* سيظهر لبنان في كل السيناريوهات تحت سيطرة «حزب الله» وإيران، وسيعرض مؤسسات لبنان إلى ضغوط وعقوبات دولية وتهديدات إسرائيلية.
واشنطن: تزداد حدة التوتر بين قيادتي «حزب الله» ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وذلك بعد سنوات قليلة من الهدنة بين القيادتين السياسيتين في لبنان. ويبدو أن سبب التوتر يدور حول العقبة الأخيرة في طريق تشكيل الحكومة، وقد تكون المشكلة أكثر تعقيدًا. إذا لم يعد الحريري قادرًا على مساعدة «حزب الله» في التهرب من العقوبات الأميركية، سيقف الحزب أمام تشكيل حكومته إلى أن يحميه الحريري مجددًا. ولا يستطيع الحريري حماية «حزب الله» من العقوبات ولذلك يشعر الحزب بالضغط. كيف سيتطور هذ الأمر؟ تتعدد السيناريوهات بهذا الخصوص في الأفق.
صفقة غير معلنة
عندما قدم الحريري استقالته في المملكة العربية السعودية في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017. بدأ حلفاء «حزب الله» الرئيس ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل حملة دبلوماسية موجهة إلى الأوروبيين - وخاصة الفرنسيين – والأميركيين للمساعدة في إقناع الحريري بالتراجع عن استقالته والعودة إلى لبنان. ونجحت هاتان الحملتان وعاد الحريري بالفعل رئيسًا للوزراء.
وشعر الحريري بالامتنان لخصومه السياسيين، وخاصة باسيل، الذي استغل الفرصة للتوصل إلى اتفاق مع الحريري قبل الانتخابات البرلمانية. وقرر الزعيمان مساعدة بعضهما البعض خلال الانتخابات، وبدا الأمر وكأنه وضع يربح فيه الجميع، فقد استطاع باسيل أن يستخدم دائرة الحريري الانتخابية للحصول على الأصوات التي يحتاجها لتأمين مقعد في البرلمان بالإضافة إلى زيادة نفوذ حزبه- التيار الوطني الحر. واعتقد الحريري، بدوره، أن التحالف مع باسيل سيكون خطوة استراتيجية لحماية نفسه ومحاولة خلق مسافة بين التيار الوطني الحر و«حزب الله»، وهي الفرضية التي أثبتت فشلها أكثر من مرة.
وحصل باسيل على ما أراد بعكس الحريري الذي خسر ثلث كتلته في البرلمان وفشل في خلق تلك المسافة بين حليفه الجديد و«حزب الله». ورغم كل ذلك، لم يفقد الحريري الأمل وظن أن اتفاقه مع باسيل لن يفيد «حزب الله». ولكنه كان مخطئًا، واستغل «حزب الله»- كعادته- موقف الحريري الجديد وساعد في إعادته إلى منصب رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة.
ما وراء تشكيل الحكومة
مرت سبعة أشهر ولم تشكل الحكومة بعد. وبعد تخطي الكثير من العقبات وتقديم الكثير من التنازلات، كان من المقرر تشكيل حكومة في أكتوبر (تشرين الأول)، عندما قرر «حزب الله» أن النواب السنة الجدد المؤيدين له يشكلون الآن كتلة برلمانية ويستحقون الحصول على حقيبة وزير. وفي هذه الحالة سيضطر الحريري إلى إعطائه إحدى حقائبه الوزارية. وهنا تشكل العائق الرئيسي. فقد رفض الحريري الاستسلام ولن يتنازل «حزب الله» عن هذا الشرط.
وفي هذه الأثناء، وقع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانون تعديل منع التمويل الدولي عن «حزب الله» والذي يستهدف المزيد من أصول الحزب. وفي الوقت نفسه، بدأت الولايات المتحدة بفرض عقوبات صارمة ضد إيران والتي أثرت أيضًا على أصول «حزب الله» المالية.
ويعي «حزب الله» أن هذه مجرد بداية وأنه على الرغم من أنه تم للتو توقيع قانون تعديل منع التمويل الدولي له إلّا أن الإدارة الأميركية بدأت في استخدامه لفرض عقوبات على الحزب. ويعي كذلك أنه بحاجة إلى حماية نفسه عن طريق حكومة يمكن أن تنقذهم من تداعيات القانون الموقع حديثّا.
بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الحزب أيضًا إلى حكومة تسمح له باستخدام موارده- مثل الوظائف والخدمات الحكومية- للتعويض عن الوظائف والخدمات المتأثرة بالعقوبات المفروضة على إيران.
