معاول البناء الغربية لا تقوى على رفع أحجار القبائل

معاول البناء الغربية لا تقوى على رفع أحجار القبائل

[escenic_image id="55167624"]

كابل: نظم ابن الجنرال البشتوني جمهورنا في غرفة المعيشة الفاخرة بأحد الفيلات المزدحمة بمقدمي الطلبات التي يحرسها رجال يرتدون الزي العسكري ومسلحون بالأسلحة الآلية والـ«آر بي جيه». فيقول غول رحمن هامدراد بإنجليزية سليمة، موضحا سبب تركه لوظيفة ذات راتب جيد في شركة مقاولات لكي يرشح نفسه في الانتخابات: «لم آتِ سعيا وراء المال أو المصلحة الشخصية ولكن لأنني أومن بأنه يجب على كل الأفغانيين أن يخدموا الفقراء والمحتاجين. فأنا مرشح مقاوم للفساد».

ولاحقا، اكتشفت أن والد هامدراد المحافظ المثير للجدل الذي هرب من كثير من المحافظات بتهم تتعلق بفساد الإدارة، يمتلك شركة مقاولات، وكان ناشطا في دفع البشتون الموالين لحركة طالبان في المناطق الحساسة ديموغرافيا لانتخاب ابنه. وقد منح ذلك كله أهمية جديدة للهجمة الوحيدة التي قام بها غول رحمن خلال لقائنا معه: اتهام حاكم مقاطعة بلخ - خصم والده بتسليح الميليشيا.

وكما أخبرني أستاذ جامعي لاحقا: «كغربي لا يجب أن تحاول فهم السياسة والدوافع». وأضاف: «تلك هي أفغانستان». ومع ذلك فإنني قضيت ساعة أومئ فيها بحماس لخطبة غول رحمن المناهضة للفساد، وبالتالي فإنني شعرت بأنني غبي بعض الشيء نظرا لجهلي. ومن الواضح أن رد فعلي لم يكن مختلفا كثيرا عن كيفية شعور المجتمع الدولي بعد مرور ما يقارب العقد من التورط في أفغانستان.

 

واقع أفغانستان

«لقد تم صب كثير من المال داخل تلك البلاد، وتم فقد كثير من الحيوات، ومع ذلك فما زال هناك قدر كبير من عدم الامتنان من جانب الشعب والحكومة»، ذلك ما قاله أحد المستشارين الغربيين الذي طلب عدم ذكر اسمه. وأطلعني مستشار آخر لديه عدة سنوات من الخبرة في أفغانستان، ذات مرة، عن سر اللعبة التي يمارسها الرجال هنا الذين إما سذج أو عمي بإرادتهم.

وتعد الاجتماعات هي حجر الزاوية في دائرة المساعدات التي يمولها الإمداد النقدي الأجنبي غير المنتهي الذي يعتمد على المتبرعين. وعلى فترات منتظمة، أو «معالم» كما يقول صديقي، فإن الأعضاء حسني النية في المجتمع الدولي يلتقون بأعضاء الحكومة غربيي التعليم وممثلي حلف شمال الأطلسي لمناقشة «التقدم». كما يتم تعيين المسؤولين بالوزارات الأفغانية، التي حرص غول رحمن هامدراد على محاكاة لغتهم الإنجليزية المصقولة ومصطلحاتهم الغربية، من قبل سماسرة السلطة الأقل تهذيبا للعمل كواجهات. فنظرا لإلمامهم بلغة التكنوقراط فإنهم قادرون على إقناع ممثلي المجتمع الدولي بأن كافة الأهداف تم تحقيقها وأن جميع المواعيد تم الوفاء بها.

