مراقبو الانتخابات الدوليون.. أين ذهبت الضيافة العربية؟

مراقبو الانتخابات الدوليون.. أين ذهبت الضيافة العربية؟

[caption id="attachment_1127" align="aligncenter" width="620" caption="مراقبون دوليون للاشراف على الانتخابات الرئاسية التي شهدتها ساحل العاج في أكتوبر الماضي "]مراقبون دوليون للاشراف على الانتخابات الرئاسية التي شهدتها ساحل العاج في أكتوبر الماضي  [/caption]

لقد أصبح هذا مشهدا مألوفا للغاية. متى دعت دولة نامية لها أهمية خاصة بالنسبة للمجتمع الدولي إلى إجراء انتخابات، يطلب عدد كبير من الهيئات الدولية لمراقبة الانتخابات حق مراقبة سير العملية الانتخابية والتعليق عليها. ترحب بهم الدول الحريصة على إظهار أوراق اعتمادها الديمقراطية، بينما تصبح أخرى، ومنها العديد من الدول في الشرق الأوسط، أقل ترحيبا بكثير، حيث تعتبر أن مثل هذه المراقبة الدولية انتهاك لسيادة الدولة. ولكن نادرا ما تكون حجج هذه الدول مقنعة، وفي الغالب يكون وجود مراقبين دوليين هو الأمل الوحيد أمام حركات المعارضة للحد من قدرة الحكومات على إخضاعها.

عندما يُسمح بدخول مراقبين دوليين، يصبحون عنصرا بارزا للغاية في الحديث الوطني عن الانتخابات. وتصل فرق المراقبة قبل شهور من موعد إجراء الانتخابات، وتقيم لها مقرا. وتستطيع هذه الفرق، المكلفة بمراقبة المناخ السياسي الذي تنعقد فيه الانتخابات على نطاق واسع، أن تعقب وأحيانا تؤثر في أسلوب الحكومة في التشريع الانتخابي وتسجيل المرشحين وتوعية الناخبين والحملات الانتخابية. وفي معظم الأحيان، تمثل هذه الوفود مجموعة من الهيئات الغربية الشهيرة مثل المعهد الديمقراطي الوطني الذي تموله الوكالة الأميركية للتنمية، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة.

وقبل موعد الانتخابات بأيام، يتضاعف الحماس ويصل مئات من المراقبين الدوليين من جميع أنحاء العالم. وعلى عكس فرق المراقبة، يتعلق عمل المراقبين بنطاق أصغر كثيرا من الأنشطة التي يراقبونها، ولكنهم غالبا ما يمثلون مجموعة أكبر وأكثر تنوعا من المنظمات غير الحكومية والأفراد.

بعد ذلك يحل موعد الانتخابات الذي يجوب فيه المراقبون الدوليون البلدات الكبرى في سيارات دفع رباعي في حالة من الطوارئ. وقبل أن تفتح مراكز الاقتراع أبوابها للجمهور، ينضم المراقبون إلى عدد محدود من الناس، وهم ممثلو وسائل الإعلام والمراقبون المحليون وممثلو الأحزاب السياسية، المسموح لهم بدخول مراكز الاقتراع. ويشاهدون كشف مديري الانتخابات عن القوائم النهائية للناخبين وأوراق الاقتراع في كل مركز ويتابعون شرحهم لكل خطوة في عملية التصويت، ويتأكدون من أن صناديق الاقتراع فارغة قبل إغلاقها. وما أن ينتهي التصويت، يكون مراقبو الانتخابات مجددا من بين قلة من الأفراد المسموح لهم بالبقاء لرؤية فرز الأصوات والإعلان عن النتائج النهائية قبل أن يعودوا إلى مكاتبهم ويجمعوا تقاريرهم، التي تعطي تقديرا حول نزاهة وحرية وشفافية الانتخابات. وفي حين يمر العديد من تقارير مجموعات المراقبة الصغيرة مرور الكرام، فإن تقارير المجموعات الكبيرة، مثل الاتحاد الأوروبي، تحظى باهتمام واسع، وغالبا ما تثير نقاشات ساخنة.

وعلى الرغم من أن مهمتهم تبدو خيرية، فإن مراقبي الانتخابات الدوليين ليسوا محصنين ضد إثارة الجدل. يتعرض كثير منهم لانتقادات بسبب نقص معرفتهم العميقة بالدول التي يعملون فيها، وبسبب العمل داخل منطقة مريحة محدودة، حيث يفضلون البقاء في المدن الكبرى. وينتشر هذا الانتقاد لدرجة أن البعض يشير إلى المراقبين بصفتهم «سياح انتخابات»، تتركز اهتماماتهم في مشاهدة المعالم السياحية أكثر من النشر العالمي للممارسات الديمقراطية. وهناك العديد من القصص التي توضح أن هذا يحدث في بعض الأحيان، حيث يُشاهد بعض مراقبي الانتخابات وهم يتنزهون على الشواطئ في يوم الانتخابات.

