ستيفن والت يدعو الى توازن القوى في السياسة

ستيفن والت يدعو الى توازن القوى في السياسة

[escenic_image id="55226237"]

التقى ستيفن والت، أستاذ الشؤون الدولية المعروف بكلية جون كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد مع "المجلة" لمناقشة واحدة من قضايا الأمن الأساسية اليوم، وإمكانية حصول إيران على قنبلة نووية والاستجابات المحتملة من الأطراف ذوي الصلة بتلك القضية. وقدم رؤيته حول درجة تأثير تلك الاحتمالية على العوامل الديناميكية في المنطقة، كما أفصح عن رأيه حول ما يمكن أن تقوم به الولايات المتحدة على نحو مختلف.

عمل والت عميدا لكلية جون كنيدي للدراسات الحكومية بجامعة هارفارد في الفترة من 2002 إلى 2006. وكان قبل ذلك يقوم بالتدريس بجامعة برنستون وجامعة شيكاغو حيث كان يعمل أستاذا بالقسم الجامعي للعلوم الاجتماعية ونائبا للعميد للعلوم الاجتماعية.

وتتضمن أعماله المنشورة كتاب "أصل التحالف" (1987)، "الثورة والحرب" (1996) وأخيرا صدر له كتاب "تدجين القوة الأميركية: رد الفعل العالمي للتفوق الأميركي" (2002). وقام بالتعاون مع جون ميرشايمر بتأليف كتاب "اللوبي  الإسرائيلي والسياسة الخارجية للولايات المتحدة" (2007)، الذي تصدر قائمة أفضل الكتب مبيعا والذي أثار جدلا حادا في الولايات المتحدة.

 

"المجلة": بالنظر إلى سياسة الولايات المتحدة الخارجية الحالية حيال إيران، ما الذي كنت لتغيره وما الذي كنت لتبقيه على حاله؟

- لقد كانت علاقة الولايات المتحدة وإيران تتسم بالاضطراب منذ قيام الثورة الإيرانية في 1979 - 1980. وفي السنوات الأخيرة، كان معظم التركيز على محاولة الولايات المتحدة وحلفائها وقف البرنامج الإيراني لتخصيب اليورانيوم. وقد حاولنا ذلك من خلال محاولة فرض ما نستطيع من الضغوط على إيران عبر العقوبات الاقتصادية والتلميح من وقت لآخر بأننا ربما نتخذ إجراءات أقوى مثل اللجوء للقوة العسكرية.

والنقطة الرئيسة التي أرغب في توضيحها هي أن ذلك لم يفلح ببساطة، ولم يجعل إيران توقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم. كما أنه لم ينتج أي نوع من التغير في توجهات إيران السياسية وليس من المرجح أن يحصل اي تقدم. فلا أعتقد أن الولايات المتحدة ستكون قادرة على أن تحصل على ذلك النوع من العقوبات الدولية التي تمكنها فرض القدر الكافي من الضغوط على إيران.

كما أن التهديد باستخدام القوة العسكرية يعطي النظام ببساطة المزيد من الأسباب التي تجعله راغبا في الحصول على قدرات رادعة. وبالتالي، فإن الطريقة الوحيدة لمعالجة تلك القضية ستكون بسحب التهديد باستخدام القوة العسكرية من على الطاولة. ونفعل ذلك من خلال القول بأننا لن نحاول خلع النظام وأننا لن نهاجم المنشآت العسكرية وأننا سنحاول التوصل إلى نوع من الصفقات الكبرى التي يمكن أن نقنعهم عبرها أنه من الأفضل الحصول على أسلحة نووية. وأنه سيتم السماح لهم بالحصول على قدرات نووية وقدرات لتخصيب اليورانيوم وفقا لمعاهدة منع الانتشار النووي ثم البدء في الحديث بصراحة أكبر حول القضايا الأمنية المتعددة التي كان كلا الجانبين قلقا بشأنها لمدة طويلة.

 

"المجلة": هل تعتقد أن إدارة الرئيس أوباما لديها التأييد الكافي في الكونغرس لكي تفعل شيئا مثل ذلك؟

- على الأرجح لا. فقد كانت إدارة أوباما تأمل في البداية أن تتمكن من إصدار بعض الإشارات الودودة لإيران وأن تتمكن بالتالي من إنتاج حركة إيجابية. وأعتقد أن ذلك كان سذاجة لأن ما فعلوه في البداية كان لكي يقولوا إننا نحاول فتح حوار مع إيران وإننا مستعدون لإدارة المفاوضات، وإننا بحاجة لتحسين العلاقات.

