ورطة أميركا في أفغانستان تحتاج الى أكثر من إطلاق الرصاص

ورطة أميركا في أفغانستان تحتاج الى أكثر من إطلاق الرصاص

[escenic_image id="55209613"]

 في ظل تدهور الحرب في أفغانستان، تزايدت الشكوك داخل الولايات المتحدة وخارجها حول ما إذا كانت استراتيجية الجيش الأميركي هناك على الطريق الصحيح أم لا، وقدمت «مجموعة دراسة أفغانستان» استراتيجية بديلة في تقريرها الأخير «طريق جديد للتقدم».

تقول الدراسة إن المصالح الوطنية الأميركية قد أسيء تفسيرها، وبالتالي فإن الجهود الحالية تضر أكثر مما تفيد، وينطلق البديل الذي يقدمونه من المخاوف العملية والإنسانية، فمن خلال التركيز على المصالحة والمشاركة في السلطة، وتقليل وجود الجيش الأميركي، والاستمرار في التركيز على تنظيم القاعدة والأمن الداخلي، وتعزيز التنمية الاقتصادية ومشاركة الأطراف الدولية، يطرح التقرير نقاشا مهما حول ما يجب عمله في أفغانستان.

وقد تحدث إلى «المجلة» كل من ستيفن وولت، أستاذ الشؤون الدولية بكلية هارفارد كنيدي للحكومة، بالإضافة إلى ستيف كليمونس مدير برنامج الاستراتيجية الأميركية بمؤسسة «نيو أميركا»، ومات هوه القبطان السابق في البحرية الأميركية ومبعوث وزير الخارجية في أفغانستان حول القضايا المثارة في التقرير.

 

«المجلة»: يظهر تقريركم على نحو مقنع أن المصالح الأمنية الأميركية ترتبط بالمخاطر التي يمثلها تنظيم القاعدة.. لماذا تعتقدون أن الاستراتيجية الحالية في أفغانستان قد ابتعدت عن تلك الأولوية؟

- كليمونس: هناك عوامل عدة تسهم في ذلك. فخلال الحملة السياسية، كان على أوباما التعامل مع مسألة المشاركة العسكرية الأميركية وقد وصف حرب أفغانستان باعتبارها الحرب الشرعية، فيما كانت العراق دائما هي الحرب السيئة. وهو ما أثقل حسابات المصالح الوطنية التي نحاول تقديمها في ذلك التقرير. فهناك توتر دائم بين حسابات المصالح الوطنية الأكثر اعتدالا وبين المنطق القائل بأنه على أميركا أن تقلق بشأن ظروف حقوق الإنسان الخاصة بالآخرين. وعندما وجدنا أنفسنا متورطين في ما هو أقرب لكونه حروبا أهلية تتغير المهمة التي نحاول تحقيقها من هزيمة الأشرار إلى إصلاح وإعادة تشكيل المجتمعات التي نجد أنفسنا داخلها. إن المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان عادة ما تشكل العوامل المحركة للسياسات.

ومن جهة أخرى، لدينا البنتاغون الذي يجد صعوبة في التراجع، كما أنه أصبح أكثر نفوذا وإصرارا على الانتصار، وبالتالي وإلى حد ما، استغلت بعض الأطراف داخل البنتاغون تلك المهمة وذلك الغموض للحفاظ على المنطق وراء تلك الحروب التي تورطنا فيها.

ـ هوه: أعتقد أن ذلك لأن السياسة تهيمن دائما، وتعلمنا المبادئ الأساسية للعلوم السياسية. إن السياسة الخارجية ما هي إلا انعكاس للسياسة المحلية. وبالتالي فأعتقد أن ما حدث هو أننا كان لدينا خطاب سائد في الولايات المتحدة يتعلق بأن أفغانستان هي المكان الذي نشأت منه هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وأن تنظيم القاعدة هاجمنا من أفغانستان وهو أمر مشكوك فيه. أجل، «القاعدة» كانت متمركزة هناك، وكانت هناك صلات بينها وبين حركة طالبان.

