* أضخم برامج الرؤية يدشن لدخول السعودية الجيل الصناعي الرابع الذي يتضمن التطبيقات الروبوتية المتقدمة.
* من المتوقع أن يسجل النمو في قطاع التجارة الإلكترونية ما بين 12 في المائة إلى 14 في المائة سنويا حتى 2022.
* يجب العمل على النظر في تكلفة نفقات الشحن حتى يتاح للجميع قضاء متطلباتهم من خلال مواقع التجارة الإلكترونية.
باكو (أذربيجان): لا تزال رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 25 أبريل (نيسان) عام 2016 مليئة بالبرامج والسياسات الهادفة إلى جعل المملكة العربية السعودية في مصاف الدول المتقدمة، وكان آخر هذه البرامج التي تم إطلاقها في أواخر يناير (كانون الثاني) 2019 برنامج «تطوير الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية» والذي يعد واحدا من أضخم برامج الرؤية إن لم يكن أضخمها على الإطلاق، حيث شمل هذا البرنامج أربعة قطاعات رئيسية في الاقتصاد السعودي، هي: التعدين، والصناعة، والطاقة، والخدمات اللوجستية. وهدف هذا البرنامج إلى الارتقاء بمستوى الأداء التنافسي لجذب مئات المليارات من الاستثمارات الوطنية والأجنبية في هذه القطاعات والربط بينها بشكل متكامل لمنحها قدرا كبيرا من التنافسية، وقدرة أكبر على النمو والاستدامة، إذ يدشن هذا البرنامج دخول المملكة الجيل الصناعي الرابع الذي يتضمن التطبيقات الروبوتية المتقدمة التي توفر مزايا تنافسية من خلال زيادة الإنتاجية وتخفيض التكاليف والإسهام في جاذبية الاستثمارات الدولية. وفي هذا الخصوص تم توقيع 66 اتفاقية بنحو 204 مليارات ريال (54. 4 مليار دولار).
وفي القلب من البرنامج يبرز الحديث عن قطاع التجارة الإلكترونية الذي سيصبح خلال السنوات القادمة الأساس في الاقتصاد العالمي، إذ يفرض علينا المستقبل أن نصل إليه ونبدع فيه ونرسمه، كما يعد هذا القطاع في الوقت ذاته واحدًا من المرتكزات المهمة في مجال الخدمات اللوجستية التي تعد بدورها أحد الأهداف الاستراتيجية لبرنامج التحول الوطني 2020. وأحد القطاعات الداعمة لتحقيق رؤية المملكة 2030 والمحفزة للمستثمرين ورجال الأعمال وأصحاب المنشآت الصغيرة والمتوسطة، إذ إنه في ظل تغير بيئة الأعمال الاقتصادية وارتباطها بالبنية التحتية الرقمية، بما يمكن معه القول إننا إزاء تحول مهم نحو الاقتصاد الإلكتروني وما يتطلبه ذلك من استغلال المنصات الإلكترونية ومواقع التواصل؛ حيث أضحت أصغر المؤسسات كبيرة على الفضاء الإلكتروني؛ وهو ما يعني تغير مفهوم التجارة التقليدية وأصبح مفهومًا واسعا إما تجارة إلكترونية كاملة؛ كالشركات التي نجحت في خلق اقتصاد قوي إلكترونيًا وإما تجارة إلكترونية جزئية أي تجمع بين الوجود على أرض الواقع والوجود الافتراضي.
وفي ضوء هذا التغير في طبيعة بيئة الأعمال التجارية والتي أصبحت أكثر سرعة وسهولة؛ إذ أصبحنا إزاء مستهلك عالمي، بمعنى أن أي شخص لديه حاسب آلي متصل بالإنترنت يمكنه إجراء عملية شراء وبيع بسهولة ويسر، بما يعني تعددية الاختيارات وتنوعها في المنتجات أمام المستهلكين، فضلا عن سرعة الحصول عليها بسعر أقل وجودة أفضل.