ولكنهم لجأوا إلى سياسة إدارة بوش التي كانت تقول إنه على إيران أن تمنحنا أولا الشيء الرئيس الذي نرغب فيه وأن تنهي برنامجها لتخصيب اليورانيوم، وبعدما يقومون بذلك سنكون على استعداد للحديث معهم حول الكثير من الأشياء التي تهمهم.

وكما أشرت من قبل، فإن تلك السياسة لن تفلح. فهي لم تفلح خلال إدارة الرئيس بوش ولن تفلح تحت حكم الرئيس أوباما، بغض النظر عن عدد الإشارات الطيبة التي سيحاول إصدارها وعدد مقاطع الفيديو التي سيقوم بإرسالها في المناسبات الإيرانية. وفي النهاية، فإن ذلك يتعلق بالقضايا الفعلية المطروحة أمامنا، فإذا لم نكن مستعدين للحوار حول الأشياء التي تهمهم إلا إذا أعطونا ما نرغب فيه فإننا لن نحرز قدرا كافيا من التقدم.

 

"المجلة": ونظرا للعقوبات الأميركية، تكوّن إيران - وتعزّز في بعض الحالات - العلاقات الاقتصادية مع دول أخرى مثل الصين وتركيا. فما هي الرسالة التي يرسلها ذلك إلى هؤلاء الذين يساندون العقوبات على إيران وما هو تأثير ذلك على السياسات الإقليمية؟

- أولا، إنه يذكرنا بأن العقوبات الاقتصادية ليست سلاحا فعالا تماما. وحتى إذا كان فعالا فإنه يحتاج إلى سنوات طويلة لكي يسفر عن شيء. وقد رأينا ذلك في كثير من الحالات الأخرى ويكون ذلك أكثر منطقية عندما تكون الدولة التي تحاول الضغط عليها لديها خيارات أخرى.

وقد رأينا إيران وهي تتوسع في الصفقات الاقتصادية مع الدول المجاورة بخاصة تركيا وكذلك مع دول مثل الصين. وذلك دليل آخر على مدى صعوبة أن تضع مجموعة من العقوبات التي يمكنها أن تؤثر إلى الدرجة التي تجعلهم يتخلون عن بعض الأولويات الوطنية.

وبالنسبة لي، فإن الاستنتاج الذي يمكن استخلاصه من ذلك هو أننا بحاجة إلى طرح مقاربة مختلفة. وأستطيع أن أضيف إنه على الرغم من أن الصين كانت دائما تؤيد العقوبات في الماضي، فإنها كانت دائما تؤيدها بتردد وتبذل قصارى جهدها لتخفيف آثارها. وأعتقد أن ذلك يعكس حقيقة أن الصين تريد أولا أن تقيم علاقات طيبة مع إيران. وثانيا أن الصين لا ترغب فعليا أن يتم استخدام أي نوع من القوة في المنطقة حتى لا يزعزع من استقرار المنطقة ومن ثم يؤثر على موارد الطاقة وغيرها من مثل تلك الأمور.

وفي الوقت نفسه، فإن الصين لا ترغب في أن يتم حل تلك القضية في وقت قريب لأنه من منظور الصين فإن الحفاظ على العلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة وإيران لأطول فترة ممكنة هو أمر طيب. فالصين لا ترغب في أن تتحول تلك المواجهة إلى اللجوء إلى القوة ولكنها لا ترغب في انتهائها أيضا لأن من مصلحة الصين أن تستمر العلاقة السيئة بين الولايات المتحدة وإيران.

 

"المجلة": في محاولة واضحة للتوازن مع إيران، تحاول دول الخليج تسليح نفسها، مكونة ما يقال إنه أكبر عملية تسلح سلمية في العالم. ما مدى فعالية مثل تلك الاستراتيجيات؟

- أعتقد أنها فعالة للغاية. فيجب ذكر نقطة مهمة، وهي أن إيران ليست لديها قدرات عسكرية هائلة. فإيران لديها إمكانات طاقة طويلة المدى وعدد هائل من السكان وسيكون لديها قدر كبير من الإمكانات الاقتصادية إذا ما تم رفع العقوبات وتبنت الحكومة الإيرانية سياسات اقتصادية أكثر عقلانية.

