طالبان تستلهم حرب العصابات العراقية

طالبان تستلهم حرب العصابات العراقية

[escenic_image id="55155489"]

في الوقت الذي ينظر فيه معظم المراقبين الأفغان إلى العمليات الكبرى في مرجة وقندهار بحثا عن دلالات تقدم استراتيجية أوباما الجديدة لمكافحة الإرهاب، ربما يكون من الأفضل أن ننظر إلى الشمال لكي نكتشف المنطق الحقيقي للحرب. فهناك إشارات، كانت دائما تغفلها كل من وسائل الإعلام وقوات التحالف على أن التمرد يمتد إلى تلك المناطق التي كانت قبل ذلك يسودها السلام.

فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية مقتل 10 من العاملين بالإغاثة الطبية في الشمال الشرقي لمحافظة بدخشان، وهي المنطقة التي كانت تتسم بالهدوء حتى وقت قريب. كما أظهرت بيانات «ويكيليكس» النمو المتزايد لعدد الهجمات في المحافظات الشمالية. ومن جهة أخرى، أظهر تقرير حديث للأمم المتحدة تزايد عدد الإصابات بين المدنيين عبر البلاد. وعلى الرغم من أن ذلك في ذاته ليس مفاجئا، فإن التوزيع الإقليمي للوفيات كان لافتا للانتباه؛ ففي الوقت الذي شهد فيه الجنوب ارتفاعا بنسبة 43% في نسبة الوفيات بين المدنيين، شهد الجنوب الشرقي ارتفاعا نسبته 24%، وكانت هناك زيادة هائلة بلغت 136% في الشمال الشرقي. وهذه البيانات أكدها الأكاديمي سيبي ازراباجاني موغادم الذي يزعم أن حركة طالبان وتنظيم القاعدة قد حولا تركيز استراتيجيتهم إلى الشمال بنهاية عام 2006.

ويمثل انتشار التمرد باتجاه الشمال معضلة نظرية، حيث إنه كان يتم النظر طوال الوقت إلى حركة طالبان باعتبارها حركة من البشتون، ولكن هذه الجبهات الجديدة للحرب ليست مناطق خاضعة لسيطرة البشتون في الأساس. وبخلاف فكرة الهيمنة، هناك دليل على أن حركة طالبان ليست ببساطة الحركة الوطنية للبشتون ولكنها شيء أكثر براغماتية ومرونة. وعلى الرغم من - أو ربما نظرا لـ – بساطتها، فإن فرضية أن العرقية أو القبلية تحدد توجهات الفرد في ذلك الصراع هو أمر خاطئ تماما.

ففي بدايتها، كانت حركة طالبان هي حركة من البشتون التي خرجت من المناطق البشتونية. ومع ذلك، لم تمنعها أصولها العرقية من الانتشار في عدد متنوع من المناطق، والتحالف مع عدد من الجماعات غير البشتونية، حتى الهزارة الشيعة في بعض الحالات. كما كانت قيادات الحركة في البداية، في بعض الأحيان، من الأوزبك والطاجيك.

وبعد إخراجهم من السلطة، أظهرت حركة طالبان قدرة أكبر على التكيف. وكما ذكر العديد من الأكاديميين فإنه مع خلع حركة طالبان من السلطة في 2001، شهدت حركة طالبان تغيرا جوهريا في استراتيجيتها بما في ذلك إدراكها لأهمية وسائل الإعلام والبروباغندا، بالإضافة إلى الخبرة الكبيرة في تكتيكات حرب العصابات التي استلهمتها من التمرد العراقي وغيره من التجارب الأجنبية.

