التحالف الدولي يستعد لمغادرة أفغانستان

التحالف الدولي يستعد لمغادرة أفغانستان

[escenic_image id="55175897"]

 يقول فرديريك روبرتس، القائد الأيرلندي الإنجليزي: «أعتقد أنني محق عندما أقول إنه كلما رأي الأفغان عددا أقل منا قلت كراهيتهم لنا». لقد كان ذلك عام 1880 في السنة الثالثة من الحرب الإنجليزية - الأفغانية الثانية في أعقاب غزو بريطاني آخر لأفغانستان في إطار ما أطلق عليه «اللعبة الكبرى» بين بريطانيا وروسيا. وبعد مرور مائة وثلاثين عاما، وعدة حروب وغزوات لأفغانستان أخرى، ما زالت أصداء كلمات روبرت تبدو وكأنها تتردد بقوة في العواصم الغربية بين الجمهور الغربي والمتبرعين الضجرين من الغزو الذي امتد لتسع سنوات ومر بعدة مراحل، وكانت إنجازاته - في أفضل التقديرات - ضعيفة.

ومنذ بعض الوقت، يتزايد الاعتقاد في معظم العواصم الغربية بأنه لم تعد هناك حاجة لوجود 140 ألفا من القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان بتلك الأعداد المرتفعة نظرا لانخفاض وجود تنظيم القاعدة إلى حد كبير. وأخذا في الاعتبار أن أجندة طالبان أفغانستان محلية للغاية، ما زال هناك جدل دائر حول أن أفغانستان لم تعد تمثل تهديدا للغرب. ويمثل ذلك المنطق عودة للهدف المبدئي «المحدود» من غزو أفغانستان: هزيمة تنظيم القاعدة والمغادرة بأسرع ما يمكن. وتمثل مسألة ما إذا كانت تلك الاستراتيجية سليمة أم لا قضية أخرى.

ويدعم الوجود الضعيف إلى حد ما لتنظيم القاعدة في أفغانستان، فكرة - أو وهم - بأن المهمة قد تم تحقيقها بشكل ما؛ حيث يقول المسؤولون في مكافحة الإرهاب إن عدد عملاء تنظيم القاعدة في أفغانستان يتراوح بين 50 و100. ومع ذلك، وكما يقول بيتر بيرغن الزميل بمؤسسة «أميركا الجديدة» مؤخرا لصحيفة «النيوزويك» فإن تنظيم القاعدة كان يمتاز دائما بأنه تنظيم صغير. فيقول بيرغين: «إنه وفقا لمكتب التحقيقات الفيدرالي لم يكن هناك سوى 200 عضو، أثناء هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) ومع ذلك كان التنظيم يرى نفسه دائما باعتباره جبهة آيديولوجية وعسكرية تسعى لاستقطاب وتدريب غيرها من الجماعات الجهادية».

ولم يتجاوز تنظيم القاعدة ذلك. فعلى مقربة من باكستان، حيث يختلط التنظيم بحركة طالبان باكستان ذات الآيديولوجية القوية وغيرها من شبكات التمرد، يقدر عدد أعضاء تنظيم القاعدة بعدة مئات. وعلى الرغم من تصاعد هجمات طائرات الدرون في الأراضي الباكستانية، كان تنظيم القاعدة يتقدم في المناطق الحدودية غير المراقبة بين أفغانستان وباكستان لكي يدخل أفغانستان ويقدم الدعم لطالبان أفغانستان. ويثبت ذلك التعاون المستمر بين طالبان أفغانستان وتنظيم القاعدة قوة الصلة بين الجماعتين رغم اختلاف أجندتهما.

وإذا كان الهدف الأسمى لقوات التحالف الدولي هو تحقيق الأمن والسلام في أفغانستان، فإن القضاء على تنظيم القاعدة لا يجب أن يصبح ببساطة هو القوة المحركة لاستراتيجية أفغانستان.

ولتحقيق ما سبق، هناك حاجة إلى التزام دولي قوي يمتد إلى ما بعد 2011. والحقيقة هي أن باراك أوباما وديفيد كاميرون وأنجيلا ميركيل لن يكونوا في موقف يسمح لهم بالتعامل مع معضلة أفغانستان بعد ذلك التاريخ. وفي ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، تتزايد صعوبة إنفاق 140 مليار دولار في العام في أفغانستان. وفي مواجهة ضغوط صناديق الاقتراع، يجد الزعماء الغربيون صعوبة في تبرير الوجود القوي للقوات في أفغانستان، سواء سياسيا أو اقتصاديا.

وكان ذلك هو الحال مع الزعماء الأوروبيين، وكما يقول بوب وودوورد في كتابه «حروب أوباما» فإن أوباما يشعر بالشيء نفسه. «لا أستطيع أن أفقد الحزب الديمقراطي بأكمله»، ذلك ما يقال إن أوباما قاله في حوار خاص في إطار دفاعه عن قراره بسحب القوات في 2011.

إن التناقض بين محدودية صبر الجمهور الغربي «وأمواله» حيال الحرب وجهود بناء الدولة، والاستمرارية الضرورية لبناء المؤسسات الأفغانية هي المعضلة الأكبر أمام استمرار الاستراتيجية الشاملة في أفغانستان. وبالتالي فإن الدعوة للعودة للاستراتيجية المبدئية المحافظة التي تقضي بالقضاء على وجود تنظيم القاعدة في أفغانستان ثم المغادرة هي نتاج إلى حد ما لذلك التناقض.

ومما لا شك فيه أن عدم وجود إجماع بين المحللين، ورجال الجيش، وصناع السياسة حول مدى تقدم التحالف الدولي لا يساعد على بناء الثقة. فلم يصل الجدال الذي دار مؤخرا في مركز أبحاث «شاسام هاوس» حول إذا ما كانت حركة طالبان قد انتصرت في الحرب في أفغانستان بين بيتر غالبريث، نائب الممثل الخاص للأمم المتحدة في أفغانستان، والجنرال غريم لامب، المستشار السابق للجنرال ستانلي ماكريستال، وغيرهما، إلى نتائج واضحة.

ومع ذلك، فإن معظم المحللين المستقلين والصحافيين الذين سافروا إلى أفغانستان خلال العام الحالي يقولون إن الأماكن القليلة التي لا يوجد بها خطر المرور على حركة طالبان هي العاصمة كابل ومدينة مزار شريف الشمالية.

ويبدو أن هناك إجماعا حتى الآن حول: أولا، الشروط المسبقة الضرورية لرحيل القوات الأجنبية؛ حيث يجب أن يكون هناك أولا شريك قوي مستعد للتدخل وتحمل المسؤولية.

وثانيا، إن الحكومة الأفغانية، وقوات الشرطة والجيش ما زالت لا تفي بالمتطلبات. ويجب مواجهة واحدة من تلك الحلول - هناك حاليا مفاوضات بين حكومة كرزاي وحركة طالبان والمتمردين - بدرجة من التشكك. فليست هذه المفاوضات دلالة على النوايا الطيبة للمتمردين: فربما يكون الهدف من تلك المحاولات هو كسب المزيد من الوقت فيما تشن الولايات المتحدة هجمات الدرون على الأراضي الباكستانية.

والأهم من ذلك، فإنه سيكون من الصعب تحديد المرحلة التي وصلت إليها المفاوضات. وأخيرا، فإن تاريخ الصراعات الأخرى، أنغولا على سبيل المثال، يثبت أن صفقات السلام هي عمليات هشة للغاية وأن العودة للعداء تبدو أكثر ترجيحا من الوقف الدائم لإطلاق النار.

يجب أن يظل بناء مؤسسات مسؤولة ومستقرة بما في ذلك الشرطة والجيش والتخلص من مركزية الحكومة هو الهدف الأسمى لقوات التحالف الدولية حتى بعد أن تغادر القوات الأميركية وقوات حلف شمال الأطلسي أفغانستان.

 

* مانويل ألميدا: المحرر. تم نشر هذا المقال في البداية في أسبينا أونلاين الصحيفة الإلكترونية لمعهد أسبين في إيطاليا.

font change