توسع الشركات النفطية الصينية في أفريقيا، لقي اهتماماً وقلقاً كبيرين في أوساط متخذي القرار الأميركي، وذلك من منطلق أن هذا التوسع خصم للوجود الأميركي والأوروبي في القارة الأفريقية، خصوصاً وأن عدد الشركات الصينية في إفريقيا يصل إلى نحو 674 شركة حكومية.
استثمارات مدعومة
تؤكد الفرضية التقليدية للوجود الصيني في أفريقيا جزئيتين، أولاهما: الوصول والسيطرة الصينية على النفط الأفريقي بالارتكاز على إستراتيجية موسعة مدعومة من قبل بكين، تبرر بأن هدف توسع شركاتها هو النفط لا غير، بينما تذهب الجزئية الثانية والتي يؤكد عليها الأميركيون بأن التوسع الصيني النفطي في أفريقيا يهدف إلى ابعد من اكتفاء السوق الصيني من النفط، ويقوض الاستثمارات الأميركية والأوروبية في أفريقيا.
يذكر أن الصين تحصل على ثلث احتياجاتها من النفط الخام من القارة الأفريقية، واستثمرت مليارات الدولارات في السنوات الخمس عشرة الماضية لضخ النفط الخام إلى اسواقها، بغرض سد احتياجاتها المحلية ومنها السودان.
علاقات مزدوجة
في بحث قدمه بيتر بروكز، وجي هاي شين لمعهد الدراسات الآسيوية، ونشرته مؤسسة التراث الأميركي، أكد أن بداية النفوذ الصيني في أفريقيا يرجع إلى الستينات من القرن الماضي، من خلال تأسيس علاقات أيديولوجية مع العديد من دول العالم الثالث اقتصرت لحد كبير على مقاومة الهيمنة الاميركية والغربية آنذاك، بالاستناد على الفكر الشيوعي، إلا أن هذه العلاقات في العقود الأخيرة اتخذت شكلاً جديداً يركز على العلاقات التجارية والاستثمارية والطاقة لتشمل مؤخراً الدعم الصيني الدبلوماسي والمالي والعسكري الذي أثر على العديد من المجموعات السكانية في بعض الدول الأفريقية ما يرى فيه الغرب مصادمة للمعايير الليبرالية التقليدية التي يعولون عليها كمبدأ للتعامل مع الأقطار الأفريقية، أضف إلى ذلك أن الصين تمكنت، من خلال علاقات الاستثمار مع العديد من الأنظمة الأفريقية، من عزل تايوان في أكثر من 27 دولة أفريقية كانت تربطها معها علاقات وطيدة.
[caption id="attachment_55231176" align="alignleft" width="300" caption="تواجد قوي للصينيين في السودان"][/caption]
مليارات مهددة
أخذت القارة الأفريقية تكتسب بعدا استراتيجياً على المستوى الدولي في السنوات الماضية، خاصة أنها تذخر بحوالي 12 في المائة من احتياطي النفط العالمي، كما تبلغ احتياطيات الغاز الطبيعي في القارة نحو 10 في المائة من اجمالي الاحتياطي العالمي.
ومن ملفات الصراع الدولي الحالي على الموارد الطبيعية في أفريقيا ملف الطاقة، حيث يمثل هذا الملف أهم محاور التنافس بين الولايات المتحدة الاميركية والصين، وتظهر ملامحه بوضوح في السودان، وبخاصة أن اميركا تعتبر أكبر مستهلكي ومستوردي النفط في العالم، وتمدها أفريقيا بنحو25 في المائة.
يعتبر السودان من بين الدول الأفريقية التي ينظر الغربيون بقلق لعلاقتها التجارية مع الصين، لاسيما في مجال النفط، حيث يحظى السودان بنسبة 7 في المائة من إجمالي الـ25 في المائة المشار إليها للنفط الأفريقي المصدر للسوق الصيني، الذي تعتبر ثاني مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة الأميركية، وتبلغ حصة المؤسسة الوطنية الصينية للبترول 40 في المائة في شركة النيل الكبرى للبترول السودانية، التي تسيطر على حقول النفط باستثمارات بلغت 3 مليارات دولار في منذ 1999.
يذكر أن السودان فقد حوالي ثلاثة ارباع إنتاجه النفطي البالغ 500 ألف برميل يوميا عقب انفصال الجنوب، وتظهر احصائيات الجمارك الصينية، أن بكين استوردت 92 مليون برميل نفط خام من السودان عام 2010، اي ما يمثل نحو 5 في المائة من احتياجاتها.
تحديات جديدة
في دراسة جدوى أجراها تاليمان دارلي للمعهد العالمي الألماني تحت عنوان (السودان، أنغولا والصين: المستقبل الجيوبوليتيكي)، أشار تاليمان إلى أن انسحاب الشركات الأميركية والغربية النفطية من السودان، ترك الملعب النفطي الأفريقي متاحا للصين، التي بدأت بعد نيل امتيازات الأعمال النفطية من الأنظمة الحاكمة اتباع أسلوب الشركات الغربية في المسؤولية الاجتماعية للشركات، لكسب ود المجموعات السكانية الأفريقية لتعزيز قبولها لدى هذه المجموعات، وذلك من خلال إنشاء المستشفيات، وملاعب كرة القدم، وكذلك الأنشطة الخيرية، لكنه ذهب إلى أن هذه الجهود مدفوعة الأجر للاستحواذ على المزيد من الموارد النفطية في الأقطار الأفريقية، وأن الإستراتيجية الصينية التي تمر عبر العلاقات التجارية مع أفريقيا تهدف إلى تأسيس بعد صيني عالمي مؤثر في مسار السياسة والاقتصاد العالميين، وقد بدأ هذا التأثير واضحاً عندما تمكنت الصين مع شركائها الأفارقة في كسب قضية تايوان في الأمم المتحدة قبل عامين.
ويشكل دخول شركة شل العالمية في مفاوضات مع سلطات جنوب السودان، لمنحها حق امتياز تنقيب وبناء انبوب نفط إلى أقليم قامبيلا الاثيوبي، والعرض الذي تقدمت به شركة توتال الفرنسية للحكومة الأوغندية لبناء انبوب نفط يصل إلى السواحل الكينية، ليشمل نقل نفط جنوب السودان، أكبر التحديات التي تهدد احتكار اللاعب الصيني النفط السوداني وجيرانه من بعض الدول الأفريقية. الأمر الذي جعل صانع القرار في بكين يضع ثقله السياسي والدبلوماسي لحلحة الخلافات النفطية بين الخرطوم وجوبا، وتسوية ملف الحدود، ومنها منطقة ابيي النفطية.
مخاوف بكين من (السيناريو الأسوأ) بتعطيل انسياب صادرات النفط، جعلتها ترسل مبعوثها الخاص بالشؤون الأفريقية كيو نجويجين إلى الخرطوم وجوبا، لتسوية خلافاتهما بشأن رسوم عبور النفط ومحاولة تلبية طلب الحكومة السودانية في الشمال والمتمثل في 32.2 دولار مقابل كل برميل نفط يمر عبر اراضيها، من خلال انبوب النفط الذي تتقاسمه الصين مع وجود خبراء وفنيين في مواقع النفط بدولة الجنوب.
إذا المشهد المستقبلي للصراع الدولي على الموارد الأفريقية يشير إلى أن التنافس الأميركي ـ الصيني سيكون هو التنافس الأصعب والأكثر شراسة وقوة ومرارة، لأنه ينطوي على عنصر النفط، الذي يشكل اهم الأوليات الاستراتيجية لكل من الولايات المتحدة الأميركية والصين.
كمال سرّ الختم