"أكتب إليكم اليوم لأعرب هذه المرة عن يأسي من الإصلاح في الوزارة على يديكم، واحتجاجا على إصراركم على قمع الكفاءات والقضاء عليها والتستر على الأخطاء، وتجاهل الدولة عمداً، والاستخفاف بالقضاء".
تلك هي الكلمات التي حملتها الاستقالة المدوية التي تقدم بها السفير د. عبد الله الأشعل عام 2003 معلنا بها معارضته الصريحة ورفضه لنظام مبارك في قمة عنفوانه ووزير خارجيته آنذاك أحمد ماهر، الذي كان يضيق الخناق عليه كثيرا، بسبب الانتقادات اللاذعة التي كان الأشعل يوجهها للنظام المصري ويحرجه بها أمام العالم، حيث كان دائما يتخذ مواقف شخصية مختلفة عن الموقف الرسمي، على الرغم من منصبه الحساس. ومنذ ذلك التاريخ أصبح السفير الأشعل اسما حاضرا في كل محافل المعارضة، خاصة بعد أن شكل ما أطلق عليه جبهة إنقاذ مصر، وساهم في عضوية تجمع "مصريون من أجل انتخابات حرة ونزيهة" وواجه باستماتة كل محاولات النظام توريث جمال مبارك الحكم، حتى صدر قرار بحظر ظهوره في الإعلام الرسمي المصري، وكذلك في الصحف القومية.
ولم يكن أحمد ماهر وزير الخارجية آنذاك، الوحيد الذي اصطدم به الأشعل، فقد دخل في معارك طاحنة مع كل وزراء خارجية مبارك، ورأى أنهم كانوا ينفذون سياساته "التي أثبتت أنهم كانوا عصابة في ثوب وزراء"، على حد قوله. ويعتبر عمرو موسى مرشح الرئاسة من ألد أعداء الأشعل، لما بينهما من خلافات بسبب تصريحات الأشعل اللاذعة ضد موسى.
وقد اعتبر البعض استقالة الأشعل من الخارجية المصرية خسارة لمصر، لأنه من الشخصيات البارزة والميزة التي جمعت بين الخبرة القانونية والدبلوماسية في ذات الوقت، وعمل كمحكم دولي، ومستشار قانوني سابق لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وكان مساعد وزير الخارجية للشؤون القانونية الدولية والمعاهدات، وأستاذ زائر في عدد من الجامعات الأجنبية. وهو عضو في الكثير من الجمعيات والهيئات العلمية، المصرية والدولية.
وكان الأشعل قد التحق بالعمل الدبلوماسي عام 1968، وعمل في بعثات مصر بالبحرين وجدة والرياض ونيجيريا واليونان، وعمل سفيرا لمصر في بوروندي ومديراً للإدارة القانونية والمعاهدات بوزارة الخارجية، وأسهم في إعداد تقارير الهيئات الدولية وأهمها برنامج الأمم المتحدة للتنمية، وله أكثر من أربعين كتابا، ويجيد التحدث بخمس لغات أجنبية.
وبينما كانت الساحة السياسية في مصرملغمة، ضد كل من تسول له نفسه التفكير في منافسة جمال مبارك، أعلن الأشعل عزمه ترشيح نفسه وكان ذلك عام 2010، على الرغم من وجود تعقيدات دستورية تعوق ترشحه، لكنه أشار إلى أن ترشحه في تلك الفترة جاء لكسر احتكار عائلة مبارك للأمر.
وبعد ثورة 25 يناير قام الأشعل بتأسيس حزب "مصر الحرة"، وأعلن رسميا ترشحه للرئاسة، استنادا إلى فكر قومي وبرنامج وطني يركزعلى عناصر الإصلاح الاجتماعي والأخلاقي. ومن أشهر مواقف الأشعل رفضه المشروع الأميركي الغربي في المنطقة، ومعارضته بشدة إرسال النظام المصري سفيرا للعراق.