ولكن في الوقت الراهن، ليس لدى إيران القدرات الكافية لتهديد جيرانها، كما أن إنفاقها العسكري متواضع حيث يبلغ نحو 10 مليارات في السنة وهو ما يعد مقدارا ضئيلا للغاية. كما أن قواتها العسكرية ليست لديها القدرة على التنقل لمسافات بعيدة ولا يمكنها التهديد بغزو أي من جيرانها أو حتى شن غزوات محدودة.

ومن ذلك المنطلق، فإن جيران إيران في الخليج، يمكنهم ببساطة حماية مصالحهم وحماية أمنهم من خلال بعض الصفقات العسكرية المتواضعة، والحفاظ على علاقات طيبة مع بعضهم البعض ومع الولايات المتحدة. وبالتالي فإن فكرة أن إيران يمكنها الهيمنة على الخليج في أي وقت هي فكرة خاطئة. بالإضافة إلى أنه إذا ما أصبح ذلك يمثل أزمة حقيقية، فسيحدث المزيد من التعاون بين دول الخليج الأخرى وسيأتي المزيد من الدعم من الدول الأخرى التي لديها مصلحة في أمن تلك المنطقة. فهي قضية يجب وضعها في الاعتبار ولكنها ليست قضية يجب الذعر منها.

 

"المجلة": أخذا في الاعتبار القدرات العسكرية الإيرانية، ألا يبدو أنه من المبالغ فيه تسلح الدول العربية نفسها على ذلك النحو في تلك المرحلة المبكرة؟

- كلا. فقد كان هناك قدر كبير من التوترات في الأسابيع والشهور الماضية حول قضية أمن الخليج. وكانت الولايات المتحدة تحاول أن توضح لحلفائها المختلفين في المنطقة أنه على الرغم من أننا نحاول الآن الخروج من العراق والتفاوض مع إيران فإننا بلا شك لن ننسى مصالحنا الأخرى في المنطقة.

كما أنني أعتقد أن مبيعات الأسلحة – على نحو ما – رمز للالتزام. فهي رمز لاستمرار الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وبعض تلك البلدان. فهي لا تعمل على تطوير الاستحواذ على إمكانات عسكرية محددة للتعامل مع مخاطر عسكرية محددة بقدر محاولتها إقامة علاقة أمنية وثيقة.

 

"المجلة": في ذلك السياق، ما هي العلاقة المستقبلية بين إيران ودول الخليج؟

- ما تسمعه عادة في الولايات المتحدة هو أن دول الخليج مرعوبة من إيران وفي أمس الحاجة للحصول على حماية الولايات المتحدة. وأعتقد أن في ذلك مبالغة في تقييم الموقف. أعتقد أن دول الخليج تعي أن إيران لديها إمكانات الطاقة التي يمكن أن تمثل مشكلة في ظروف معينة.

وأستطيع أن أضيف أن ذلك كان صحيحا أيضا خلال فترة حكم الشاه، عندما كانت قوة إيران تتزايد وكانت طموحاتها تتزايد وكان ذلك يثير مخاوف جيرانها. ولكن ذلك ليس جزءا من أهداف الحكومة الإيرانية الحالية لأن عليها التعامل مع حجم إيران.

ولكن في الوقت نفسه، كان للكثير من البلدان في المنطقة صفقات مع إيران لقرون عدة. فقد سمعت ذات مرة أحد المسؤولين في المنطقة وهو يقول: "لقد كنا نعيش إلى جوار إيران لمئات السنين ونعرف كيف نفعل ذلك" وبالتالي، ومثل الكثير من البلدان، فإنهم سيكونون حذرين لما يحدث في إيران وكيف يمكن أن تتغير قوة إيران بمرور الوقت. ولا أعتقد أنه وقت الخوف على أي المستويات ولا أعتقد أن الناس في المنطقة تشعر بالرعب.

 

"المجلة": هل سيستمر الإيرانيون في طريق الحصول على قنبلة نووية أم أنك تعتقد أنهم سوف يقررون عدم الاستمرار والحفاظ على إمكانية الاستحواذ على واحدة إذا ما اختاروا ذلك؟

- لا أدري لأن الحكومة الإيرانية لم تفض إلي بنياتها على المدى البعيد. ولكنني أعتقد أن هناك عددا من الأسباب التي تجعلني أعتقد أنهم لا يرغبون في قطع الطريق بكامله للحصول على قدرات نووية متطورة.