ولسنا متأكدين تماما من حقيقة الأمر، فإذا سألت عشرة خبراء مختلفين فسوف تحصل على عشر إجابات مختلفة. ولكن معظم المهاجمين كانوا من جنسية واحدة، كما أن الهجمات تم التخطيط لها في ألمانيا وباكستان، وحصل المنفذون على التدريب في الولايات المتحدة، ولكن الخطاب السائد كان هو أننا ذهبنا إلى أفغانستان وهزمنا «القاعدة» وطالبان لأنهما هاجمانا.

ويفيد ذلك الخطاب بأنه يجب علينا أن نظل في أفغانستان لكي نصبح آمنين، وأننا إذا ما غادرنا أفغانستان أو لم ننه المهمة فسوف يعود تنظيم القاعدة إلى أفغانستان مرة أخرى وتتكرر هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

ولكن تنظيم القاعدة ليس موجودا في أفغانستان، وليس موجودا في أي مكان آخر يمكن للاحتلال العسكري التقليدي أن يؤثر عليه. فقيادتها في باكستان، ولكن القيادة أقرب إلى كونها إرشادية، فهي ليست هيكلا تقليديا من الإدارة والسيطرة. فتنظيم القاعدة يتكون من شبكة من الخلايا الصغيرة غير محكمة التنظيم حول العالم. وبالتالي فإذا كان تنظيم القاعدة يمثل قضية أمن قومي رئيسة للولايات المتحدة فإن احتلال أفغانستان ليس له أي تأثير عليه.

وذلك هو ما انطلقنا منه، والسبب الذي يكمن وراء مطالبتنا بمراجعة وجودنا في أفغانستان. وبالتالي فنحن نقول دعونا نرجع خطوة للخلف ونفكر في مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة ونخرج باستراتيجيات وسياسات منها. فلأننا لا نستطيع السيطرة على قندهار، قمنا بإرسال 30 ألف جندي إضافي إلى تلك المنطقة. حسنا، هل من الضروري بالنسبة للولايات المتحدة أن تسيطر فعليا على قندهار؟

لقد قمنا بالعملية الكبرى في مرجة خلال فبراير (شباط) الماضي بنحو 20 ألفا من جنود البحرية والجنود الأفغان.

ولكن بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة، كيف تحقق السيطرة على مرجة الأمن للولايات المتحدة، وما تأثير ذلك على «القاعدة»؟

وكيف يحقق ذلك الاستقرار لباكستان التي تمتلك الأسلحة النووية؟ ومن ثم فإننا نريد أن نرجع خطوة للخلف وننظر في حقيقة مصالح الأمن القومي الخاصة بنا ونحدد وفقا لها السياسات والاستراتيجيات التي تبدأ من القمة، وهبوطا منها، بدلا من التعامل مع التطورات العملية على الأرض.

 

«المجلة»: ماذا كان رد فعل الجيش إزاء ذلك التقرير؟

- وولت: لقد لاقى التقرير بعض الانتقادات من المؤيدين لمقاربة مواجهة التمرد، وهو أمر متوقع، لأننا نقدم بديلا استراتيجيا. ولكن أحد الأهداف الرئيسة للتقرير هو أن يفتح حوارا ويحافظ على استمراره وأن يحث الناس على التفكير في البدائل، وبالتالي فإذا لم تفلح مقاربتنا الحالية فستكون لدينا بدائل أخرى بالفعل.

كليمونس: لقد شعرنا بالذهول نظرا لقدر الانفتاح - فقد تلقينا اهتماما وأسئلة من العديد من الناس داخل البيت الأبيض ومن داخل إدارة البنتاغون بخاصة هيئة الأركان، والأشخاص الذين يعدون حاليا لما سيكون عملية المراجعة الاستراتيجية لديسمبر (كانون الأول).