وبعد انتهاء الاجتماع، يتنفس المستشارون الغربيون الذين يتلقون رواتب ضخمة الصعداء نظرا لأنهم يستطيعون الاستمرار في سحب «المدفوعات الخطرة» التي يمولها دافعو الضرائب وتمكنهم من العيش في مستوى معيشي معين: في فيلات ذات حراسة مشددة، والتردد على المطاعم العنصرية الخاصة التي تحظر دخول المواطنين الأفغان، والرحلات المنتظمة إلى «غوا». ويشق الدبلوماسيون الغربيون طريقهم في مواكب السيارات المضادة للرصاص وهم عائدون إلى سفاراتهم التي يكتبون من داخلها تقارير متفائلة لحكوماتهم يؤكدون فيها على ضرورة الاستمرار في الالتزام تجاه أفغانستان. ويتجه الجنرالات إلى مراكز القيادة حيث يخططون للمزيد من الحملات لتهميش أو تفكيك التمرد. ويعود العاملون المدنيون الأفغان المتغربون إلى أحضان البنية القبلية الممتدة بمصالح خاصة ومحاباة الأقارب التي يمثلونهم.

ولكن الخصائص السابقة لا تنطبق على كل العاملين بالمساعدات أو الدبلوماسيين أو جيش حلف شمال الأطلسي، والمسؤولين بالحكومة الأفغانية والناشطين في أفغانستان. ولكنها تعبير عن السيكولوجية السائدة التي تبقي على حركة المساعدات من خلال الحرص على إرضاء المساهمين كافة. ولا توجد ببساطة حوافز كافية للخروج. وبالتأكيد هناك قدر كبير من الإهدار المالي (ناهيك عن الأفغان والجنود الأجانب الذين يقتلون ويشوهون كل يوم في الجبهة الممتدة للحرب)، ولكن الخطط الحالية لها ميزة واحدة عظيمة: وهي أنها تغض الطرف عن معضلة انسحاب الغرب من أفغانستان.

وذلك حتى ينفذ المال أو الاستعداد للوجود في أفغانستان. يقول نجيب بيكون مالك إحدى المحطات الإذاعية في شمال مدينة مزار الشريف: «إن الفرق بين الروس والأميركيين أن الاقتصاد الروسي المركزي جلب الشركات السوفياتية للبناء مباشرة، فيما جاء الأميركيون يروجون لفكرة أن الديمقراطية هي أن تبني نفسك». وأضاف: «ولكن النتيجة المباشرة لذلك هي أن معظم الأموال اختفت في الجيوب.. حيث شهدت السنوات العشر الماضية عاصفة من المساعدات في غياب الأوعية السليمة. وقد انتهى بتدمير حتى البنية التحتية القليلة الموجودة».

وتحدثت واحدة من الأجانب الآخرين المقيمين في كابل حول الحماقة التي تورط فيها الغرب؛ قائلة إن تطبيق الشروط الغربية على أفغانستان ليس له معنى نظرا لأن ذلك يعني أنك تتوقع أن يتحول مجتمع قبلي إلى دولة غربية في غمضة عين. كأن توجه تهما بمحاباة الأقارب لوزير، نظرا لأنه سهل عقودا لأولاد عمومته. إنه أمر غير صائب في مجتمع يتم النظر فيه إلى ذلك السلوك باعتباره تعبيرا عن الانتماء للفصيل.

وتعد انتخابات سبتمبر (أيلول) نموذجا لإهدار مبالغ طائلة؛ حيث تم صب 200 مليون دولار في ذلك الإجراء الذي تم في البلاد وتم الترويج له باعتباره يهدف إلى جلب الديمقراطية إلى تلك الأرض التي تعج بالنزاعات. وعلى الرغم من أن الفكرة مبجلة، فإن التوقيت والتنفيذ اشتملا على كثير من الثغرات. وكما أدى عدم الاحتفاء الشعبي بحكومة كرزاي إلى تزايد التمرد في جميع أنحاء البلاد، فإن ظروف إعادة الانتخابات البرلمانية التي أجريت في موجة من التفاؤل في 2005 تراجعت للغاية؛ حيث ضاعفت الانتخابات الرئاسية المزورة في 2009 التي شهدت عودة كرزاي للسلطة، من الإحباطات.