وربما تكون هناك سبل يستطيع عبرها العالم إقناعهم بأن ذلك خيار سيئ. وبالمناسبة، أعتقد أنهم سوف يحاولون الحصول على قدرات كامنة وعلى القدرة على تطوير أسلحة نووية سريعة في حال إذا ما بدأ برنامجهم الأمني في التراجع وبدأوا يشعرون بالقلق من أن القوى الخارجية القوية مثل الولايات المتحدة سوف تستعد لملاحقتهم.. ولكن هناك عواقب حقيقية لموقف نووي واضح وأعتقد أنهم إذا استطاعوا تجنب ذلك فإنهم سيفضلون ذلك.

وعادة ما يقارنهم الناس باليابان، أي أنهم يحاولون الحصول على قدرات نووية شبيهة بقدرات اليابان، حيث يعتقد معظم الناس أن اليابان يمكن أن تحصل على القدرة على تصنيع أسلحة نووية في وقت قصير للغاية إذا ما رغبت في ذلك ولكنهم لم يختاروا أن يفعلوا ذلك نظرا لكثير من الأسباب المحلية والدولية.

وجدير بالذكر أن كثيرا من الزعماء الإيرانيين قالوا صراحة إنهم لا يرغبون في الحصول على الأسلحة النووية. لأنهم يعتبرونها غير إسلامية وبالطبع أنا لا أعتقد أنه يجب النظر إلى ذلك باعتباره موقفا حقيقيا ولكنني أعتقد أنه لم يتم اتخاذ قرار نهائي. وأعتقد، على نحو ما، أن ذلك التوجه المحتمل للقدرات التي وصفتها ربما يكون الموقف المفضل لإيران.

 

"المجلة": ماذا في رأيك ستكون الاستجابة الغربية لشيء مثل ذلك؟

- أولا، أعتقد أنه على الولايات المتحدة وحلفائها التفكير بجدية حول ماهية سياستهم إذا ما حدث ذلك. وأعتقد، على نحو ما، أن ذلك هو المرجح إن لم يكن على المدى القريب فإنه سيحدث في النهاية. وربما لا نكون قادرين على وقف إيران عن الحصول على تلك القدرات الكامنة، ولكن ربما نكون قادرين على إقناعهم بعدم اتخاذ الخطوة التالية.

وثانيا، فإنني لا أعتقد أن المشكلة بذلك الحجم أو أنها تمثل تغيرا جذريا. فأحيانا تسمع الناس وهي تتكلم بحماقة حول أن إيران ربما تحصل قريبا على قدرات نووية سيكون لها عواقب خطيرة على السياسات العالمية أو حتى على العلاقات في منطقة الخليج.

ويعتقدون أن ذلك ربما يمكن إيران من قهر جيرانها، وابتزاز الدول الأخرى وفرض إرادتها على الغير. وأعتقد أن ذلك محض حماقة. فلم تكن أي دولة قادرة على استخدام الطاقة النووية تستطيع تهديد أو ابتزاز الدول الأخرى. وبالطبع فإن المشكلة هي أن التهديد النووي ليس بمثل تلك الفعالية إذا ما كان الشخص الذي تهدده لديه القدرة على الردع أو لديه حلفاء أقوياء على استعداد للانتقام. كما أن مخاطر تنفيذ تهديد نووي هائلة ولا أعتقد أن قيادة إيران انتحارية. وبالتالي فحتى إذا ما كان لديها مثل تلك الإمكانات فإنها لا تستطيع استخدامها لتهديد أو قمع الآخرين. ولكن الشيء الوحيد الذي يستطيعون فعله هو ردع الآخرين من محاولة خلعهم.

 

"المجلة": ما نوع التحديات الإقليمية التي تتوقعها إذا ما حصلت إيران على القنبلة؟

- لا أعتقد أن ذلك سيكون شيئا طيبا، بل إنني أفضل أن لا تتخذ إيران ذلك الطريق. ولكنني أعتقد أن ذلك نوع من الأحداث التي يتحدث حولها الناس على نحو متخوف قبل وقوعها، ولكنها عندما تحدث فإن الجميع يتكيف معها.

