الفيضانات تساعد طالبان في السيطرة على شمال باكستان

الفيضانات تساعد طالبان في السيطرة على شمال باكستان

[escenic_image id="55152387"]

يذكر أحدث تقرير لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بأن فيضانات باكستان أثرت بشكل مباشر على ما يقرب من 21 مليون شخص. ووصلت حصيلة الموت في باكستان إلى 1752 شخصا، كما تضرر أكثر من 1.8 مليون منزل، أو انهار نتيجة للفيضانات. وفي الوقت الذي يشق فيه الدمار لنفسه طريقا عبر مساحات شاسعة من البلاد، بدأ العديد من الناس يقارنون الكارثة الإنسانية بالهجرة القسرية التي تعرض لها الملايين في 1947 خلال الانقسام.

وعلى الرغم من مرور شهر على تدمير الفيضانات للمنطقة الشمالية الغربية من باكستان، وهي واحدة من أكثر المناطق فقرا وأقلها تعليما، فما زال العاملون بالمساعدات لم يصلوا لما يقرب من نصف السكان المتضررين. وهؤلاء السكان الذين يبلغ عددهم 17 مليونا معرضون، نظرا للظروف غير الصحية ونقص المياه النظيفة، للإصابة بأمراض مثل الإسهال والملاريا والكوليرا وأمراض الجلد. وما زال هناك صعوبة في الوصول للمدن الصغيرة نظرا لأن الفيضانات دمرت الطرق والجسور.

وأثرت الفيضانات التي بدأت في يوليو 2010 على الأجزاء الفقيرة من باكستان التي تنتشر فيها الحركات المتطرفة والانفصالية: خيبر يختونخوا (مقاطعة الجبهة الغربية سابقا)، والسهول الفقيرة لجنوب البنغاب وشمال السند وأخيرا بلوشستان. والغريب أن البنغاب الوسطى التي تتمتع بمستوى تعليم ودخول تبلغ على الأقل ضعف هؤلاء الموجودين في المناطق الأخرى قد نجت من الكارثة. وما يعنيه ذلك هو أن تلك الفيضانات، بالإضافة لكونها أزمة إنسانية، فإنها تمثل أيضا تحديا صعبا ليس فقط بالنسبة للأمن القومي لباكستان ولكن بالنسبة للأمن الإقليمي والدولي أيضا.

فخيبر يختونخوا هي المنطقة التي تتمركز فيها كل من حركة طالبان الأفغانية والباكستانية، كما أنها المكان الذي يقع فيه وادي سوات. وهو الوادي الذي أصبح تحت سيطرة حركة طالبان بعدما كان في وقت من الأوقات وجهة سياحية شهيرة. وعلى الرغم من أن الهجوم العسكري المنهجي الذي شنه الجيش الباكستاني في 2009 استعاد بنجاح السيطرة على المنطقة، فإن نحو 64% من سكان سوات العليا اضطروا للانضمام لطبقة النازحين داخليا الضخمة كنتيجة للقتال. وبحلول مارس (آذار) من العام الحالي هرع نحو 90% من هؤلاء الذين كانوا قد غادروها إلى المنطقة ولكنهم اضطروا للخروج مرة أخرى تحت وطأة الفيضانات المدمرة. فقد دمرت الفيضانات الطرق والجسور وغيرها من البنية التحتية في كافة أنحاء الإقليم، وهو ما أثر على الاتصالات وأضعف سيطرة الدولة على المنطقة. وهناك يكمن الآن خطر حقيقي بأن تتمكن طالبان من السيطرة على المناطق النائية، خاصة تلك المناطق التي تقع على مقربة من الحدود الأفغانية.

وبالمثل دمرت الأمطار مناطق جنوب البنغاب وشمال السند. وقضت الفيضانات على الملايين من فدادين المحاصيل ومئات القرى. كما غرقت محطات الطاقة في تلك القرى، وخلعت أعمدة الكهرباء وخطوط الغاز، وقضي على نصف الثروة الحيوانية. وهذه المقاطعات الفقيرة هي بالفعل مراكز رئيسية للتجنيد بالنسبة للمنظمات المتطرفة كما أن هؤلاء المسلحين يعملون الآن على تصوير هذه الفيضانات باعتبارها دلالة على غضب الله من الحكومة. ومن دون شك، فإن تلك الفيضانات تساهم في تفاقم أزمة البطالة والفقر في هذه المنطقة وربما تعمل أيضا على دفع المزيد من الشباب إلى الانضمام إلى الجماعات المتطرفة.

