هو إعلامي وصحافي وناشر ومقدّم برامج تلفزية وإذاعية.. وهو، قبل كل هذا وبعده، أحد المثقفين السعوديين الذين لرأيهم صدى ولموقفهم اعتبار.. برنامج "إضاءات" الذي يقدمه في قناة العربية الفضائية أصبح موعدا أسبوعيا، يضربه المشاهد العربي مع الدخيل وضيوفه ويحرص الكثيرون على متابعته لابتعاده عن أسلوب الاستفزاز والاتهامات.. والصراخ والتشنّج.
"المجلة" سألت تركي الدخيل عن الاعلام العربي و”الربيع العربي” فكان هذا الحوار:
* برنامج "إضاءات" هو الأشهر بين ما تقدّم وهو بين البرامج الحوارية الجادة التي يتابعها المشاهد العربي من المحيط الى الخليج.. كيف تقيّم تجربتك في قناة "العربية"؟
-برنامج "إضاءات" صيغته الأساسية أن الضيف هو القضية، من خلاله نضيء على قضايا كثيرة، أحرص على الضيف الذي لديه قصة، ثم تكون تلك القصة نافذة لنقاش أفكار وآراء، أو مؤلفات وكتابات، أو مقالات وأعمال شعرية أو أدبية. وتجربتي مع "إضاءات" ثرية، يكفي أن تلتقي بأربعمائة شخصية تقريباً، من مختلف الاتجاهات والتيارات. وهذا بحدّ ذاته يمنح الإنسان الغنى المعنوي، والقدرة على تقبّل الآراء، وتفهّم حجج التيارات. تخفّ لديك حدة الاصطفاف مع الاطلاع على المختلفين، لأن لكل اتجاهٍ حقه في التعبير. قناة "العربية" من أهم القنوات في العالم العربي، وبالتأكيد أن تجربتي معها غنية، فهي القناة التي تتجدّد ولا تزال سبّاقة في مجالها.
تجربة ثرية
* المتابع للبرنامج يلاحظ تنوع المواضيع بتنوع الضيوف.. ألا توجد محاذير أو ممنوعات من إدارة القناة أو منك شخصيا في اختيار هذه المواضيع أو أولائك الضيوف الذين هم من اتجاهات وتوجهات أحيانا متناقضة أو متصادمة؟
-لدي الرقيب الذاتي. لا تتدخل القناة في أي ضيف أختاره، أعلم جيداً المسافة بيني وبين الخطوط الحمر، وبالنهاية أنا لستُ مناضلاً وإنما صاحب مهنة، أريد ما ينجح البرنامج وما يمتع المشاهد، الهدف الرسالي لا يحرّك توجهي في البرنامج، بل أحرص على أن أوازن بين المستحيل والممكن لأجعل من "إضاءات" مساحةً للتعبير لمختلف التيارات. أما عن الولاء للضيوف فإن علاقتي بالضيف لا تؤثر أبداً على الأسئلة التي أوجهها، كلهم سواسية داخل الاستديو.
* كيف ترى وتقيّم "زمن الثورة" بعد حوالي العام من اشتعال الشارع العربي.. ربيع هو أم خريف يطل برأسه تتساقط فيه كثير من الأوراق ويختلف فيه المشهد؟
-الثورات العربية أو ما سمي بـ"الربيع العربي" عبارة عن حركة احتجاج عربية غير مسبوقة، ولا تزال الظاهرة في بداياتها، ثمة إيجابيات وسلبيات، شهدنا إيجابيات الثورة مثلاً في تونس، والتي كانت بالفعل ثورة ناعمة، وكذلك في مصر، غير أن الثورات الأخرى جاءت دامية كما في ليبيا واليمن وسوريا.
أظنّ أن الثورات تحتاج إلى الكثير من عمليات التحصين ضد الاختراق من قبل التيارات المتطرفة، والاختراق من قبل الثقافة المتحجّرة، حتى لا تطفو على السطح الطائفية والقبلية، والتخلّص من أثر العنف بأسرع وقت، و التحرّر من الأمراض الاجتماعية. إن الثورات الحالية تحتاج إلى أساتذة من علماء الاجتماع لدراستها بشكل مفصّل ودقيق، واستشراف ملامحها المستقبلية.
