* سعد الحريري: تسلُّم «حزب الله» لوزارة مرتبطة بمساعدات وهبات دولية قد يشكّل سببًا لوقف هذه المساعدات.
بيروت: بعد تسعة أشهر من التجاذبات والمشاورات وخلق «العقد» وحلّها ولدت الحكومة اللبنانية الأولى بعد الانتخابات النيابية التي جرت في مايو (أيار) 2018. حكومة ينتظر منها اللبنانيون الكثير من العمل والإنجازات وحلّ المشاكل الاقتصادية واليومية التي تراكمت عبر السنوات.وما إن أعلنت مراسم التشكيل من قصر بعبدا حتى انهالت التبريكات الدولية والإقليمية المهنئة على تشكيل الحكومة الجديدة، إضافة إلى الوعود بالعمل معها. ولكنّ تركيبة الحكومة الجديدة وإسناد حقيبة الصحة لـ«حزب الله» خرق الجوّ الإيجابي الذي ساد بعد التشكيل، فأتى التحذير من الولايات المتحدة بعد ساعات على التشكيل.
فقد حذر مساعد وزير الخزانة الأميركية لشؤون تمويل الإرهاب، مارشال بيلينغسليا، «حزب الله» بعد يوم من تشكيل الحكومة، من «استغلال توليه وزارة الصحة لتحويل الأموال إلى المؤسسات الإرهابية التابعة له».
وأضاف: «إذا رأينا حزب الله يستغل أموال الوزارة، عندها سنكون أمام مشكلة كبيرة» ورفض بيلينغسليا توضيح ما ستفعله وزارة الخزانة الأميركية في هذه الحالة، وذلك بحسب ما نقلت عنه صحيفة «ديلي ستار» الناطقة بالإنجليزية.
وإضافة إلى التحذيرات الأميركية، كذلك كانت هناك تحذيرات من الداخل اللبناني جاءت على لسان رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي قال في أحد تصريحاته الإعلامية إنّ «تسلم حزب الله لوزارة مرتبطة بمساعدات وهبات دولية قد يشكّل سببًا لوقف هذه المساعدات».
ولكن في المقابل، فإن الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني، حسن نصر الله، طمأن الداخل والخارج، بأن الحزب لن يستخدم أموال وزارة الصحة لمصلحته الخاصة، وأن وزير الصحة الجديد مقرب من «حزب الله» لكي يتسنى له حرية الحركة والسفر.
وذكر أن أموال الوزارة هي أموال الدولة وأموال الشعب «ولا يجوز شرعاً التصرف في أموال الدولة خارج إطار ما يسمح به القانون».
إذن على الرغم من التطمينات التي أطلقها نصر الله بهذا الخصوص، رأى المحلل السياسي مدير معهد الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية، الدكتور سامي نادر، في حديث لـ«المجلة» أنّه «علينا الانتظار لنرى كيف ستتعامل وزارة الخزانة الأميركية مع الوزير الجديد، وهل ستخفف محاولة تطمين حزب الله بأن وزير الصحة ليس حزبيا، من حدّة التحذيرات الأميركية؟ ولكن إذا عدنا بالوراء واطلعنا على سلسلة العقوبات الأميركية التي فرضت على حزب الله، سنرى أنّ هناك عقوبات فرضت فقط على مقربين من حزب الله وليس فقط على حزبيين، فلا يمكننا الاطمئنان على أنّ السهام الأميركية لن تطال وزارة الصحة لا سيما أنّ التصعيد الأميركي مستمر على إيران».
وتابع: «ففي خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب أمام حالة الاتحاد السنوي، خفض ترمب حدّة التوتر مع بعض الجبهات وأعلن مثلا عن قمة مع زعيم كوريا الشمالية، ولكن التصعيد بقي مستمرا مع النظام الإيراني الذي وصفه بالديكتاتورية الفاسدة، وهذا التصعيد يؤكد أن الولايات المتحدة تعتزم محاربة إيران وتتجه إلى اتخاذ مزيد من التدابير والعقوبات على إيران ومن يدور بفلكها مثل حزب الله».
وأضاف: «بالطبع لبنان ستكون له حصة من هذه العقوبات خصوصا أن المشهد العام بعد انتهاء الانتخابات النيابية يؤكد زيادة نفوذ حزب الله في البلاد وهذا يرفع من نسبة مخاطر الضغوط الأميركية على الدولة والمؤسسات اللبنانية».
وعن إصرار «حزب الله» منذ بداية التأليف على الحصول على حقيبة الصحة على الرغم من التحذيرات والمخاطر، قال نادر: «سبب هذا الإصرار أنّ فاتورة حزب الله الصحية أصبحت كبيرة جدا بعد دخوله الحرب السورية، خصوصا أنّ المال السياسي الذي يحصل عليه حزب الله من إيران يتراجع... وحزب الله منذ نشأته يقدّم خدمات اجتماعية وصحية لأتباعه، ومع ازدياد الضغوط والمسؤوليات التي فرضتها الحرب السورية عليه من جرحى وعائلات قتلى لا يمكن لحزب الله أن يتخلى عن هذا الدور، والخدمات الصحية تحتاج إلى ميزانية يستطيع أن يحصل عليها حزب الله من وزارة الصحة».
وأضاف: «أيضا هناك قرار لحزب الله بأن يكون مؤثراً في الحكومة اللبنانية والقرار الاقتصادي، لذلك فقد قرر هذه المرة أن يدخل الحكومة عبر وزارة خدماتية يقدم من خلالها خدمات صحية لأنصاره، خصوصا أنّ تجربة الانتخابات البلدية الأخيرة أثبتت لحزب الله أن الناس بحاجة إلى خدمات، وأنّ التجييش المذهبي والعقائدي لم يعد يكفي لضمان ولائهم للحزب».
وختم نادر: «هناك تساؤل حول ما قاله مساعد وزير الخزانة الأميركية لمكافحة الإرهاب الذي أبدى تخوفا من إدخال الأدوية والمعدات الإيرانية إلى لبنان، ولكن يبقى هذا التحذير تساؤلاً، إذ لا يمكننا التأكد مما يخطط له حزب الله لهذه الوزارة»
وتعتبر وزارة الصحة من أهم الوزارات الخدماتية التي تتصل مباشرة بالمواطنين، حتى إنّ أموال الوزارة التي تحصل على رابع أعلى تمويل في الحكومة اللبنانية تذهب مباشرة إلى الشعب اللبناني، وفي المقابل تعتمد ميزانية الوزارة بجزء كبير على هبات ومنح ومساعدات يقدمها المجتمع الدولي؛ فهل سيخسر لبنان هذه المساعدات مع تولي «حزب الله» وزارة الصحة، لا سيما أنّ «حزب الله» مصنف كتنظيم إرهابي من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة؟ وبالتالي تصبح حياة المواطن اللبناني وصحته رهينة سياسة «حزب الله» المرتهنة بالكامل للنظام الإيراني؟