لقد قدم الحريري الكثير من التنازلات من أجل تشكيل الحكومة، ولكن إذا استمر في ذلك فستكون نهاية الخط بالنسبة له في ظل أن دائرته الانتخابية ليست راضية عما يقدمه ويحتاج إلى إثبات نفسه كرئيس وزراء مؤهل أمام المجتمع الإقليمي والدولي وبأنه قادر على حماية لبنان إلى حدٍ معين.
بالإضافة إلى كل هذه التعقيدات، يعيش لبنان حالة من التوتر المتصاعد بين «حزب الله» وإسرائيل، بعد أن نقل الحزب مشروع الصواريخ الدقيقة من سوريا إلى لبنان. والجدير بالذكر أن الحزب يحول من خلال هذا المشروع الصواريخ العادية إلى صواريخ دقيقة. وأدت هذه الخطوة إلى توجيه التهديدات الإسرائيلية الآن إلى لبنان، ويجب على الحريري أن يأخذ ذلك بعين الاعتبار. فإذا بدت حكومة لبنان صديقة للغاية لـ«حزب الله» خلال الحرب القادمة، فإن لبنان كدولة سيكون مهددًا.
وبسبب كل ما ذكرته سابقًا، لا يستطيع الحريري أن يستسلم.
ماذا بعد؟
الآن، وبعد أن اتضح أن الحريري لن يتخلى عن أحد مقاعده الوزارية ويعطيه إلى النواب السنة الموالين لـ«حزب الله»، قرر «حزب الله» إطلاق حملة لحث الحريري على إعادة النظر بقراره. وبدأت هذه الحملة عن طريق حلفاء «حزب الله» وشخصيات إعلامية اتهمت الحريري ووالده بتمثيل الأجندة الأميركية والصهيونية في المنطقة. وبدأوا يلومونه على الوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان، وأرسلوا أنصارهم إلى الشوارع لقطع الطرقات والتذمر من الوضع الاقتصادي بالإضافة إلى إلقاء اللوم على الحريري وحكومته، في إشارة إلى أنهم مستعدون للنزول إلى الشارع مرة أخرى.
ويعني ذلك بالنسبة لكثيرين أن «شهر العسل» مع الحريري قد انتهى وأن هذا قد يؤثر أيضًا على اتفاق الحريري وباسيل. ويبدو أن باسيل قد وقف في صف «حزب الله» في العقبة الأخيرة التي وضعها ولن يقبل حتى باقتراح الحريري الذي ينص على منح مرشح «حزب الله» السني وزارة من حصته.
ويعني ذلك أيضًا أن «حزب الله» بحاجة إلى أن تتشكل الحكومة ولا يستطيع إعطاء الحريري المزيد من الوقت للتفاوض. ولكن أهم ما في الأمر أن هذا يعني أن «حزب الله» - وبالتالي إيران - يشعران بالرعب من تداعيات العقوبات وسيفعلان كل ما بوسعهما لتأمين سلطتهما وموقفهما في لبنان.
وتعتمد الخطوات التالية على رد فعل الحريري. فإذا استسلم، ستتلاشى هذه الحملة وسيكون «حزب الله» أقوى. ولكن إذا رفض الحريري الاستسلام، فسيكون هناك خياران، إما الانتظار وإبقاء الضغط وقبول المزيد من التأخير في تشكيل الحكومة، أو الذهاب لحل أكثر جذرية واستبدال الحريري والإتيان برئيس وزراء آخر «أكثر ودّية».
وإذا ما استسلم الحريري، فسيبدو أضعف مما هو عليه اليوم، على الصعيد الدولي وعلى صعيد دائرته الانتخابية السنية. وسيظهر «حزب الله» كمدافع عن السنة الذين يدعمونه، وسيكون ذلك بمثابه مثال لأي شخص يفكر في الانضمام إلى «حزب الله». أما إذا غادر، فقد يربح معظم دائرته الانتخابية الخاسرة ولكنه سيخسر رئاسة الوزراء. وبالتالي سيخسر الحريري في كلتا الحالتين.
وفي جميع الأحوال، سيظهر لبنان في كل السيناريوهات تحت سيطرة «حزب الله» وإيران، في حين سيعرض مؤسسات وأصول لبنان إلى جميع أنواع الضغوط والعقوبات الدولية بالإضافة إلى المزيد من التهديدات أو الهجمات الإسرائيلية.
* حنين غدار زميلة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى