* مشروعات صحف جديدة في لبنان مقابل توالي إغلاق صحف عريقة
* رئيس المجلس الوطني للإعلام: حتى الإعلام المرئي والمسموع يعاني من أزمة ورأس المال العربي قد يكون جزءاً من الحل
* رئيس تحريرها نبيل بومنصف: في «النهار» نقاوم الأزمة بشكل كبير والدولة اللبنانية غائبة كلياً عن الإعلام والصحافة
الكاتب السياسي يوسف بزي: ثمة زمن مؤسسات صحافية انتهى وليست أزمة عامة للصحافة
* يوسف بزي: إذا لم تكن لدى الصحف قدرة على التأقلم مع التكنولوجيا فهي مشروعات خاسرة
* بزي: التلفزيونات اللبنانية عقدت صفقة مع شيطان الدعاية
* بومنصف: الصحف الإلكترونية ليست التهديد الوحيد للورقية
* رئيس تحرير «اللواء»: الثورة التكنولوجية كفيلة بتقليص أدوار وإنهاء عصور ذهبية وإيجاد بدائل أخرى
بيروت: يتعرض الجسم الإعلامي في لبنان لانتكاسات متتالية تظهر جلياً في النزف الحاصل بمجال الصحافة المطبوعة؛ حيث يتخبط عدد من المؤسسات الصحافية بسبب الأزمة المالية والمنافسة الشرسة من التكنولوجيا الحديثة، مما جعل بعضها يقاوم للبقاء، وبعضها الآخر يندثر. إلا إنه في الواقع تتجاوز الأزمةُ المطبوعاتِ لتطال التلفزيونات أيضاً في لبنان، خصوصاً مع ضيق سوق الإعلان، في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية.
أزمة المطبوعات
تتفاقم هذه الأزمة بوتيرة سريعة وبشكل أصبح ينذر بانتهاء عصر الصحافة المطبوعة في لبنان؛ هذا البلد الذي لطالما تغنى بحرية التعبير. وهو ما بات يستدعي قبل فوات الأوان والبحث اليوم قبل الغد في وسائل تأمين ديمومة عمل الصحافة اللبنانية واستمراريتها، لا سيما أن لبنان شهد إغلاق 3 صحف ورقية عريقة حافظت على صدور منتظم منذ عقود عدة؛ فتوقفت «السفير» و«الأنوار» وتتبعهما صحيفة «المستقبل»... ولعل باقي الصحف مع الأسف تتجه إلى المصير نفسه.
في لبنان، منذ عام 2011؛ وفي خضم الثورات العربية، بدأت أزمة الصحف الورقية تتفاقم حتى بلغت اليوم ذروتها مع كرّ سبحة الصحف التي أوقفت إصداراتها المطبوعة، وتحولت إلى الصحافة الرقمية، عدا الصحف التي أعلنت وفاتها ورقيا وإلكترونيا، ومؤخرا صحيفة «المستقبل» التي أعلنت توقفها عن الصدور ورقيا بدءا من 1 فبراير (شباط) الحالي بعد 20 عاما من الصدور، وهي الخطوة التي سبقتها إليها قبل 4 أشهر «دار الصياد»؛ إحدى أبرز دور النشر العربية، بما كانت تمثله ويصدر عنها من مطبوعات؛ مثل صحيفة «الأنوار» اليومية، ومجلات أخرى مثل «الصياد»... وغيرها. وكذلك ما طرأ على صحيفة «الحياة»، التي تحوّلت مؤخرا إلى موقع إلكتروني، فضلا عن اندثار صحيفة «السفير» ورقيا وافتراضيا عام 2016 خاتمةً مسيرة حافلة عمرها 4 عقود، ثم السرعة التي انهارت بها تجربة صحيفة «الاتحاد» بعد انطلاقها بأسابيع محدودة.
هذا الواقع يشير إلى أن الصحافة الورقية بدأت تندثر بفعل التكنولوجيا الحديثة، ومجموعة عوامل أخرى راكمت أزماتها المستفحلة اليوم وتدفعها إلى شفير الاحتضار، في ظل إحجام الحكومات عن تقديم الدعم اللازم للإبقاء عليها. وما يزيد خطورة الأمر ما يتم تتداوله من أخبار عن أن صحفاً لبنانية أخرى تعد العدة للتخلّي عن الصيغة الورقية، ومن بينها صحيفتا «النهار» و«اللواء»، علما بأن صحيفتي «النهار» و«الجمهورية» تعملان منذ مدة على تطوير موقعيهما الإلكترونيين، مما يعني أن الصحافة المطبوعة في لبنان انتهت.