 

والسؤال الذي ينشأ عن ذلك التوجه الجديد إلى الشمال هو: ما الذي يمكن استخلاصه من حركة طالبان الجديدة؟

على المستوى التنظيمي، فإن البراغماتية والمرونة اللذين يمتاز بهما هيكل حركة طالبان لا يجب أن يكون مفاجئا. حيث إن نظام إدارتها يمتاز بدرجة هائلة من الاستقلال يتم منحها للقادة المحليين. فشورى كويتا التي يترأسها الملا عمر كان لها تأثير كبير في عمليات القتال اليومية من خلال تمويل العمليات، لا من خلال قيادتها؛ مما يعني أن القادة المحليين كانوا يتمتعون بالحرية في شراء الحلفاء والتفاوض معهم وقتالهم من خلال مبادراتهم الخاصة، مما كان يخلق عددا مختلفا ومتنوعا من الأطراف.

وقد أدت تلك الطريقة المرنة في الإدارة إلى جعل اختراق المحافظات الشمالية أسهل مما يعتقد الكثيرون. حيث إن مبادئ التحالف مع حركة طالبان لم تكن أبدا هي الرغبة في قومية للبشتون؛ وهو المبدأ الذي لا يلقى قبولا سوى من القلة. ولكن على نحو ما فإن التعاون مع حركة طالبان يمثل خليطا معقدا من السعي وراء النظام والأمن والتخلص من الجور وجشع النخبة والصراع على السلطة وهي العوامل التي لا تقتصر على المحافظات الجنوبية.

وفيما يتعلق بالعرقية، فإن الدلائل من الشمال تشير إلى أن حركة طالبان البعيدة تماما عن كونها حركة آيديولوجية، لديها خبرة في استغلال المظالم المحلية لمصالحها الخاصة. وكان ذلك هو الوضع على نحو خاص منذ عام 2007 وما بعده، كما قال أنتونيو غيوستوزي مؤخرا، حيث شنت حركة طالبان عددا من الغارات بداية من بادغيس إلى بدخشان.

وبالتالي، فإنه لا يبدو أن أهمية القبائل لها علاقة بسماتها العرقية – بشتون أو غير بشتون- بل لها علاقة بقدرتها على إمداد الشبكة الموجودة مسبقا بالعلاقات الشخصية التي يمكن عبرها تجنيد الأعضاء. كما أن من تتحالف معه القبيلة أو القرية أو السلطة المحلية يرتبط على نحو أقل بهويتها، وعلى نحو أكثر بالتاريخ المحلي والسياق العام. وفي المقابل، فإن الشبكات الدينية المهمة تعمل كشبكات بين القبائل التي تجمع عددا من طلاب «المدارس» من كافة الأنحاء. ومرة أخرى، فإن مسألة العرق ليست مهمة في ذلك السياق بقدر التوجهات الدينية للأفراد.

والسؤال الذي يحيط بكل ذلك النشاط المتزايد في الشمال هو ببساطة: ما هي الأسباب الاستراتيجية وراء ذلك؟ لقد كان هناك عدد من التفسيرات حول ذلك الامتداد نحو الشمال بما في ذلك الرغبة في نشر التمرد، وبالتبعية، قوات التحالف، وكرغبة في توفير الإمدادات للجماعات الإسلامية المشابهة في آسيا الوسطى. ومع ذلك، فإنه في ظل تمركز خطوط الإمداد في المناطق الباكستانية فإن الصعوبة في توفير الموارد لصراعهم، ناهيك عن دول آسيا الوسطى، تجعل من الأخيرة أمرا مستبعدا. وتبدو الاستراتيجية السابقة كمحاولة لتوفير الانتشار الداخلي استعدادا لانسحاب قوات التحالف أكثرا ملاءمة مع الظواهر.

ولتحقيق ذلك الهدف، تتبع حركة طالبان عادة خطة من ثلاث مراحل للسيطرة على إحدى المناطق. أولا، يتم إرسال فريق بروباغندا لاستقطاب الآراء المحلية وخلق اتصالات وإرهاب المسؤولين. وثانيا، تتحرك الجماعات المسلحة الصغيرة أو يتم حشدها من السكان القريبين والذين يثيرون حالة من الرعب والعنف ضد قوات الأمن المحلية. وأخيرا، إذا ما نجحت في المرحلتين السابقتين، تبدأ حركة طالبان في إعداد إدارة فعالة من المحاكم والضرائب والمحافظين.

