[caption id="attachment_55228806" align="aligncenter" width="620" caption="تونس.. فيضان من الأحزاب"][/caption]
في المجتمعات الرأسمالية الأوروبية يمكن لأي ثري أن يؤسس حزبا سياسيا وهو جالس في بيته. كما يمكن لأي فقير بائس أن يفعل الشيء نفسه، لكن ربما تنقطع أنفاس هذا البائس، إذا حاول هذا في أميركا، أو في بلاد العرب مثلا. ولكن ما الذي يجعل البائس الفقير يرنو إلى تشكيل حزب، وهو يبحث عن الخبز؟
لذا فإن البائس الفقير، لا يفكر حتى في الخيال في تشكيل حزب، لأنه يعلم أنه أمر صعب المنال آخرا، وأولا فإن هذا البائس لا تهمه السياسة ولا يكثرت لها مطلقا، وهو لا يذهب حتى للإدلاء بصوته في أية انتخابات مهما كانت. فالذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأخيرة في بريطانيا مثلا لم يتجاوزوا 60 في المائة من إجمالي عدد السكان.
أما الثري الذي يريد أن يشكل حزبا سياسيا، فهو يعلم مقدما أنه لن ينفق على هذا الحزب من حر ماله، مهما كان ثراؤه. فالحزب ينبغي أن يمول نفسه، حال إنشائه. وهذا ليس له علاقة بسخاء هذا الثري أو بخله، وإنما له علاقة بمدى الهيمنة والاستحواذ واستقلالية الحزب. فتشكيل حزب هنا في الغرب لا يعني أن رئيسه هو المهيمن عليه، وإنما المهيمن هو مبادئ الحزب وأفكاره. ويؤدي الإخلال بهذه المبادئ وإهمالها إلى ترك الحزب، والاستقالة منه. هناك خطوط حُمر لا يمكن تجاوزها!
الحزب ربما قبل هبات من أثرياء وفقا لمعايير وضوابط معينة.
هناك قوانين (صارمة) في الغرب ـ على الرغم من سهولة تأسيس حزب، يؤدي الإخلال بها إلى وقف نشاطات الحزب. لكنك لا تجد هذا في البلدان العربية! إنما تجد تذمرا وتأففا. إذا ما طبق القانون.
في انجلترا مثلا لا يستطيع أي حزب أن ينفق أكثر من 30 ألف جنيه استرليني، على حملته الانتخابية في كل دائرة انتخابية، مهما كان السبب. ومجموع هذه الدوائر في سائر البلاد 650 دائرة.
وعلى الرغم من ذلك فإن عدد الأحزاب في بريطانيا لا يتجاوز 30، لكن الممثلة في مجلس العموم، الذي تهيمن عليه 3 لأحزاب رئيسة هي حزب المحافظين وحزب العمال والليبرالي الديمقراطي، 13 عشر حزبا فقط. متضمنة الأحزاب التي ذكرت آنفا.
فأي حزب في إنجلترا يستطيع أن ينفق 810 آلاف جنيه استرليني على حملته الانتخابية. ولكن حزبا اسكتلنديا لا يستطيع أن ينفق أكثر من 120 ألف جنيه. وينقص هذا إلى النصف في إقليم ويلز، فليس مسموحا لأي حزب فيها أن ينفق أكثر من 60 ألفا.
وغير مسموح لأي حزب أن يقبل أي تبرعات تتعدى الـ500 جنيه استرليني من دون الإعلان عنها، وماهية صاحبها، وألا يكون أجنبيا.
لكن هناك الحزب الوطني البريطاني وهو حزب عنصري ويتجه الآن للتربع على المرتبة الرابعة في قائمة هذه الأحزاب بهذا البلد.
[caption id="attachment_55228807" align="alignleft" width="300" caption="في تونس أكثر من 100 حزب بينما في بريطانيا أم الديمقراطيات ثلاثة أحزاب كبيرة.. وكفى الله المؤمنين القتال"][/caption]
في الجانب الآخر من الأطلسي هناك أميركا ذات الخمسين دولة، لكن الأحزاب فيها لا تتعدى 30. بيد ان هناك حزبين اثنين مهيمنان فيها لا غير هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. كما أن هناك أحزابا متعصبة فيها مثل حزب المركز الثالث الأميركي وهو حزب يميني متطرف.
لكن في دولة بهذا الحجم يبدو العدد ضئيلا مقارنة بما يحدث في بعض البلدان العربية، مثل تونس ومصر وستكون ليبيا أيضا هكذا.
فعدد الأحزاب في تونس يفوق ما في أميركا بـ3 مرات. وهذا أمر لا يبعث على الارتياح. وفي مصر أيضا ما يفوق ذلك.
الأحزاب في الوطن العربي ينبغي أن تخضع لمعايير وضوابط. ولا تترك على هواها لأن ذلك سيجرنا إلى عدم التفريق بين القبيلة والحزب.
ففي بيئة مستوردة للأحزاب ولا تعرف من أمرها شيئا، وفي مجتمع لا يعرف ثقافة الأحزاب وماهية عملها، يبدو رئيس الحزب غولا جالسا على كرسي هذا الحزب. يتصرف فيه كتاجر حديث لا يعرف من أمر التجارة إلا مراقبة دكانه بعناية فائقة، ومراقبة الأيدي التي تمتد إلى السلع، ظنا منه أنه يؤدي مهنته على أكمل وجه.
ما يميز الحزب عن الدكان في هذه الحالة، هو أنك عندما تدخل إلى مقر حزب ما في تلك البيئة، لا ترى البضاعة ولا الزبائن المشترين. لكن رئيس الحزب في الواقع ليس سوى تاجر جملة، تنقصه معرفة الحد الأدنى من قوانين التجارة ولا يعرف حتى أثمان البضاعة التي يبيعها.
الغريب في الأمر أن هناك تسميات لأحزاب متشابهة جدا. ومعنى ذلك أن أفراد هذه الأحزاب يؤمنون بالأفكار نفسها، فلماذا إذا لا ينضمون لبعضهم بعضا؟
المصري فمثلا ما المانع في انضمام الحزب الديمقراطي الاجتماعي
للحزب الدستوري الاجتماعي الحر، وكلاهما لبيرالي؟
وحزب الاتحاد الديمقراطي وماذا عن حزب الجبهة الديمقراطية
وحزب السلام الديمقراطي. فيمكن لهذه الأحزاب أن تلتقي على تسمية واحدة وتنضم جميعا تحت ها المسمى! وحزب الجيل الديمقراطي
فأمر طوفان الأحزاب هذا ينبغي أن ينظر في أمره. وأن يعرف أولو الألباب أن من مصلحة البلد أن تكون فيها أحزاب قوية ومؤثرة. ولا يمكن تحقيق هذا التأثير إلا بالحد من طوفان الأحزاب الذي ربما أدى إلى هلهلة المجتمع، وإضاعة جهوده سدى!
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.