* عندما تتعارض مصالح الحرس الثوري مع مصالح لبنان فخيار «حزب الله» من دون أي تردد يكون الانحياز لمصلحة الحرس الثوري، فالأوامر تأتيه من طهران، وما عليه سوى التنفيذ.
رئيس الديمقراطية البرلمانية اللبنانية العريقة، لم يتوان لحظة عن التهديد بتوسل العنف إن لم تحترم رغبته بمنع الوفد الليبي من المشاركة في القمة الاقتصادية العربية المنعقدة في لبنان. وهو أوعز لمناصريه بالقيام بمعارضات مسلحة لتأكيد أنه يعني ما يقول. عندما قيل له إن القذافي، وهو المسؤول حسب الرواية الرسمية لبري عن اختفاء الإمام، قال: «إن الدولة الليبية لا تتعاون في هذا الموضوع مع السلطات اللبنانية».
الرئيس بري على رأس هرم المؤسسة البرلمانية اللبنانية منذ عقود، والتي من مهامها تشريع القوانين التي تحمي المواطنين من شريعة الغاب، جاء إلى الشارع وانتهج الفوضى من أجل الوصول إلى هدفه.
فإذا فسد الملح بماذا يملّح؟
على كل الأحوال كان للرئيس بري ما أراد، واعتذر الوفد الليبي بعد أن أُبلغ أن الأمن العام سيمتنع عن إعطاء الوفد المشارك سمات دخول للأراضي اللبنانية، وأنه حتى في حال استحصل الوفد على سمات دخول من أي سفارة لبنانية فالدخول سيكون ممنوعاً بحجة الحفاظ على أمن الوفد من أي اعتداء.
اتضح في نهاية الأمر أن السلطة الفعلية هي بيد نبيه بري بالتكافل والتضامن مع شريكه «حزب الله».
ولكن هناك أكثر من رسالة في أكثر من اتجاه، أراد الرئيس بري وحليفه إرسالها إلى المعنيين في لبنان، وخاصة إلى «العهد القوي» الممثل شكليا بالرئيس عون، وفعليا بصهره الوزير جبران باسيل.
الرسالة الأولى هي لكافة اللبنانيين، وتقول إنه حتى الساعة هناك رابح في المنطقة متمثل بجبهة الممانعة التي لها شروطها فيما خص السياسات الخارجية والداخلية للبنان، أو قل إن لها خطوطاً حمراء لا يستطيع أي فريق تخطيها أو القفز من فوقها. الأمثلة كثيرة في هذا المجال ومنها رفض «حزب الله» أن يتحكم «العهد القوي» ممثلا بالوزير باسيل بقرار إسقاط الحكومة من خلال مطالبته بـ11 وزيرا (تعتبر الحكومة مستقيلة إذا ما فقدت ثلث أعضائها) في حكومة الثلاثين.
قرار إسقاط الحكومة يجب أن يبقى في يد «حزب الله» وحلفائه ولا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يؤول «للعهد القوي» أو للوزير جبران باسيل. الأمر نفسه يتكرر في مطالبة «حزب الله» بتمثيل ما سمي الشخصيات الست السنية المعارضة للحريري، أو في رفض احتكار الوزير جنبلاط للمقاعد الدرزية الوزارية الثلاثة، أو في رفض «حزب الله» تولي القوات اللبنانية وزارات أساسية كالداخلية أو الدفاع.
الرسالة الثانية موجهة إلى «العهد القوي» تحديداً، الذي ظن أن مجرد وصوله إلى سدة الرئاسة الأولى ستمكنه من إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل اتفاق الطائف والتصرف على هذا الأساس، والتمتع بهامش كبير بالحكم بالشراكة مع «حزب الله». ظن «العهد القوي» الماروني للحظة أنه يتساوى مع شريكه «الشيعي» على أساس تحوله إلى قوة ذاتية مستقلة، وفاته أنه لولا «حزب الله» ونبيه بري رغم اعتراضه على رئاسة ميشال عون لما توّج ساكن قصر بعبدا رئيساً. ثم فات ساكن بعبدا وممثليه أن «حزب الله» ليس حزبا بمعايير لبنانية، فهو بالإضافة إلى كونه مسلحاً حتى العضم، فهو يُعتبر رقماً في المعادلة الإقليمية يمتد وجوده إلى اليمن، والعراق، وسوريا حيث دعم الرئيس الأسد، إلى أفريقيا وأوروبا وأميركا اللاتينية. وبفعل تواجده في لبنان، يرتقي البلد معه إلى مستوى اهتمام دولي.
وفات «العهد القوي» أن أعمال «حزب الله» تتصل ببقاء النظام في إيران وفي موازين القوى المتبدلة في الشرق الأوسط.
لا مكان في قاموس إيران و«حزب الله» في تلك المواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها إلى مماحكات صبيانية كتلك التي يحلو للوزير باسيل أن يقوم بها من وقت لآخر.
الرسالة الثالثة والأهم من تهديد الرئيس بري استعمال العنف إذا ما احتاج الأمر إلى ذلك، وهي تأكيد على الرسالة الأساسية التي بعثها «حزب الله» إلى اللبنانيين غداة اعترافه بأنه يحارب في سوريا إلى جانب الأسد. فهو حينها لم يتوقف عند تداعيات هذا القرار على الداخل اللبناني، خاصة إزاء التوتير المذهبي الذي يمكن أن ينتج عنه، وهو أي الحزب، غالباً ما يسعى إلى تجنبه ما أمكن الأمر، ولم يتوقف أيضاً عند تأثيراته من ناحية علاقات لبنان بالبلاد الخليجية تحديداً التي طالبت وعملت على رحيل الأسد.
قد يكون فات «العهد القوي» وممثله جبران باسيل، أن «حزب الله» هو امتداد عسكري وتنظيمي للحرس الثوري الإيراني، وفي هذا عندما تتعارض مصالح الحرس الثوري مع مصالح لبنان فخيار «حزب الله» من دون أي تردد يكون في الانحياز لمصلحة الحرس الثوري. فالأوامر تأتيه من هناك، من طهران. وما عليه سوى التنفيذ.
على كل الأحوال وصلت رسائل بري المتعددة، وهو ما أدى المطلوب. فهل يفهم الآخرون جدية تلك الرسائل أم سيحتاج الحزب إلى الكي كآخر دواء؟