دولار. من أجمالي المليارات الليبية المجمدة، والتي يصعب عدها وحصرها، والمسجلة رسميا باسم المصرف المركزي الليبي وهيئة الاستثثمارات الليبية، دون إغفال أرصدة وحسابات سرية ووهمية مسجلة بأسماء عائلة القذافي والمقربين من خيمته، لا تزال مجهولة حتى الآن.
فرحات بن قدارة، كان أول شخصية ليبية قيادية، وضحت لليبيين بعض الغموض حول حجم وحقيقة الأموال المجمدة والمهربة خارج ليبيا، باعتباره كان آخر محافظ لمصرف ليبيا المركزي خلال حكم معمر القذافي من 2006، إلى 12 مارس 2011. وقال فرحات في مقابلة تلفزيونية إن «الأصول الليبية تقدر بـ168 ملياراً و425 مليون دولار، منها نحو 104 مليارات للمصرف المركزي، تتوزع بما يقدر بـ40 مليار دولار سيولة نقدية، ونحو 30 مليار دولار عبارة عن سندات خزانة أميركية، وسندات في حكومات أوروبية، والبقية موزعة على شكل قروض لدول أجنبية، وبعض المحافظ الاستثمارية التي تدار من الغير لصالح المصرف المركزي. وقرابة 64 ملياراً للمؤسسة الليبية للاستتمار».
وكالة «رويترز» للأنباء نشرت في 31 أغسطس (آب) 2011م، تقريرًا أكثر تفصيلاً من تصريحات فرحات قدارة، حيت بينت أن عدداً من الحكومات الأجنبية جمدت أموالا ليبية سيادية تقدر بنحو 150 مليار دولار و144 طنا من الذهب، منها 1.2 مليار يورو مودعة في بنوك نمساوية، و12 مليار جنيه إسترليني في بريطانيا، يملك منها سيف الإسلام القذافي وحده 10 مليارات، (حسب تقرير الوكالة)، وفي كندا 2.3 مليار دولار كندي، وفرنسا لديها في بنوكها 6.7 مليار يورو، وأكثر من 7 مليارات يورو في ألمانيا، وفي إيطاليا 8 مليارات دولار، و827 مليون دولار في البنوك السويسرية، ولدى الولايات المتحدة الأميركية ما يقرب من 34 مليار دولار مجمدة في مصارفها.
هذه الأموال أسالت لعاب مسؤولين في الحكومات الليبية المتعاقبة، بعد سقوط نظام معمر القذافي، التي حاولت بشتى الطرق وكل الوسائل الممكنة وغير الممكنة الشرعية وغير الشرعية، السرية والعلنية، استعادة هذه الأموال وفك الحظر عنها، بدأت بمحاولات المكتب التنفيذي والمجلس الانتقالي عن طريق المناشدات المتكررة لمجلس الأمن وطلب بالإفراج عن هذه الأموال، أو عن طريق الزيارات المكوكية السرية إلى بعض البلدان التي في مصارفها المليارات، عدد كبير من اللجان التي تم تشكيها على وجه السرعة منذ تولي المجلس الانتقالي السلطة، وحتى تولي المجلس الرئاسي السلطة، وتحت تسميات مختلفة تهدف كلها لاسترجاع أموال مجمدة في مصارف خارج ليبيا. وأغرب هذه القرارات ما أصدره محمد المقريف رئيس المؤتمر الوطني العام، بشأن تشكيل لجان فنية للبحث عن الأموال المهربة، وسمح القرار للأشخاص المكلفين بالتصرف فيما قيمته 10 في المائة من الأموال المحصلة لإتمام مهمتهم، «فيما اعتبره كثير من المتابعين للشأن الليبي، أنه تشريع للفساد من قبل أعلى سلطة تشريعية في الدولة، فمثلاً لو كانت قيمة هذه الأموال المسترجعة للدولة الليبية 10 مليارات، فإن مليارا من هذه العشرة يعد مكأفاة لهم!
جنوب أفريقيا مغارة الأموال الليبية
دولة جنوب أفريقيا وعلاقتها بالأموال الليبية المجمدة فيها، قصة مختلفة وشائكة جدًا ومعقدة يلفها الغموض والتكتم، وتتضارب المعلومات وتختلف حول الرقم الحقيقي لكنز الأموال الليبية المخفي في هذه المغارة، لكنها تتفق على أن بشير صالح بشير هو الصندوق الأسود لها، الذي يعرف الكثير، ويملك أكثر من كل مهتم بهذا الكنز المفقود.