وبالتالي فإذا ما عدنا إلى الستينيات، سوف نجد السياسيين الأميركيين وهم يتحدثون حول إمكانية حصول الصين على القنبلة بشكل أقرب لجنون الارتياب. وكانوا يقولون إن ذلك سيكون مروعا لأن القيادة الصينية ليست عقلانية وإنهم سوف يفعلون كل الأشياء الجنونية. وبالطبع، فأول ما اختبرت الصين السلاح النووي، سرعان ما تكيف الناس مع تلك الحقيقة وأدركوا أن الأمر لم يكن بتلك الخطورة. ليس شيئا طيبا ولكنه ليس شيئا يجب القلق إلى حد كبير بشأنه. وأعتقد أن القضية قريبة إلى ذلك على نحو ما.

فهي سوف تثير بعض المخاوف في المنطقة بلا شك. وربما تثير جدلا في بعض البلدان الأخرى حول ما إذا كانوا يرغبون في نهج نفس الطريق ولكنني لا أعتقد أنه من المرجح أن البلدان الأخرى في الشرق الأوسط سوف تحاكي على الفور ما فعلته إيران بخاصة إذا ما حصلت على قدرات كامنة.

فإسرائيل كان لديها أسلحة نووية لثلاثين أو أربعين عاما ولم يدفع ذلك الدول الأخرى في الشرق الأوسط للإسراع في محاولة الحصول على سلاح نووي. وكانت هناك بعض البرامج النووية في بلدان مختلفة ولكنها لم تثر نفس القدر من الهلع.

 

"المجلة": تجد معظم حكومات المنطقة صعوبة في فهم سبب سعي الولايات المتحدة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي لمنع قرار يرعاه العرب في الوكالة الدولية للطاقة النووية يحث إسرائيل على الانضمام لمعاهدة منع الانتشار النووي. هل يمكن أن توضح لقرائنا ما الذي يقف خلف موقف الولايات المتحدة؟

- أعتقد أن ذلك مجرد دليل آخر على العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة وإسرائيل. حيث تمنح الولايات المتحدة إسرائيل الغطاء الدبلوماسي في أماكن مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية أو مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، حتى وإن كان ذلك متعارضا تماما مع السياسات الأميركية في المناطق الأخرى ولا يرجع ذلك تماما - بل تقريبا - للسياسات المحلية في الولايات المتحدة وقوة اللوبي الإسرائيلي.

 

"المجلة": عندما تحصل إيران على القنبلة، هل تعتقد أن فرص إقناع إسرائيل بالتوقيع على معاهدة منع الانتشار النووي سوف تتزايد أخذا في الاعتبار أنها لن تصبح القوة النووية الوحيدة في المنطقة؟

- أعتقد أنه من المستبعد أن توقع إسرائيل على الاتفاقية. وربما يفعلون ذلك إذا ما تم منحهم درجة دولة تمتلك سلاحا نوويا. ولا أستطيع أن أتخيل عددا من الملابسات في العقود القادمة تتخلى عبرها إسرائيل عن ترسانتها النووية. وبالتالي فإن توقيع إسرائيل على الاتفاقية ليس من ضمن خيارات إسرائيل، أخذا في الاعتبار سياسات إسرائيل الأمنية التي تعد ضمانتهم الأخيرة للبقاء.

 

"المجلة": لإسرائيل والدول العربية عدو مشترك في إيران، فكيف سيؤثر ذلك على مستقبل العلاقة بينهم؟

- أولا، كانت لإسرائيل علاقة طيبة للغاية بشاه إيران وكانت علاقتها بإيران أكثر تعقيدا من مجرد الاقتصار على العداء. ثم ازدادت الأمور سوءا منذ بداية التسعينيات ولكن بالعودة إلى الثمانينيات كانت علاقات إسرائيل بإيران طيبة على نحو ما. بل وكانت هناك بعض الصفقات بين الحكومات.

ومما لا شك فيه أن الدول العربية قلقة بشأن إيران، كذلك إسرائيل وأن ذلك يخلق إمكانية تحقيق درجة من التعاون. ولكن العقبة تتعلق بالقضية الفلسطينية، التي ما زالت مصدرا رئيسا للانقسام بين إسرائيل وجيرانها العرب. كما أنها قضية برعت إيران في استغلالها تماما.

