[caption id="attachment_55229816" align="aligncenter" width="615" caption="منير شاهرودي فرمانفرمايان"][/caption]
كانت فرمانفرمايان، التي تعد من أكثر الفنانين الإيرانيين تأثيرا والتي لديها معرض دائم بمتحف المتروبوليتان للفنون بنيويورك، من بين عشرة فنانين معاصرين ترشحوا لنيل جائزة (جميل) التي يقدمها متحف فكتوريا أند ألبرت هذا العام. وقد اصدرت في الوقت نفسه كتابها الثاني «الهندسة الكونية»؛ وهو أول دراسة مكثفة لأعمالها، نشر في 31 أكتوبر (تشرين الأول) 2011، وفي ظل تجاوز أحد أعمالها لتوقعات أصحاب مزاد بسوثبي بالمملكة المتحدة في أكتوبر 2011 للفن العربي والإيراني المعاصر، فإنها بلا شك ما زالت تواصل مهمتها الفنية الشاقة.
ولا تمنع المكانة المرموقة والمجموعة الهائلة من الأصدقاء المحيطين بها، محدثها من أن يشعر بالراحة عند اللقاء بها، فهي تتمتع بدفء الجدات، وبضحكات مجلجلة سرعان ما تنتشر عدواها بين الحاضرين، كما أنها متواضعة على نحو غير متوقع، تقول فرمانفرمايان مستدعية الأوقات التي قضتها في نيويورك في الأربعينيات من القرن الماضي عندما كانت شابة خرجت للتو من إيران: «لقد أصبحت ودودة للغاية وأحظى بشعبية في الحياة الاجتماعية في الوسط الفني الأميركي لأنني كنت جميلة وشابة، ومثيرة!». وهي ما زالت تتذكر لقاءً سيئا جمعها بجاكسون بولوك، تقول: «ذات مرة، تحدثنا وكان على الأرجح يعتقد أنني غبية متعالية ثم انسحب» ولكنها، مع ذلك، أعربت عن إعجابها بفنه.
ويجمع عمل فرمانفرمايان الذي يمزج بين الفنون التبسيطية والتعبيرية التجريدية، بين التراث الثري للتقنيات الفارسية لفسيفساء المرايا، والأنماط الهندسية والرسم الخلفي على الزجاج المقلوب بلمسات عصرية، لذا فهي تقول: «أعمل إلى حد كبير من خلال الفن الإيراني التقليدي ولكنني أحاول أن أجعله معاصرا ومواكبا للعصر». لقد تأثر أسلوبها الفني بالسفر المستمر؛ والاحتكاك بفناني العالم، تقول «لقد زرت الأضرحة، والمنازل الخاصة، والقصور وكان دائما هناك فنون مرايا، وقد اخترت المرايا نظرا لأنها تقليد فني مستمر منذ 3000 عام في إيران». وقد درست فرمانفرمايان صناعة الفنون التقليدية وطقوس القبائل البدوية في إيران وكانت تجول المدن القديمة لاستيعاب أسسهم المعمارية وديكوراتهم المعقدة. فتقول: «درستها تدريجيا من رسم الزهور إلى النقش على الزجاج، ثم قلت حسنا سأمزج ذلك كله بالمرايا. فأنا أحب بريقها».
اقترنت الحلقات الأقل بريقا في حياة فرمانفرمايان بالثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979. تقول: «لقد كانت مثل أي ثورة أخرى، فوضى، مثل الفوضى التي نراها في ليبيا، وسوريا ومصر.. لقد كان الأمر مروعا». ونظرا لأن زوجها كان ينحدر مباشرة من أسرة الشاه في عصر (القاجاريون) لذا فهو يعد عدوا للثورة، فاضطرت لترك منزلها وبلادها، «كل ما كان لدي في المنزل، تمت مصادرته، كل شيء، أعمالي الفنية، ورسومي، وأعمال المرآة الفنية، وملابسي، لقد خرجنا بحقيبتين لقضاء إجازة مدتها أسبوعين ولم نعد إلى إيران مرة أخرى».
