* الثورة الإسلامية التي وعدت بتحقيق العدالة ذاق الشعب منذ قيامها طعم العقوبات الاقتصادية المرة وتدهورت ظروفه المعيشية وقيدت حرياته السياسية والاجتماعية والإعلامية.
* أدت مغامرات الجمهورية الإسلامية في المنطقة إلى تغيير نظرة كثير من المواطنين العرب إليها، حيث أصبح ينظر لإيران كراعية للإرهاب وسبب استمرار الحروب.
* أثبتت تجربة الثورة الإسلامية أن إدخال الدين والآيديولوجيا المذهبية إلى السلطة لم يؤد إلى الرفاه والديمقراطية بل ولّد من رحمها الاستبداد الديني وأكثر الأنظمة قمعاً.
لندن: لقد مرت أربعون عاما على قيام الثورة وتغيير النظام السياسي في إيران. وحملت الثورة الإسلامية وعودا وآمالا للشعب بالإصلاح وإقامة حكومة تحقق العدالة الإسلامية في المجتمع ودعم المستضعفين والمحرومين في العالم.
والآن، حيث تحتفل الجمهورية الإسلامية بالذكرى الأربعين على قيامها، تدور أسئلة كثيرة بأذهان الكثيرين من الإيرانيين وغير الإيرانيين حول طبيعة هذا النظام الذي وصفه مسؤولون أميركيون وغير أميركيين بأنه الراعي الأكبر للإرهاب في العالم. نعم، لقد مرت أربعون عاما على قيام الجمهورية الإسلامية التي تصفها جماعات المعارضة الإيرانية بأنه نظام فاشي ودموي يجول ويصول ويتدخل في شؤون كثير من الدول العربية وغير العربية ويرتكب الجرائم وينفذ الاعتقالات والإعدامات بحق مئات الآلاف من المواطنين في الداخل حيث يقبع كثير من سجناء الرأي وغيرهم في معتقلات الحرس الثوري والأجهزة الأمنية من دون حق الوصول إلى المحامي ولا حتى الرعاية الصحية الكافية والأساسية. نعم، يتساءل كثيرون في الذكرى الأربعين للثورة التي كان المفروض بها أن تكون واعدة ومبشرة بالخير والأمل لشعبها وشعوب المنطقة والعالم أين ذهبت الشعارات الرنانة حول العدالة التي قطعها قادتها آنذاك أي قبل أربعين عاما. فكيف تغير كل ذلك منذ أيام قليلة من قيام الثورة حيث بدأت تنفيذ عمليات الإقصاء والقمع بحق القوى اليسارية والعلمانية والإسلامية المعتدلة. ولم يكتف النظام الناشئ بإبعاد القوى السياسية المعارضة أو حتى المنتقدة لها في فترة قصيرة وبقبضة حديدية بل وصل الدور إلى الشعب ليواجه عمليات فرض وتدخل غير مسبوقين ليس في الفضاء العام فقط بل في حياته الخاصة وشؤونه الخاصة على غرار فرض الحجاب الإسلامي على النساء. وبالتالي، تمكنت القوى المذهبية التقليدية المتشددة بتوجهاتها الآيديولوجية من التمسك بزمام السلطة وقمع القوى الأخرى وشكل الخميني وأنصاره نظاما استبداديا ذا توجهات أصولية إسلامية شيعية.
في ذكراها الأربعين، يتساءل كثير من المواطنين والمنتقدين والمعارضين للنظام عن الإنجازات التي حققتها الجمهورية الإسلامية على المستوى الداخلي والدولي؟ وهل يمكن أصلا لنظام يتفشى الفساد في كافة أركانه وأجهزته وسلطاته التنفيذية والقضائية والتشريعية أن ينتظر منه أي خير وإصلاح ووعود بإصلاح أحوال شعب يرزح بغالبية أطيافه وشعوبه ومكوناته في سجن كبير اسمه «الجمهورية الإسلامية» تحت أبشع أنواع الظلم والتمييز والتعذيب؟
كان سائق السيارة الأجرة الذي أوصلني إلى المكتب اليوم إيرانيا وعندما انتبه إلى أنني من نفس البلد بدأنا نتبادل أطراف الحديث وبدأ يحكي عن ظروفه في هذا البلد الذي قال إنه يعيش فيه منذ 30 عاما وفجأة تغيرت نبرة صوته وحكى لي بحزن بالغ عن تجربة زيارته الأخيرة إلى إيران منذ أشهر قليلة وكيف تم اعتقاله في مطار طهران بسبب أنه يمتلك الجنسية البريطانية والإيرانية. وتحدث عن الأيام التي قضاها في السجن بسبب اتهامه بالتجسس لبريطانيا وهو كان مواطنا عاديا لا صلة له بالسياسة. وأضاف أن المحقق أمر بأن يتم تعذيبه بالاعتداء عليه جسديا وادعى حراس السجن أنهم اعتقلوا والدته وأخواته وهددوه بأن يتم اغتصابهن في حال لم يقر بما ارتكبه أو بالأحرى بما أرادوه أن يعترف به.