وبالتالي، فما يجب فعليا أن يحدث إذا ما كانت إسرائيل تفكر بجدية في ذلك هو أن تعمل على حل القضية الفلسطينية من خلال منح الفلسطينيين حلا سخيا عبر الدولتين. وهو ما سوف يحد من المدى الذي يمكن أن تستغله إيران لتقسيم الدول العربية وتحدي الدول العربية المختلفة وتحدي إسرائيل. وسوف يجعل من الأسهل على الحكومات العربية القلقة بشأن إيران أن تتعاون مع إسرائيل بطرق متعددة لكي تحاول أن تتعامل مع ذلك.

ولسوء الحظ، فإن منح دولة للفلسطينيين ليس شيئا يرحب الإسرائيليون بالقيام به وهو في رأيي أمر غير عادل كما أنه أحمق تماما من وجهة النظر الاستراتيجية.

 

"المجلة": هل تخدم القضية الإقليمية ايران أم تفيد الفلسطينيين في سعيهم للحصول على دولة؟

لست متأكدا من ذلك. فمن جهة وكما قلت من قبل فإنه يجب منح الأطراف المختلفة حافزا لمنح الفلسطينيين دولة. فيمكن أن تنظر للمخاوف المتعلقة بإيران باعتبارها تطورا إيجابيا ودفعا للجميع للموافقة على أننا يجب أن نحل القضية الفلسطينية حلا نهائيا لكي نتمكن من التعامل مع إيران.

ولكن المشكلة هي أنه تم استخدام ذلك كنوع من أنواع التضليل، وبالتالي فإنه كلما حاولت الولايات المتحدة وغيرها أن تصبح أكثر جدية بشأن القضية الفلسطينية، تقول حكومة نتنياهو: "حسنا ولكننا يجب أن نقلق بشأن إيران".

وبالتالي فإنه من ناحية يجب تقديم شيء طيب للفلسطينيين ولكنه لم يحدث جزئيا لأن قضية إيران كانت تستخدم كذلك للتعمية.

ويتحدث الناس دائما حول الصلة بين المشكلتين. فعلى سبيل المثال، سوف تقول إسرائيل: "لا نستطيع عقد صفقة جيدة مع الفلسطينيين حتى نشعر بالأمان تجاه إيران. اضمنوا لنا أمننا ضد إيران وتخلصوا من برنامجهم النووي ثم ربما نكون أكثر كرما حيال الفلسطينيين". وعادة ما يكون ذلك غير صحيح. ولكنه يستخدم كحجة والأهم من ذلك فإنك لا تستطيع ربط تلك القضايا على ذلك النحو.

والحقيقة هي أنه على الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية بقدر تخوفهم من إيران وضع سلسلة من السياسات المصممة للتعامل مع تلك المخاوف. وإذا ما كانت تلك سياسات ذكية فيجب استئنافها. وبالمثل، يجب على كل من الولايات المتحدة وإسرائيل والدول العربية العمل بجدية للحصول على حل الدولتين قبل أن يفوت الوقت. وبغض النظر عما يحدث في العلاقة مع إيران فلا يجب أن تترك أي من القضيتين لتصبح عائقا أمام تحقيق تقدم في الأخرى.

وعندما يرغب الناس في الربط بينهما، فإنك تمنح دولا مختلفة قوة الفيتو على ما ربما ترغب في عمله في ما يتعلق بإحدى القضايا. فأنت لا ترغب في أن تترك طهران تقرر إذا ما كنت سوف تستأنف عملية السلام مع الفلسطينيين.

 

"المجلة": ما احتمالية أن تهاجم إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية وما الذي يمكن أن يحدث إذا ما فعلت؟

- لا أستطيع استبعاد ذلك، فأنا أغير رأيي حول ذلك من شهر لشهر. ولكنني إلى حد بعيد أستبعد ذلك لأن هجوما إسرائيليا لن يؤخر إلى حد كبير من البرنامج النووي الإيراني. ربما يجعله أبطأ ولكنه لن ينهيه كما أنه سوف يتسبب على الأقل في إثارة قدر كبير من المشكلات للولايات المتحدة وغيرها في المنطقة.

وسوف تتلقى الولايات المتحدة اللوم على ذلك حتى إن لم نكن قد رحبنا به. وفي المقابل لا أعتقد أن ذلك سوف يحدث ولا أعتقد أنها ستكون خطوة ذكية ولكن الإسرائيليين قاموا بعمل الكثير من الأشياء التي كانت تفتقر للذكاء في السنوات الأخيرة.