لكن ماذا وراء الأزمة التي تعيشها الصحافة الورقية وتهدد وجودها واستمراريتها؟ وهل الصحف الرقمية المسؤولة عن حال الصحافة الورقية؟ وهل انتهى دور الأخيرة أم إن ما تعيشه هو تحوّل لمواكبة الحداثة والتطور الحاصل؟
نائب رئيس تحرير جريدة «النهار» نبيل بومنصفنفى لمجلة «المجلة» جملة وتفصيلا توجه الصحيفة إلى التوقف عن الصدور، مؤكدا أن «النهار» مستمرة رغم كل الصعوبات وأنها لن تتوقف ورقياً ولا حتى إلكترونياً.
وحول أزمة الصحافة الورقية، رأى بومنصف، أنه من الخطأ تحميل عصر الحداثة والصحف الإلكترونية المسؤولية كاملة؛ خصوصاً في لبنان، علما بأن جميع الصحف الورقية في العالم تأثرت بهذه الظاهرة؛ «إنما في لبنان ثمة عوامل إضافية تضافرت وأثرت بشكل كبير على الصحافة الورقية؛ وهي متعلقة بخصوصية الوضع في لبنان، وكيفية تعامل المجتمع والطبقة السياسية فيه مع الصحافة. وبالتالي فإن إلقاء المسؤولية كاملة على الواقع الإلكتروني ابتعاد عن الحقيقة».
وفي ما يتعلّق بالصعوبات التي تواجهها «النهار»، قال بومنصف: «نحن في (النهار) نقاوم بشكل كبير الأزمة كي نستمر، ونخوض تجربة منذ سنوات للتوفيق بين الصحافة الإلكترونية والورقية؛ بما ينفي أن الصحافة الإلكترونية هي فقط التي تهدد وجود الصحف المطبوعة»، مشيرا إلى أن «التجربة الأميركية أكبر دليل على ذلك؛ إذ تنبهت الصحف فيها إلى كيفية استغلال الوضع السياسي الجديد مع وصول الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض، عبر تكوين مساحة جديدة للقراء؛ إذ 80 في المائة من الصحافة الأميركية ضد عهد ترمب».
كما لفت بومنصف إلى التراجع في نسب القراءة، قائلا: «في لبنان لدينا تراجع هائل في عدد القراء، ويعود الأمر لعوامل عدّة؛ منها الواقع الاقتصادي الصعب؛ إذ المواطن اللبناني غير مستعد لأن يدفع ألفاً أو ألفي ليرة لبنانية ثمنا للجريدة. إضافة إلى التراجع الدراماتيكي في الإعلانات»، مشيرا إلى أن «(النهار) كانت ترتكز بأكثر من ثلثي ميزانيتها على الإعلانات ومبيعات الصحيفة، لذلك منيت بأزمة مالية كبيرة».
وعن تراجع المال السياسي، رأى أنه «عامل ثانوي، فعندما تكون جريدة قادرة على إنتاج موارد كثيرة من خلال مبيعاتها وإعلاناتها، يصبح عندئد المال السياسي ثانوياً، باستثناء بعض الإعلام والصحف التي تتكل على المال السياسي فقط، والتي واجهت في نهاية المطاف مصير الإغلاق الحتمي، وهذا لا ينطبق على صحيفة (النهار) التي لا يخفى على أحد أن هناك سياسيين مساهمين فيها».
هذا؛ وشدّد بومنصف على أن «الدولة اللبنانية غائبة كلياً عن الإعلام والصحافة في لبنان، باستثناء وزيري الإعلام رمزي جريج، وملحمرياشي، اللذين أعدا مشاريع قوانين عدّة، لكن لم تتم الاستجابة لهما؛ لا بل تمت عرقلة محاولاتهما»، مؤكدا أن «المفجع فعلا أن هذه الدولة اللبنانية بطبقتها السياسية جميعها لا تتحسس أن أخطر ما يمكن أن يتعرض له لبنان هو اندثار صحافته في وقت هي فيه صانعة حضارته وتألقه، ومن المعروف الدور المتقدم الذي لعبته الصحافة اللبنانية في العالم العربي».
