* لن يكون للانتخابات النصفية تأثير كبير على السياسة الخارجية، لأنها تخضع لرئيس الجمهورية وتأثير المجلسين عليها ضعيف.
الانتخابات النصفية الأميركية لهذا العام، حظيت باهتمام وتغطية عالميتين، بسبب شخصية الرئيس الأميركي وأسلوبه المميز في التعاطي السياسي، والذي ينفر منه البعض، وتنتقده غالبا الصحافة. ما زال العالم مهتما لمعرفة إن كان مزاج الناخب الأميركي الذي أوصل ترامب إلى البيت الأبيض خلافا لكل التوقعات واستطلاعات الرأي التي سبقت تتويجه، تغير بعد عهود الرؤساء السابقين، فهي غالبا ما تأتي لغير صالح الحزب الحاكم. فقط الرئيس بوش وبعد أحداث سبتمبر (أيلول) 2001، استطاع الحفاظ على أغلبية حزبه في المجلسين في عهده الأول. أما باقي الرؤساء فقد عانوا من خسارة أحزابهم السيطرة على المجلسين أو أحدهما في الانتخابات النصفية.
من هنا فإن خسارة الحزب الجمهوري للأغلبية داخل مجلس النواب، متوقعة ولو أتت بأقل مما كان يبشر به الحزب الديمقراطي. هذا طبعا أمر إيجابي للحزب الديمقراطي، ولكن تلك الأغلبية في مجلس النواب ستضعه أمام خيارات صعبة، في ظل الأرقام الاقتصادية الإيجابية التي تحققها الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس ترامب، فعدم تعاون الديمقراطيين مع الإدارة قد يرتد سلبا على الاقتصاد، ما سيستعمله ترامب ببراعة في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة لاتهامهم بالعمل ضد مصلحة الشعب الأميركي، أما في حال التعاون فسيكون هنا أيضا ترامب الرابح الأكبر إذا ما بنى حملته على هذا النجاح.
أما في انتخابات حكام الولايات، فيمكن اعتبار النتيجة متعادلة، فحيث خسر الجمهوريون مقاعد في الولايات الأساسية التي أعطت ترامب الأفضلية على كلينتون في الانتخابات الرئاسية مثل بنسلفانيا، وميتشيغان وويسكنسن، فقد انتصروا في ولايات أخرى أساسية لانتخابات الرئاسة في 2020، مثل أوهايو وأيوا وفلوريدا مبدئيا، والتي يجري حولها نزاع قضائي أفضى إلى إعادة تعداد الأصوات.
أما في مجلس الشيوخ فلم يحافظ الجمهوريون على الأغلبية فقط ولكن دخل المجلس شخصيات داعمة للرئيس بدل أخرى من حزبه، كانت معارضة له. وهذا ما سيمنحه حرية أكبر في موضوع التعيينات. من هنا كان قرار الرئيس بإقالة وزير العدل جيف سيشنز وكأن الرئيس ترامب فقد الثقة في وزير عدله بعد أن نأى بنفسه عن مهمة التحقيق بشأن التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية، وسمح لنائبه رود روزنشتاين الديمقراطي بتولي التحقيق. ويكون الرئيس قد أصاب في هذه الإقالة عصفورين بحجر، إذ إنه سيعين وزير عدل جمهوري سيتولى الإشراف ومباشرة التحقيق بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية وسيعفي نائبه روزنشتاين الديمقراطي من هذه المهمة.
أما فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فلن يكون لتلك الانتخابات النصفية كبير التأثير عليها لأنها تخضع لرئيس الجمهورية وتأثير المجلسين عليها ضعيف.
كان الديمقراطيون يحلمون بموجة زرقاء تكبل الرئيس بشكل محكم للسنتين المتبقيتين من عهده خاصة من خلال التركيز على قضية التدخل الروسي في الانتخابات لصالحه. هذا لم يتحقق. أما الرئيس ترامب فكان يطمح إلى تحقيق أغلبية في المجلسين ليرتاح في حكمه، هذا أيضا لم يتحقق. وعلى ضوء النتائج الانتخابية النصفية يمكن القول إن كلا الحزبين لديه أوراق قوة سيستعملها في وجه الآخر وصولا إلى موعد الانتخابات الرئاسية. وحتى هذا الموعد ستبقى العين على الاقتصاد. فإذا ما تابع نتائجه الإيجابية مع أو من دون عرقلة الديمقراطيين، فسيكون من الصعب هزيمة ترامب في الانتخابات الرئاسية القادمة في 2020.