* جائزة «الإيسيسكو» تؤكد تميز البحرين في التعليم الإلكتروني.
* التعليم طفرة مميزة في جوانب كثيرة، بما في ذلك تطوير البنية الأساسية من خلال إنشاء مدارس حكومية نموذجية جديدة وفق أعلى المواصفات الدولية.
* نجحت المملكة في استقطاب كثير من الجامعات الأجنبية، ومنها الجامعة الملكية للجراحين بآيرلندا، والجامعة البريطانية، وكلية «فاتيل» الفندقية.
المنامة:احتفلت مملكة البحرين في الرابع عشر من فبراير (شباط) الجاري بذكرى التصويت على ميثاق العمل الوطني، الذي يعكس رؤية عاهل البلاد، في شتى مجالات التنمية، وفي مقدمتها التعليم بمختلف مراحله، كما تحتفل البحرين هذا العام أيضا بمرور قرن من الزمان على بدء التعليم النظامي في المملكة. مائة عام انقضت على إطلاق أول مدرسة عامة سنة 1919 بإنشاء مدرسة الهداية الخليفية والتي من خلالها وثقت مملكة البحرين ريادتها في مجال التعليم في منطقة الخليج.
وخلال مائة عام حققت البحرين قفزات هائلة ومبادرات غير مسبوقة في مجالات التحديث والتنوير، والارتقاء بالتعليم وجودة الخدمات التعليمية، وهو ما أشادت به تقارير منظمات إقليمية ودولية كمنظمة «اليونيسكو» وتوجت تلكم الجهود أخيرا بفوز مملكة البحرين بجائزة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «الإيسيسكو» للموارد التربوية الرقمية المفتوحة، في دورتها الأولى لسنة 2018. وتم إعلان فوز البحرين بهذه الجائزة من قبل«الإيسيسكو» 30 يناير (كانون الثاني) الماضي. وتهدف الجائزة إلى تشجيع التجديد والابتكار التربوي في الدول الأعضاء، وتعزيز التنافسية العلمية فيها، وإبراز ما تذخر به من كفاءات وقدرات إبداعية في مجال التكنولوجيا التربوية، والتعريف بالمشاريع الرائدة ودعمها ونشرها، دعما لجهود المجتمع الدولي من أجل تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 وهو «ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع».
«المجلة» التقت في المنامة وزير التربية والتعليم الدكتور ماجد النعيمي وكان هذا الحوار:
* احتفلت مملكة البحرين الرابع عشر من فبراير الجاري بذكرى التصويت على ميثاق العمل الوطني، وهي مناسبة وطنية تاريخية مهمة... حدثنا عن أبرز تأثيرات الميثاق على المسيرة التعليمية البحرينية؟
- كان التصويت على ميثاق العمل الوطني علامة فارقة في تاريخ مملكة البحرين، أجمع فيها الشعب بجميع مكوناته على التصويت بـ«نعم» لهذا الميثاق الذي يعكس الرؤية الثاقبة للملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد، والذي دشن به مرحلة جديدة من التطوير والازدهار في شتى مجالات التنمية، وفي مقدمتها التعليم بمختلف مراحله.
فقد شهدت المسيرة التعليمية قفزات نوعية متتالية، وخاصة من خلال تدشين المشروع الوطني لتطوير التعليم والتدريب، والذي اشتمل على خمس مبادرات نوعية، بدءًا من إنشاء كلية المعلمين التي أسهمت في مد الميدان التربوي بالمعلمين المؤهلين وفق أعلى المعايير الدولية، إلى جانب مبادرة تطوير التعليم العام والفني، والتي تقوم بشكل أساسي على تنفيذ مشروع تحسين أداء المدارس، وتطوير استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التعليم، إضافة إلى إنشاء هيئة جودة التعليم والتدريب لممارسة دور التقييم الخارجي لمؤسسات التعليم، فضلاً عن مبادرة تطوير قطاع التعليم العالي، ومنها إنشاء كلية البحرين التقنية «البوليتكنيك»، التي شكلت إضافة متميزة لمؤسسات التعليم العالي بما تضمنته من برامج أكاديمية جديدة مواكبة لمتطلبات سوق العمل.