وتأسف بومنصف على توجه صحيفة «المستقبل» إلى التوقف عن الصدور بنسختها الورقية، آملا أن يتوقف هذا النزف الحاصل في الصحف المطبوعة عند هذا الحدّ.
ملحم رياشي
ورأى وزير الإعلام في الحكومة السابقة ملحم رياشي، أن «الصحافة الورقية تراجعت لحساب التقنيات والمسطحات. وأزمة الصحافة الورقية أزمة عالمية؛ وعربية أيضا، ولا تقتصر على لبنان فقط»، مشيرا إلى أن «المعوقات المالية ليست وحدها المسؤولة عن تدهور الصحافة؛ إنما أيضا يقع على عاتقها الاهتمام والعناية بشكل أكبر بالمضمون وطريقة معالجة القضايا التي تهم القارئ وتحفزه على القراءة».
إلى ذلك، أكد رياشي أن «ثمة تقصيرا من قبل النقابات المختصة في هذا المجال، وعليها واجبات، إلا إنها لا تقوم بمسؤولياتها كما يجب»، لافتا أنه «على النقابات أن تفتح مجال الانتساب لجميع الصحافيين والمحررين العاملين في شتى مجالات الإعلام؛ القديمة منها والحديثة، حتى للعاملين في مجال الصحافة الرقمية»، مشددا على أن «العصر تجاوز مسألة القانون الذي وضع لمصلحة الإنسان وليس العكس، فالقانون أصبح عثمانيا وقديماـ لذا يفترض بالنقابات أن تواكب تطورات العصر وتستقبل جميع المحررين في شتى وسائل الإعلام».
كذلك؛ شدد رياشي على أن «الصحافة الورقية من الأصول والجذور الوطنية للبنان، ويجب المحافظة عليها وعلى استمراريتها، وأنا مؤمن بضرورة الدفاع عنها».
ولهذا الهدف تقدم رياشي بمجموعة مشروعات قوانين لدعم وسائل الإعلام، إلى الهيئة العامة لمجلس الوزراء، طيلة ولاية الحكومة الحالية، من دون أن تسلك مسارها إلى جدول الأعمال؛ بحسب ما أوضح رياشي. وأمام تقاعس مجلس الوزراء اختصر كل مشروعات القوانين التي تقدّم بها في اقتراح واحد يتعلق حصراً بوسائل الإعلام المطبوعة الذي تقدم به حزب «القوات اللبنانية» بوصفه «اقتراح قانون مُعجلا مُكررا، يوضع على جدول أول جلسة لمجلس النواب، وذلك حماية لما تبقى من الصحافة الورقية، لأنها خزّان وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والرقمية، لكن دون جدوى».
وأوضح رياشي أن اقتراح القانون «يتضمن إعفاءات ضريبية؛ بلدية ومالية وجمركية»، مشيرا إلى أن «كلّ الاقتراحات لا تُكلّف الدولة ليرة واحدة».
وإذا كان للصحافة دور بارز، ولها وقعها الظاهر في الحياة اللبنانية السياسية طوال هذا التاريخ، فإن ما يحدث اليوم من تجييش وتحريضٍ عبر وسائل الإعلام، خصوصاً المسموعة - المرئية منها، يجعل من هذه الوسائل منابر للشتيمة والتحقير والتخويف والتعمية.
وفي هذا السياق تأسّف رياشي «على التراجع الحاصل في وظيفة الإعلام المرئي والمسموع، وفي مضامينها التي غالبا ما أضحت تركز على القشور والتفاهات وتحويل منصاتها إلى ساحات منافسة فيما بينها بهدف (الرايتينغ)»، مشيرا إلى «وجود بعض الاستثناءات، إلا إنه نادرا ما تقدم وسائل الإعلام المرئية مادة تثقيفية تخدم المجتمع».
وفي النهاية أكّد رياشي على أن «الخطير هو أن تتحوَّل الشاشات عن وظائفها في التسلية والتثقيف والتوعية إلى جلد الناس والمشاهدين، فتتراجع المسؤولية، بالمعنى الوطني والأخلاقي للمهنة، خصوصا أنها وسائل يفترض أن تعرف أكثر من غيرها مكامن الألم ومخاطر إذكاء الفتن».