ونظرا للواجهة الإسلامية التي يحملها الدكتور عبد الله الأشعل بحكم دراسته وتخصصه في الفكر الإسلامي، يحسبه البعض على التيار الديني، وهو ما يثير التساؤل حول احتمالات تعاونه مع مرشحي الجماعات الدينية الأخرى، ومدى استعداده للتنازل لصالح واحد منهم!
"زهقنا" من العسكر بعد أن حكمونا 60 سنة
يعد السفير الأشعل، أحد مرشحي الرئاسة الذين يعملون في هدوء بعيدا عن الحاشية الإعلامية ومنسقي الحملات الانتخابية فهو يدير كل شيء بنفسه، وعندما تتصل به تجده يرد عليك مباشرة من دون وسيط، وهو سلوك ينطلق من طبيعته المختلفة عن الآخرين، والتي تختلف معها أفكاره وآراؤه، التي كثيرا ما تثير الجدل والدهشة خاصة ما يتعلق بتصريحاته الخطيرة عن حيازته لمستندات تدين مسؤولين كبارا سيكشفها في الوقت المناسب، على حد قوله. وقد التقيناه في هذا الحوار السريع حول ترشحه لرئاسة مصر وسألناه:
* لماذا أقدمت على تجربة الترشح للرئاسة؟
ـ هذا ليس أمرا جديدا وقد أعلنت ترشيح نفسي منذ عام 2010، كما أنني أعارض النظام السابق منذ سنوات طويلة، ولي مواقف معروفة أشهرها أنني تقدمت باستقالتي من وزارة الخارجية عام 2003.
* لكن ما هدفك من ترشحك؟
ـ ترشحت لشعوري أني أستطيع عمل شيء للبلد، فأنا مهموم بها وقدمت من قبل مبادرة لإنقاذ مصر، ولي كتب ومحاولات كثيرة في هذا الصدد.
* هل تعتبر عداءك لمبارك ورفضك الصريح للتوريث أهم عوامل شعبيتك التي تستند إليها؟
ـ لا أنكر أنني كنت معارضا شرسا لمبارك، وكنت محظورا في الإذاعة والتلفزيون والصحف القومية، وكان الهجوم علي في كل مناسبة، لكن الأهم من ذلك برنامجي الانتخابي الذي أعتمد عليه.
* ما أهم عناصر هذا البرنامج؟
ـ يتركز على نقطة جوهرية هي إعادة تشكيل القاعدة الأخلاقية للمواطن المصري.
* وكيف يتحقق ذلك؟
ـ بثلاثة أشياء هي: القيم التعليمية والثقافية والقدوة والقانون.
* إذا كان القانون والتعليم قابلين للإصلاح، فكيف نتعامل مع القدوة، وهي ليست كيانا محددا؟
ـ بالعكس، فالقدوة موجودة في كل مكان، حيث الإدارة المحترمة في أي مؤسسة.
[caption id="attachment_55227906" align="alignleft" width="212" caption="حملة الأشعل على الفيس بوك"][/caption]
* أليس غريبا أن تدير حملتك الانتخابية بنفسك من دون منسقين، كما يفعل المرشحون الآخرون؟
ـ اعتدت طول عمري، حتى وأنا في وزارة الخارجية، أن أفعل كل شيء بنفسي، حتى لا يتكلم أحد باسمي، لأني أدرك أن كل كلمة تقال بلساني، سأكون مسؤولا عنها.
*هل معنى ذلك أنك لو صرت رئيسا لمصر ستتبع نفس الأسلوب؟
ـ بالطبع لا، فالأمر يختلف، وعندئذ سأحتاج لإدارة باختيار مجموعة من الأكفاء لهذا الدور.
* هل تختار الأكفأ أم من تثق به أكثر؟ وأيهما أسهل في العثور عليه؟
ـ طبعا أختار الأكفأ، وإن كان العثور عليه أصعب من العثور على أهل الثقة، لأن حسني مبارك نجح للأسف في تغيير مصر للأسوأ.