كما شهد التعليم طفرة مميزة في جوانب كثيرة، بما في ذلك تطوير البنية الأساسية من خلال إنشاء مدارس حكومية نموذجية جديدة وفق أعلى المواصفات الدولية، فهي مزودة بأحدث متطلبات التعليم، وهي صديقة للبيئة وموفرة للطاقة، فضلاً عن تدشين مشروع كادر المعلمين، الذي حقق نقلة نوعية لشاغلي الوظائف التعليمية، بالتأكيد على الترابط بين التمهين والترقي، إضافة إلى توفير المزيد من التسهيلات في مجال الاستثمار في التعليم الخاص، وفقًا للأنظمة والقوانين المراعية لجودة الخدمات، وذلك لتوفير المزيد من الفرص والخيارات التعليمية للمواطنين، حتى بلغ عدد المدارس الخاصة مؤخرًا 73 مدرسة، وبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي الخاصة 13 مؤسسة.
*هلا أطلعتنا على تفاصيل تجربتكم في تعزيز دمج التقنية في التعليم، وتحقيق أقصى استفادة من تكنولوجيا المعلومات والاتصال في الميدان التربوي؟
- انتقلت مدارس مملكة البحرين إلى مرحلة متطورة من التعليم الإلكتروني، عبر تدشين جلالة الملك المفدى لمشروع جلالته لمدارس المستقبل في العام 2005. والذي تم تعميمه على جميع المدارس في عام 2009. وقد حقق أهدافه كاملة بإنجازات كمية ونوعية في مجال دمج التقنية في التعليم.
وفي ضوء ذلك، تم الانتقال إلى مرحلة أكثر تطورًا في العام 2015، تمثلت في مشروع التمكين الرقمي في التعليم، والذي جاء كذلك بتوجيهات ملكية سامية من العاهل المفدى، بهدف تعزيز قدرات الطلبة والمعلمين في مجال إنتاج المحتوى التعليمي الرقمي، وليس الاكتفاء بالتعامل معه فقط.
وقبل البدء في تنفيذ هذا المشروع اطّلعنا على التجارب الدولية الناجحة، مثل تجارب الولايات المتحدة الأميركية وكوريا الجنوبية وسنغافورة، للاستفادة منها، ثم استكملنا تزويد المدارس بالأجهزة والتطبيقات الرقمية اللازمة، ووفرنا التدريب النوعي للتربويين في الميدان. ويقوم هذا المشروع على عدة ركائز ومنها المحتوى التعليمي الرقمي، والبوابة التعليمية الإلكترونية التي توفر مميزات تواصل متطورة للطلبة والمعلمين وأولياء الأمور، إضافة إلى الاستعمال الآمن للتكنولوجيا، والتدريب التخصصي النوعي، والإرشاد التقني.
وقد أثبتت المتابعة الميدانية والتقويم العلمي تحقيق المشروع نجاحًا متميزًا في تشجيع الطلبة والمعلمين على الانتقال من استهلاك المحتوى التعليمي الرقمي إلى إنتاجه وفق معايير عالمية، مع الإبداع والابتكار في هذا المجال، فهناك إبداعات مدرسية كثيرة شملت مختلف المواد الدراسية، ومنها دروس وألعاب ومسابقات تعليمية رقمية تفاعلية، تم عرضها في أكثر من فعالية، ونالت إشادة كثير من الخبراء من داخل المملكة وخارجها، كما كان واضحًا تنامي دافعية الطلبة للتحصيل الدراسي، بعد أن وفّر لهم المشروع تقنيات تعليمية مشوقة ومتنوعة تراعي احتياجاتهم وقدراتهم المختلفة في التعلم.
وكان لجهود البحرين انعكاساتها الإيجابية المبهرة على الصعيد الدولي، من خلال تحقيق كثير من الإنجازات، كان آخرها الفوز بجائزة المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) للموارد التربوية الرقمية المفتوحة، في دورتها الأولى لسنة 2018، وذلك عن مبادرة الوزارة المسماة (مكتبتي الرقمية).
وتجاوزت جهود البحرين المحلية إلى العالمية من خلال تدشين جائزة اليونيسكو – الملك حمد بن عيسى آل خليفة لاستخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في مجال التعليم، والتي جاءت بمبادرة كريمة من العاهل المفدى، وقد حققت نجاحًا باهرًا تجسد في الاهتمام الكبير بها من آلاف العلماء والباحثين في أنحاء العالم، والذين تنافسوا في دوراتها المختلفة بمشروعات تشهد هيئة التحكيم بمستوياتها الرفيعة، وبما تحتوي عليه من الجودة والإبداع والتجديد. كما تم بالتعاون مع اليونيسكو تدشين المركز الإقليمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصال، والذي يوفر برامج تدريبية نوعية في مجال التعليم الإلكتروني، يستفيد منها التربويون محليًا وإقليميًا.
