* هل تحقق العقوبات مبتغى الرئيس ترامب في وقف المد الإيراني؟
تعود العقوبات الاقتصادية الأميركية ضد إيران على وقع صخب إعلامي كبير مرافق لتلك العملية، توجه الرئيس دونالد ترامب بتغريدة أظهرت صورة له بدا فيها حازما مع تعليق «العقوبات القادمة» استعمل فيه الحرف والتصميم المستعمل بالمسلسل ذي النجاح والصيت العالمي «غايمذ أوف ثرونز» أو صراع العروش، هذا المسلسل تدور أحداثه في عالم افتراضي من قارتين حيث يوجد سبعة ممالك كان يحكمها ملك مجنون ارتكب الكثير من المجازر وتسبب بفوضى عارمة في الممالك السبع.
مجددا يستعمل الرئيس ترامب أسلوبا غير اعتيادي ونهجا هوليوديا لم تعتده الدوائر السياسية التقليدية من قبل. ولكنه في الشكل موجه إلى الداخل الذي يخوض الانتخابات النصفية للمجلسين والذي يريد من خلاله الرئيس الأميركي تأكيده لجمهوره أنه لم يحد حتى اللحظة عن الوعود التي قطعها للناخب ابان حملته الرئاسية قبل عامين.
أما في المضمون فإعادة فرض العقوبات واجهت اعتراضات كبيرة لا سيما في الموضوع المالي وموضوع النفط، أولا من قبل كبار موظفي أدارة الرئيس السابق أوباما وبعضهم ما زال يعمل لصالح إدارة ترامب، وثانيا من قبل الأوروبيين الذين يحاولون الالتفاف على نظام العقوبات وخلق جسم يستطيع من خلاله الإيرانيون تحويل وتسلم الأموال من قبل شركات أو مؤسسات من دون أن تطالها العقوبات الأميركية، خاصة بعدما كثر الحديث عن إمكانية إخراج إيران من النظام المصرفي العالمي. تراجعت إدارة ترامب في فرض حظر كلي على إيران وسمحت لبعض الدول بالتعامل مع النفط الإيراني.
طبعا هذا التراجع في النقطتين المالية والنفطية لن يخفف من وطأة وقساوة العقوبات على الجمهورية الإيرانية باعتراف إيران نفسها. هذا التراجع يتعلق بالخلافات العالمية حول مقاربة الموضوع الإيراني وفشل إدارة ترامب في إقناع العالم بالوقوف صفا واحدا خلفه. مع أن الولايات المتحدة تملك وسائل إقناع متعددة وهذا ما ثبت في انسحاب الشركات العالمية من السوق الإيرانية خوفا من أن تطالها العقوبات، إذ لا يحتمل هذا السوق تلك المخاطرة، إنما هي تعرف أنها لا تستطيع إلا أن تأخذ بجدية مواقف حلفائها الأوروبيين وأن لا تسعى إلى تخطيهم بشكل يضعهم في مواجهة علنية وغير ضرورية.
يسعى الرئيس ترامب لإعادة صياغة سياسته الخارجية وفقا لمعيار مخالف للذي اتبعه سلفه أوباما، من خلال إعادة الاعتبار للحلفاء، ومن بينها المملكة العربية السعودية، والتصدي للخصوم ومن بينها إيران، ومن خلال تلك الخطوة أعاد نوعا من توازن كان مفقودا لصالح نظام الملالي الذي بدا وكأنه يراكم الانتصارات في سوريا مثلا من بعد توقيع اتفاقية نووية جاءت بالكامل لصالحه.
حتى إن الأموال بدأت تتدفق لحساب الحرس الثوري من أميركا بالذات، وهرعت كبرى الشركات للسوق الإيرانية، بمباركة العالم أجمع. أعاد الرئيس السابق أوباما إيران إلى الشرعية الدولية ليس فقط من دون ثمن يدفع عن الأخطاء والحروب والإرهاب الذي زرعته في المنطقة ورعته، بل بمكافآت، بل أيضا من خلال تفضيلها على الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.
من خلال إعادة فرض العقوبات تحاول الولايات المتحدة الوصول إلى اتفاق أفضل مع إيران حسب تعبير الرئيس ترامب نفسه. أي بكلام آخر نزع الامتيازات التي حصلت عليها مع الرئيس أوباما. ومنها الامتيازات النووية أو السقف الزمني الذي وضع (15 عاما) تمتنع فيها فقط إيران عن تخصيب اليورانيوم، أما بعد هذه المدة الزمنية فتصبح حرة من أي التزام. كما يريد الرئيس ترامب أن تلحظ الاتفاقية الصواريخ الباليستية والتي تجاهلها سلفه، بالإضافة إلى الانتشار العسكري في سوريا خاصة ووقف دعم الميليشيات التي تخضع لحرسها الثوري مثل «حزب الله» مثلا.
يعلم الرئيس ترامب جيدا أن أكلاف الحروب التي تخوضها إيران في المنطقة مرتفعة جدا، وهو يراهن على أنه مع إعادة فرض العقوبات ستجد إيران أنه من الصعب، إذا لم يكن من المستحيل، المحافظة على الأرباح التي جنتها من خلال الاتفاق النووي، وستضطر إلى الجلوس على طاولة المفاوضات، تلافيا لسيناريو الاحتجاجات الشعبية التي عمت البلاد على خلفية الظروف المعيشية الصعبة التي تعاني منها، جراء سياساتها الاستعمارية التي بنيت على أساس إقامة الهلال الشيعي من طهران وصولا إلى بيروت.
فهل تحقق العقوبات مبتغى الرئيس ترامب في وقف المد الإيراني؟