 

"المجلة": إلى أي مدى لإسرائيل تأثير في الوقت الراهن في ما يتعلق بالقضية الإيرانية في الولايات المتحدة؟

- أعتقد أن رأي إسرائيل يتم التعامل معه بجدية في الولايات المتحدة من قبل الكثير من الناس وبخاصة الجماعات التي يطلق عليها جماعات الضغط الإسرائيلي والتي كانت الأكثر تشددا في دفع الولايات المتحدة لاتخاذ إجراء ما حيال برنامج إيران النووي.

وأعتقد أنه إذا لم يكن هناك اللوبي الإسرائيلي، لكانت الولايات المتحدة سوف تظل قلقة حول برنامج إيران النووي بنفس الطريقة التي تقلق بها حيال الدول الأخرى مثل باكستان أو الهند. ولكن الناس لم يكونوا يتحدثون حول القوة العسكرية لمحاولة منعها. ولم يكن الناس يتحدثون حول الحرب الوقائية بل إننا كنا لنصبح أكثر ميلا لاستئناف برنامج دبلوماسي أكثر طموحا مصمم لمحاولة حل الخلافات بين الدولتين والمضي قدما.

 

"المجلة": كيف يؤثر ذلك الموقف مع إيران على الحرب الأميركية في أفغانستان ووجودها في العراق؟

- أعتقد أن الوجود العسكري الأميركي في العراق للسنوات الثماني الماضية وفي أفغانستان كان له تأثير مختلف. أولا، إنه زاد إلى حد كبير إحساس إيران بأنها مهددة من قبل الولايات المتحدة. فأنت لديك أقوى دولة في العالم لديها أكبر قوات مسلحة في دولتين على حدودك بالإضافة إلى وجود بحري في الخليج العربي والمحيط الهندي وعلاقات وثيقة مع كثير من الدول في الخليج.

فإذا كنت مكان إيران يجب أن تقلق بذلك الشأن، بخاصة إذا ما كان السياسيون الأميركيون المرموقون يتحدثون حول تغيير النظام ويتحدثون حول مدى حاجتنا لفعل شيء حيال النظام الديني. وبغض النظر عن رأيك في إيران، فمن الواضح أنهم ينظرون إلى ذلك باعتباره مهددا بنفس الطريقة التي يمكن أن تفعله بها أي دولة أخرى.

والنقطة الثانية هي أن التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان نظرا لأنه أصبح سيئا للغاية فإنه يضع حدودا حقيقية على الضغوط التي تستطيع الولايات المتحدة فرضها على إيران. وذلك لأن هناك الكثير من الأشياء التي تستطيع إيران أن تقوم بها لكي تجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة للولايات المتحدة سواء في العراق أو في أفغانستان.

وتذكر أن إيران ساعدت بالفعل الولايات المتحدة من كثير من النواحي، عندما ذهبنا إلى أفغانستان في 2002 ولم تكن إيران أبدا لديها مشاعر دافئة صوب طالبان. وما زال هناك الكثير من الأشياء التي يمكن القيام بها لمساعدة طالبان لتجعل حياتنا أكثر صعوبة في أفغانستان. فهناك أشياء يمكن أن تفعلها بالفعل - وربما تكون قد فعلتها في الماضي - لكي تجعل الحياة أكثر صعوبة في العراق.

إذن، وعلى نحو ما، يعقد وجودنا هناك العلاقة على الكثير من المستويات. فهي تجعل إيران أكثر قلقا منا ولكنها تجعل أيضا من الصعب بالنسبة للولايات المتحدة أن تفعل الكثير حيال إيران نظرا للطرق التي تستطيع إيران عبرها الانتقام.

 

"المجلة": ما هي أفضل نظرية للعلاقات الدولية تستطيع تفسير ما يحدث في المنطقة؟

- ربما لن يدهشك ذلك، ولكنني أميل مبدئيا للجوء إلى تنويعات نظرية توازن القوى. فالأهداف الأميركية في المنطقة، لمدة عقود، كانت الحفاظ أساسا على توازن القوى هناك، وكانت تلك السياسات تفلح عندما كنا نتبع توازن القوى على نحو أكبر أو أقل.

ومما لا شك فيه أن التخوف الأساسي هو أنه على الدول في المنطقة التعامل مع مخاوفها عندما يعتقدون أن دولة واحدة تزداد قوة أو طموحا كما كان الحال في العراق في الكثير من المراحل.

