القواعد الأميركية مراكز لانعدام الاستقرار في العالم

القواعد الأميركية مراكز لانعدام الاستقرار في العالم

[escenic_image id="55163887"]

هل من الممكن أن تكون القواعد الأميركية الموجودة في الخارج، التي غالبا ما تعتبر «مصدرا للاستقرار» في المناطق التي تشهد ظروفا عصيبة، بالفعل السبب الرئيسي للإرهاب المتطرف ضد الولايات المتحدة وحلفائها؟ ذلك ما يقوله روبرت بايب وجيمس كيه فيلدمان على نحو مثير للاهتمام في كتابهما الجديد الذي صدر هذا الأسبوع بعنوان: «قطع الفتيل: انفجار الإرهاب الانتحاري العالمي وكيفية وقفه».

يعتقد معظم مخططي الحروب والخبراء الجيوستراتيجيين أن القواعد العسكرية الأميركية في الخارج أعمدة للاستقرار في المناطق غير المستقرة. وعلى مدار العقود الستة السابقة، بينما كانت هناك احتجاجات متفرقة تتسم بالعنف في بعض الأحيان حيث يستهدف تلك القواعد الأجنبية طلاب متمردون أو جماعات تنتمي إلى أحزاب اشتراكية أو شيوعية في الحكومات التي تستضيف تلك القوات الأميركية، تؤيد الأغلبية في النظام السياسي في تلك الحكومات المعنية القواعد الأميركية بقوة، وذلك في الغالب كوسيلة رخيصة لردع عدوان الدول المجاورة.

ولكن لا يبدو أن ما نجح سابقا في ألمانيا واليابان وتركيا والفلبين وكوريا الجنوبية وبريطانيا سينجح أيضا في الشرق الأوسط أو جنوب آسيا في الوقت الحالي. وبصراحة، من الممكن أن يتضاءل حتى في تلك الدول التقليدية التي تستضيف القواعد الأميركية، حيث لا يعد إرهاب المجاهدين سببا.

عندما تمت دعوة متعقب الإرهابيين ومدير مبادرة مكافحة الإرهاب في مؤسسة «أميركا الجديدة» بيتر بيرغين للقاء أسامة بن لادن عام 1997، أخبر بن لادن بيرغين بوضوح أن أميركا أصبحت دولة متعجرفة في أعقاب نصرها في الحرب الباردة، وأن إقامة قواعد للقوات الأميركية في الجزيرة العربية، جعلت الولايات المتحدة هدفا لـ«القاعدة». وذلك عقب تقارير صحافية عن إقامة «قواعد مؤقتة» للقوات الأميركية في الجزيرة العربية واستضافتها إبان عمليات ردع العراق برئاسة صدام حسين. ولكن بعد عشرة أعوام تحولت عبارة «قواعد مؤقتة» فعليا في ملاحظات وزير الدفاع في ذلك الوقت ويليام كوهين إلى «شبه دائمة».

ولاحظ كل من وسائل الإعلام ومسؤولو الحكومة والإسلاميون الغاضبون في جميع أنحاء المنطقة هذا التغيير، على الرغم من أنه لم يشر إليه على الإطلاق أي من الخبراء الاستراتيجيين الأميركيين الذين يرون جانبا واحدا فقط من كشف حساب التكاليف والفوائد.

ويميل مخططو الحرب فقط إلى دراسة الفرص المفيدة في إظهار القوة من خلال القواعد المنتشرة في الخارج بدلا من حساب الأضرار الجانبية أيضا. وفي أثناء الحرب الباردة، ساعدت منشآت عسكرية أميركية يزيد عددها على سبعمائة على منح الولايات المتحدة قدرة لا مثيل لها في جمع الاستخبارات وإظهار القوة، بدرجة لم تتمكن أية دولة في العالم أن تضاهيها سوى الاتحاد السوفياتي. ومع انهيار الاتحاد السوفياتي، ظلت أميركا بلا منافس، مرسخة لاعتقاد أساسي بأن هذه الشبكة العالمية من القواعد الأجنبية مهمة إلى حد ما من أجل النجاح والقوة الأميركية.