ونحن نعلم بالفعل أن الجنرال بيترايوس قد بدأ مناقشات مع أعضاء هيئة الأركان قبل أن يعدوا تقاريرهم ونقاشاتهم مع البيت الأبيض، وبالتالي، فقد أخبرنا ذلك الفرع من البنتاغون على نحو غير رسمي بأن تقريرنا جزء من خطتهم. كما أن لدينا أيضا تبادلا بناء من الأفكار مع وزارة الخارجية، مع عدد من الأعضاء بفريق ريتشارد هولبروك ومع بعض الناس داخل سفارة أفغانستان. ولا نستطيع أن نقول إن أيا من تلك الأطراف قد احتفى رسميا بتقريرنا، ولكن الباب كان مفتوحا على نحو مذهل لمناقشة النتائج. وقد أخبرنا البعض على المستوى غير الرسمي أن ذلك التقرير تتم قراءته على أعلى المستويات وأن له أهمية خاصة. ولا يعني ذلك أنه سوف يحدد السياسة ولكنه يعني أن أحد أهدافنا والمتعلق بفتح مناقشات عالية المستوى قد تحقق.

 

«المجلة»: يقول بوب وودورد في مقال بـ«واشنطن بوست» إن الجيش قد تعمّد تصوير الحرب في أفغانستان على نحو مغاير لماهيتها بالنسبة للرئيس أوباما أثناء اتخاذه القرار بزيادة القوات على الأرض. هل تتفق مع ذلك الطرح؟

- هوه: لقد قرأت المقال وإذا كان ذلك صحيحا فإنه يعد إساءة بالغة للولايات المتحدة ومصالحها. فيبدو كما لو أن البنتاغون قد ذهب إلى هناك ولديه خطة ولم يعط الرئيس إلا نتفا من تلك الخطة. «هذه هي الخطة سيادة الرئيس ويمكنك أن تحصل عليها بالحجم الصغير أو المتوسط أو الكبير وليست هناك خيارات أخرى»، ومن الواضح أن الرئيس شعر بالإحباط حيالها ويبدو أن الأعضاء الآخرين في فريقه قد شعروا بالإحباط أيضا.

وما أكد ذلك فعليا بالنسبة لي هو الإشارة إلى أن الجنرال لوت كان يخضع لمساءلة الأدميرال مولن لحديثه بحرية وتقديم نصائح صادقة إلى الرئيس.

وأعتقد أنه من الخطورة أن نصل لوضع يتم قهر مستشاري الرئيس فيه من قبل المسؤولين الأعلى مرتبة ويضطرون للالتزام بقوانين البنتاغون أو الحزب. وأعتقد أن ذلك موقف خطر للغاية. فإذا كان ذلك صحيحا فإن قرار تلك العملية خلال العام الماضي كان قرارا معيبا وغير مسؤول نظرا لأن الرئيس لم تطرح عليه الخيارات كافة التي كان يجب أن يحصل عليها.

 

«المجلة»: لعلاقة الولايات المتحدة وباكستان أهمية خاصة في ما يتعلق بهزيمة تنظيم "القاعدة". ما الذي يمكن عمله أيضا حتى تتوقف باكستان عن كونها عاملا إشكاليا؟

- وولت: حسنا أعتقد أنه إذا كانت هناك أخبار طيبة، فهي أنه من الواضح أن الحكومة الباكستانية كانت تتعامل مع مشكلاتها الداخلية مع جماعات الجهاد، على نحو ما، بجدية خلال العام أو العامين الماضيين، وبالتالي تحاول قمع بعض الجماعات التي تعمل على الأراضي الباكستانية. ولكن ذلك لم يتضمن، لأسباب متعددة، طالبان أفغانستان المتمركزة في باكستان.

بخاصة أن بعض أجزاء الحكومة الباكستانية كانت تنظر إليها دائما باعتبارها ميزة استراتيجية. وأعتقد أن المقاربة الأميركية هناك بحاجة إلى استمرار الإجراءات الصارمة. فقد كانت الحكومة تسمح لنا بتنفيذ عمليات مواجهة الإرهاب في باكستان نظرا لوجود مصالح مشتركة هناك ويجب علينا الاستمرار في حثهم على المساعدة في تلك الجبهة. كما يجب أن نشجعهم على اتخاذ الخطوات الملائمة للحفاظ على شرعية وشعبية حكومتهم.

