* من الصعب جداً أن تتحسن أحوال لبنان الاقتصادية والمعيشية ما دام «حزب الله» قابضاً على مصير البلد.
الوضع الاقتصادي اللبناني مأزوم. كل شيء يدل على ذلك. تصاعد الدين العام، تراجع الدخل، شلل القطاع العقاري، تدني مستوى القوة الشرائية لدى المواطن. هذه الأرقام يؤازرها أنين التجار اللبنانيين، والموظفين، وأصحاب العمل والمؤسسات. هناك أرقام لا تنشر، مثلا أعداد العاطلين عن العمل، أو معدل الشيكات المرتجعة لدى البنوك، أو ارتفاع عدد الشركات التي تغلق أبوابها وتلك التي على أبواب الإفلاس.
الضيق الاقتصادي ناتج عن العقوبات الأميركية على «حزب الله» وشركائه كما عن القوانين الصارمة المفروضة من قبل وزارة الخزانة الأميركية على المصارف اللبنانية فيما يتعلق بقضية تبييض الأموال والتي يمتهنها «حزب الله» وأعوانه.
لسنوات خلت، كان لبنان جنة لجميع الأعمال غير الشرعية التي كان ينظمها «حزب الله» في أفريقيا وأميركا اللاتينية خاصة. بدأت تلك الأعمال بالتقلص مع فرض العقوبات على الشركات والأشخاص الذين يقومون بالعمل لصالح «حزب الله» أو يقومون بالتبرع له. كان لتوقيف قاسم محمد تاج الدين بالدار البيضاء بناء على مذكرة اعتقال دولية صادرة عن الولايات المتحدة الأميركية تتهمه بتبييض الأموال والإرهاب، وهو أحد كبار مسؤولي مالية «حزب الله» في أفريقيا وتسليمه للسلطات الأميركية بمثابة ضربة قوية لهذا الهرم المالي المتمكن في أفريقيا، وهو بمثابة إنذار بأن العقوبات التي تفرضها واشنطن ليست مجرد حبرا على ورق.
أما في أميركا اللاتينية فهناك تغيير واضح بالنهج والمقاربة للحكومات فيها من موضوع «حزب الله»، خاصة في الأرجنتين والباراغوي والبرازيل. تلك البلدان الثلاثة التي تشرف على منطقة «الحدود الثلاثية، حيث ينشط «حزب الله» فيها بشكل لافت ويتخذ من تلك المنطقة منطلقا لأعماله الإجرامية في أميركا اللاتينية. فالتساهل مع أنشطة «حزب الله» في تلك المناطق لم يعد قائما. والتعاون بين تلك البلدان والذي أفضى إلى القبض على أحد كبار ممولي «حزب الله»، المصنف إرهابيًا في أميركا، أسعد أحمد بركات، هو خير دليل. ومع انتخاب اليميني المتطرف جايير بولسونارو في البرازيل رئيسا يكون الطوق قد اكتمل على منطقة الحدود الثلاثية.
أما في إيران فالعقوبات الأميركية التي أعاد العمل بها الرئيس ترامب بعد انسحابه من الاتفاقية النووية، سيكون لها أثر شديد على مالية الحرس الثوري الإيراني، وسيقلص من ميزانيته الخارجية والتي ينفق منها الكثير على الجبهة السورية التي ما زالت بحاجة إلى عتاد ومقاتلين. هذا كله من شأنه أن يرتد سلبا على ميزانية الحزب، الذي يعتمد على مصادر التمويل تلك، وهو في هذا الإطار سيسعى للاعتماد على الداخل اللبناني بشكل أكبر. من هنا يفهم تمسكه بوزارة الصحة، إذ أولا يعتقد الحزب أن تلك الوزارة لن تطالها العقوبات الأميركية لأسباب إنسانية، وثانيا أن سوق الدواء في لبنان تصل إلى 1.7 مليار دولار، يمكن أن يستفيد منها تجار الدواء المقربون من الحزب أو حتى مصنعوه المحليون. ناهيك باستفادة المستشفيات التابعة له من أموال الوزارة.
لذا كل الكلام عن أن الحزب يستطيع أن ينتظر طويلا تشكيل الحكومة اللبنانية إن لم تلب شروطه بتوزير من يرتئيه، هو كلام غير دقيق، فالحزب رغم الانتصارات التي يتغنى بها أمين عامه في كل إطلالة هو في وضع لا يحسد عليه وقد تظهر تداعياته قريبا. وليس التهجم على الرئيس المكلف سعد الحريري من قبل أبواق «حزب الله» وإعلامه إلا دليل على ما سبق.
ولكن حتى إن تشكلت الحكومة فلبنان الذي هو تحت المجهر الأميركي، سيكون من الصعب جداً أن تتحسن أحواله الاقتصادية والمعيشية طالما «حزب الله» قابض على مصير البلد.
لبنان سيدفع ثمن مغامرات «حزب الله» في النهاية.