وفي حين كان بيرغين يتعقب بن لادن ويدرس الأوضاع في الشرق الأوسط الذي يتزايد فيه شعور بالقلق، كنت أشاهد احتجاجات متزايدة وغضبا متصاعدا ضد الولايات المتحدة في مناطق أخرى من العالم حيث تتخذ القوات الأميركية قواعد لها منذ فترة طويلة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية. وبسبب الاعتقاد بأن الولايات المتحدة تمنع جهود التطبيع بين كوريا الجنوبية والشمالية، وأنها تؤيد الإجراءات العسكرية الصارمة ضد محاولات الدفاع عن الديمقراطية، وجه الطلاب احتجاجات عنيفة ومشتعلة ضد منشآت الجيش الأميركي في كوريا الجنوبية.

وفي اليابان، كان الوضع أقل عنفا ولكنه أكثر حدة. في سبتمبر (أيلول) 1995، قام ثلاثة من مجندي الجيش الأميركي باغتصاب فتاة من أوكيناوا تبلغ من العمر 12 عاما بوحشية. وعلق قائد أميركي رفيع المستوى في المنطقة بأنه كان على الجنود الاستعانة بفتاة ليل، مما أثار أكبر المظاهرات المناهضة للولايات المتحدة في اليابان منذ عام 1960. وعلى الرغم من ذلك، تستضيف أوكيناوا، أفقر مقاطعة في اليابان، غالبية قوات الجيش الأميركي في اليابان، حيث توجد 39 منشأة عسكرية أميركية مختلفة على الجزيرة. وفي أثناء الحرب الباردة، كان من الأسهل تبرير التضحية التي قدمتها أوكيناوا بتحمل عبء استضافة تلك القواعد والجنود الأميركيين. ومنذ ذلك الحين، تحول منطق ذلك الوجود الأميركي من ردع كوريا الشمالية إلى الوقاية من النفوذ الصيني المتزايد، وأي مبرر آخر يُبقي على الأصول الهائلة التي يملكها البنتاغون في المحيط الهادي في مواقعها.

عندما تحدثت إلى الكوريين الجنوبيين وسكان أوكيناوا في ذلك الوقت، كنت أسمع باستمرار تعليقات تشير إلى أنهم يشعرون بأنهم «محتلون». وفي الواقع، قبل مراجعة الإرشادات الأمنية بين الولايات المتحدة واليابان بعد حادثة الاغتصاب، كانت الولايات المتحدة تسيطر على ما يزيد على 80 في المائة من المجال الجوي في أوكيناوا. وأخبرني أحد النشطاء أنه في حين من الممكن أن تكون احتجاجات سكان أوكيناوا في غالبيتها سلمية، فإن الولايات المتحدة عليها أن تقلق على المدى الطويل من التنظيم الذاتي للجماعات وإمكانية البدء في إلقاء قنابل مولوتوف على الشاحنات والمنشآت الأميركية، وتهديد العسكريين والتابعين لهم. ولكن ذلك لم يحدث، أو لم يحدث حتى الآن، ولكن قد يكون الاعتماد «الدائم» على الانقياد بقعة مظلمة لدى مخططي البنتاغون.

وما كان يختمر في أوكيناوا لم يكن إرهاب الهجمات الانتحارية، ولكن تزايدت الدوافع لرفض أسباب الوجود العسكري الأميركي على نطاق واسع وعلى مدى بعيد على الأرض اليابانية.

وفي بعض أنحاء العالم الأقل اعتيادا على قوات الجيش الأميركي، كان رد الفعل أكثر حدة.

قطع روبرت بايب، الأستاذ في جامعة شيكاغو ومدير الموقع الإلكتروني الجديد الذي يحتوي على قاعدة بيانات ضخمة عن الإرهاب الانتحاري ويحمل اسم مشروع شيكاغو للإرهاب الانتحاري وتموله مؤسسة كارنيغي في نيويورك، كثيرا من الأميال بين واشنطن العاصمة وشيكاغو. ليس لأن التقدميين والليبراليين الذين ربما يكون لديهم شيء ضد شبكة القواعد الأميركية العالمية في الخارج يريدون سماعه، ولكن بسبب إدارات الجيش والاستخبارات الأميركية التي تسعى إليه.

وتفخر قيادات البنتاغون ليس فقط بمعرفتها بالمواد التي تؤيد مسارها الحالي، بل وبانفتاحها على السيناريوهات البديلة لدراسة التهديدات العسكرية؛ فمن السهل للغاية إقناع البنتاغون بواسطة البيانات التجريبية الموثقة.

لقد حلل بايب والمؤلف المشارك فيلدمان في كتابه جميع الهجمات الانتحارية الإرهابية التي حدثت منذ عام 1980، وأشارا إلى ظهور قوي لتلك الهجمات منذ عام 2004. وفيما بين عامي 1980 و2003، وقع 350 هجوم انتحاري في العالم، كانت 15 في المائة منها فقط ضد الولايات المتحدة.