*هل توقعت سقوطه بهذا الشكل الدرامي والسريع؟
ـ كان لدي الثقة أن النظام يسير إلى نهايته، لأنه فقد الأخلاق، ولذلك أركز في برنامجي الانتخابي على الجانب الأخلاقي.
* إلى أي حد تشعر بالإصرار على مواصلة سباق الرئاسة وسط هذا الزخم من المنافسين؟
ـ أنا ترشحت لأفعل شيئا للبلد، ولو وجدت من يمتلك عزيمة و"حيلا" أكثر مني، سأترك المسألة له وأنا معه.
* ألا يوجد هذا الشخص حاليا؟
ـ لا.. لأن المشكلة في العثور على كل من يحمل قيم المجتمع المصري، ولكن بوجه دولي متحضر أي يجمع بين معرفة العلاقات الخارجية والقيم الاجتماعية، ليؤمن بناء مصر، ولكن للأسف حتى الآن لا يوجد هذا الشخص، فالمرشحون على الساحة إما علماني أو إسلامي.
* ولماذا تجاهلت المرشحين العسكريين؟ وما رأيك فيمن يشترط أن يحكم مصر عسكري في الفترة الحالية؟
ـ لا.. كفاية عسكريين، فنحن زهقنا من العسكر بعد أن حكمونا 60 سنة.. فأنا أرى أن رئيس مصر القادم يشترط ألا يكون عسكريا.
* هل تعتقد أن ثورة يناير قضت على ثورة يوليو 1952؟
ـ لا.. فثورة يناير صححت انحرافات ثورة يوليو.
* عودة للمرشحين فقد قسمتهم علمانيين وإسلاميين، فلماذا ترفض أن يأتي واحد منهم رئيسا لمصر؟
ـ الخوف من النظام العلماني، لأن الغرب يشجعه ولا يعاديه، وكثير من العلمانيين يكونون عملاء لهم، وهذا ضد مصلحة الوطن.
* وماذا عن الإسلاميين؟هل ترفضهم لأنك تخشى وصولهم لحكم مصر؟
ـ أبدا. بل بالعكس فأنا سعيد بهذا الزخم الديني الموجود في مصر، لأنه رد على الانحلال والتفلت، بعد أن نجح مبارك في إفساد القاعدة الإسلامية. والمشكلة ليست في التوجه الإسلامي، بل في دور نظام مبارك في تبشيع الإسلام.
* إذن هل تقبل رئيسا مصريا ذا خلفية دينية؟
ـ وما المانع؟
* هل يمكن أن يحدث ذلك؟
ـ لو كانت هناك انتخابات نزيهة من الممكن أن يصل الإسلاميون لحكم مصر، إذا كان الشعب يريد ذلك.
* إذن لماذا ترى أنه لا يوجد بينهم من يثنيك عن الترشح للرئاسة؟
ـ المشكلة أن فهم بعضهم للدين يكون ضيقا، ولكن باعتباري متخصصا في الدراسات الإسلامية، فلا يمكن أن يزايد علي أحد بجمعي بين فهمي الدين والمجتمع والعلاقات الدولية.
رئيس إسلامي
* وهل يناسب مصر رئيس إسلامي؟
ـ تسامح مصر يجعلها تحتمل كل شيء المسجد والكنيسة وكافة صور الحياة الأخرى، لذا لا بد من رئيس يجمع بين تلك الرؤية للمجتمع المصري والقدرة على فهم العلاقات الدولية.
* كيف ترى الواقع المصري الآن؟
ـ للأسف فقد ارتكب المجلس العسكري أكبر خطأ في حياته، وهو أنه قام بتبريد الثورة، فبعد أن أدت الثورة إلى ذوبان ذواتنا لمصلحة الوطن، عدنا إلى ذواتنا من جديد ولمطالبنا الشخصية، واستيقظنا على واقع أسوأ مما كان.
