فرانك غاردنر: العالم العربي ملّ العنف وشبع صراعات

فرانك غاردنر: العالم العربي ملّ العنف وشبع صراعات

[escenic_image id="55145643"]

سعى غاردنر لدراسة اللغة العربية والدراسات الإسلامية بجامعة إكستر،  عقب لقاء بالصدفة مع المستكشف للدول العربية ويلفريد ثيسنغر. كان المسافر المغامر يستغل كل فرصة لاستكشاف الشرق الأوسط ولإشباع شغفه الجديد، حيث كان يسافر دائما حول العالم في العشرينات من عمره. وعندما تخرج، كان يتنقل بين الوظائف حتى استقر في القطاع المالي.

و قادته الصيرفة الاستثمارية إلى دول الخليج التي قضي بها تسع سنوات، عمل خلالها في البنك السعودي الدولي و«روبرت فليمنغ». ولم يكن أبدا غاردنر راضيا عن عمله المصرفي، وبالتالي ترك عالم المال والأعمال والتحق بالعمل في «بي بي سي» عام 1995.

في البداية عمل في «بي بي سي وورلد» كمحرر ومُعد. ثم أصبح بعد ذلك أول مراسل للخليج بدوام كامل. وكان يعيش في دبي ويغطي كافة أنحاء المنطقة. وبعدما تم تعيينه كمراسل للشرق الأوسط عام 2000، كان غاردنر يعيش في القاهرة مما اتاح له تغطية القصص التي ظهرت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001.

وفي عام 2004، تغيرت حياته جذريا عندما كان يصور فيلما في إحدى القرى بالرياض بالمملكة العربية السعودية. حيث هاجمت جماعة تابعة لتنظيم القاعدة طاقم عمله وقتلت المصور سيمون كامبرز، وألقي بغاردنر وهو يصارع الموت على جانب الطريق بعدما أطلقت عاليه النيران ست مرات من مسافة قريبة. وبعد أشهر من العلاج والجراحة والنقاهة، كان على غاردنر التكيف مع الحياة على كرسي مدولب؛ فقد أصيب بالشلل إثر الرصاصات التي أصابت عموده الفقري.

و لأنه ليس من النوع الذي يستمتع بالرثاء على ذاته، كان غاردنر عازما على الاستمرار في الحياة كما كان يفعل قبل تعرضه لذلك الهجوم. فقد استمر في العمل في «بي بي سي» كمراسل أمني. وعندما لا يكون مشغولا بالتصوير في أفغانستان، يقضي وقته بالسفر بصحبة زوجته وابنتيه.

وكانت تقارير غاردنر تحظى دائما بالثناء نظرا لموضوعيتها ووعيها العميق بتعقيدات وخصائص المنطقة. كما سمحت له إجادته للغة العربية بالتوغل داخل ذلك العالم الذي طالما أسيء فهمه وتقديمه.

 

«المجلة»: شهدت ما قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما بعدها، من خلال تجربتك الخاصة، كيف ترى تغير الصحافة منذ ذلك الوقت خاصة في ظل تغطياتك الصحافية للشرق الأوسط؟

- في ذلك الوقت كنت أعمل كمراسل لـ«بي بي سي» في الشرق الأوسط من القاهرة. ومن الواضح أن المطلب المباشر الذي كان الجميع يرغب فيه، هو أن نخرج إلى شوارع القاهرة ونسأل المواطنين العاديين عن رأيهم في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول).

وكان أمرا مذهلا، فقد كان هناك نطاق واسع من الاستجابات، فبعض الناس كانوا يقولون «إن إسرائيل هي التي قامت بذلك»، «الاستخبارات الأميركية هي من نفذها»، فيما كان يقول البعض الآخر إن «العرب لا يستطيعون تنفيذ تلك العمليات»، ويقول آخرون: «نشعر بالحزن من أجل هؤلاء الناس ولكن أميركا تستحق ذلك»، وكان هناك أشخاص سعداء بتلك الهجمات في دخيلتهم فيما احتفى البعض بها علانية.

ومما لا شك فيه أن ذلك وضع صحافة الشرق الأوسط على مسار مختلف، وهو ما أثر على الأرجح على قدر كبير من صحافتنا في السنوات التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) نظرا لأنه كما كنت أقول للناس مرارا وتكرارا، فإن الشرق الأوسط كان يرزح تحت وطأة كثير من الصراعات، ولكن الحياة اليومية في الشرق الأوسط لا تتسم بالعنف بل إنها حياة عادية. فالناس تطمح في نفس الأشياء التي نطمح فيها، فهم يرغبون في سقف يستظلون به وفي الحصول على مستوى معيشي معقول وفي إرسال أولادهم إلى مدارس ملائمة وفي تكوين عائلة والعيش في سلام. فليس هناك أي فارق عما يرغب فيه الناس هنا.

ولكن المشكلة هي أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كانت صدمة للنظام سواء في الشرق الأوسط أو في العالم برمته، مما دفع الناس للبحث في مناطق ربما لم يذهبوا إليها من قبل. وفي حالتي، فقد ذهبت للبريدة في محافظة القصيم في المملكة العربية السعودية وأجريت حوارات مع الناس هناك وحاولت أن أفهم ظاهرة التكفير وما الذي يدفع الناس للانضمام لتنظيم القاعدة. فقد كنت بحاجة إلى الفهم، فهم أزماتهم. كيف تغيرت الصحافة منذ ذلك؟ حسنا، في البداية أعتقد أنه منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وما تلاها، كان عدد كبير من الصحافة الغربية قد ركز إلى حد كبير على الجوانب السلبية، ولكن ذلك أمر متوقع في أعقاب حدث كارثي مثل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول). وبالطبع فإنه بعد غزو العراق في 2003، فإن معظم الصحافيين الغربيين خاصة الأميركيين اهتموا إلى حد بعيد بما تقوم به القوات الأميركية في العراق. فلم تكن هناك مساحة كبيرة في النشرات الإخبارية لمن يقدم تحقيقا خفيفا حول عرب الأهوار.