ومن ثم برزت أهمية وضع نظام للتجارة الإلكترونية التي شهدت تطورا ملحوظا في المملكة، سجلته كثير من المؤشرات، أبرزها ما يأتي:
- زيادة عدد مستخدمي الإنترنت في المملكة من 19.6 مليونا إلى 30.2 مليون شخص ما بين العامين 2014 و2018، وذلك في ظل زيادة نسبة انتشار خدمات الإنترنت بمعدلات عالية خلال السنوات الماضية.
- اتخاذ وزارة التجارة والاستثمار كثيرا من الخطوات الداعمة للتجارة الإلكترونية، أبزرها ما يأتي:
- إطلاق تطبيق تحت اسم «معروف» للمتاجر الإلكترونية على الأجهزة الذكية كواحدة من المبادرات الوزارية المهمة ضمن خطط برنامج التحول الوطني 2020، والذي يهدف إلى تعريف أكثر من 5 آلاف متجر إلكتروني سعودي بطريقة ذكية تساعد على دعم المتاجر وتسويقها بشكل مجاني، كما يتيح التطبيق للمشترين إمكانية تقييم هذه المتاجر المسجلة والتعليق عليها مع إمكانية الاطلاع على جميع المنصات الإلكترونية التي يستخدمها المتجر، والإسهام أيضا بتسويق المتاجر الإلكترونية بشكل أكبر وأسهل، والوصول إلى شريحة أكبر مع إبراز المتاجر المميزة منها.
- إصدار كتيب بعنوان «التجارة الإلكترونية في المملكة: انطلاقة نحو المستقبل»، حيث هدف هذا الكتيب إلى نشر الوعي بأهمية التجارة الإلكترونية وإبراز الخطوات التي تم اتخاذها في المملكة للاستفادة من الفرص التي تتيحها التجارة الإلكترونية بتقنياتها المختلفة، واستعرض الكتيب الأهمية المتزايدة للتجارة الإلكترونية وتأثيراتها الحالية والمستقبلية والقطاعات المستفيدة منها وأهم المزايا والفوائد التي توفرها.
- تشكيل لجنة فنية دائمة للتجارة الإلكترونية، تهدف إلى نشر تقنيات التجارة الإلكترونية في المملكة، وذلك من خلال خطة اشتملت على ثلاثة عشر محورًا، من أهمها: إيجاد التنظيم القانوني اللازم لاعتماد التعاملات الإلكترونية والعقود المبرمة من خلالها وضمان الوفاء بالتزاماتها وحفظ حقوق المتعاملين واعتماد التوقيعات الإلكترونية، وتطوير نظم المدفوعات اللازمة لتحصيل المدفوعات بأمان من خلال الوسائل الإلكترونية، والبنية التحتية للاتصالات، وأمن المعلومات وتوفير البيئة الآمنة التي تضمن أمن وسرية التعاملات، وإثبات هوية المتعاملين وتكامل وسلامة الرسائل المتبادلة فيما بينهم، إضافة إلى تقديم الخدمات الحكومية إلكترونيا (الحكومة الإلكترونية)، وتدريب وتأهيل الكفاءات البشرية الوطنية لمواجهة الطلب المتوقع مع تزايد استخدام تقنيات التجارة الإلكترونية في المملكة.
- إنشاء وحدة متخصصة للتجارة الإلكترونية، تهدف إلى متابعة تطورات التجارة الإلكترونية والأنشطة ذات الصلة على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، وبناء قاعدة معلومات متخصصة في هذا المجال، وإعداد البحوث والدراسات التحليلية والإحصائية المتعلقة بالتجارة الإلكترونية.
- بلغ حجم تعاملات التجارة الإلكترونية في السوق السعودية نحو 8 مليارات دولار عام 2017. مسجلة إحدى كبريات أسواق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وشكلت الخدمات الإلكترونية نحو ثلثي إجمالي إنفاق التجارة الإلكترونية، حيث استحوذت الخدمات المرتبطة بالسفر على الحصة الأكبر من فئة الخدمات، وبلغ متوسط إنفاق المتسوق الفرد إلكترونيا خلال ذات العام 4 آلاف ريال، وذلك وفقًا لتقرير هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، وقد ساعد على ذلك توافر البيئة الإلكترونية، خاصة خدمات الإنترنت العالي السرعة وانتشار الكومبيوترات اللوحية، والهواتف الذكية.
- تنظيم المعارض الدولية للتجارة الإلكترونية، إذ شهد العامان الماضيان (2017 - 2018) تنظيم معرضين للتجارة الإلكترونية بالمملكة، حيث تمثل هذه المعارض حلقة وصل بين الجمهور والجهات المقدمة لخدمات التسوق عبر شبكة الإنترنت، ونشر ثقافة الاستثمار في قطاع التجارة الإلكترونية، واستعراض التجارب الناجحة لإتاحة الفرصة لرواد الأعمال السعوديين المقدمين على مشاريع تطبيقات إلكترونية أو مواقع شراء شبكية لعرض علاماتهم التجارية وتقديم خدماتهم ومنتجاتهم للشرائح المستهدفة.
- إنشاء الجامعة السعودية الإلكترونية كمبادرة من المملكة من أجل توجيه المزيد من الاهتمام بمستقبل التجارة الإلكترونية. وقامت الجامعة بإنشاء كثير من البرامج الهامة من أجل دعم وتحفيز مستقبل هذا المجال، وتقوم الجامعة بتعزيز التعليم الإلكتروني وتعمل على توفير السبل الأساسية اللازمة لتطبيقه في المملكة. ويعتبر قسم التجارة الإلكترونية هو أحد أقسام الجامعة الذي يستهدف تخريج طلاب لديهم القدرة على التحليل المنطقي والسليم من أجل حل المشكلات والقضايا التي تتعلق بالتسويق والتجارة الإلكترونية، وتزويدهم بالمعلومات اللازمة عن كيفية دعم العمليات الإلكترونية وتطوير مهارات الموظفين الإلكترونية، وكذلك عن كيفية إدارة التجارة الإلكترونية.
مجلس التجارة الإلكترونية 2018... خطوة مهمة لتعزيز التجارة الإلكترونية
وفي ضوء هذه التطورات التي شهدها قطاع التجارة الإلكترونية في المملكة، بادرت المملكة باتخاذ خطوات جادة لتنظيم هذا القطاع وتعظيم العوائد المتحققة منه، وهو ما تجلى مؤخرا في إنشاء مجلس التجارة الإلكترونية في يوليو (تموز) 2018. والذي يعد خطوة رائدة لمواكبة الاهتمام العالمي بالتجارة الإلكترونية، وتوحيدا لجهود جميع الجهات الحكومية نحو إيجاد بيئة محفزة للتجارة الإلكترونية في المملكة للإسهام في تعزيز الاقتصاد الوطني.
ويضم المجلس ممثلين من 16 جهة حكومية وهي: وزارة التجارة والاستثمار، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة النقل، ووزارة المالية، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، والهيئة العامة للاستثمار، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، ومؤسسة النقد العربي السعودي، والجمارك السعودية، والبريد السعودي، ووحدة تنمية المحتوى المحلي والقطاع الخاص، ووحدة التحول الرقمي، بالإضافة إلى ثلاثة ممثلين من القطاع الخاص، وذلك لمدة ثلاث سنوات.
وقد تحددت مهام المجلس فيما يأتي:
- اقتراح السياسات والتشريعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية.
- الإشراف على برنامج تحفيز التجارة الإلكترونية.
- ضمان التنفيذ الفاعل لمشروعات برنامج تحفيز التجارة الإلكترونية وتوصياته.
ومن شأن هذه المهام الإسهام في تطوير قطاع التجارة الإلكترونية ورفع مستوى تنسيق الجهود المتعلقة به بين جميع الجهات ذات العلاقة، كما من شأنه كذلك مواكبة تطورات سوق التجارة الإلكترونية من خلال اقتراح السياسات والتشريعات الخاصة بتحسين البنية التحتية بالتنسيق مع الجهات الحكومية، مع الإشراف على مبادرة برنامج تحفيز التجارة الإلكترونية والتحقق من تنفيذ جميع المبادرات لدى الجهات الحكومية ذات العلاقة. فضلا عن ذلك يقوم المجلس بالإشراف على تنفيذ استراتيجية التجارة الإلكترونية الهادفة إلى أنشطة التجارة الإلكترونية وتطويرها وذلك من خلال تنفيذ مبادرات في عدد من المحاور الرئيسية من ضمنها الخدمات اللوجستية وحلول الدفع الإلكتروني والأنظمة والتشريعات، إضافة إلى دوره في العمل على تعزيز الثقة في تعاملات التجارة الإلكترونية وسلامتها لزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني وذلك عبر توفير الحماية اللازمة لتعاملات التجارة الإلكترونية من الغش والخداع والتضليل والاحتيال.