هوه: إنه أمر صعب للغاية، ومما لا شك فيه أن باكستان لديها مصالحها الخاصة. فهي لديها مخاوفها الخاصة من خلال التمرد المتعدد والجماعات المتطرفة وعلاقتها بالهند التي أدت للحرب مرات عدة خلال السنوات الخمسين أو الستين الماضية. وأعتقد أن الولايات المتحدة بحاجة إلى وضع أولوية للدبلوماسية. وعندما أنظر إلى حملات البلقان في أواسط التسعينات، وكان هولبروك مسؤولا وقتها. لا أعتقد أن هناك من لديه شك بأن الرئيس نظر إلى السفير هولبروك وكل من في الغرفة قائلا: «إنه المسؤول ويجب على الجميع تأييده بما في ذلك الجيش».

ولكننا ليس لدينا ذلك الحق الآن ولا سفيرنا في أفغانستان أو السفير هولبروك الذي يعمل حاليا كمبعوث وزير الخارجية لأفغانستان وباكستان. ولا أعتقد أن الرئيس قد خول لهما المسؤولية بوضوح وأن على الجميع الرجوع إليهما. وحتى يحدث ذلك فإن دبلوماسيتنا تفتقر إلى الموارد. ولن يكون الباكستانيون متأكدين لمن يجب عليهم أن يتحدثوا أو من هو الشخص الذي يجب عليهم أن يتحدثوا إليه من جانب الولايات المتحدة أو من هي السلطة المسؤولة عن ذلك.

 

«المجلة»: ما نوع التعاون المتوقّع من أفغانستان لتنفيذ الاستراتيجية المقترحة؟

- كليمونس: من الصعب تحديد ذلك. فأنا لست ممن يعتقدون أنه يمكن تحقيق حكومة خالية من الفساد بسهولة، أو أننا سوف نحصل على حكومة تشبه إدارة من عصر النهضة تحمل قيما تنويرية. ولكنني أعتقد أنه يمكن أن نلعب دورا مع الأطراف الأخرى، بخاصة الباكستانيين والسعوديين والصينيين وغيرهم من الأطراف الإقليمية، بخاصة إيران، لبدء عملية يمكن أن تتضمن البشتون على نحو أفضل من العملية السابقة.

وهو شيء يماثل ما فعله الأخضر الإبراهيمي، مقاربة أكثر شمولا، تعمل على توازن مختلف بين نقاط القوة الحالية. وهو ما يتطلب الاشتمال على قدر من عدم مركزية العملية المركزية التي بدأها كرزاي، وأنا لا أعتقد أن شركاءنا في تلك العملية سوف يمكن الاعتماد عليهم تماما، وسوف يحتاج الأمر إلى بعض المناورات الخيالية. وكما أخبرني الإبراهيمي، فإنه لن تكون هناك مجموعة واحدة من المفاوضات مع حركة طالبان أو بين طالبان وكرزاي يمكن أن تسفر عن اتفاقات بشأن المواضيع كافة.

فمن المرجح أن يكون هناك سبع مجموعات من المفاوضات مع أطراف مختلفة وأنهم بحاجة للمرونة وللتطور وأن الأمر سيكون معقدا. وأن تحاول حتى في عملية المصالحة والتفاوض أن تمنح ما يسمى طالبان شكلا من التوازن السياسي مع أي مما تمثله الحكومة الأفغانية الحالية. ولكنني أعتقد أن الاحتفاء بكرزاي والحكومة الأفغانية على نحو مبالغ فيه هو خطأ أيضا. فعلينا أن ندرك أنه سيكون هناك نتائج مختلفة خلال الطريق وأنه سيحدث اندماج وانصهار للأطراف المختلفة.