ومن جهة أخرى، تعد بلوشستان الغنية بالموارد من أفقر المناطق في باكستان. وتنشط حركة طالبان أفغانستان التي تعاني أيضا من تمرد الانفصاليين الذي يعود في الأساس إلى التهميش السياسي والاقتصادي لقبائل البلوش. وبالفعل يعتقد العديد من المحللين أن أسامة بن لادن والملا محمد عمر، زعماء "القاعدة" وطالبان أفغانستان على التوالي يختبئان على الأرجح في مدينة كويتا التابعة لقبائل البلوش. ودمرت الفيضانات البنية التحتية المحدودة التي كانت موجودة في المقاطعة واقتصادها المنهار بالفعل. وليس من المتوقع أن يعزز انهيار الاتصالات والبنية التحتية من "الكويتا شورى" ألا وهو القيادة العليا لحركة طالبان أفغانستان فقط ولكن انفصاليي البلوش أيضا الذين بدأوا بالفعل في انتقاد الحكومة الباكستانية نظرا لضعف جهود الإغاثة، كما بدأوا يدعون لتصعيد صراعهم من أجل الاستقلال.

وباختصار، فإن الفيضانات فاقمت الموقف الأمني الداخلي المتفاقم بالفعل. كما أن حقيقة كون الحكومة الباكستانية غير قادرة على توفير الإغاثة الفعالة والفورية قد فاقم من السخط الموجود. وبالفعل، كشفت الفيضانات عن عجز الحكومة وفسادها. كما أن ضحايا الفيضان غاضبون مما يرون أنه استجابة الحكومة البطيئة وغير الملائمة. كما فقد الرئيس عاصف على زرداري قدرا كبيرا من التأييد الشعبي وتعرض لانتقادات حادة عندما غادر باكستان في الثاني من أغسطس (آب) الماضي للقيام بجولة مخطط لها سلفا إلى فرنسا والمملكة المتحدة رغم حقيقة أن بلده كانت وسط أزمة.

وفي الوقت نفسه، وفيما تعاني الحكومة لكي تلبي احتياجات الملايين من المشردين، ضعفت مصداقيتها إلى حد كبير مقارنة بالعديد من المنظمات مثل المنظمة الخيرية المحظورة، جماعة الدعوة التي أقامت مخيمات الإغاثة الخاصة بها والتي تقدم الطعام والدواء ومقدارا من المال لضحايا الفيضان. ومن المعروف أن جماعة الدعوة تربطها صلات بحركة "عسكر طيبة" وهي الجماعة العسكرية المسؤولة عن هجمات 2008 على مومباي. كما أن المعسكرات المؤقتة التي تديرها جماعات مثل "فلاح إنسانيات" أحدث الكيانات التابعة لجماعة الدعوة، تعمل بفعالية في كافة أنحاء باكستان وتملأ الفراغ الذي خلفته الحكومة المنتخبة ديمقراطيا.

وبالمثل فإن حركة طالبان باكستان كانت تعمل بهدوء في الشمال الغربي وتوفر المساعدات لضحايا الفيضان في تلك المنطقة. وفي المقابل، استجابت الحكومة بإغلاق عدد من مثل تلك المخيمات باسم مقاومة انتشار التطرف. وعلى الرغم من أنه لم تعلن أي جماعة عن مسئوليتها، فإنه يعتقد أن نحو ستة أعمال إرهابية في الشمال الغربي وشرق مقاطعة البنغاب في باكستان التي وقعت في أواخر أغسطس، كانت رد فعل لعملية القمع تلك. على أية حال، فإنه ما لم توفر الحكومة الباكستانية المساعدات الكافية والسريعة لمئات الآلاف من الضحايا الذين ما زالوا في انتظار المساعدات، فإن عمليات القمع التي تقوم بها لن تؤدي إلى شيء بخلاف إثارة القلاقل الاجتماعية والشغب الغذائي بل وربما تشعل قدرا من العصيان كافيا لكي يمثل تحديا لدور الحكومة قبل انتهاء ولايتها في 2013.