لقد مرت أربعون عاما على قيام الثورة الإسلامية التي وعدت بتحقيق العدالة، ولكن الشعب ذاق خلال هذه الفترة طعم العقوبات الاقتصادية وغير الاقتصادية المرة وتدهورت ظروفه المعيشية وتم تقييد الحريات السياسية والاجتماعية والإعلامية، حيث ظهرت آثار كل ما جرى ويجري في إيران من ممارسات بشعة متراكمة بحق الشعب من خلال الاحتجاجات والتجمعات والمظاهرات والإضرابات في صفوف العمال والمعلمين والطلبة وغيرهم من أطياف المجتمع بسبب الظروف الداخلية الراهنة.
وما زالت إيران ضمن أكثر الدول تنفيذا لعقوبة الإعدام بناء على الإحصائيات الصادرة عن «مراسلون بلا حدود» ولا ننس أن إيران لا تزال تحتفظ بسجلها السيئ في حرية الصحافة وحرية البيان.
يقول بعض المراقبين الإيرانيين إن الثورة الإسلامية تمثل أكبر فشل في التاريخ الإيراني المعاصر حيث لم تجر البلاد ليس إلى الوراء فقط بل دخلت إلى «المتاهة».
أين وصلت الجمهورية الإسلامية؟
أوضحت تقديرات البنك الدولي أن متوسط نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في إيران استنادا إلى القوة الشرائية الحقيقية للعملة الإيرانية بين عامي 1976 و2017 تكشف عن أنه خلال هذه الفترة أصبح المواطن الإيراني العادي أكثر فقرا بنسبة 32 في المائة.
لقد شهدت الظروف الاقتصادية تدهورا غير مسبوق، وبلغت نسبة التضخم في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي 34.9 في المائة. وبحسب التقرير الصادر عن مركز أبحاث مجلس الشورى الإيراني يتحدث عن زيادة خط الفقر في إيران حتى نهاية العام الإيراني (21 مارس/ آذار) ليشمل ما يتراوح بين 40 إلى 50 في المائة من المواطنين.
وأضاف التقرير أن الإحصائيات حول البطالة في إيران «تثير القلق» وأنها بلغت «مستويات خطيرة». وهذا ما يذكرنا بالاحتجاجات العارمة التي انطلقت في ديسمبر (كانون الأول) 2017 حيث كان الاستياء العام من الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع البطالة بين الشباب والنساء ومتخرجي الجامعات من أهم دوافعها. وأكد التقرير على أن التحول الاقتصادي أصبح حاجة ملحة.
وأوضح التقرير أن أكثر من مليوني شخص انضموا إلى القوى العاملة البالغة نحو 21 مليون نسمة في السنوات 2014 - 2017 وقد انضم أكثر من 3 ملايين شخص إلى الباحثين عن العمل. هذا رقم جدير بالتأمل بالمقارنة مع السنوات العشر السابقة. وبلغ معدل البطالة في 2018 نحو 12 في المائة حسب التقرير.
وحازت إيران المرتبة 128 في مؤشر البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال لعام 2018. وباتت العملة الإيرانية من ضمن أضعف العملات في العالم.
وبات الفساد المالي ورما سرطانيا تفشى في كل المجتمع وعلى رأسه بيت المرشد الذي يتحكم في إمبراطورية مالية أصولها 95 مليار دولار حسب تقرير نشرته وكالة «رويترز» في 2013.
واحتلت إيران المرتبة 130 من بين 180 دولة في العالم في مؤشر الفساد لعام 2017. كما أن عدد الفقراء في إيران في ازدياد مضطرد بسبب غياب العدالة الاجتماعية وزيادة الفوارق الطبقية الناتجة عن السياسات الاقتصادية غير السليمة واستشراء الفساد بين الطبقة الحاكمة.