[caption id="attachment_55229802" align="alignleft" width="300" caption="أعمال فرمانفرمايان تدهش الجمهور"][/caption]
ولدت فرمانفرمايان في عام 1924، وتحصلت على خبراتها الفنية الأولى في مرحلة الطفولة بإيران خلال «أول احتكاك لها بالفن» فيما كانت تعيش في مدينة صغيرة بقزوين. تقول متذكرة تلك الأيام: «لقد كانت المنازل مزينة بالألوان؛ نقوش على الأبواب على السقف، زهور جميلة، عنادل وزجاج ملون، وعندما كنت أستلقي لغفوة الظهيرة كان يمكنني عد صفوف الطيور والزهور». وبعد ذلك بسنوات، كانت تشعر بالسخط تجاه كلية طهران للفنون الجميلة، حينما وجدت إلهاما أكبر في البطاقات التي كان يأتي بها المدرس الفرنسي بالكلية والتي كانت تصور رسوم الفنانين الفرنسيين المعاصرين. «لقد تأثرت بالطبيعة التجريدية؛ فقد ذكرتني بزهور قزوين». وفي رد فعل اتضح لاحقا أنه جانب من عفويتها، توصلت فرمانفرمايان لاستنتاج: «قلت يجب أن أذهب إلى باريس لأن هناك مركزا للفنون الجميلة!».
ولكن الحرب العالمية الثانية عرقلت جهودها للسفر إلى فرنسا المحتلة. «لقد قررت أنني سوف أذهب إلى المغرب ومن هناك إلى باريس ولكنهم قالوا لا؛ الألمان هناك لا تستطيعين الذهاب.. هاهاها!» وأخيرا، وكانت ما زالت عازمة على تحقيق هدفها، لذا قررت أن تنتظر في أميركا، تضيف: «وبعد انتهاء الحرب أستطيع الذهاب إلى باريس ودراسة الفن». وبعدما استطاعت الحصول على مكان على إحدى السفن الحربية الأميركية بصحبة أخيها واثنين من أصدقائه، سافروا لمدة 27 يوما من جنوب إيران عبر الهند ثم أستراليا ومن هناك إلى لوس أنجليس. «لقد سافرت كممرضة ورفاقي الثلاثة سافروا في قسم الجنود».
وعندما وصلت إلى لوس أنجليس، قررت فرمانفرمايان أن عليها الذهاب إلى نيويورك. وتواصل: «لقد رأيت نيويورك في الأفلام وكنت أعتقد أنها ربما تكون أفضل مكان للدراسة وأن كل شيء سيكون أفضل هناك». وبالتالي، التحقت بكلية بارسونز للتصميم بنيويورك، كانت تجربة جديدة من العديد من النواحي: «كانت لديهم العديد من الرسوم العارية. في طهران، لم تكن لدينا أبدا رسوم عارية.. وفي بعض الأحيان كان يوجد رجال ذوو شعر طويل، يرتدون الشورتات، ذلك كان كل شيء».
وبعد التخرج في بداية الخمسينيات، كانت فرمانفرمايان قد انبهرت بعالم التعبيرية التجريدية، وأصبحت صديقة لمدرس في متحف الفن الحديث. «اعتدت الذهاب إلى هناك كثيرا، وقد جاءني وقال تبدين مختلفة عن الآخرين؛ من أين أتيت». وقد عرفني على آخرين في المجموعة الخاصة بالمتحف بالإضافة إلى المعارض ذات الصلة في شارع 10 بمانهاتن حيث تقول: «كان كبار الفنانين يشاركون مرة شهريا: جاكسون بولوك، لاري ريفرز، بارنيت نيومان، وليام دي كونينغ، ميلتون إفري، فيليب جونسون، فردريك كيسلر. وقد تعرفت على هؤلاء الفنانين شخصيا وكنت أذهب إلى معارضهم».
كما تمت دعوة فرمانفرمايان إلى العديد من الحفلات الاجتماعية بعد ذلك. «أتذكر زيارتي لمنزل صديقتي، بيجي رايس، وزوجها برنارد رايس. وكان لديهم أكبر المنازل الحجرية. الذي يجمع بين الأصالة والمعاصرة». وهناك التقت بكالدر والذي نشأت بينها وبين زوجته لاحقا صداقة قوية. «كان عطوفا وحلو المعشر، وقد دعاني إلى الأستوديو الخاص به في كونيكتيكت وأعطاني هاتفا صغيرا، ما زلت أحتفظ به». كما وطدت علاقتها أيضا بالفنانين ميلتون إفري ولويس نيفلسون وجون ميتشيل وفيما كانت تعمل في المتجر الكبير حاليا «بونويت تيلر» كمصممة موضة وفنانة إخراج، نشأت صداقة مع زميلها الخجول، أندي وارهول. وعندما سألها كيف أبدو، أجابت «مجنون!». ثم عندما فكرت قليلا قالت: «لا، بل شاب.. هادئ تماما ويرتدي نظارات سميكة».