* واكبت المملكة الاهتمام العالمي المتزايد بالتعليم الفني والمهني، فما هي أبرز جهودكم في هذا المجال؟
- دشنت وزارة التربية والتعليم نظامًا مطورًا للتعليم الفني والمهني، توفر من خلاله كثيراً من التخصصات النوعية الجديدة للبنين والبنات، بما يلبي متطلبات سوق العمل، ويسهم في تحقيق تطلعات مملكة البحرين التنموية، وذلك بعد الاستفادة من أبرز التجارب الدولية الناجحة، واستشارة بيوت خبرة عالمية في هذا المجال.
وقد خطت الوزارة عبر هذا النظام التعليمي المطور خطوة مهمة وهي التوسع في التخصصات الفنية والمهنية الموجهة للبنات، لتشجيعهن على الالتحاق بها، حيث حققت هذه الخطوة نجاحًا متميزًا، وخاصة في تطبيق تخصصي صيانة الأجهزة الطبية، وتقنيات الحاسوب، واللذين شهدا إقبالاً من خريجات الشهادة الإعدادية، نظرًا لما يوفرانه من فرص كثيرة على صعيد الدراسة الجامعية أو الحياة المهنية.
كما تمتلك الوزارة تجربة تعاون متميزة مع منظمة اليونيسكو، سواء من خلال تطوير مناهج هذا القطاع، والتي قامت المنظمة الدولية لاحقًا بتعميمها على كثير من الدول، ومن ضمنها نيجيريا وعدد من الدول الأفريقية، أو من خلال إنشاء مركز التميز للتعليم الفني والمهني، والذي يوفر برامج تدريبية متخصصة للكوادر التعليمية العاملة في هذا القطاع.
واتخذت الوزارة خطوة بارزة أخرى تمثلت في تنفيذ برنامج التدريب الميداني «تكوين» بالتعاون مع مؤسسات سوق العمل، والذي يعد أحد المتطلبات الأساسية للتخرج من هذا النظام التعليمي، ويهدف إلى تعزيز المناهج الدراسية بالمهارات والخبرات العملية المتعلقة بها، لضمان إتقان الطلبة للكفايات المهنية الأساسية التي يتطلع إليها سوق العمل، والكفايات الأكاديمية التي تعينهم على التميز في الدراسة الجامعية. ويلتحق بهذا البرنامج التدريبي سنويًا آلاف الطلبة في المئات من المؤسسات الحكومية والخاصة.
ونفذت الوزارة كذلك مشروع الإرشاد المهني لطلبة المرحلة الإعدادية، من خلال تأهيل عدد من التربويين لممارسة الدور الإرشادي في داخل المدارس بصورة مستمرة، لتشجيع الطلبة على الالتحاق بالتخصصات الفنية والمهنية، مما أسهم في ارتفاع عدد الطلبة المسجلين في هذا القطاع، والذين بلغت نسبتهم وفق آخر الإحصائيات 37 في المائة من إجمالي خريجي الشهادة الإعدادية. كما قامت الوزارة بالتوسع في تطبيق هذا النوع من التعليم ليتجاوز مدارس التعليم الفني والمهني إلى المدارس الثانوية العامة، بهدف زيادة شريحة الطلبة الملتحقين بتخصصات هذا القطاع، وإتاحة كثير من الخيارات الدراسية في المدرسة الثانوية الواحدة.
*حدثنا عن تجربة الوزارة في تطبيق منهج خدمة المجتمع في المرحلة الثانوية؟
- جاء تطبيق هذا المنهج خلال العام الدراسي 2005-2006 ضمن رؤية الوزارة لتعزيز انتماء الطالب لمجتمعه، وترسيخ قيم المواطنة والعمل التطوعي لديه، والمساهمة في تنمية شخصيته. ويعتبر هذا المنهج من متطلبات التخرج من المرحلة الثانوية، ويشتمل على 60 ساعة دراسية، بواقع 30 ساعة داخل المدرسة من خلال المشاركة في فعاليات تربوية متنوعة، إضافة إلى 30 ساعة خارجية بالتعاون مع مؤسسات حكومية وخاصة مثل المكتبات العامة والمراكز الصحية ومراكز رعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة. ويعد هذا المنهج اليوم من مميزات نظام توحيد المسارات الأكاديمية بالمرحلة الثانوية، ونجح في تنمية مهارات وقدرات الطلبة، وإكسابهم الاتجاهات والسلوكيات الإيجابية تجاه الوطن والمجتمع. وقد ارتفع عدد الطلبة المستفيدين في هذا المنهج، والمؤسسات المتعاونة في تنفيذه، حتى بلغ عددهم هذا العام 9 آلاف طالب وطالبة في 165 جهة.
