* انتهت الزيارة كما بدأت، لبنان الرسمي لن يخرج من عباءة المجتمع الدولي ومحيطه العربي. و«حزب الله» سيغرق أكثر في تبعيته لإيران.
* بين الدولة والدويلة سيبقى النزاع قائمًا بين من يريد إغراق لبنان في المستنقع الإيراني المعادي للعرب والعجم، ومن يريد إنقاذ ما تبقى من لبنان وأخذه إلى برّ الأمان.
بيروت: ما إن انتهت الحكومة اللبنانية من صياغة بيانها الوزاري والذي اختلف عن بيان الحكومة السابقة بالتركيز على تنفيذ مقررات مؤتمر «سيدر» الذي جمع أكثر من 11 مليار دولار كمساعدات دولية إلى لبنان، حتى وصل وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى مطار رفيق الحريري الدولي حاملاً في جعبته عددا من المقترحات للتعاون بين إيران المحاصرة بالعقوبات الدولية، ولبنان الذي يعوّل على المساعدات الدولية التي أقرّت في مؤتمر «سيدر» للخروج من دائرة الفساد والركود الاقتصادي وتطوير البنى التحتية.
هذه الزيارة التي أتت عشية انعقاد مؤتمر وارسو وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إيران، استبقها أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في إطلالته الإعلامية الأخيرة، عندما دعا فيها المسؤولين في لبنان للتعاون مع إيران والاستفادة من المساعدات التي يمكن أن تقدّمَها في مجالي تسليح الجيش، ومعالجة أزمة الكهرباء وغير ذلك.
ومن مطار رفيق الحريري الدولي أعلن ظريف أنّ لزيارته هدفين أساسيين الأول يتمثّل بإعلان التضامن والوقوف إلى جانب لبنان، والثاني بإعلان إيران استعدادها للتعاون مع الحكومة اللبنانية الشقيقة في كل المجالات.
وعندما سئل عما إذا كانت إيران مستعدة لتقديم مساعدات عسكرية، قال ظريف: «لدينا دائما مثل هذا الاستعداد، وأعلنا في مناسبات أخرى أن هذا التوجه موجود في إيران، ولكن نحن بانتظار أن تكون هذه الرغبة متوفرة لدى الجانب اللبناني».
زيارة ظريف التي استمرت يومين لم تحمل أي جديد إلى لبنان، فإغراق لبنان الرسمي بالعروض ليس بجديد من قبل طهران، وخصوصا فيما يتعلق بالمساعدات العسكرية، ففي عام 2014 زار وزير الدفاع اللبناني السابق سمير مقبل إيران آنذاك على رأس وفذ من ضباط لبنانيين لإجراء مباحثات ومناقشة تفاصيل المنحة العسكرية التي أعلنت طهران عن نيتها تقديمها للجيش اللبناني، وأعلن حينها وزير الدفاع الإيراني أن إيران مستعدة لتقديم كافة احتياجات الجيش اللبناني. كذلك تمّ تجديد هذا العرض عام 2017 عقب انتخاب ميشال عون رئيسا للجمهورية اللبنانية إلا أنّ المبادرتين لم تبصرا النور، في ظل عدم تجاوب الحكومات اللبنانية السابقة مع هذه المبادرات.
فلبنان يلتزم بالقرارات العربية والدولية ولا يمكنه تجاوز العقوبات الأميركية على إيران، خصوصا أنّ الولايات المتحدة تلتزم بتقديم مساعدات منذ عام 2005 إلى الجيش اللبناني، وآخر هذه المساعدات أتت بعد ثلاثة أيام من انتهاء زيارة ظريف لبيروت، حيث أعلنت السفارة الأميركية في لبنان أنّها «سلمت الجيش صواريخ ذكية متطورة جو-أرض يمكن استخدامها على طائرات «سوبر توكانو» التي سلمها البنتاغون للجيش الصيف الماضي».
وأضاف بيان السفارة: «إن تسليم هذه الشحنة اليوم يعبّر عن التزام حكومة الولايات المتحدة الثابت والحازم بدعم الجيش اللبناني بصفته المدافع الشرعي الوحيد عن لبنان. وقامت الولايات المتحدة منذ العام 2005. باستثمار أكثر من ملياري دولار في شراكتها القوية مع الجيش اللبناني».
ولكن على الرغم من أنّ ما حمله ظريف إلى المسؤولين اللبنانيين من حزمة مساعدات واقتراحات تعاون، تعرف طهران وحلفاؤها في بيروت مسبقًا أنّ الدولة اللبنانية لن تتجاوب مع هذه الطروحات، يبقى السؤال: ما الرسالة التي أرادت طهران إيصالها عبر الأراضي اللبنانية إلى المجتمع الدولي؟
النائب في «كتلة المستقبل» الدكتور محمد الحجار رأى في حديث لـ«المجلة» أنّ «هذه الزيارة التي تأتي في ظل الحصار المفروض على إيران من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وبالتزامن مع انعقاد مؤتمر وارسو، تؤكد أنّ إيران التي أعلنت يوما على لسان أحد مسؤوليها أنّها تسيطر على أربع عواصم عربية منها بيروت، تريد إظهار هذا النفوذ، وما تدعيه من أنّ حلفاءها يسيطرون على غالبية المجلس النيابي في لبنان كما أعلن قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
وأيضا تهدف هذه الزيارة إلى توجيه رسالة إقليمية ودولية تؤكد أنّ طهران قادرة على خرق جدار العقوبات المفروضة عليها بوسائل كثيرة، ومن خلال علاقاتها وحلفائها».