ولدى أحد المشاركين في ذلك التقرير مفهوم مهم للغاية حيث يقول: «تعاني أميركا من مشكلة أنها لا ترى سوى المشكلات التي تستطيع حلها ولكن هناك العديد من الأطراف الأخرى التي لديها مصالح في ذلك أيضا»، وبالتالي فإننا بحاجة إلى تبني مقاربة توم سوير على غرار رواية مارك توين القديمة حينما جعل توم سوير الآخرين يدهنون له سياجه. فسيكون من الحكمة أن تبدأ الولايات المتحدة في منح الدول والأطراف الأخرى بعض الاهتمام وقدرا من المساحة والوقت في تلك العملية. فنحن لا نقوم بالأمر على أحسن وجه.

والت: لقد أصبح لدينا الآن العديد من الأدلة التي تؤكد أنه لم يعد من الممكن أن نتوقع الكثير من أفغانستان. فمن المبادئ الأساسية لحرب لمكافحة الإرهاب هو أنك بحاجة إلى شريك محلي لمساعدتك على النجاح، فيجب أن تكون قادرا على بناء مؤسسات فعالة في الدولة التي تحاول أن تتغلب على التمرد بها. حكومة كرزاي في السلطة الآن منذ سبعة أو ثمانية أعوام.

وكان هناك عدد من الانتخابات المزيفة وكان هناك فساد متفش ولا يبدو أن هناك وسيلة لمعالجة ذلك. وهو ما يجعل من المستبعد أن تنجح الولايات المتحدة في تحقيق هدفها المعلن الخاص ببناء حكومة مستقرة ومركزية على غرار النمط الغربي هناك. ولذلك تقترح مجموعة الدراسات أن نتحرك في اتجاه مختلف تماما بدءا من الاعتراف بافتقارنا للقدرة على إعادة الطبيعة المركزية للمجتمع الأفغاني.

 

«المجلة»: ما هي العوامل الديناميكية التي تنتج عن مصالح الدول الأخرى المشاركة في أفغانستان وكيف يمكن حل تلك المشكلات؟

- وولت: أعتقد أنه يجب أن نقر بأن هناك عددا من الدول الأخرى التي تهتم بما يحدث في أفغانستان أكثر من الولايات المتحدة. وهي الدول التي تقع في مجالها المباشر، بما في ذلك باكستان، بالطبع باكستان، كذلك الهند وإيران ودول أخرى مثل أوزبكستان، بالإضافة إلى بعض الدول مثل المملكة العربية السعودية التي كانت تشارك بقوة في السابق.

ويجب أن ندرك أن أي حل بعيد المدى هنا سوف يتضمن التزام معظم الدول الأخرى بتحقيق أهداف مشتركة في المنطقة مما يؤدي إلى وضع لا يتم التعامل فيه مع أفغانستان مثل أي منطقة أخرى تدخل في نطاق صراعاتهم أو يحاولون تنفيذ أجنداتهم الخاصة فيها. وأعتقد أن ما يعنيه ذلك هو إعادة تأسيس ما كان من قبل عرفا سائدا، وهو أن أفغانستان سوف تكون دولة محايدة ولن تكون متحالفة مع أي قوة أخرى، وسيكون لديها دولة مركزية ضعيفة ومن ثم فلا يجب أن تقلق البلدان الأخرى في المنطقة من صدور التهديدات من تلك الدولة. وبالتالي فإننا نوصي بأن تتزعم الولايات المتحدة بالتعاون مع الأمم المتحدة المزيد من الجهود الدبلوماسية النشطة في محاولة لإقناع الأطراف المعنية الأخرى بالتعاون على تحييد واستقرار أفغانستان وإزالتها كمصدر للتهديدات المحتملة لأي من جيرانها.