وتقول بيكون: «ولا يعرف معظم الناس أي شيء حول الديمقراطية كما أنهم ليس لديهم أي اطلاع عليها. فإذا كنت من نفس المجموعة العرقية فإنهم سوف يصوتون لصالحك. ويتبع آخرون التوجهات الديمقراطية الرائجة كما لو أن الأمر قافلة. فلا توجد سوى قلة تعي معناها الحقيقي».

وفي يوم الانتخابات، قتلت حركة طالبان عدة مرشحين، وأغلقت مئات من اللجان الانتخابية، وعلى الأقل قرر واحد من بين كل أربعة مقترعين أن يبقى بالبيت. وليس ذلك بلا سبب؛ ففي نهاية أحداث العنف التي وقعت يوم الاقتراع كان 32 أفغانيا قد قتلوا وجرح 95. وفي أعقاب ذلك، تم تقديم 4000 شكوى تسببت في تأخير إعلان النتائج النهائية حتى 45 يوما بعد الانتخابات (31 أكتوبر/ تشرين الأول). وظهرت اللقطات التي تم تصويرها بكاميرات الهواتف الجوالة التي تظهر المسؤولين عن الانتخابات وهم يضعون أوراق الاقتراع في الصناديق تحت نظر الشرطة المحلية. وكان من الواضح أن التزوير مستشر في كل مكان، بداية من المقترعين والمسؤولين عن الاقتراع وصولا إلى قوات الأمن.

وأضافت بيكون: «إن الأساس بالنسبة للسياسة الأفغانية هو المال. فهؤلاء الناس الذين كانوا رؤساء وجنرالات قد دخلوا حياة جديدة من خلال البرلمان. وسوف يكون البرلمان الجديد برلمانا مرتبا، أي برلمانا مسبق الإعداد. ولا يمكن أن نطلق عليه برلمانا وطنيا.. فسوف يكون لدينا نفس المعارضة للحكومة التي كانت موجودة من قبل ولم تكن تعبيرا عن عمل برلماني يعمل لصالح الناس ولكنها كانت معركة في مواجهة الحكومة لصالح مصالح الجنرالات».

ومع ذلك فإن الممثل الخاص للأمم المتحدة في أفغانستان ستيفانون دي ميستورا وجد عنصرا إيجابيا في الانتخابات قائلا: «يجب علينا ألا ننسى أن أفغانستان ما زالت بلدا يعج بالصراعات. ففي الحقيقة إجراء الانتخابات في ذلك التعاقب السريع خلال تلك الفترة غير المستقرة، يعد إنجازا في ذاته».

ولكن الحقائق على الأرض لم تتحدث كثيرا عن التقدم بل تحدثت عن التراجع. فقد تحدث المقترعون حول الإحباطات غير المسبوقة في تلك العملية، حيث شارك كثير من المقترعين لكي يبيعوا تأييدهم للمرشحين في مقابل أجر يتم الحصول عليه مرة واحدة.

ويتراوح الأجر من مقدار قليل يصل إلى عشرة دولارات وصولا إلى 100 دولار، وفقا للقوة الشرائية للمرشح ومدى أهميته الديموغرافية للمحافظات التي تعج بالنزاعات. وفي باقي الأماكن، تلعب القوانين الإقطاعية دورا حيث يجبر الرجال المحليون النافذون قرى بأكملها على الاقتراع للمرشح المفضل بالنسبة لهم.

لقد كانت دلالة أخرى واضحة حول تراجع أفغانستان ولا يمكن أن يمحوها أي قدر من لغة التكنوقراط. إن التجربة الثقافية لإعادة تشكيل أفغانستان إلى دولة حديثة يتم بناؤها على الحدود الليبرالية الغربية تعثرت على صخور الهندوكوش. والآن وخلال توجه الغرب للخروج، أصبحت ساعة أفغانستان تدق بعنف أكبر من أي وقت مضى خلال السنوات التسع الماضية.

 

* إيساون اثاناسيادس - صحافي يعيش في إسطنبول. ويعمل على تغطية تركيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى منذ 1999. كان يعيش في القاهرة ودمشق والدوحة وصنعاء وطهران، وهو يعمل كمراقب للانتخابات البرلمانية الأفغانية في سبتمبر.

font change