بعد موت معمر القذافي تعرض بشير كاتم أسراره للاعتقال، لكن حريته عند من تهمه هذه الأموال مهمة، لذلك نفذ معتقلوه أمر الإفراج عنه الصادر من قصر الإليزيه، وخرج من معتقله مرفوع الرأس لمطار طرابلس، ليلتان قضاهما في أرقى فنادق الشانزليزيه، ومنها إلى جوهانسبرغ ليستقر فيها، حتى إنه تعرض لمحاولة اغتيال نجا منها فبموته ستتبخر المليارات الليبية في مغارة جنوب أفريقيا. صالح كاتم أسرار القذافي وعمل مديرًا لمكتبه منذ نهاية تسعينات القرن المنصرم، ثم رئيسا لصندوق الاستثمار الليبي في أفريقيا حتى عام 2011م.
رغم كل هذه التكهنات فلا أحد استطاع أن يقرر أو حتى يذكر رقماً صحيحاً للمليارات الليبية المدفونة في جنوب أفريقيا، إلا جاكوب زوما رئيس جنوب أفريقيا وحده الذي قال للعالم كله يوم 8 يوليو (تموز) 2013م في مطلع رده على أسئلة طرحها عليه أعضاء في برلمان حكومته حول أموال القذافي المخبأة عنده، قال زوما: «لا أحد من المسؤولين الليبيين، قدم لنا أدلة بشأن نقل هذه الأصول والأموال الليبية، من بلادهم إلى جنوب أفريقيا، وينبغي على من لديهم أدلة تسليمها إلى السلطات الليبية أو الأمم المتحدة ذات الصلة... نحن لم نعثر على أي أموال، وفي حال العثور على أي من تلك الأموال أو الأصول الليبية في جنوب أفريقيا، فإننا سوف نبلغ الأمم المتحدة فورًا من خلال إدارة العلاقات والتعاون الدولي»... انتهت رسالة زوما، وما زالت مليارات الليبيين مجهولة الرقم مدفونة في بلاده، في إشارة واضحة إلى أنها قد لا تعود قريبًا لمصرف ليبيا المركزي، أو ربما لن تعود أبدًا!
ولكن أشارت تقارير صحافية الأسبوع الماضي إلى أن القذافي قد خبأ حوالي 30 مليون دولار أميركي، في مقر إقامة الرئيس الجنوب أفريقي السابق جاكوب زوما، وذلك قبل مقتله في عام 2011.
وذكرت صحيفة «تايمز» البريطانية في تقريرها، أنه تم نقل هذه الأموال من منزل زوما بمدينة نكاندلا، شرق جنوب أفريقيا، إلى مملكة إسواتيني القريبة، والتي كانت تعرف سابقاً باسم سوازيلاند. وأفادت الصحيفة بأن السلطات الليبية تطلب من رئيس جنوب أفريقيا الحالي سيريل رامافوزا، المساعدة في استرداد الأموال.
وزار رامافوزا مملكة إسواتيني في مطلع مارس الماضي، إلى جانب عدد من الوزراء، لإجراء محادثات مع الملك مسواتي الثالث، رئيس العائلة المالكة هناك.
وأضاف التقرير أن رامافوزا عقد اجتماعاً ثانياً مع الملك في مطار تامبو الدولي في جوهانسبيرغ.
ومن جانبه نفى الثلاثاء الماضي رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما إخفائه نحو 30 مليون دولار تخص القذافي في منزله. وكتب زوما، المحاط بفضائح الفساد، تغريدة قال فيها: «أنا مدين برسوم قانونية تقدر بالملايين. والآن أسمع إنني أحتفظ بأموال تخص شقيقي الراحل القذافي».
ويشير تقرير «تايمز» إلى أن القذافي جمع مليارات الدولارات من الثروة النفطية، وخبأها في مواقع سرية في أنحاء العالم.
وبحلول عام 2010، كانت البلاد تحصل على أكثر من 30 مليار دولار من عائدات النفط في السنة، ولكن لديها معدل بطالة مرتفع، ويعاني معظم السكان من سوء الأحوال الاقتصادية.
وذكر تقرير الصحيفة البريطانية، أنه في عام 2010، باع القذافي خُمس احتياطيات ليبيا من الذهب مقابل مليار دولار، ويبدو أنه وضع الأموال في كثير من الحسابات السرية والشركات، بما في ذلك صندوق الثروة السيادية في ليبيا، وذلك قبل اغتياله بوقت قصير.ومنذ وفاته، تبحث السلطات عن الأموال التي نقلها القذافي خارج البلاد.
وفي عام 2013، قالت حكومة جنوب أفريقيا إنها ستعيد أموالاً ليبية تقدر بقيمة 5.5 مليون جنيه إسترليني، وذلك تماشياً مع قواعد الأمم المتحدة. وتضمن التقرير أن القذافي كان يسعى إلى شراء أسلحة ودبابات ومروحيات بتلك الأموال المخبأة.