وفي الماضي، كان ذلك صحيحا بالنسبة لإيران وأستطيع أن أضيف أنه عندما ينسى القادة أهمية توازن القوى في السياسة أو يتبنون استراتيجيات مختلفة فإنهم يميلون للتعرض للمشكلات. وبالتالي، فعندما اتبعت الولايات المتحدة سياسة الاحتواء المزدوج في التسعينيات، كان ذلك حماقة. فقد كنا نحاول أساسا أن نتوازن ضد الدولتين اللتين تكرهان بعضهما البعض.

كذلك، عندما تبنى الرئيس بوش استراتيجية التحول الإقليمي كنا سنقود المنطقة بكاملها إلى نقطة السلاح وكان ذلك ليكون أكثر حمقا. وبالطبع فقد رأينا جميعا النتائج في العراق وبالتالي أميل للنظر إلى المنطقة من منطلق توازن القوى إلى حد كبير وأعتقد أن السياسة الأميركية تستخدم نفس المنهج ومن المرجح أن نحصل على النتائج التي نحبها في مقابل النتائج التي نرفضها.

 

"المجلة": في الوقت الراهن، سترغب الإدارة في تطبيق الإطار الإنساني في سياستها الخارجية. كيف تشعر حيال ذلك؟

- لست متأكدا مما يعنيه ذلك. ولكنني أعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة للتخلص من مسألة أن تخبر الدول الأخرى بالطريقة التي يجب أن تدير بها شؤونها. ويمكننا أن نقدم بعض النصح وأن نقدم بعض الاقتراحات ولكن حقيقة الأمر هي أننا لا نعرف كيف نحكم أماكن مثل العراق أو أفغانستان.

ولا يمكن أن نعرف كيف ندير إيران إذا ما أصبحنا فجأة مسؤولين عن ذلك. ويمكنني أن أقول إن ذلك ينطبق على دول أخرى في الخليج والشرق الأوسط وحتى في مناطق أخرى من العالم.

وللولايات المتحدة مصالحها الخاصة ويجب عليها السعي وراءها بفعالية ولكننا يجب أن نكون أكثر اعتدالا في ما يتعلق بمحاولة إعادة تنظيم السياسات الداخلية للدول الأخرى. وأعتقد أن العقد الماضي أو ما شابهه علمنا أننا لسنا ماهرين في عمل ذلك وأننا يمكن أن نتسبب في المزيد من المشكلات لأنفسنا ولأصدقائنا أكثر من أن نقوم بالأشياء على النحو الصحيح.

 

"المجلة": من هم الكتاب الذين تتابعهم من الأجيال الشابة؟

- هناك الكثير من المدونين الذين أقرأ لهم حاليا بشكل منتظم سواء كان أندرو سوليفان أو فيليب ويز أو ماثيو إيغليسياس أو غيرهم. وهناك المؤرخ اللبناني أسامة مقدسي الذي كنت أقرأ أعماله وأستمتع بها.

 

"المجلة": هل تعمل على تأليف كتاب في الوقت الراهن؟

- إنني أعمل على مشروعين مختلفين. وأرغب في تأليف كتاب حول استراتيجية أميركا الكبرى للقرن الحادي والعشرين وأقترح سبلا تستطيع عبرها الولايات المتحدة إعادة التفكير في كيفية تعاملها مع باقي أنحاء العالم ككل وليس في منطقة بعينها.

ثانيا، أعمل على كتاب حول سبب صعوبة تخلص الدول من تورطها في العمليات العسكرية حتى عندما لا تسير على نحو طيب. ولماذا توجد صعوبة في تخفيض خسائرك عندما تكون في حرب خاسرة؟ ولماذا تميل البلدان للبقاء في تلك الحروب لمدة أطول مما يجب؟

فأنت عادة ترى الدول وهي تستمر في حالة حرب لمدة طويلة. ونادرا ما تراها وهي تخرج من تلك الحالة مبكرا وأحاول توضيح لماذا الحال كذلك، وأقترح كيف يمكننا علاجها. وأخيرا، ما زلت أكتب حول الكثير من شؤون الشرق الأوسط وسوف أقوم بعمل المزيد في المستقبل أيضا.

 

* الحوار أجرته جاكلين شوين.

font change