* تشهد مصر كل 3 دقائق، 5 حالات زواج وحالة طلاق واحدة، طبقاً لما كشفه الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء.
* تشير الدراسات إلى أن الزواج السريع أحد أسباب الطلاق في السنة الأولى من الزواج.
* ومن ضمن أسباب الطلاق أيضًا تباين الأولويات واختلاف الطباع بين الزوجين، وغياب لغة الحوار والاكتفاء بلغة الصمت.
القاهرة: المفهوم الخاطئ للعلاقات الزوجية في الموروث التاريخي والثقافي أدى إلى ارتفاع نسبة الطلاق،
غياب لغة الحوار والاكتفاء بلغة الصمت، وهي لغة الموت البطيء للمشاعر، ووصولاً للملل والروتين من الحياة الزوجية
بعض الفتيات تهرب مما يسمى شبح العنوسة، بالارتباط بأي رجل دون مراعاة للتوافق الفكري والسلوكي.
التفكك الأسري شبح يهدد الأسرة المصرية بحسب التقارير الرسمية الصادرة مؤخرا، هذا الأمر دفع مشيخة الأزهر إلى إطلاق مبادرة «عاشروهن بمعروف»، وفي نفس الوقت لم تضع حلولا للظاهرة مما دفع أحد الخبراء إلى طرح سؤال: ولماذا لا تكون المبادرة بعنوان «طلقوهن بإحسان»؟
وبين مبادرة المشيخة، ورصد الظاهرة ووضع الحلول لها تأتي النتائج.
تشهد مصر كل 3 دقائق، 5 حالات زواج وحالة طلاق واحدة، طبقا لما كشفه الجهاز المركزي للتعبئة العامـة والإحصاء، في تقريره السنوي لإحصاءات الزواج والطلاق، رغم انخفاض معدل الزواج في عام 2017 إلى 912.6 ألف حالة مقـابل 938.5 ألف عام 2016. بنسبة 2.8 في المائة. ووفقا للإحصاءات والبيانات الرسمية، في مستهل العام الجاري، فإن حالة طلاق واحدة تحدث كل 4 دقائق، ومجمل الحالات على مستوى اليوم الواحد تتجاوز 250 حالة، ولا تزيد مدة الزواج في بعض الحالات أكثر من عدة ساعات بعد عقد القران، إذ تشهد محاكم الأسرة طوابير طويلة من السيدات المتزوجات والراغبات في اتخاذ القرار الصعب في حياتهن، بلجوئهن إلى المحكمة المتخصصة في الأحوال الشخصية.
الزواج السريع أحد أسباب الطلاق
وفي الإطار نفسه، تشير الدراسات إلى أن الزواج السريع أحد أسباب الطلاق في السنة الأولى من الزواج، والتي تعد أصعب السنوات في علاقة الزوجين، ليكشف تقرير مكاتب تسوية المنازعات الأسرية عن لجوء 7500 «زوجة من حديثي الزواج» والتي أظهرت ارتفاع نسب الطلاق بينهن، وتنوعت أسبابها، بين إخفاء بعض الأزواج أمراضا مزمنة عن زوجاتهم، وآخرون يكذبون ويحتالون فيما يتعلق بعملهم وأهاليهم، والبعض يهرب من تحمل المسؤولية الأسرية، وبعض الزوجات وفقا للأزواج ليست على مستوى من النضج وغير قادرات على تحمل مسؤولية الزواج، ومن أبرز الأسباب أيضا وفق التقارير والإحصاءات حول أسباب والطلاق، ما خلفته عوامل التطور التكنولوجي ليتسبب في حدوث خلل جسيم في العلاقات الزوجية، إذ كشفت وسائل الاتصال الحديثة من الهاتف و«فيسبوك» حتى وصلت لـ«الواتساب» لتطالب نسبة 25 في المائة منهن إثبات طلاقها عبر تلك الوسائل معاناة الزوجات مع الطلاق.