[caption id="attachment_55229803" align="alignright" width="300" caption="منير مع أحد أعمالها في طهران"][/caption]
عادت فرمانفرمايان إلى إيران في 1957 لكي تتزوج وتبني مكانتها كفنانة أقامت بالفعل معارض فنية في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة وطهران. وقد وصف العديدون تلك السنوات بأنها عصرها الذهبي من الإبداع عندما بدأ أسلوبها الفني الخاص الذي يعتمد على الجمع بن تقنيات التصميم الإيراني القديم وخبراتها الغربية يأتي بثماره.
وعندما عادت لزيارة نيويورك في الستينيات، شهدت أيضا نجاح وارهول المتنامي. «لقد رأيته، طوال الوقت في (نيويورك تايمز)، و(التايم)، ومجلة (لايف). وكان ذلك رائعا، فقد كانت شعبيته واسعة، وكان يبيع عمله الفني الواحد بنحو 60 ألف دولار». وفي بداية السبعينيات، كانت ابنتها نيما - التي نظمت لاحقا رحلة وارهول إلى إيران واصطحبته فيها - تكتب في مجلته «إنترفيو». «لقد قالت لي يا أمي أندي يرغب في أن يراك». وخلال اللقاء، سألته فرمانفرمايان: «هل تتذكر أننا كنا نصمم الأحذية في مقابل 25 دولارا للحذاء وكيف كنا سعداء بذلك؟ فقال ولكن ذلك كان قدرا كبيرا من المال يا منير! لقد كان مرحا».
خلال اندلاع الثورة الإيرانية، كانت فرمانفرمايان في نيويورك، وكان زوجها محاميا دوليا يزور عملاء خارج إيران، قد طلب منها أن تظل مكانها. «لقد ظل زوجي يكرر: انتظري هناك لأسبوعين آخرين، لا تعودي حتى نعود معا. ثم حرقوا سينما في جنوب إيران. فقلت لزوجي: اللعنة، سوف أعود، لن أنتظرك أكثر من ذلك، فهناك شيء يحدث هناك. ثم ذهبت». ثم وصفت المشهد قائلة: «كانت هناك صيحات تتعالى من على الأسطح (الله أكبر.. الله أكبر) وكنت منزعجة فعلا وكنت أبكي». وبناء على رغبة زوجها اصطحبوا الأولاد إلى نيويورك لنزهة قصيرة. وكانت الخطة «عودي إذا ما عادت الأمور لطبيعتها».
ولكنهم لم يعودوا. ففي عام 1991، وفيما كانت منفية في نيويورك، توفي زوجها. فتقول: «في 1992 كنت حزينة للغاية. كنت أعتقد أنني ربما أشعر بالتحسن في طهران. فذهبت إلى طهران ولكنها بدت لي بائسة للغاية، ومختلفة، النساء يرتدين الحجاب الأسود والرجال يطلقون اللحى. فقلت: لا، لا أستطيع أن أحيا هنا». وعدت إلى نيويورك. ولكن في النهاية عادت فرمانفرمايان إلى طهران في 2003، فعن ذلك تقول: «لحسن الحظ فإن أعمالي الخاصة بالمرايا ناجحة والمكان الوحيد الذي أستطيع إنجازها فيه هو طهران».
يرى بعض النقاد أن المرحلة الأخيرة من حياة فرمانفرمايان كانت هي الدافع وراء أفضل أعمالها؛ حيث ترسم تصميمات المرايا على الورق ثم تعطيها لحرفي قدير لينفذها، وكانت تبدو مأخوذة بالتعقيدات والاحتمالات اللانهائية لخلق أشكال هندسية معقدة. فتقول: «أصبحت مدركة كيف كان المعلمون الأوائل يستطيعون خلط الشكل السداسي وتحويله إلى مضلع وتحويل المضلع إلى المثمن. وكنت أتساءل كيف يفعلون ذلك. فكانوا يقولون يحتوي كل منهم على دائرة، وكل ما تفعلينه هو تقسيم الدائرة».
لا تتوقف فرمانفرمايان أبدا عن البحث عن طرائق جديدة: «يمكنك خلق ألف تصميم مختلف من تلك الأشكال التي لم يكتشفها الفنانون بعد. فبمجرد أن ألمس جانبا منها، أفكر، أن الأجيال الجديدة، والفنانين الجدد يمكنهم خلق أعمال هائلة من تلك التصميمات الهندسية».
وربما تنتقل إنتاجيتها الحيوية إلى أحد أفراد الجيل الجديد، الذي يقف الآن لكي ينهل من جودة أعمالها منقطعة النظير.. أعمال تتسم ببريق نادر يعكس حياة فنانة، عاشتها صاحبتها بامتياز.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.