[caption id="attachment_55229256" align="alignleft" width="200" caption="الدخيل يوقع كتابيه سعوديون في أميركا وذكريات سمين سابق"][/caption]
* بعد شهر من الآن يكون قد مرّ عام على حادثة التونسي محمد البوعزيزي التي تلتها أحداث جسام تسببت في سقوط أنظمة وأخرى ما تزال تعاند.. كيف ترى اداء الإعلام العربي في 2011 وتعامله أو تفاعله مع "الربيع العربي"؟
-الإعلام عليه مسؤولية كبيرة في نقل الخبر، صحيح أن المعالجة تختلف من قناةٍ إلى أخرى، غير أن المهم أن تغطى الأخبار بمسؤولية ومهنية وحرفية، وأن لا تكون التغطية للتّعمية، كما أن البعد عن أسلوب التهييج أو التوجيه الخبري مهم لموضوعية الخبر.
الإعلام العربي نجح بقوة في تغطية الثورات، خذ مثلاً تغطية "العربية" لأحداث ليبيا، كانت تغطيةً مهمة، ولا يمكن للمشاهدين نسيان المراسل المبدع أحمد بجاتو الذي كان يغامر بحياته كل يوم وسط الرصاص والقذائف بكل استبسال. كان أحمد نجم الحرب إعلامياً بلا منازع، لا شك أن الإعلام قدّم نجاحات هامة ولافتة.
يأس صامت
*في مقال لك بعنوان "قراءة للثورات بلا تحيّز" حذّرت من تكريس الاصطفاف الإعلامي، بين مؤيدٍ للثورات ورافضٍ لها.. هل ترى أن الاعلام العربي كرّس فعلا الاصطفاف؟
- لا أحب أن نضع كل مشاكلنا على الإعلام، لأن الاصطفاف حالة عربية سلبية، وهي جزء من ثقافتنا المعاصرة مع الأسف. من الصعب أن يكون الإعلام مسؤولاً بشكلٍ كلّي عن الاصطفاف الحاصل حالياً، بل المسؤولية على طريقة الفرد في التفكير، أن لا يكون منحازاً بشكل حدي، بل أن يدرس الأمور ويقرأ الجوانب الإيجابية كما السلبية. هناك مساحة تستحق التأمل بين الخير المحض وبين الشر المحض. صحيح أن عملية بناء ذهنية التفكير عند الفرد تعرضت لاختطافات سياسية وأيديولوجية، لكننا في عصرٍ يجب أن نعزز فيه الفردانية، وبخاصةٍ مع تهاوي امبراطوريات الطغاة.
* لاحظنا انقسام الاعلاميين والصحافيين العرب الى 3 اتجاهات: مهلّل و مشكّك ومتردّد.. هل يمكن القول إن "الربيع العربي" أظهر بجلاء عدم استقلالية بعض الأقلام في التعامل مع الحدث أم هي المفاجأة أم هما الحيطة والحذر أم هي ببساطة عدم المهنية التي فضحت الكثيرين؟
-لكل حدث مفاجآته، كذلك الثورات، إن إسقاط إرث بني على مدى عقود أو أكثر لا يمكن أن تكون عمليةً سهلة، الشعوب تقوم بمغامرتها، المشكلة أن اليأس الصامت الذي ران على قلوب الناس لم تنظر إليه الحكومات بشكلٍ جدي، لا يمكن إهمال عامل الشباب في العالم العربي فهم أكثرية في مجتمعاتنا الآن، الكثير من الشباب الآن هم في العشرينيات، وإهمالهم وعدم عثورهم على وظائف وتركهم للفقر والقحط المادي كلها عوامل فجّرت الثورات.
بالنسبة للانقسام في رؤية الموقف هذا طبيعي ويحصل مع أي حدث، ولا أجد غرابةً في ذلك، الغريب أن يجمع الناس على مدح شيء، الانقسام طبيعي وحيوي.