كما أثبتت عرائض الدعاوى المقدمة لمحاكم الأسرة بمصر من السيدات، بعد زواج دام لمدة تتراوح بين 3: 12 شهرًا كحد أدنى وحد أقصى 7 سنوات، ضمت الإفراط في استخدام أجهزة المحمول طوال اليوم، وفقدان التواصل، وعدم ملاطفة الزوجات، وقلة الاهتمام باحتياجات المنزل، وفي حالة وجود أولاد الغياب التام عن رعايتهم، كما انتشر أيضًا بنسب قليلة فيما بين الأزواج كبار السن ليشمل عدد سنوات دامت أكثر من 20 و25 عامًا بنسبة 10 في المائة، فيما رفع الرجال 2100 دعوى طالبوا خلالها بالتفريق بسبب التعلق المرضي للسيدات بالكومبيوتر وتقصيرهن داخل الحياة الزوجية، وقضاء وقت طويل أمام شاشات الكومبيوتر والهواتف النقالة قد يصل لأكثر من 14 ساعة في اليوم، كما تم إحصاء عدد محاضر الضرب داخل أقسام الشرطة بحسب منظمات حقوق المرأة خلال الـشهور الماضية بسبب خلافات التكنولوجيا الحديثة لـ1200 محضر.
في حين بلغ عدد أحكام الطلاق النهائية 9364 حكمًا عام 2017. مقابل 6305 حكمًا عام 2016، بزيادة قدرها 48.5 في المائة من جملة الأحكام، فيما سجلت أعلى نسبة طلاق بسبب الخلع، حيث بلغ عدد الأحكام بها 7199 حكمًا بنسبة 76.9 في المائة من إجمالي الأحكام النهائية (9364 حكمًا)، بينما سجلت أقل نسبة طلاق بسبب الخيانة الزوجية حيث بلغ عدد الأحكام بها 3 أحكام تمثل 0.03 في المائة من جملة الأحكام النهائية.
التدريب علي كيفية مواجهة الأزمات اليومية
من جهتها أعلنت دار الإفتاء المصرية عن تلقيها 3400 استفسار عن حالات طلاق شهريًا، وحرصت الإفتاء على عمل كورسات تدريبية للمتزوجين للحد من هذه ظاهرة، حيث يتم تدريبهم على كيفية مواجهة الأزمات اليومية ومواجهة المتاعب اليومية، وبدورها أعلنت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عن استقبال مئات المواطنين من الرجال والنساء للاستفسار عن الطلاق، وللحد من ظاهرة الطلاق، أفتت لجنة الفتوى بالأزهر بعدم وقوع يمين الطلاق في حال حيض الزوجة أو تناول الزوج أدوية أمراض نفسية.
نهلة عبد السلام خبيرة تنمية بشرية واستشارية إرشاد أسري أكدت أن الزواج هو سنة الحياة وهو السكن والمودة والرحمة وهو الاستقرار والمسؤولية، مسؤولية كل طرف أمام الآخر ومن قبلهم هو مسؤول أمام الله وهو أيضا علاقة تبادلية جميلة قائمة علي الأخذ والعطاء دون مطالبة أو انتظار لهذا العطاء، لكن في وقتنا الحالي بعض الزيجات بدأت تنتهي نهاية سريعة جدًا بالطلاق، نتيجة لمجموعة كبيرة من الأسباب ولكي نعالج أي مشكلة لا بد من معرفة أسبابها، ومن أهم أسباب الطلاق: البداية، والمقصود بها بداية سوء الاختيار من الأساس، فهناك بعض الفتيات تهرب مما يسمى شبح العنوسة بالارتباط بأي رجل دون مراعاة للتوافق الفكري والسلوكي.
وتضيف نهلة أيضًا: «بعض الشباب يسعي للارتباط لكن معيار الاختيار الانبهار والإعجاب بالمظهر الخارجي فقط».