وبالطبع، فإن كل ذلك له تداعيات خطيرة فيما يتعلق بتصاعد نشاط المسلحين في مقاطعة البنغاب الوسطى المزدحمة بالسكان. وعلى الرغم من أن كثيرين كتبوا حول مكافحة الإرهاب في المناطق القبلية بباكستان فإن تصاعد نشاط المسلحين ونمو تنظيم القاعدة ونفوذ حركة طالبان في البنغاب قد تم تجاهله إلى حد كبير. ومع ذلك، يرجع الفضل في ذلك إلى هجمات الولايات المتحدة بطائرات الدرون (طائرات من دون طيار) والهجوم الشرس الذي شنه الجيش الباكستاني على المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية، فإن كلا من تنظيم القاعدة وحركة طالبان أفغانستان يبحثان عن ملجأ آمن في قلب باكستان. وبالتالي، تم عقد تحالفات جديدة بين الجماعات المتطرفة البنغابية مثل جيش محمد وحركة طالبان وتنظيم القاعدة.

كما تزايد استخدام المناطق الريفية في جنوب البنغاب كملاجئ ومناطق تدريب ليس فقط للجماعات البنغابية المحظورة ولكن لمقاتلي البشتون وتنظيم القاعدة الهاربين من المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الفيدرالية. وبلا شك فإن مسلحي البنغاب يمثلون تهديدا جديا لاستقرار باكستان والأمن العالمي. أولا لأنهم أكثر تطرفا وأكثر ارتباطا بأجندة الإرهاب العالمية. وثانيا فإنهم يوفرون الفرصة لحركة طالبان وتنظيم القاعدة للوصول إلى قلب باكستان التي يمكن أن يؤدي تزايد النشاط الإرهابي بها إلى إضعاف باكستان بطريقة لا يمكن أن يصل إليها عبر النشاطات الإرهابية في المناطق الحدودية.

كما أن ذلك له تداعيات خطيرة على الأمن الإقليمي والدولي. فعلى سبيل المثال، يُعتقد بأن جيش محمد قد جند مفجر ميدان التايمز، فيصل شاه زاد. وباختصار، فإن الجماعات البنغابية المسلحة التي كانت تحظى بحماية الجيش الباكستاني والاستخبارات لمدة طويلة تعمل الآن على مد نطاق عملياتها إلى ما بعد جنوب آسيا وتمثل تهديدا مباشرا للأمن الأوروبي والأميركي. بالإضافة إلى الأخذ في الاعتبار أن أسطول الطائرات المروحية الباكستاني والقوات الباكستانية التي تبلغ 60 ألفا والمشتركين في قتال حركة طالبان في خیبر يختونخوا قد انتقل إلى أنشطة الإغاثة المتعلقة بالفيضان، فإنه من غير المرجح أن يتمكن الجيش من الحفاظ على المناطق التي كان قد استعادها من المسلحين في المستقبل القريب.

وفي الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي تأمين جنوب أفغانستان ونشر المزيد من القوات الأميركية في شرق أفغانستان، فإن حقيقة أن القوات الباكستانية قد انسحبت من المناطق الحدودية تعني أن مسافة 1500 ميل على خط دوراند قد أصبحت معرضة مرة أخرى لكي تصبح الملجأ الآمن ومعقل مقاتلي حركة طالبان الفارين. وبالتالي فإن تلك الفيضانات تمثل بالنسبة لحركة طالبان فرصة عظيمة لعبور الحدود إلى باكستان لكي يدربوا ويجندوا مقاتلين جددا. وبالنسبة لباكستان، فإن الفيضانات أوضحت أن المستقبل السياسي يعتمد على استعادة سيطرتها على المسلحين الذين كانت تستخدمهم لمدة طويلة كوكلاء عنها. وبالطبع فإن السؤال الحقيقي هو هل أطلقت بذلك الجني من الزجاجة؟

 

* راشمي سينغ - المحاضر في الدراسات الإرهابية بمركز دراسات الإرهاب والعنف السياسي بجامعة سانت أندروز.

font change