مهمة شاقة
* كنت قد دعوت الى ابتكار الرؤية النقدية للثورات العربية والى ما آلت إليه، فهل نحن فعلا أمام تشويه متعمّد لدور الفضائيات لأنها تؤدي واجبها ورسالتها أم نحن أمام فضائيات تصرّ على الاستمرار في الخطأ وتطبّق مبدأ "ما يطلبه المشاهدون".. كيف تقيّم تغطية قناتي "الجزيرة" و "العربية" بالذات، بخاصة وأنهما الأكثر تغطية للحدث وتفاعلا معه، فهل يجوز فيهما قولك عن القنوات "أصابها اللهاث، وخانتها اللياقة"؟
-القنوات تحاول أن تعاصر الخبر بشكلٍ لحظي ويومي، وهذه مهمة شاقة، غير أن النجاحات التي أحرزتها القنوات كبيرة وتغطي على كثيرٍ من السلبيات، تغطية "الجزيرة" و"العربية" هي التغطية الأساسية للأحداث منذ ثورة تونس في ديسمبر 2010. والقنوات تتنافس تبعاً لحيويتها ولياقتها، قد تتفوق قناة هنا وقناة هناك، في تغطية ثورة أو في بعض أحداثها وهذا واضح، والتنافس من صالح المشاهدين، ومن أجلهم تكون القناة على أهبة الاستعداد لتقديم التغطية المختلفة والسبق الخبري، والصور الحصرية.
* ما رأيك وأنت الإعلامي المحترف في ما يسمى بالإعلام البديل من وسائل تواصل اجتماعي مثل الفيسبوك وتويتر.. هل هما "موضة" عابرة وينتهي مفعولها وسحرها أم تراها منافسا حقيقيا للإعلام التقليدي على الأقل في المستقبل القريب في ظل استمرار الحراك الشعبي وبخاصة الشبابي؟
-الإعلام الجديد سواء كان "تويتر" أو "فيسبوك" أو "يوتيوب" كلها تأتي ضمن النمو الشبابي في العالم العربي، وحضورها دليل على أننا نتفاعل مع العالم بشكلٍ لم يسبق من قبل. أرى أن هذه المواقع ضرورية وتفك الحصار على الألسنة والأفواه، يعبر الإنسان من خلال جهازه الكفي عن آرائه وأفكاره، عن نوازعه ومشاعره، وحمداً لله أن الحكومات أو بعضها لم تحجب تلك المواقع، فهي متنفس وملاذ.
ولا شك أنها كانت ضمن عوامل عديدة للثورات لكنها ليست العامل الوحيد. ثمة أمر آخر، أنها وسائل جديدة وقد يصاحب استخدامها بعض الجهل والتعدي، هذا طبيعي وهذا انعكاس لحياتنا الطبيعية ويومياتنا المعيشية وانعكاس لأفكارنا وآرائنا.
حباً في تونس
* ما هي رؤيتك لمستقبل سوريا؟
-مستقبل أفضل، منذ أن كسر الشعب حاجز الخوف، وهو يبني سفينة النجاة من خلال خوض غمار التغيير، ولا شك أن النظام السوري من أقسى وأعتى الأنظمة التي مرّت على تاريخنا العربي.
* وماذا عن ليبيا ما بعد القذافي؟
-أخاف عليها من التطرف والأصولية، والتناحر، وأتمنى لها أن تكون ضمن العصر وداخله، وأن لا تبقى بعد الثورة في القرون القديمة فكراً وسياسةً وثأراً.
* اليمن.. كيف ترى المخرج او النهاية؟
- وصفت اليمن في كتابي منذ سنوات بأنها "جوهرة في يد فحّام" مستنداً على مقولة للثعالبي، وهي بالفعل كذلك، لكن السؤال من ينقذ الجوهرة من أيادي الفحّامين؟ سؤال طرحته منذ 2008 وأكرّره إلى اليوم، واضعاً يدي على قلبي حباً وخوفاً على اليمن.
..*وتونس بعد فوز الاسلاميين؟
-الكلام الذي طرحه الغنوشي ليس جديداً، صحيح أنه متجاوز لطرح الإسلاميين التقليديين، لكن الشعارات وحدها لا تكفي، وعده بحماية العلمانية إيجابي، وننتظر أن يعزز القول بالعمل، غير أن مبادئ كثيرة ينتهجها وأفكارا كثيرة ضمن أيديولوجية النهضة تناقض مفهوم العلمانية بمعناه العميق، لهذا فإن تونس أمام اختبار حقيقي، ولا أظنّ أن من السهل على حزب النهضة طمس معالم التحضر التي غرست في الشعب التونسي على مدى عقود. بصدق أتمنى أن تنجح التجربة حباً في تونس المتحضرة... تونس الخضراء بأبنائها ورجالها وعلمائها.