ومن ضمن أسباب الطلاق أيضًا تباين الأولويات واختلاف الطباع بين الزوجين، وغياب لغة الحوار والاكتفاء بلغة الصمت، وهي لغة الموت البطيء للمشاعر، ووصولاً للملل والروتين من الحياة الزوجية، واهتمام الزوجة بالأولاد على حساب الزوج، فتبدأ المشكلات وسوء المعاملة، وتتطور في بعض الأسر للعنف اللفظي أو البدني ولا نغفل أيضًا أن من أسباب الطلاق الاختلاف في تربية الأطفال وإلقاء كل طرف عبء التربية على الطرف الآخر، بجانب الأمور المادية وعدم القدرة على الإنفاق، وتوفير المتطلبات الحياتية، وهذا السبب يعد أحد الأسباب الهامة في حدوث الطلاق، بجانب تدخل الأهل سواء أم الزوج أو الزوجة أو الأهل بصفة عامة في حياة الزوجين بصفة مستمرة وسلبية.. وتعد الخيانة أيضًا من أهم الأسباب خصوصًا في وقتنا الحالي.
الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي
وتكشف استشاري إرشاد الأسرة عن وجود الإنترنت وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي ودخول أحد الزوجين وربما كلاهما في علاقات محرمة عبر هذه المواقع الافتراضية مبررين ذلك بالفراغ العاطفي، والإهمال، مع الكثير من الأسباب الأخرى المؤدية للطلاق، كتأخر الإنجاب وسهر الزوج خارج المنزل وغياب الانسجام وفقدان الحب مع الشك والغيرة والعناد وعدم تحمل المسؤولية وغيرها من الأسباب.
وتضع نهلة عبد السلام علاج ظاهرة الطلاق قائلة: يجب أن تكون هناك لغة حوار بين الزوجين، وعدم تصيد الأخطاء، ويكون الحوار قائمًا على الاحترام والحب، وبعيدًا عن محاولة إثبات كل طرف بأنه على صواب والآخر خاطئ، مضيفة: والصراحة هامة جدًا لنجاح أي حوار لكن أحيانًا تكون الصراحة قاسية بعض الشيء، فيجب أن يكون هناك حسن استخدام الكلمات، والعبارات، والهدوء، وتخفيض مستوى الصوت، مع مراعاة التوقيت المناسب لهذا الحوار، والبعد عن العنف اللفظي أو البدني، لأنهما يعدان المسمار في نعش أي علاقة زوجية، ويتركان آثارا نفسية سيئة جدًا، بجانب الإخلاص والوفاء وتربية الأطفال تكون قائمة علي المشاركة بين الطرفين، وعدم إلقاء العبء على طرف دون آخر، أما المشكلات المادية فيجب على الزوج توفير الحياة الكريمة لأسرته مع مراعاة الزوجة لزوجها وأن تتحمل معه أعباء الحياة، وتساهم معه في إضافة مصدر دخل مالي للأسرة لو كانت عاملة، مع بعد الأهل عن أي مشكلة داخل الأسرة والحرص على الخصوصية لكي تستقيم الحياة الزوجية وتكون هادئة وناجحة ونصل بها لبر الأمان.
ويشير بعض خبراء علم الاجتماع إلى أنّ البحث عن الشاب المقتدر ماديا، صار هاجسًا عند أغلب العائلات المصريّة، مما قد يكون سببا في ارتفاع حالات الطلاق، لأنّه لا فرصة لدراسة أخلاق الشاب الذي يتقدّم جاهزًا للزواج بعد أشهرٍ قليلة، ولا لقياس مدى كونه متوافقًا مع زوجته من ناحية الطباع وأسلوب الحياة.
الظروف الاقتصادية المتدنية للأسرة أحد أسباب الطلاق
ومن جانبها قالت سناء السعيد عضو المجلس القومي للمرأة: إن ظاهرة الطلاق لها أسباب عدة أهمها الظروف الاقتصادية المتدنية للأسرة، والزواج المبكر للشباب وبالتالي عدم تحمل المسؤولية، ومن هذا المنطلق جاءت مبادرة المجلس القومي للمرأة لتوعية الشباب بمسؤولية الزواج وما يترتب عليها، وكانت هذه المبادرة من لجنة الشباب بالمجلس والتي تجوب المحافظات لتوعية الشباب والفتيات بعد رصد ارتفاع نسبة الطلاق بين الشباب خصوصا في السنوات الأولى من عمر الزواج، والتي كانت أسبابها الأولى الظروف الاقتصادية وعدم تمكن الشباب من تحمل أعباء نفقات الأسرة.
وكشفت السعيد عن رصد المجلس القومي للمرأة أيضا عن ارتفاع نسبة الطلاق في سنوات متأخرة من عمر الزواج بعد مرور أكثر من 15 عامًا، نتيجة ارتفاع عدد الأولاد وعدم قدرة الزوج على الإنفاق على الأسرة وترك المسؤولية كاملة للزوجة مما ينتج عنه الطلاق، وهناك قاعدة تقول كلما ازداد الفقر كلما تهرب الزوج من المسؤولية، أيضا المراهقة المتأخرة عند الرجال والتي ينتج عنها تفكك أسري، بالإضافة إلى تعدد الأزواج.
بينما أعرب الدكتور محمد فتحي أستاذ الإعلام بجامعة حلوان عن أسفه الشديد من عدم قيام الإعلام بدوره في رصد ظاهرة الطلاق بصورة جيدة، تمكن المتخصصون من القيام بوضع حلول لها، مضيفا، حتى مبادرة مشيخة الأزهر والتي تحمل عنوان «عاشروهن بالمعروف» والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لم تكمل المشيخة المبادرة بعبارة أو «طلقوهن بإحسان».
وكشف فتحي عن أن الصورة المصدرة عبر وسائل الإعلام تعكس عوارا في مفهوم العلاقات الإنسانية بعد الطلاق، فنجد أن الصورة المتعلقة بالمرأة المطلقة تقدم وكأنها نموذج للمرأة المنحلة والمتحررة، فغالبا ما يقوم الطرفان بمحاولات لتشويه صور بعضهما خصوصا أمام الأبناء وهذه هي الصورة النمطية التي يقدمها الإعلام، في نفس الوقت يصعب على الرجل الذي جمع المال من أجل إتمام الزواج أن يضيع كل شيء منه فجأة، بعد أن تحصل الزوجة على حقوقها.
الإعلام لا يدخل في عمق الظاهرة
ويضيف فتحي أن الإعلام لا يدخل في عمق الظاهرة وأسبابها وتحليلها، وفي نفس الوقت اكتفى بتصدير صورة نمطية فقط، وللأسف الشديد أصبحت العلاقات الإنسانية والزوجية «سبوبة» لدى كثير ممن قدموا أنفسهم في الإعلام كخبراء في العلاقات الزوجية وهو مفهوم معروف في الغرب، لكن ما يحدث في مصر في الغالب لعب ودجل وللأسف الشديد يتم استضافتهم في وسائل الإعلام.
بينما اعتبر الدكتور أحمد عبد الله، خبير نفسي أن كل المقدمات المتاحة لأطراف الزواج سواء في مصر أو في العالم العربي تؤدي دائما إلى الطلاق، نظرا لعدم وجود علاقات تنمو بصفة طبيعية كما يحدث في أغلب دول العالم، في أطر طبيعية لكي تكتمل العلاقة بين طرفي الزواج، ونحن ليس لدينا مقومات طبيعية تؤدي إلى نتائج علمية، وما يحدث لدينا هو عبارة عن فيروس في العلاقات، غالبا تتحكم فيها الظروف الاقتصادية، لتجد نفسك أمام مشاهد من فيلم «رد قلبي» تتداخل مع مشاهد من فيلم رصيف نمرة خمسة لتتحول العلاقة من دون مقدمات إلى زواج ثم إلى طلاق والرابط بينهما عدم نمو العلاقات بصرة طبيعية.
وأكد عبد الله علي أن المفهوم الخاطئ للعلاقات الزوجية في الموروث التاريخي والثقافي أدى إلى ارتفاع نسبة الطلاق في مصر والأمة العربية ومن هنا يجب التأكيد على العودة مرة أخرى إلى أصول الدين، وأصول التاريخ، من مورث ثقافي، حتى يتسنى الحد من نسبة ارتفاع الطلاق.