 

«المجلة»: يحدد تقريركم ثلاثة شروط يجب أن تتحقق لكي تتمكن «القاعدة» من مهاجمة الولايات المتحدة من أفغانستان: 1) يجب أن تستحوذ طالبان على السلطة في البلاد. 2) يجب أن ينتشر أعضاء تنظيم القاعدة هناك بأعداد كبيرة. 3) يجب أن تبني منشآت تسمح لها بأن تخطط بفعالية أكبر.. إلى أي مدى يعد ذلك السيناريو مرجحا؟

- كليمونس: أشك في أن تعيد حركة طالبان تنظيم القاعدة مرة أخرى. فحتى وقوع الهجمات في 2001 لم تكن حركة طالبان أفغانستان تبدي اهتماما بالانتشار الواسع للإرهاب الدولي. وربما يكون ذلك قد اختلف أخذا في الاعتبار الوضع الراهن. ونحن لا نعرف إذا ما كانت حركة طالبان قد تحولت إلى شيء مختلف. ولكن ما نعرفه، وهو ما أخشاه، هو أن الوضع الراهن خلق تحالفات جديدة. فذلك ما حققناه: توحيد هؤلاء المتحاربين.

وهو أمر سيئ إلى حد كبير ويجب أن نشعر جميعا بالخزي لما أسفر عنه ذلك. وفي رأيي، تمثل حركة طالبان الآن جزءا كبيرا من الدولة، ولكن ليس الدولة بكاملها، كما أنه ليس جميع البشتون ينتمون لحركة طالبان. فحركة طالبان التي تحدثت عنها ربما تكون عاجزة إلى حد كبير عن حكم البلاد، فنحن نشك أن تتمكن حركة طالبان من السيطرة على كابل ولكن هناك مناحي أخرى للحوكمة التي يتم تنظيم البلاد من خلالها كفيدرالية فضفاضة سوف تخضع أجزاء منها لسيطرة طالبان، فيما لن تخضع الأجزاء الباقية.

ووفق تلك الملابسات فإنه من المستبعد أن يعود تنظيم القاعدة ولكنه سيظل أيضا احتمالا قائما، ولكن إذا ما حدث ذلك فأعتقد أن الولايات المتحدة وحلفاءها ستكون لديهم القدرة على إلحاق ضرر خطير على أي من المعسكرات التي أعيد تأسيسها. ويجب أن نتذكر أن تلك المعسكرات كانت كبيرة للغاية. كما أن مفهوم أننا تخلصنا من التهديد الذي يمثله تنظيم القاعدة على الولايات المتحدة نظرا لعدد القوات التي تم نشرها هو مفهوم خاطئ. كما أننا نهدر الموارد هناك.

وعلى الرغم من أنني أعتقد أن السيناريوهات الخاصة بهيمنة كاملة لطالبان هناك مستبعدة، أعتقد أن عودة «القاعدة» مشكوك بها وأنه شيء يمكن التعامل معه من دون ذلك الانتشار الواسع للقوات العسكرية الذي ساعد على استقطاب قوات حركة طالبان ضدنا.

 

«المجلة»: ما هي احتمالات التوصل لحل متفق عليه لذلك الصراع؟ وما الذي يمكن عمله لتعزيز ذلك النوع من التواصل؟

- وولت: نحن ملتزمون بتشجيع المشاركة في السلطة داخل أفغانستان. ولكن هناك مشكلة أساسية وهي أن خلق حكومة أكثر مركزية قد أقصى فئات محددة من المجتمع الأفغاني بخاصة البشتون، وحركة طالبان هي حركة تمرد تتمركز أساسا في مناطق البشتون. وبالتالي، فإنه بتشجيع عدم مركزية السلطة، ومن خلال السماح بقدر أكبر من الاستقلال للمناطق المختلفة، فإن بعض الناس الذين يحاربوننا في الوقت الراهن، ويحاربون الحكومة المركزية يمكن التغلب عليهم، نظرا لأن مظالمهم سوف تكون قد انتهت. وتحاول الاستراتيجية الجديدة التي اقترحناها تقليل دور الجيش الأميركي وهو ما يعد أحد الأسباب التي أدت إلى عودة تمرد حركة طالبان مرة أخرى.

كما أنها تحاول أيضا تشجيع المصالحة السياسية واللامركزية داخل أفغانستان كطريقة لفصل المعتدلين عن الزعماء الراديكاليين لحركة طالبان. هوه: هناك عناصر قيادية في حركة طالبان تدين لها العديد من الجماعات المحلية بالولاء، وبالتالي فلديك جماعات مثل طالبان أفغانستان التي يتزعمها الملا عمر، ولكن هناك جماعات أخرى مثل شبكة حقاني.

