*اطلالة نصرالله الاخيرة جاءت في ظل استمرار إسرائيل بقصف مواقع إيران وميليشياتها بعدما ظن الجميع ان الروس سيضعون حدا لتلك الغارات.
ظهر امين عام حزب الله مع الإعلامي غسان بن جدو في مقابلة على قناة الميادين الأسبوع الفائت بعد انقطاع طال بعض الشيء، لم يعوّد جمهوره عليه. تلك الاطلالة تأتي بعدما اشيع خبرا عن انتقاله الى طهران إثر تعرضه لنكسة صحية، وبعد اعلان إسرائيل عن اكتشافها وتدميرها لأنفاق تمتد من الحدود الجنوبية للبنان الى الداخل الإسرائيلي، قالت ان حزب الله حفرها سابقا.
لا بد هنا من الاشارة ان حزب الله بات ملّم بكيفية استغلال الاعلام وكيفية التسويق لأي حدث على صفحات التواصل الاجتماعي، بحيث تصبح اطلالات امين عام الحزب خبر يتناقله الاعلام بوتيرة عالية. طبعا مضمون المقابلة فيه شيئا من الملل لأنه لا يختلف عما سبقه من خطابات او مقابلات كان اراها الأمين العام لما فيها من تكرار لعبارات ومواقف مكرّرة. وكلام السيد نصرالله غالبا ما يكون ذات نمط محدد يتّبع نهج يقسّم الكلمة الى عدة اقسام. فقسما من خطابه يوجهه دائما لجمهوره، وفيه ضخ كبير من المعنويات وشرح واف "لانتصارات" على كل الجبهات التي تتواجد فيها جبهة الممانعة. هذا القسم يضع فيه كاتب النص فائضا من المبالغات والتغطية على وقائع غير مطابقة لمسار الاحداث كالقول مثلا ان الأسد انتصر في سوريا في حين ان البلاد ما زالت في حالة حرب، وهي مقسّمة بشكل توحيدها تحت نظام البعث يتطلب عجيبة ليست بمتناول أي من اللاعبين الإقليميين او حتى الدوليين. طبعا يستغّل امين عام حزب الله رمزية استمرار وجود الرئيس السوري بشار الأسد في قصر المهاجرين ليبرهن لجمهوره ان محور الممانعة منتصر، خاصة تجاه فشل اخصامه في إزاحة الرئيس الاسد. ومن التعمية على الوقائع وتحويل الفشل ببراعة لغوية فقط الى انتصار، حديثه عن اخفاق المخابرات الإسرائيلية في اكتشاف الانفاق الا متأخرة. لا يهم ان هي دمّرتها المهم انها تأخرت في اكتشافها وهو ما يعدّه امين عام حزب الله انتصارا لفريقه.
هناك أيضا قسم اخر في خطابه يخصصه لتوجيه رسالة لخصوم الداخل (تيار المستقبل، القوات اللبنانية) وخصوم الخارج (السعوديون، الاماراتيون)، الإسرائيليين غالبا، تتعلق بصراعهم المفتوح على كل الاحتمالات وصولا الى حرب شاملة في كل
من سوريا ولبنان.
اطلالة السيد نصرالله الاخيرة جاءت أيضا في ظل استمرار إسرائيل بقصف مواقع إيران وميليشياتها بعدما ظن الجميع بما فيهم حزب الله ان الروس سيضعون حدا لتلك الغارات خصوصا انه تعرّض قواتها للخطر، كما حدث على اثر اسقاط طائرة روسية فوق الأجواء السورية في أيلول من العام الماضي وكل ما رافق هذا الحادث من تحاليل لم تأخذ قط بعين الاعتبار الخطوط الحمر الإسرائيلية المدعومة أمريكيا، والتي لا يمكنها التراجع عنها، كما تعلن في كل مناسبة، خاصة في موضوع التواجد الايراني وتحويل سوريا لقاعدة متقدمة للحرس الثوري او في موضوع نقل السلاح المتطور الى حزب الله وهما خطر على امنها القومي.
لكن استمر الإسرائيليون بالغارات واستهداف مواقع إيرانية او قافلات ناقلة للسلاح بالرغم من كل التحذيرات والتهديدات التي لم تترجم عمليا.
على كل الأحوال الساعتين التي قضاها السيد نصرالله في محاورة الصحافي بن جدو من على الميادين يمكن اختصارها بدقيتين او اكثر وهي تتمحور حول الرسالة التي أراد امين عتم حزب الله ارسالها للإسرائيليين: دمرّوا الانفاق، استمرّوا بقصفنا في سوريا امتنعوا عن فتح جبهة مع لبنان من خلال قصف اهداف لنا فيه ونحن لن نحرّك ساكنا. يقول السيد نصرالله في سياق مقابلته ان "أي اعتداء إسرائيلي؛ حرباً أو اغتيالاً، لعناصر حزب الله في لبنان وحتى سوريا سنرد عليه"، محدداً "أي عملية ضرب أهداف محددة هي محاولة لتغيير قواعد الاشتباك سنتعامل معها على هذا الأساس".
بمعني اخر حزب الله لن يطلق صواريخه علـى إسرائيل الا بحالتين: "الاغتيالات والعمليات الواسعة". أي شيء اخر لن يغير بقواعد الاشتباك، بما فيه قصف المواقع الايرانية وميليشياتها في سورية، وقصف ناقلات السلاح ومخازنها على حد قول الأمين العم للحزب.
هذه هي الرسالة الأهم التي أراد توجيهها السيد نصرالله للإسرائيليين من خلال ظهوره على شاشة الميادين. الايرانيون لا يريدون المخاطرة في المكتسبات التي حققوها في سوريا من خلال تضحيات كبيرة. فالإيرانيون استطاعوا بمساعدة الروس الحفاظ بالحد الأدنى على عمق استراتيجي لحزب الله في الداخل السوري، وعلى إبقاء طرق الامداد مفتوحة من إيران وصولا لبيروت، وهم يريدون المحافظة على هذه المكتسبات الان، من خلال الابتعاد عن الاشتباك المباشر مع إسرائيل. هذه هي باختصار رسالة نصرالله للإسرائيليين.