*مع إنشاء مجلس التعليم العالي في عام 2005، شهد قطاع التعليم العالي في المملكة مرحلة جديدة من التطوير، أطلعنا على تفاصيلها؟
- بالفعل، شهد هذا القطاع التعليمي الحيوي تطورًا كبيرًا على الأصعدة كافة، منذ إنشاء مجلس التعليم العالي وفق مرسوم بقانون رقم (3) لسنة 2005، حيث تم تشجيع الاستثمار في التعليم العالي الخاص، عبر منح التسهيلات للمستثمرين من داخل المملكة وخارجها، لإنشاء مؤسسات تعليم عال خاصة، بعد استيفاء كافة الاشتراطات اللازمة، بما يسهم في مواكبة التطورات العالمية والمستجدات الأكاديمية التخصصية، وجعل مملكة البحرين مركزًا إقليميًا للتعليم العالي.
وقد نجحت المملكة في استقطاب كثير من الجامعات الأجنبية، ومنها الجامعة الملكية للجراحين بآيرلندا - جامعة البحرين الطبية، والجامعة البريطانية، وكلية «فاتيل» الفندقية التي تعد من أهم المؤسسات الجامعية الدولية في مجال إدارة الضيافة، كما تم تشجيع مؤسسات التعليم العالي القائمة على استضافة برامج أكاديمية بالتعاون مع جامعات مرموقة.
ويتولى المجلس وأمانته العامة مسؤولية متابعة مؤسسات التعليم العالي، ومراقبة برامجها والخدمات المساندة التي تقدمها، وجودة أدائها ومخرجاتها وأوضاعها المالية، كما دشن المجلس الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي للسنوات 2014 - 2024م، والاستراتيجية الوطنية للبحث العلمي للسنوات 2014 - 2019م، وقد أعدت الأمانة العامة لمجلس التعليم العالي خططًا لتحقيق أهداف الاستراتيجيتين.
ونتيجة الثقة في مستوى التعليم العالي في المملكة، شهدت مؤسسات التعليم العالي البحرينية إقبالاً متزايداً من الطلبة الأجانب من كثير من الدول، وخاصة دول مجلس التعاون، حتى تجاوز عددهم 6 آلاف طالب وطالبة في العام الجامعي الفائت 2017-2018. وفي إطار الحرص على استقطاب المزيد من هؤلاء الطلبة، دعا مجلس التعليم العالي جميع مؤسسات التعليم العالي للحصول على الاعتماد الأكاديمي، ضمن مشروع أعده المجلس بهذا الخصوص، بالتعاون مع مجلس الاعتماد البريطاني، حيث حصلت 3 مؤسسات تعليم عال على هذا الاعتماد، فيما تستكمل 4 مؤسسات إجراءاتها للحصول عليه.
* ماذا عن أوجه التعاون التعليمي بين مملكة البحرين وشقيقتها المملكة العربية السعودية؟
- نعتز كثيرًا بالتعاون التعليمي مع الشقيقة السعودية، ونتطلع إلى تعزيزه باستمرار، بما يعود بالنفع على الميدان التربوي في كلا البلدين. ويشمل هذا التعاون حاليًا كثيراً من المجالات، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، استقطاب نخبة من الكوادر التربوية السعودية للعمل في الوزارة وفي مدارس البحرين، والذي كانت له بصمة واضحة في كافة مشروعات الوزارة التطويرية، وقد استفدنا ولا نزال من خبراتهم الثرية، إضافة إلى شراء المملكتين الشقيقتين المشترك لكتب متطورة لمادتي الرياضيات والعلوم، وتعاون المملكة الشقيقة في مجال تخصيص البعثات الدراسية للمتفوقين. كما أن العمل جار على إنشاء مدينة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود الطبية على أرض مملكة البحرين، مما يمثّل نموذجًا متميزًا آخر للعلاقات الأخوية التاريخية بين البلدين الشقيقين، وتأتي هذه المدينة الطبية المتوقع افتتاحها قريبًا، لتعزيز ما تقدمه جامعة الخليج العربي من خدمات تعليمية، من خلال عدة محاور أهمها خدمة التعليم الطبي، وستتكون هذه المدينة من مستشفى تعليمي، ومبنى لكلية الطب، ومركز للأبحاث، ومركز تدريب، إضافة إلى سكن خاص بالعاملين في المستشفى والطلبة والخدمات المساندة.