* وما الذي كان واجبا على المجلس العسكري؟
ـ أولا كفالة الأمن ثم الدستور فالأحزاب القوية ثم ترسيخ ثقافة سياسية ناضجة وانتخابات حرة وقصاص واستقامة في السلوك، ومقاومة للفساد وتمهيد الأرضية لزرع جديد أي الديمقراطية.
*وما الذي حدث؟
ـ للأسف الشديد خربوا الساحة بشكل متعمد.
* هل تشك في بقاء المجلس العسكري لمدة مؤقتة في مصر؟
ـ نرجو أن تكون مؤقتة، ولو استمر المجلس سيكون برغبة أميركا وليس برغبتهم، لأن أميركا تخشى من الرئيس القادم.
* أستشعر في كلامك عدم رضائك عن المجلس العسكري؟
ـ آرائي الصريحة جعلتهم ضدي تماما، ولكني أشد إصرارا، لأن المعركة من أجل مصر ذاتها واستقلالها ووضعيتها العربية والإسلامية.
* وأين ملامح العروبة والإسلام في سياستك الخارجية لو صرت رئيسا لمصر؟
ـ سياستي الخارجية تقوم على الاستقلال الوطني والمصلحة المصرية أينما كانت وتوثيق العلاقات بالكامل مع العالم العربي والإسلامي بما فيه إيران. كما أؤمن بأن المواطن العربي لابد أن يتجول في كل أنحاء العالم العربي من دون تأشيرة.
* ما رأيك فيما يتردد بضلوع دول عربية في محاولات إجهاض الثورة؟
ـ هذا وضع طبيعي فهناك دول كانت مقربة من مبارك ولها علاقات بأميركا وإسرائيل، ويخشون من تأثير ما حدث عليهم فتقاومه، وأنا أتفهم ذلك، لكنني لا أوافق عليه طبعا. وأعتقد أنه ما كان يمكن أن تحدث هذه المقاومة، لولا الاختراق الدولي للعالم العربي.
*هل يمكن أن يؤدي ذلك إلى إسقاط الثورة؟
ـ لا.. طالما أننا نمضي في طريقنا نحو الديمقراطية.
أوراق خطيرة
* من أكثر المرشحين الذين تستشعر بقوتهم في الشارع المصري؟
ـ لا أحد حتى الآن.. وهناك فارق بين الزخم الإعلامي والشعبي، فالزخم الإعلامي الذي يعتمد عليه المرشحون، قد يؤدي إلى حرقهم بسبب كثرة ظهورهم، وأشبه الأمر تماما بالسلعة أو الفاكهة الفاسدة التي نحاول نشرها في كل مكان، فتنتشر معها رائحة فسادها الكريهة!
*هل تؤيد مطالبة المصريين في الخارج بالمشاركة في الانتخابات؟
ـ هذا حق أصيل لهم، وعدم تطبيقه هو جريمة دستورية ومخالفة دولية، لأن مصر منضمة إلى معاهدات حقوق الإنسان، التي تنص على المساواة أمام القانون، وبالتالي فعدم مشاركة المصريين في الخارج هو تمييز ضدهم.
*هل يمكن للمصريين في الخارج الحصول على حقهم بناء على هذا الكلام؟
ـ لو لم يحصل المصريون على هذا الحق، سأرفع دعوى دولية ضد الحكومة المصرية، لأنها تعتبر جريمة، وأنا أتبنى حملة لمنح المصريين بالخارج حق التصويت وأدعوهم لرفع دعاوى أيضا.
* ذكرت أن لديك من الأوراق ما يكشف كثيرا من الأسرار في حق المسؤولين الكبار، هل أنت جاد في ذلك؟
ـ بالفعل لدي أوراق كثيرة ستكشف أسرارا خطيرة!
* ومتى تكشف عنها؟
ـ كل في وقته.
* ألا تخشى أن يعرضك هذا الأمر للخطر؟
ـ "ضاحكا".. لا يهمني شيء!
حوار: صفاء عزب