* على اللبنانيين أن يسألوا أنفسهم: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر قرار إدارة ترامب بمواجهة «حزب الله» على البلد واقتصاده؟
من الواضح أن الضغط على «حزب الله» يزداد من قبل الأميركيين الذين يريدون تجفيف موارد الحزب، خاصة تلك التي تتهمه الخزانة الأميركية بجنيها من تجارات غير شرعية، لا سيما المخدرات والسلاح في كل من أميركا اللاتينية وأفريقيا.
أقر رجل الأعمال اللبناني قاسم تاج الدين في ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وهو الذي يحاكم في نيويورك بتهمة تبييض أكثر من مليار دولار مع خمسة من شركائه لصالح «حزب الله»، بالتهم المنسوبة إليه، وتوصل إلى اتفاق مع العدل الأميركية يسجن بموجبه مدة خمسة أعوام ويدفع غرامة 50 مليون دولار أميركي.
هذا المنحى بدأ مع تصنيف وزير العدل الأميركي السابق جيف سيشنز لـ«حزب الله» كجماعة للجريمة العابرة للحدود، وإعلانه أنه ألف فريقا خاصا من ذوي الخبرات في مجالات التهريب الدولي للمخدرات والإرهاب والجريمة المنظمة وغسل الأموال لاستهداف تلك الجماعات بتحقيقات واجراءات قضائية أكثر صرامة.
ومؤخرا صرّح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بأن «حزب الله» يمتلك خلايا نشطة في فنزويلا، وهذا خطر تعتزم بلاده على التخلص منه. طبعا سارع الرئيس الفنزويلي إلى نفي تلك الاتهامات، كذلك فعل أمين عام «حزب الله».
في سياق هذه الضغوط المتصاعدة كان الإسرائيليون قد أعلنوا أيضا عن اكتشاف أنفاق محفورة في جنوب لبنان وتمتد إلى داخل إسرائيل، بالإضافة إلى اتهام إيران بإنشاء معامل للصواريخ في لبنان.
هذا الضغط المتزايد يشي بأن قرار إدارة الرئيس ترامب باستئناف استهداف إيران وأحزابها خاصة «حزب الله» دخل حيز التنفيذ بعد أن كان توقف بشكل كبير غداة مفاوضات الرئيس أوباما مع إيران والذي أفضى إلى توقيع الاتفاق النووي الذي عاد وانسحب منه الرئيس ترامب.
الحدث الأكبر والأخير هو تقدم مئات من عائلات جنود أميركيين قتلوا أو جرحوا في العراق من جرّاء قنابل استحوذت عليها الجّهات المنفذة من «حزب الله»، بدعوى على عشرة مصارف لبنانية، تتهمها بتسهيل أعمال مالية لصالح «حزب الله» من خلال الولوج إلى النظام المصرفي الأميركي عبر نظام السويفت. وتتهم الدعوى هذه المصارف بعلمها بتلك العمليات التي تتضمن تبييض الأموال والتحايل على العقوبات الأميركية.
الجهة المدعية قدمت دعوى تتضمن تفاصيل مثيرة عن شبكات «حزب الله» ورجال أعماله وشركاته في أكثر من ستمائة صفحة، واتهمت البنوك العشرة اللبنانية بالتعامل مع تلك الشركات رغم معرفتها المسبقة بعلاقاتها مع «حزب الله».
من دون أدنى شك ستتحرك تلك المصارف لتدافع عن نفسها ولتنزع عنها اتهام خرق القوانين الأميركية بالتعامل مع حزب مصنف على لائحة الإرهاب وربما أيضا التفتيش عن تسوية ما ترضي الأهالي الذين ادعوا على تلك المصارف لأنه لا يمكن لمصرف لبناني أن يكون خارج النظام المصرفي الأميركي أو أن يتعرض لأي نوع من العقوبات من قبل وزارة العدل الأميركية لأن الكارثة ستحل، خاصة أن الاقتصاد اللبناني تقوم أحد أهم ركائزه على المصارف
على اللبنانيين أن يسألوا أنفسهم: إلى أي مدى يمكن أن يؤثر قرار إدارة ترامب بمواجهة «حزب الله» على البلد واقتصاده؟ فمن يراهن أن الرئيس ترامب لن ينتخب لولاية ثانية، وهو أمر حسب الخبراء الأميركيين لن يحصل، هل يضمن أن الرئيس الآتي لن يكون أكثر تشددا حيال «حزب الله» وإيران؟ ثم ماذا إن انتخب ترامب لولاية ثانية؟ فمن سيستطيع كبح جماح سياساته المعادية لإيران وكل ما يدور في فلكها؟ هل يستطيع لبنان تحمل تلك الأكلاف.
غالبا ما يتبجح إعلام «حزب الله» وقادته وأمينه العام أيضا بأنهم كحزب أصبحوا قوة إقليمية وأن على اللبنانيين أن ينظروا إلى هذا الحزب من هذا المنظور. وغالبا ما يمن هؤلاء على اللبنانيين، بأنه لا يستعمل تلك القوة المتعاظمة معهم في الملفات الداخلية، هذا طبعا إذا ما استثنينا أحداث 7 أيار. وعلى ما يبدو اقتنع اللبنانيون بأكثريتهم بهذه النظرية، وباتوا يتعاملون مع الحزب على أساس أن كلمة الفصل في أمور كانتخاب رئيس الجمهورية أو فرض قانون انتخابي نيابي عجيب أو تأليف الحكومة لا يمكن إلا أن يحظى برضاه. هذا صحيح مشكلة كبيرة أن يرى العالم رموزا لثورة الأرز تستجدي «حزب الله» من أجل مركز من هنا ومركز من هناك، ولكن المشكلة الأكبر تكون إن اقتنع العالم بتلك النظرية وقرر أن يعامل لبنان على أساس أنه «حزب الله»... ماذا سيفعل اللبنانيون ساعتئذ؟