وعن المعلومات التي تحدّثت عن أنّ ظريف حمل معه إلى بيروت عرضا باستعداد إيران تقديم مساعدات عسكرية للجيش اللبناني أكّد الحجار أنّ «ظريف لم يطرح على المسؤولين اللبنانيين مساعدات عسكرية للجيش اللبناني، بل قال إن إيران مستعدة لمساعدة لبنان دون تحديد ماهية ووجهة هذه المساعدات».
وتابع الحجار: «ولكن إذا راقبنا الواقع الإيراني وما تعانيه طهران من وضع اقتصادي صعب قبل تطبيق العقوبات الأميركية وبعدها، نرى أنّ الحديث عن مساعدات وهبات يتجافى مع واقع إيران الاقتصادي، وهدفه فقط الترويج الإعلامي. ولكن إن افترضنا أنّ إيران تريد مساعدة لبنان فهذا يجب أن يحصل عبر الأساليب القانونية أي أن يتم الطرح مع المسؤولين اللبنانيين ويتم تقييم ودراسة هذه الطروحات لتتحول إلى واقع ملموس. ولكن على أرض الواقع هناك قرار واضح من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري أنّ مصلحة لبنان أولية، ولبنان الرسمي لا يمكنه خرق العقوبات الدولية المفروضة على إيران وإلا سيدخل لبنان في دائرة الأخطار لذلك فإنّ تغليب مصلحة لبنان هو من سيتحكم بتحديد الموقف من الطروحات الإيرانية».
بدوره رأى الخبير في الشؤون الإيرانية حسن فحص أنّه «لا بدّ من تأكيد أنّ الجانب الإيراني يعترف بالخصوصية والتنوع اللبناني، ولكن هذا الاعتراف لا يعني أنّ إيران لا تسعى جاهدة إلى ضمّ لبنان إلى محور الممانعة عبر حليفها (حزب الله)».
وأضاف في حديث لـ«المجلة»: «وهذا ما برز في زيارة ظريف الذي قام بسلسلة نشاطات في المنطقة في العراق في زيارة استمرت 5 أيام التقى خلالها كلّ المسؤولين العراقيين، إضافة إلى إرسال إيران وفداً برلمانياً، ووفداً اقتصادياً قبله إلى سوريا، وتوقيع اتفاقيات اقتصادية، واستكمالا لهذه الزيارات أتت الزيارة إلى بيروت لمحاولة الاستفادة من لبنان في المرحلة القادمة بهدف إنشاء شبكة اقتصادية مع الدول المحيطة والمجاورة لكسر العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة».
زيارة ظريف إلى بيروت حملت رسائل داخلية وخارجية، فكان لافتا أيضا احتفال «حزب الله» في ضاحية بيروت الجنوبية بالذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، مهرجان حمل عنوان «الأربعون ربيعًا»، وعن هذا الاحتفال قال فحص: «هذا العام احتفال (حزب الله) بذكرى الثورة الإيرانية أتى على حساب الاحتفال الذي تقيمه سنويا السفارة الإيرانية في بيروت والتي كانت تكتفي باحتفال رسمي تستقبل فيه شخصيات مهنئة، ولكن هذا العام أراد (حزب الله) وإيران توجيه رسالة تؤكد على عمق العلاقة المحورية والتناغم والتنسيق التام بين الطرفين، وهذه الرسالة تأتي نتيجة لما يجري في سوريا، ويمكن اختصارها بأن (حزب الله) وطهران يوجهان رسالة لمن يعنيهم الأمر أنّه ممنوع على أي كان حتى التفكير بخروج إيران من المنطقة وهي تعمل على تعميق وتثبيت وجودها في العراق وسوريا ولبنان من بوابة الاقتصاد».
جال ظريف على الرؤساء الثلاثة في بيروت والتقى حلفاءه اللبنانيين، انتهت الزيارة كما بدأت، لبنان الرسمي لن يخرج من عباءة المجتمع الدولي ومحيطه العربي. و«حزب الله» سيغرق أكثر فأكثر في تبعيته للجمهورية الإسلامية في إيران. وبين الدولة والدويلة سيبقى النزاع قائمًا بين من يريد إغراق لبنان في المستنقع الإيراني المعادي للعرب والعجم، ومن يريد إنقاذ ما تبقى من لبنان وأخذه إلى برّ الأمان لإعادة دوره التاريخي كمنارة للشرق.