وبالتالي فلديك عناصر قيادية مختلفة يجب التفاوض معها على نحو مباشر لأن لديها قدرا هائلا من النفوذ على العناصر الأخرى لحركة طالبان، سواء كان ذلك على نحو فلسفي أو مالي أو عسكري أو غيره. ولكن بالنسبة لتلك الجماعات المحلية، يجب معالجة تلك المظالم على نحو مباشر نظرا لأن العديد من الأسباب التي تدفع الناس لمساندة حركة طالبان أو للمساندة من قبل حركة طالبان تعود إلى المظالم السياسية المحلية، وهي المظالم التي ربما تتجاوز حدود المجتمعات التي يعيشون بها. وعلى نحو مشابه لما قمنا به في محافظة الأنبار في العراق عام 2006 - 2007 فيجب أن نصل لمن يقومون بالتمرد حيث إن الغالبية العظمى منهم يمكن التوصل لمصالحة معهم والتعامل مع المظالم السياسية المشروعة لهم.

 

«المجلة»: هل هناك مخاوف تتعلق بأنه إذا ما تبنت الإدارة تلك الاستراتيجية يمكن تفسير الأمر باعتباره «هزيمة»؟

- وولت: نحن لسنا قلقين بذلك الشأن، على نحو خاص، فأولا نحن لسنا واثقين من إمكانية نجاح الاستراتيجية الحالية. وبالتالي، فمن وجهة نظرنا، فإننا ننظر إلى حملة غير ناجحة. ومقصدنا الأساسي هو أنه إذا ما كنت تسعى وراء تحقيق نطاق من الأهداف غير الواقعية التي من المستبعد تحقيقها، والمكلفة في نفس الوقت، فيجب علينا أن نطرح عددا من الأسئلة الأساسية حول ماهية مصالحنا الحقيقية وماهية الاستراتيجية المثالية لتحقيقها بتكلفة معقولة.

ويدفع قصر ذلك كله على مصطلحات مثل «النصر» أو «الهزيمة» أو غيرها لاستدعاء استجابة عاطفية خاطئة. فما يجب علينا فعله هو أن نكون واقعيين وأن نطرح أسئلة صريحة حول الفائدة من التكلفة، «فماذا نحاول أن نحقق؟» و«ما هي أفضل طريقة لتحقيقه بتكلفة معقولة بالنسبة للولايات المتحدة؟» وسوف يؤدي ذلك، كما نعتقد، إلى طريق مختلف تماما.

وأعتقد أنه أصبح سهلا أن نجعل الناس تتحدث عن البدائل، في الوقت الذي يرون فيه تهاوي تلك المقاربة. ومرة أخرى، وصل الرئيس أوباما للسلطة منذ عشرين شهرا ومعظم الأخبار التي جاءت من أفغانستان لم تكن طيبة. وكانت «مجموعة دراسة أفغانستان» ستسعد إذا ما كانت مقاربة الإدارة قد نجحت وإذا ما تمت هزيمة حركة طالبان وإذا ما كان للحكومة المركزية في أفغانستان شعبية وشرعية ولم تكن فاسدة وإذا ما تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق نجاح سريع والعودة لديارها. وبالتالي فإننا لن ننزعج إذا ما ثبت أننا على خطأ. ولكن نظرا لأننا لا نعتقد أننا قد أسأنا تشخيص الموقف، فمن الضروري أن نبدأ التفكير في البدائل لكي يكون لدينا وسيلة للاستمرار عندما تفشل الاستراتيجية الحالية.

 

«المجلة»: هناك مزاعم بشأن تعرض حقوق المرأة للخطر إذا ما غادرت الولايات المتحدة أفغانستان. كيف يتعامل التقرير مع تلك القضية؟

- كليمونس: أعتقد أننا نقدم الأفضل. إنها معضلة حقيقية ولكن تقريرنا لا ينأى بنفسه عن التعامل مع حقوق المرأة وحقوق الإنسان في أفغانستان.