* مصر..؟
- الدولة المدنية، التي لا تفرق بين أحدٍ لأي سبب، والمساواة المطلقة بين المسلمين والمسيحيين، هذه أمنيتي لمصر، وأتمنى أن لا يكون الشعب المصري قد أسقط مبارك وأبقى نهجه، وخصوصاً في آخر سنوات حياته سواء علم بذلك أم لم يعلم.
تركي بن عبدالله الدخيل
- اعلامي وصحافي سعودي.
- درس في جامعة الإمام محمد بن سعود، كلية أصول الدين، قسم السنة.
- حصل على دورات تخصصية في «التصوير والكتابة الصحفية وإدارة مواقع الإنترنت» في أميركا.
- عمل في الصحافة منذ عام 1989 واحترفها عام 1994 في الصحف والمؤسسات الإعلامية التالية: «الرياض»، «عكاظ»، «الشرق الأوسط»، «المجلة»، «المسلمون»، «عالم الرياضة»، «مجلة الجيل»، وآخر صحيفة عمل فيها صحافياً متفرغاً كانت «الحياة»، محرراً سياسياً في السعودية.
- عمل مراسلاً سياسياً لإذاعة مونتكارلو في السعودية العام 1997- 1998.
- عمل مراسلاً سياسياً لإذاعة ام بي سي اف ام 1999 mbc-FM .
- انتقل الى محطة mbc ثم «العربية» منذ العام 2002.
- ساهم في تأسيس موقع إيلاف الالكتروني.
- ساهم في تأسيس قناة العربية.
- ساهم في تأسيس موقع "العربية. نت" وعمل مشرفاً عاماً عليه حتى العام 2007.
- أسس مجلة الاقلاع الالكترونية وترأس تحريرها.
- أسس موقع «جسد الثقافة» http://www.jsad.net الذي يعنى بالأدب والفنون الكتابية والبصرية.
- كتب مقالا شبه يومي في جريدة (الاقتصادية) السعودية منذ العام 2002 حتى العام نهاية العام 2004، وكان عنوان الزاوية (من ثقب الباب)، وكتب مقالا اسبوعيا في جريدة ( اليوم)، ثم مقالاً شبه يومي في جريدة(الرياض) السعودية، كما كتب أسبوعياً في جريدة (الإتحاد) الإماراتية، وجريدتي (الوقت) و(الوطن) البحرينيتين.
- يكتب حالياً زاوية يومية عنوانها: (قال غفر الله له) في الصفحة الأخيرة في جريدة (الوطن) السعودية.
- يقدم برنامجا حواريا مفتوحا أسبوعياً في قناة (العربية)، واذاعة بانوراما، اسمه (إضاءات)، منذ سبتمبر عام 2002 ولغاية الآن. www.edaat.com
- عمل في الصحافة المحلية والدينية والرياضية والسياسية، محرراً ومراسلاً.
- قدم، ولا يزال، استشارات إعلامية للعديد من الجهات.
- يمتلك ويدير مركز المسبار للدراسات والأبحاث في دبي.
- ساهم في تأسيس جائزة الشيخ زايد للكتاب، وكان عضواً في اللجنة العليا للجائزة حتى استقال في نهاية العام 2008.
- عضو مجلس إدارة أي ميديا، التي تصدر جريدة الرؤية الاقتصادية، وهي صحيفة يومية تصدر من أبوظبي.
- في العام 2009 حصل برنامج (إضاءات) الذي يقدمه تركي الدخيل على جائزة أفضل برنامج حواري من قبل الملتقى الإعلامي العربي السادس في الكويت.
- في العام 2009 حصل بالتصويت على لقب "أفضل مذيع سعودي" في استفتاء جريدة الرياض.
- في العام 2007 حصل بالتصويت على لقب "سيد الحوار" في الاستفتاء الذي أجرته مجلة روتانا.
- في العام 2007 و 2010 و 2011 اختارته مجلة "اريبيان بزنس" ضمن أقوى 100 شخصية عربية مؤثرة.
- موقعه على الأنترنت www.turkid.net
أجرى الحوار: عزالدين سنيقرة