تحوّل في دور الصحافة أم إلغاء؟
الكاتب السياسي والصحافي يوسف بزي، وصف ما تعيشه الصحف الورقية مؤخرا بأنه أزمة تأقلم مع التحوّلات، خصوصا التكنولوجية منها، والتغير الذي طرأ على أدوار الصحافة في العالم العربي؛ «إذ ثمة مؤسسات صحافية قامت على نوع ما من التمويل مؤدية وظيفة سياسية دعائية، إلا إن هذه الوظائف تغيرت، وبالتالي وجدت هذه الصحف نفسها أنها مقطوعة الصلة بالقراء ومقطوعة الصلة بالتحول الذي طرأ على المزاج والرأي العام، ولم يعدْ محتوى رسالتها يحمل أي صدى».
وأوضح بزي أن «ثمة زمن مؤسسات صحافية انتهى، وليستأزمة صحافة ككل، والأهم أنه في ظل هذا الوضع، هناك مشاريع صحف جديدة على الطريق، وهذا دليل على أن الصحافة لم تمت».
وفي سؤالنا عن تجربة صحيفة «الاتحاد» التي لم تبصر النور سوى لأسابيع، قال إنها «أغلقت لأسباب شخصية وحزبية»، كاشفا عن أن «ثمة مشروعا مطروحا بإعادة إصدارها من بعد شراء امتيازها من قبل جهة أخرى، إضافة إلى مشروع صحيفة (نداء الوطن)، وهو قيد الإعداد للصدور مطلع الصيف المقبل»، مؤكدا أن «المخاطرة عنصر دائم، وأي استثمار فيه ربح وخسارة».
كما رأى أن «الصحف إذا لم تكن لديها قدرة على التأقلم مع التكنولوجيا، والقدرة على الترويج، واستخدام وسائل التواصل، والقدرة على استعمال الهواتف الذكية، والوصول إلى أكبر قدر من الناس بمحتوى مقنع ومميز، فهي مشاريع خاسرة».
وشدد بزي على أن «مهنة الصحافة اليوم من أهم المهن في العالم؛ ففي اللحظة التي ظن فيها الصحافيون أن دورهم انتهى؛ فإن خصوم الصحافة منحوه حياة جديدة»، مشيرا إلى أن «الأنظمة والنخب في الدول الديمقراطية وغير الديمقراطية أعطت أهمية وحياة جديدة للإعلام من بعد ما ظننا أن دوره انتهى، وهذا تبين من شراسة حكومات شعبوية أو تعسفية أو فاسدة في سلوكها تجاه صحافيين وإعلاميين، لذا أعاد خوفها وتوجسها من الإعلام الحياة له، والدليل على ذلك ترمب الذي أحيا الصحافة الأميركية في بلاده بقدر عدائه لها، وفي فرنسا وبريطانياوالهند واليابان كذلك».
وأكّد أن «الصحف الآن لديها فرصة حياة جديدة، خصوصا مع المدى الذي تتيحه وسائل التواصل الاجتماعي وكذلك عيوبها البنيوية التي اتضحت مؤخرا بوصفها بأنها دون إدارة وتحرير، وهو ما ساهم في إعادة الحاجة للمصداقية وللغة جامعة تصنع رأيا عاما وسلطة، لأن الناس اليوم تحتاج إلى سلطة مضادة للسلطات القائمة في أي مكان، واليوم هذا هو دور الصحافة الجديد».
وفي ما يتعلق بواقع الإعلام المرئي، رأى بزي أن «التلفزيونات اللبنانية عقدت صفقة معشيطان دعائي عندما تخلت عن دورها الأساسي بأن تكون لمصلحة المشاهدين، عبر بث مواد تصب بمصلحة الإعلانات التي تحتكر المحتوى عبر حثها على رفع منسوب التسلية على حساب المعنى، وهو ما أطاح التلفزيونات اللبنانية التي كانت في التسعينات (قنوات عربية)، لتتحول بعد عامي 2007 و2008 إلى قنوات محلية بسبب رداءتها وهزالة وتفاهة المحتوى».