ويبلغ مستوى هروب رؤوس الأموال من إيران أكثر من 600 مليار دولار في غضون 8 أعوام حسب تصريحات لنائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والمناجم والزراعة الإيراني محسن جلال بور في 2015. أدت العقوبات الدولية والأميركية والسياسات الاقتصادية الفاشلة والفساد الحكومي إلى إغلاق عدد كبير من المصانع والمعامل على سبيل المثال في قطاع الكهرباء والسيارات والشاي والغاز والتأمين الصحي مما أدى إلى أن يخسر كثيرون وظائفهم وتعم حالة من الغضب والاستياء الشعبي العام.
لقد فرض المجتمع الدولي والولايات المتحدة بعد قيام الجمهورية الإسلامية عقوبات متنوعة على إيران وذلك بسبب الدور التخريبي والنشاط العدائي الذي تمارسه الجمهورية الإسلامية في المنطقة وبقية مناطق العالم. هذه العقوبات تؤثر مباشرة على الظروف المعيشية للشعب واقتصاد البلاد الذي يرزح تحت الفساد والعقوبات لمدة مديدة. وبات تفشي المشاكل الاجتماعية كالدعارة والإدمان والبطالة والطلاق والانتحار والفساد الإداري وتزايد معدل التحرش الجنسي ضد الأطفال والنساء من الظواهر الرائجة في المجتمع الإيراني.
وباتت تصنف شركات الطيران الإيرانية في قائمة شركات الطيران الأقل أمانا على مستوى العالم حيث يفقد الآلاف من المواطنين سنويا أرواحهم إثر حوادث الطيران التي يعود سببها إلى تهالك الطيران المدني الإيراني. وأشار النائب الإيراني مجيد كيانبور في يناير (كانون الثاني) بأن نصف طائرات الركاب في البلاد متهالكة.
ويضطر الملايين من الأطفال سنويا إلى ترك مقاعد الدراسة والعمل في الشوارع لتأمين أنفسهم وعائلاتهم وذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة. ولا توجد إحصائيات رسمية دقيقة عن هذه الحالات ولكن تشير التقديرات إلى أن عددهم يفوق 7 ملايين تلميذ مما سيرسم صورة سوداوية ومظلمة أمام الجيل القادم. هذا ناهيك عن سياسة الطرد وتسريح عدد كبير من أساتذة الجامعات وحرمان الطلبة من إكمال دراساتهم الجامعية بسبب انتماءاتهم السياسية والمذهبية مما يجعل الجامعات الإيرانية تمر بأوضاع مأساوية.
وبالإجمال، شهدت إيران تراجعا حادا في مؤشرات مستوى المعيشة والرفاه الاجتماعي والسعادة وبات اليأس والتعاسة يخيمان على أغلبية المجتمع بسبب المشاكل الاقتصادية والسياسية والتحديات الاجتماعية التي تواجهها إيران. وتخاصم السلطات أطياف المجتمع على غرار أهل السنة والمسيحيين والبهائيين. هذا ناهيك عن الممارسات التمييزية التي تمارس بحق الشعوب غير الفارسية على غرار الأتراك الأذربيجانيين والأكراد والعرب والبلوش والتركمان وغيرهم مثل حرمانهم من التعليم بلغتهم الأم وعدم حصولهم على مناصب عليا في أقاليمهم. تولد هذه الممارسات التمييزية تيارات تميل إلى تبني العمل المسلح في المناطق البلوشية والكردية والعربية في إيران وذلك كرد فعل على ما يتم بحقهم من انتهاكات جسيمة وصلت إلى مستوى عدم حصولهم على مياه صالحة للشرب في إقليم الأهواز.
تشن السلطات الإيرانية حملة اعتقالات شرسة بحق الناشطين السياسيين وبقية شرائح المجتمع على غرار المثليين ونشطاء البيئة مما أدى إلى هروب كثير من أطياف المجتمع إلى خارج البلاد.
لقد أدت مغامرات الجمهورية الإسلامية في المنطقة إلى تغيير نظرة كثير من المواطنين في الدول العربية إليها حيث أصبح ينظر لإيران كراعية للإرهاب في المنطقة والسبب الرئيسي في استمرار الحروب في بعض دول المنطقة.
لقد أثبتت تجربة الثورة الإسلامية بأن إدخال الدين والآيديولوجيا المذهبية إلى السلطة لم يؤد إلى الرفاه والديمقراطية بل ولّد من رحمها الاستبداد الديني وأكثر الأنظمة قمعا.
وبددت الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها حتى الآن ثروات البلاد وإمكانياتها في سبيل تحقيق أهدافها التوسعية وباتت تغرق في مستنقعات حروبها وأزماتها التي لا تنتهي في المنطقة والعالم.