ولكن في الفترة القصيرة التي امتدت خمسة أعوام، ما بين عامي 2004 و2009، وقعت 1833 هجمة انتحارية، كانت 92 في المائة منها ضد الولايات المتحدة.

ويقول بايب إن العنصر الرئيسي في تحديد زيادة الهجمات الإرهابية الانتحارية لم يكن سيطرة شخصيات رجال الدين الإسلاميين الراديكاليين أو مرض عقلي، ولكن إقامة قواعد لقوات أجنبية، تكون غالبا أميركية أو لحلفاء أميركا، في الدول المعنية.

ويوضح بايب وفيلدمان على سبيل المثال أنه حتى في أفغانستان التي مزقتها الحرب، زادت الهجمات الانتحارية من عدد محدود إلى ما يزيد على 100 هجمة في العام مع مطلع 2006، عندما بدأت الولايات المتحدة في نشر القوات العسكرية لتمتد إلى المناطق البشتونية الجنوبية والشرقية، حيث بدأت الهجمات في نهاية عام 2005. ونشرت باكستان أيضا قوات أمام المناطق البشتونية غرب باكستان، وهي المنطقة التي أشار بايب وفيلدمان إلى وجود ارتفاع كبير في عدد الهجمات الانتحارية بها.

لا يرفض بايب الحرب ولا يدعو الحكومة الأميركية والبنتاغون إلى استرضاء المستبدين وزعماء الإرهاب، ولكنه يقدم حجة جديدة على ضرورة وضع استراتيجية أفضل. ويقدم هو وزميله دفاعا قويا عن رأيهما - كما ذكر رامسفيلد سابقا في مذكرته الشهيرة عن الإرهاب، بأننا نخلق جزءا كبير من مشكلتنا وننشط ونغذي أعداء مصالح أميركا وحلفائها.

وقد سألت ذات مرة نائب وزير الخارجية ستروب تالبوت عما إذا كان يعتقد أن أميركا قد تعاني من مشكلات في إدارة إمبراطوريتها من القواعد العسكرية، وما إذا كانت تلك الدول المضيفة تشعر بثقل العبء في العالم ما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي. وأجاب تالبوت بأنه يعتقد، مثل كثير من العاملين في الأمن القومي، بأن «القواعد الأميركية مراكز لانعدام الاستقرار في المناطق غير المستقرة».

ربما لم تعد القضية كذلك - أو على الأقل لم تعد بالدرجة ذاتها. ويشير بايب وفيلدمان في كتابهما الجديد «قطع الفتيل» إلى أنه من الأفضل للجيش الأميركي تأمين المصالح السياسية الخارجية الأميركية بوضعية «التوازن الخارجي» – بالاعتماد على التحالفات العسكرية «وقوات جوية وبحرية وبرية سريعة الانتشار، بدلا من القوة القتالية الكبيرة على الساحل».

وأخمن أن أول الاتصالات التي تلقاها بايب كانت من القوات الجوية والبحرية. وبعيدا عن مصالحهما، يرى بايب أن المستقبل يحتاج إلى مرونة أعلى وأثر أقل وسرعة أكبر، مما يسفر عن ضرر ومقاومة أقل مما تتسبب فيه عمليات نشر القوات واسعة النطاق غير المدروسة أو الناجحة التي تحدث في أفغانستان اليوم.

ويعمل روبرت بايب على البيانات صعودا في وضع استراتيجية للتنظيم العسكري، بدلا من العمل من أعلى إلى أسفل وتكرار الأخطاء التي وقع فيها أصحاب التفكير التقليدي الذين يربطون ما سيفعلونه في الغد بما فعلوه بالأمس.

ويرى بايب فرصة في تحييد القوات التي من الممكن أن تفرز جيلا آخر من الإرهابيين القساة، الذين يرغب عدد كبير منهم في القيام بهجمات انتحارية.

أعلم أن البنتاغون يستمع الآن، وهذا ما يثير إعجابي. ويجب أن يستمع آخرون أيضا.

 

* ستيف كليمونز - مدير برنامج الاستراتيجية الأميركية في مؤسسة «أميركا الجديدة» وينشر مدونته السياسية الشهيرة «ذا واشنطن نوت». ويمكن متابعته على موقع «تويتر» على رابط: http://twitter.com/scclemons

font change