«وفي ظلّ الانحطاط الحاصل في لبنان سياسيا وإداريا»، ختم بزي بأنه «أهم لحظة لقيام صحافة نقدية مقاتلة صاحبة مهمة ورسالة دفاعا عن استقلالية المهنة وعن مجتمعات تستحق حياة وإعلاما أفضل».
أسباب أزمة الصحف الورقية وانتهاء دور لبنان في المنطقة
رئيس المجلس الوطني للإعلام عبد الهادي محفوظ، لخص الأزمة التي تعيشها الصحف الورقية بشقين: «المؤسسات الإعلامية المطبوعة كانت تتعيش من الإعلانات والمبيعات، والآن أصبحت تكلفة الصحيفة، وفقا لدراسة أعدها سابقا الصحافي إدمون صعب، نحو 5 آلاف ليرة، فيما تسعيرة الصحيفة هي نحو ألف أو ألفين، فبالتالي أصبح المبيع خسارة بالنسبة لهم، كما أن عددا من الصحف يعتمد على الإعلان بالدرجة الأولى مثل (النهار) و(السفير) تاريخيا، لكن اليوم الإعلان يرتبط بالوضع الاقتصادي في البلد، وقد تراجع بشكل كبير، عدا أن الإعلانات ترتبط بمبيع الصحيفة؛ إذ كانت مبيعات (النهار) و(السفير) من الصحف تصل إلى نحو 70 ألفاً و80 ألفاً في ،السبعينات فيما اليوم أصبحت تبيع بالحد الأقصى 4 آلاف نسخة، مما أدى بالتالي إلى تحوّل المعلنين عن الصحف وإيجاد البديل».
كما رأى محفوظ أن «ثمة صحفا كانت تعيش على المال الخارجي العربي والخليجي وغيره، لكن اليوم تراجع هذا العنصر، والسبب أن هذه الدول أصبحت لديها مؤسساتها الخاصة؛ إذ كان الإعلام اللبناني يرتبط بدور لبنان في المنطقة الذي تراجع مؤخرا، وبالتالي إعلامه تراجع؛ إذ أصبح محليا، وغلب عليه الطابع المناطقي والطائفي، كما لم تعدْ له أيضا تلك الفعالية التي ترتبط بالحرية الإعلامية».
مصير آلاف الصحافيين
إلى ذلك، عدّ محفوظ أن «المسار الطبيعي للصحافة المطبوعة أن تتحول إلى صحافة إلكترونية، خصوصا أنه لا وجود لسياسة ورؤية إعلامية لدى الدولة لانتشال تلك المؤسسات»، مشيرا إلى أن «أصحاب الصحف يتلقون وعودا كثيرة، إلا إنها أقرب إلى الأوهام، ولن تتحقق».
وعن الأزمة التي يواجهها الصحافيون مع اتجاه عدد من المؤسسات إلى الإغلاق، أكّد محفوظ أن «المشكلة الكبرى تكمن لدى الإعلاميين الذين يتم دفعهم نحو البطالة دون ضمانات فعلية، في الوقت الذي يتم التركيز فيه على كيفية حلحلة وضع أصحاب الصحف الذين أغلبهم أصحاب ثروات وغير مستعدين لأن يأخذوا بعين الاعتبار ما يترتب لهؤلاء الصحافيين من حقوق وواجبات، وهنا تأتي مسؤولية الدولة والنقابات ومسؤوليتنا جميعا».
أزمة الإعلام المرئي والمسموع... واقتراحات
برأي محفوظ؛ «ليس الإعلام المكتوب فقط من يعاني من أزمة؛ إنما الإعلام عموما، فالمرئي منه والمسموع يعانيان مشكلات كثيرة، ويحتاجان لحلول؛ قد تكون عبر فتح الباب أمام رأس المال العربي كي يكون جزءا من المؤسسات الإعلامية اللبنانية، لأنه إلى الآن يمنع القانون المرئي والمسموع تملك العرب والأجانب شركات إعلامية أو أن يكونوا شركاء فيها، وبالتالي في حال فتح الباب أمام التوظيف العربي في المؤسسات المرئية والمسموعة اللبنانية إلى حدود 50 في المائة مع إبقاء نفاذ القانون اللبناني حفاظا على السيادة اللبنانية، فقد يساهم ذلك نوعا ما في حل جزء من هذه المشكلة».
