[caption id="attachment_55226958" align="aligncenter" width="620" caption="الانفصال لاصغر فرهادي"][/caption]
سنة الإنتاج: 2011
الدول: إيران وبقية أنحاء العالم
إخراج: أصغر فرهادي
ممثلون: ليلى حاتمي وبيمان مؤيدي وسارة بيات وسارينا فرهادي
«الانفصال» تجربة شخصية دقيقة وعميقة لزيجة فاشلة، والتوترات التي تنشأ عنها وتستمر عن طريقها، حيث يصطحب هذا الفيلم الذي أتقن ممثلوه تأدية أدوارهم، المشاهد إلى حياة عائلة إيرانية بصورة مباشرة وغير معقدة، وتحمل مشاهده أحيانا حميمية خانقة، يتخللها شعور بالوقوع في شرك عائلة منعزلة يتزايد تفككها، نشاهد في الفيلم القليل من طهران والكثير من الخلفية الاجتماعية في عدة لقطات لشوارع طهران ومسؤول إيراني قانوني في غرفة صغيرة، يحاول تحقيق العدل بين الطرفين المتنازعين.
تحوم تقاليد وتوقعات المجتمع والدين حول الفيلم، لكنه نادرا ما يتعرض لها علانية، مع أن تأثيرها على حياة شخصيات الفيلم قوي للغاية ولكن ليس من السهل رؤيته، حيث تكمن أكبر نقاط قوة الفيلم في الاحترام والكرامة اللذين يتم منحهما لجميع الشخصيات، على الرغم من الأخطاء التي قد تشوبها، حتى يتمكن المشاهد من التعاطف مع كل منها، فتتعرض كل شخصية لتوترات يبدو من غير الممكن حلها بين الرغبة الشخصية والعادات الدينية والاجتماعية والواجبات الأسرية.
هذه التوترات أحيانا ما تكون كبيرة ولكنها لا تظهر على الفور، ومع استمرار أحداث الفيلم يبدأ المشاهد في الوصول إلى فهم أعمق لأساليب تبرير سلوك كل شخصية بصورة مقنعة، حتى وإن كانت قد تنتهك مبدأ دينيا أو قانونا علمانيا أو تبدو مثيرة لمشاكل أخلاقية وأنانية من وجهة نظر شخص آخر.
ويقدم المشهد الافتتاحي في الفيلم ـ في قاعة محكمة الطلاق حيث يظهر القاضي فقط بوصفه صوتا يعبر عن السلطة ـ فرصة كبيرة للزوج والزوجة من أجل الدفاع عن خطط حياة كل منهما، وهما متعارضان بسبب اختلاف الأولويات والاهتمامات.
وعلى الرغم من أن الدولة لديها سلطة تحديد طبيعة حياة الزوجين (بالزواج أو الطلاق)، فإن هذه السلطة ليس لها معنى خاص أو مفيد في هذا الموقف، حيث إنها لا تتناول الخلافات الأساسية بين الزوج وزوجته. لم تقدم لهما محكمة الطلاق وسيلة للراحة، ويخرج كل منهما غير راض ومشاكلهما لم تحل بعد.
[caption id="attachment_55226959" align="alignleft" width="180" caption="أصغر فرهادي"][/caption]
يترك المشهد الختامي للفيلم - وهو يتميز بالقوة والتأثير ذاته - المشاهد مع شعور باليأس أمام عدم الوصول إلى حل في الزيجة الفاشلة، حيث لم يعد هناك تفاهم متبادل واتصال حقيقي ويعاني الطفل من تمزق رهيب.
وعلى الرغم من أن الفيلم ينقل بعمق خلفية اجتماعية وثقافية إيرانية، فإن الموضوعات التي يطرحها تتجاوز الأمة والدين والثقافة وتحمل صدى عالميا، فيبرز الفيلم التوترات والتفاوتات بين الطبقات الاجتماعية والاقتصادية، والتحديات المعنوية والعملية لرعاية أبوين كبيرين في السن يعانيان من خرف الشيخوخة، والتأثير المهلك للغضب واليأس، والتخلي عن الأخلاق، والتغريب الناتج عن الفقر.
ولا يقدم الفيلم وصفات لحل مآسي الشخصيات أو كيفية معالجة الانقسامات داخل المجتمع الإيراني. ولكنه يصف بحساسية كيف يمكن لكل من الدين والعائلة أن يقدما المساعدة أو يعرقلا حياة الزوجين، وكيف يملك كل شخص القدرة على أن يكون غير أمين، وأن يهرب من حقيقة أساسية غير مريحة، أو أن يحاول احتكار الحقيقة في حين أنها حتما قابلة لتعدد الآراء والأبعاد، ففي صميم الفيلم يوجد احترام عميق للتعددية، حيث يأتي السرد واضحا ومتماسكا ولكنه لا يميز رؤية شخص على آخر، وهو يمثل دراما واقعية قاسية، أتقنت توضيح الجانب الإنساني في كل شخصية ورسما دقيقا للغموض والإحباط وتناقضات الأشخاص والعائلات والمجتمع متناولة العلاقات والالتزامات المتضاربة.
إنه مأساوي من دون إفراط في المشاعر أو توجيه خطب أو اتهامات، على الرغم من اختلاف الظروف الخاصة من مجتمع إلى آخر، يطرح الفيلم مسائل وجودية وصعوبات يستطيع كل مشاهد أن يشعر بها وأن يقدرها بصفتها نابعة تماما من الحالة الإنسانية بصورة لا يمكن فصلها أو اعتبارها أجنبية عنه.
نوام شيمل
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.