فإذا ما كانت تطبق ذلك النموذج في الشمال أيضا، فإن تزايد عدد الهجمات يشير إلى أن حركة طالبان قد بدأت بالفعل تتجه صوب الخطوة التالية. وكما ذكر غيلز دورونسورو فإن الشمال شهد مؤخرا دقة في الهجمات أيضا، بما في ذلك الهجمات التي تم شنها ضد مراكز الشرطة. وتشير تلك الدقة إلى أن حركة طالبان ربما قد انتشرت بالفعل، وتسعى إلى مزيد من الامتداد صوب الشمال.

ويثير الامتداد شمالا تساؤلات مهمة حول مستقبل الصراع. ففي ظل تحول انتباه قوات المساعدة الأمنية الدولية (إيساف) إلى الجنوب، هناك خطر يتمثل في أن استراتيجية قوات التحالف الحالية تكرر الأخطاء الأولى للحرب. ففي ذلك الوقت، كان التمرد محدودا وكان يمكن تأسيس هيكل حكومي ملائم على نحو أكثر سهولة، إلا أن قوات التحالف نظرت إلى الجانب الآخر (غربا صوب العراق) وتجاهلت الفرصة. وبالمثل، فإن التركيز على جانب واحد وهو الجنوب الآن يترك الشمال مفتوحا أمام الحشد الذي سيجعل من الصعب تحقيق الاستقرار في المستقبل.

ويمثل ذلك خطرا على نحو خاص نظرا لوجود عدد من المجاهدين الساكنين والشبكات العالمية في الشمال. فتحالفهم مع حركة طالبان ربما يساعد في طرد قوات التحالف ولكن على المدى البعيد يوجد خطر تعزيز الجماعات المسلحة وإفراز عدد من القادة غير المركزيين في بيئة تعج بالتوترات.

وهو ما يجعلنا نصل إلى الخطر الأكبر الكامن في تجاهل الشمال. ففي ظل سعي قوات التحالف لبدء الانسحاب في 2011، يجب الانتباه إلى مستقبل أفغانستان؛ حيث يشير بالفعل ارتفاع مستويات العنف في الشمال إلى تزايد تنظيم الجماعات المسلحة في تلك المناطق. بالإضافة إلى أن سوء توزيع الموارد (سواء فيما يتعلق بالمساعدات أو بالقوة السياسية) الممتد إلى الجنوب والشرق يمكن أن يعزز المقاومة في تلك المناطق التي تم تجاهلها. والتهديد الرئيسي هو أنه في الوقت الذي ربما تكون طالبان قد نجحت في حشد الجماعات المختلفة للقتال ضد قوات التحالف، فإن اعتمادهم الشديد على التنظيم غير المركزي سوف يجعل من المستحيل السيطرة على تلك الشبكة بعد ذلك.

وبالفعل بدأت الشبكة الهشة من أتباع حركة طالبان في الانحياز والانقسام مما يوضح حدود الحوكمة المركزية في الوقت الحالي. وكما يقول عبد القادر سينو فإن ذلك النوع من الهشاشة بين المجاهدين كان أحد الأسباب الرئيسية وراء قدرة نظام نجيب الله في البقاء (وهو ما أدهش الجميع) بعد ثلاث سنوات من انسحاب السوفيات، وهو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت حركة طالبان قادرة على الوصول للسلطة في 1996. إلا أن فترة ما بعد الغزو السوفياتي قد شهدت، في الوقت نفسه، حربا أهلية، وهو ما يجب أن يتذكره صناع السياسة في المقام الأول. ففي ظل عدد من الجماعات المسلحة التي لا تمتلك أي منها القدرة الكافية لأن تصبح القوة المركزية، فإن الظرف ربما يكون ملائما لحدوث كارثة.

 

* نيك سرنيك - باحث مستقل يعيش في لندن ويكتب لعدد من المطبوعات ورئيس التحرير المشارك في صحيفة «ذا سبيكوليتيف ترن».

font change