كما أشار إلى أن «الحل الأفضل عبر (المدينة الإعلامية)؛ التي للأسف سبقتنا إليها وإلى هذه التجربة مدن دبي وعمان والقاهرة، علما بأن لبنان كان صاحب هذه الفكرة، إلا أنه مقصر بهذا الجانب»، ورأى أن «المدينة الإعلامية تصح في لبنان أكثر من أي دولة، بسبب طبيعته والكوادر البشرية لديه، إضافة إلى أنه وسيط بين الداخل العربي والعالم الخارجي الغربي»، مضيفا إلى أنه «بحسب دراسة أعدها المركز الوطني للإعلام، تتيح المدينة الإعلامية توظيف 3 آلاف صحافي ومصور وكاتب ومخرج... وأيضا يمكن أن تدر على لبنان رساميل تصل إلى ملياري دولار».
وشدّد محفوظ على أنه «يجب إيجاد حلول، وإعداد سياسات إعلامية، وإلا فالإعلام المرئي أيضا يتجه إلى الموت، خصوصا أن هناك افتقارا للرؤية الإعلامية لدى الدولة؛ إذ من الممكن إيجاد نظام تكافل بإعطاء قروض لهذه المؤسسات على أن يتم توظيفها بالصناعة الدرامية التي يرتكز عليها الإعلامي المرئي بشكل عام؛ وهو الأمر شبه المعدوم في لبنان».
كما لفت إلى «ضرورة التخفيف والإعفاء من الأعباء المالية على التلفزيونات التي يترتب عليها دفع مبلغ مالي قدره مليون ليرة للدولة اللبنانية؛ إذ يجب إعفاؤها منها، كما أنه لا بد من دمج المؤسسات المتعثرة، وذلك مع وجود عدد من المؤسسات التي تعيش على مصادر حزبية محلية، وهو ما يعوق الخطاب الوطني».
ختاما أكّد محفوظ أن «وضع الإعلام اللبناني أكثر من صعب، ولا بد من أن تكون للدولة سياسة إعلامية ترتبط باعتماد لبنان على الحرية الإعلامية التي هي ميزته في العالم العربي، شرط ألا تقوم على النقد والتجريح؛ إنما تكون مسؤولة وموضوعية، وذات بعد وطني... وهكذا يمكن للبنان أن يستعيد موقعه الإعلامي تدريجيا في العالم العربي».
وقد ظلت الصحافة اللبنانية متميزة طوال تاريخها، ولطالما عُدّت الأجرأ في العالم العربي، وكان ثمن هذه الحرية في بعض الأحيان غاليا؛ إذ قدم الصحافيون اللبنانيون تضحيات جمة؛ فمنهم من واجهوا القمع والاضطهاد الفكري والاعتقال، ومنهم من دفعوا حياتهم ثمن الكلمة الحرّة.
وفي هذا السياق، قال رئيس تحرير صحيفة «اللواء» صلاح سلام، لمجلة «المجلة»: «لطالما تميز لبنان بالحريات أكثر من محيطه، وبالكلمة الحرة وحرية التعبير عن الرأي، وكانت الصحافة اللبنانية متقدمة، لكن أساس تقدمها كان وجود قضية، ووجود صحافيين مقدامين لديهم شغف بهذه المهنة، ويدركون جيدا كيفية إدارة الصحف ومعالجة القضايا، فضلا عن أنه حينها كان الشعب متمسكا بالكلمة».
ورأى سلام أن «أساس التراجع في الصحافة هو التطورات الحاصلة في مجتمعاتنا والثورة التكنولوجية»، مشيرا إلى أنه «في كل حقبة كان هناك عصر ذهبي لوسيلة معينة؛ فالصحافة اللبنانية لمعت ولعبت دورا مهما في حقب عدة بين الحرب العالمية الأولى والثانية واستقلال لبنان؛ إذ لم يكن هناك بديل، عدا أن لبنان كان في حريات أكثر من غيره»، وتابع: «مع دخول التلفزيونات إلى لبنان، بدأ دور الصحف يتقلص رويدا رويدا في الستينات والسبعينات».
وأكّد أن «الثورة في عالم التكنولوجيا والتغيرات التي شهدناها وسوف نشهدها في السنوات المقبلة، كفيلة بتقليص أدوار، وإنهاء عصور ذهبية للوسائل الإعلامية المتاحة، وإيجاد بدائل أخرى».