الأكثر أهمية من ذلك مسألة الحيادية. نظرا لأن معظم مجموعات المراقبة الكبرى ممولة مباشرة من دول غربية، سيكون من السذاجة إغفال إمكانية تأثير أجندات سياسية على ما تصل إليه تقاريرهم. في الأعوام الأخيرة، على سبيل المثال، وجهت انتقادات إلى هيئات مراقبة انتخابات أميركية بسبب أحكامها المتساهلة لدى تغطيتها انتخابات في الجمهوريات السوفياتية السابقة، واتهمت الهيئات بأنها تفعل ذلك بناء على سياسة أميركية عامة لاسترضاء روسيا.

في العالم العربي، استخدمت هذه الصلة بين مجموعات المراقبة الدولية والقوى الغربية باستمرار لتبرير منع المراقبين الدوليين عامة، كما حدث في العام الحالي (الماضي) في البحرين ومصر. ادعت الحكومتان أن السماح لمراقبين دوليين سيعرض سيادة الدولة للخطر، بل ويعوق عمل مراقبي المجتمع المدني المحليين الذين أصروا على أنهم أكثر من قادرين على القيام بالمهمة.

ولكن توضح نظرة بسيطة على أسلوب كلتا الحكومتين، تجاه المراقبين المحليين، مدى خداع مثل تلك الادعاءات. في البحرين، قبل بدء الانتخابات البرلمانية في سبتمبر (أيلول)، اتخذت الحكومة إجراءات صارمة تجاه أحزاب المعارضة، وحظرت عددا من جمعيات حقوق الإنسان التي كان من الممكن أن تتقدم بطلبات لمراقبة الانتخابات.

ووصلت الحكومة المصرية إلى أبعد من ذلك في الانتخابات البرلمانية التي أجريت أخيرا، بعد الإعلان عن حظر مشاركة مراقبين دوليين بسبب «سعيهم إلى أن يحلوا محل مراقبي المجتمع المدني»، وضعت الحكومة عددا من العقبات لمنع المراقبين المحليين من تأدية عملهم، من تقييد عدد المراقبين الذين يمكن لكل جمعية أن تشارك بهم، إلى ضرب المراقبين وطردهم من مراكز الاقتراع. على سبيل المثال، تقدمت المنظمة المصرية لحقوق الإنسان بطلب للحصول على بطاقات لـ150 مراقبا. ولكن الحكومة وافقت على 20 منهم فقط، وقيدت المناطق التي يمكنهم العمل فيها بدائرة لم تعقد فيها انتخابات.

وفي مفارقة، حتى قبل انعقاد الانتخابات بأسابيع عدة فقط، أعلنت معظم جماعات المعارضة المصرية، بالتزامن مع الحكومة المصرية، أنه لا يجب السماح بدخول مراقبين أجانب لأنهم يمثلون مصالح غربية. ولكن قبل الانتخابات بأيام قليلة، وبعد تجربة مدى استعداد النظام للحفاظ على قبضته في السلطة بالقوة، تراجع العديد من رموز المعارضة عن موقفهم.

يؤكد نموذجا مصر والبحرين أنه في حين يجب التعامل بجدية مع الانتقادات الموجهة إلى الإطار الدولي لمراقبة الانتخابات، فإن أيا منها لا يبرر المنع المطلق لمراقبي الانتخابات الدوليين. في الواقع، تتستر الدول التي تفعل ذلك على استغلال كبير لعملية الانتخابات أكثر من كونها تدافع عن السيادة الوطنية. ربما جانب حركات المعارضة الصواب في قرار الانضمام إلى حكوماتها في رفض وجود مراقبي انتخابات دوليين، يلعبون في الغالب دورا إيجابيا للغاية في تحسين الالتزام بالمعايير الديمقراطية. على الأقل، يحد وجودهم من نطاق التصرفات التي تنفذها الحكومة لإسكات أصوات المعارضة. هناك حاجة إلى إصلاحات تدرج مجموعات إقليمية أكثر تنوعا داخل إطار فرق مراقبة الانتخابات طويلة المدى، للحد من فكرة التحيز وزيادة إمكانية تأثير المراقبين الدوليين على الانتخابات بصورة إيجابية.

* مكسيم صنصور - خبير في الاتصالات العامة مقيم في لندن، ومتخصص في قضايا الحكم. على مدار الأعوام الخمسة الماضية، كان عضوا في الفريق الذي أدار عددا من الانتخابات في فلسطين.

font change