فقد قضينا وقتا طويلا في ذلك التقرير، ونحن ننظر إلى العناصر الأخرى للضغوط السياسية، وأساسا وضع المعايير للوضع المزري لحقوق المرأة هناك. كما أننا وجدنا أن نظام كرزاي ليس تقدميا على ذلك الصعيد. وما حاولنا عمله هو التحرر من فكرة أن نشر الجيش والاستعانة بالقوة العسكرية سوف يؤديان إلى تعزيز حقوق المرأة وحقوق الإنسان. ولا يدعو التقرير إلى الخروج الكامل من أفغانستان، ولكنه يقول ببساطة إن الانتشار الواسع للقوات لم ينجح في تحقيق الاستقرار في البلاد سواء عسكريا أو أمنيا ولا في توفير الحماية للحقوق المدنية الأساسية وفي الوقت الذي نقول فيه إنه يجب أن نكون حريصين في ضمان تلك الحقوق فإنها لا تبتعد عن تلك المسؤولية.

- وولت: أعتقد أن وضع المرأة في أفغانستان مقلق على نحو واضح وليس لدي ما يمكن إضافته إلى النقاط الواردة في التقرير. أعني أن محاولة إنهاء القتال هناك هي أفضل شيء يمكن عمله لتحسين أوضاع المرأة. وأعتقد أنه يجب أن نقر أيضا بأن قدراتنا على تحقيق إصلاح اجتماعي واسع النطاق في مجتمعات مختلفة تماما عن مجتمعنا هو أمر إلى حد ما محدود. وأعتقد أن دور ووضع المرأة في أفغانستان سوف يتغيران مع الوقت وسوف يتحركان باتجاه يمكن اعتباره إيجابيا ولكن الأمر لا يمكن أن يحدث على غرار تلويح الأميركيين بالعصا السحرية وتحقيقه في غمضة عين بخاصة في ظل الحرب الأهلية هناك.

هوه: هناك مكاسب تحققت للمرأة في أفغانستان بخاصة في شمال وغرب البلاد والأجزاء المدنية منها، ويجب الحفاظ على تلك المكاسب. ولذلك من الضروري أن نحظى بتسوية متفق عليها. ولذلك فإن توصيتنا الأولى هي القيام بعملية سياسية وتسوية متفق عليها لكي نضمن الحفاظ على تلك المكاسب. وعلى الرغم من أن المرأة في تلك المناطق المدنية وفي الشمال والغرب قد حصلت على مكاسب نظرا لوجود الولايات المتحدة في أفغانستان فقد شهدت المرأة في الشرق والجنوب حيث كان القتال الإضرار بحياتها وهي تزداد سوءا.

فالمرأة في جنوبي أو شرقي أفغانستان ستكون مهتمة بسقوط قنبلة على منزلها أو بأنها لا تستطيع السفر على الطرق نظرا لوجود القنابل المتفجرة أو باحتمالية تعرض أولادها لخطر التورط في قتال مسلح أكثر من القلق بشأن عدم قدرتها على الخروج من المنزل من دون البرقع. وبالتالي فإن الأولوية في جنوبي وشرقي أفغانستان يجب أن تكون لإنهاء العنف والصراع. فالأولوية للوصول لتسوية متفق عليها والحفاظ على المكاسب التي حققتها المرأة في الشمال الغربي والأجزاء المركزية من البلاد وإنهاء العنف في الأجزاء الجنوبية والشرقية لأفغانستان لأن ذلك هو أكبر المخاوف بالنسبة لحقوق المرأة الآن. وبالتالي، تعزيز حقوق المرأة في مناطق البشتون عبر المعلومات التي تقدمها المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني. ولكن مرة أخرى، سوف تتغير ثقافة البشتون مع الوقت ولا يمكن أن تتغير بإطلاق الرصاص. 

 

* حوار أجرته بولا ميجيا.

font change