وغني عن القول إن تأسيس هذا المجلس والقيام بدوره المنوط به من شأنه وفقًا لتوقعات مختلف الخبراء أن يسهم في تحقيق طفرة كبيرة في حجم التجارة الإلكترونية، إذ أشارت بعض الدراسات المتخصصة، إلى أنه من المتوقع أن يسجل النمو في قطاع التجارة الإلكترونية ما بين 12 في المائة إلى 14 في المائة سنويا حتى 2022، بما يتوقع معه أن يصل حجم تداولات التجارة الإلكترونية إلى أكثر من 33 مليارا عام 2020. ويرجع ذلك إلى طبيعة تشكيل هذا المجلس الذي يضم ممثلين للقطاع الخاص إلى جانب ممثلي الحكومة. ومن المعلوم أن معظم أنشطة الاتصالات وتقنية المعلومات تدار وتنفذ من قبل القطاع الخاص، وبالتالي فإن مشاركة ممثلين له في هذا المجلس أمر في غاية الإيجابية.
نهاية القول إن قطاع التجارة الإلكترونية من القطاعات الناشئة حديثا والواعدة في الوقت ذاته في المملكة العربية السعودية، إذ يمر هذا القطاع بطفرة نمو كبيرة تجعله واحدا من القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني من خلال جذبه لمزيد من الاستثمارات بما يسهم بدوره في دعم الناتج المحلي الإجمالي، فضلا عن دوره في إيجاد مزيد من فرص العمل أمام الشباب من خلال التوسع في ريادة الأعمال والابتكار، حيث تسهم التجارة الإلكترونية في إيجاد فرص جديدة للتوظيف؛ سواء بما تتيحه من إقامة مشاريع تجارية صغيرة ومتوسطة للأفراد وربطها بالأسواق العالمية بأقل التكاليف الاستثمارية وذلك بإيجادها وسيلة تواصل مباشرة بين المستهلك والمنتج، أو من خلال توفيرها لفرص وظيفية في كثير من المجالات المختلفة ذات الصلة بتطبيقات التجارة الإلكترونية؛ مثل المتخصصين في إنشاء المواقع التجارية الإلكترونية، والعاملين والإداريين والفنيين في المتاجر الإلكترونية.
ولكن رغم ذلك، يظل نجاح هذا القطاع في القيام بدوره المستهدف وفقا لرؤية المملكة 2030 مرهونا بوعي المستهلكين، وثقتهم بالتجارة الإلكترونية، ومنظومة الخدمات اللوجيستية والمدفوعات، والبنية التحتية للاتصالات من خلال التوسع في أعداد أجهزة نقاط البيع لدى مختلف منافذ الدفع، صحيح أنها شهدت نموا كبيرا سجل ما يقرب من 62 في المائة خلال عام 2018 مقارنة بما كان عليه الوضع في عام 2017، إلا أنه لا تزال ثمة حاجة إلى التوسع في أعداد هذه الأجهزة. كما يتطلب التوسع في دور هذا القطاع الأخذ في الحسبان العمل على تنظيم كثير من الفاعليات لتوعية المواطنين بأهمية هذا القطاع بمواقع التجارة الإلكترونية العالمية المختلفة وكيفية استخدامها، مع مراعاة اللغة حتى لا تكون ثمة عوائق بين مستخدمي هذه المواقع. كما يجب العمل على النظر في تكلفة نفقات الشحن حتى يتاح للجميع قضاء متطلباتهم من خلال مواقع التجارة الإلكترونية.