ومن المؤكد أن عمل تقارير إخبارية في العراق قد تغير ليس في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، ولكن بعد مارس (آذار) 2003. لقد اعتدت الذهاب إلى العراق في عهد صدام حسين. وحتى لا يحدث لبس، لم يكن العراق مكانا لطيفا في ذلك الوقت، فكان النظام وحشيا وقمعيا وبشعا، ولكن بالنسبة لمعظم الناس كان هناك إحساس بالأمن على طريقة ألمانيا الشرقية؛ فطالما لا تصطدم بالنظام فأنت آمن. ولكن ذلك بالطبع قد تغير بعد 2003، لأنه حدثت أخطاء كارثية، بل وربما في رأي البعض كان الغزو في ذاته خطأ كارثيا. ولن أتخذ موقفا محددا في تلك القضية ولكن من الواضح أن كثيرا من الناس سوف يقولون إن الغزو كان خطأ كارثيا. ولكنني أستطيع أن أقول إن قوات الاحتلال قد ارتكبت أخطاء جسيمة جعلت موقف العراق أسوأ. مثل تفكيك العمود الفقري للحكومة المركزية في العراق وهو ما عرض الوزارات للخراب والسرقة، كذلك منع أعضاء حزب البعث من العمل بالوظائف الحكومية، وحل الجيش. فلم يكن الأمر يحتاج إلى تفكير عميق كي ندرك أنه سيحدث تمرد في أعقاب ذلك. وفيما يتعلق بأن صدام كان وحشا، فإن كثيرا من العرب كانوا يقولون لي «أجل كان وحشا ولكنه كان وحشنا».

وبالعودة إلى الصحافة، يمكنني أن أسافر بأمان تام، وإن كان تحت حراسة حكومية من بغداد إلى بابليون لحضور مهرجان بابليون عام 2000، وكان مهرجانا ثقافيا ضخما وجميلا. حسنا، ولعدة سنوات منذ عام 2003، أصبح من الخطورة، خاصة بالنسبة للصحافيين الغربيين وكذلك لكثير من الصحافيين العراقيين، أن تسافر خارج بغداد دون اتخاذ كثير من الإجراءات الاحترازية، وذلك أمر محزن للغاية. فالصحافيون العراقيون كانوا من أكثر الضحايا في العراق، فقد دفعوا ثمنا باهظا وكانوا أكثر شجاعة على نحو استثنائي وكان بعضهم يعمل في وسائل الإعلام العراقية، فيما كان البعض الآخر قد قضى حياته في العمل في وسائل الإعلام الدولية، وقد عانوا من خسائر بشعة. وبالطبع أنا أثني عليهم. فالصحافيون العراقيون يتسمون بالجرأة والشجاعة والتجديد، فهم كشعاع ضوء في عالم مظلم.

 

«المجلة»: هل مررت بأوقات خلال عملك الصحافي شعرت خلالها بأنك لا ترغب في أن تصبح جزءا من صناعة تزدهر عبر إثارة الرأي العام ضد الإسلام؟

- رغم خطورة أن أبدو متعجرفا بعض الشيء، فقد كنت دائما أرى نفسي في مكان مختلف عن مسألة الإثارة، والصحافة الصفراء التي يمكنها أن تضع صورة لأبو حمزة المصري على الغلاف قائلة «أوقفوا ذلك المتعصب». الـ«بي بي سي» لا تقوم بذلك، وأتمنى أن نكون موضوعيين قدر ما نستطيع للحد الذي يفسح مجالا في بعض الأحيان لوجهات النظر السيئة طالما أننا نواجهها، فيجب علينا دائما أن نتحدى وجهات النظر المختلفة سواء كانت جيدة أم سيئة. كما أنني لم أر أبدا نفسي في ذلك النوع من العمل، أقصد الإثارة. فأنا أرصد أن هناك مشكلة ولكن معالجتها من خلال الإثارة ليس طريقا لحلها. وأعتقد أنه من المحزن أن يلقي الناس بأحكام عامة، فأنا شخصيا كان علي التعامل مع ذلك، فكان السعوديون يكتبون إلي ويقولون: «يمكننا أن نتفهم إذا ما كنت تشعر بالكراهية لعالمنا بأسره بعد ما حدث لك». ولكن بالطبع لا، فأنا قادر على التفرقة بين المتطرفين وعموم الناس.

 

«المجلة»: لقد قلت إنك قادر على رؤية نفسك في موقع مختلف. هل يرجع ذلك إلى إجادتك للغة العربية وفهمك العميق لثقافة الشرق الأوسط؟

- أعتقد أن ذلك جعلني مختلفا، ولكن ليس فقط إجادتي للغة العربية رغم أن ذلك ساعد بالطبع، ولكن ما أفادني هو الحياة وقضاء أوقات طويلة بين العرب في العالم العربي. فمعظم خبراتي في العالم العربي لم تكن لأن هناك من أرسلني إلى هناك وطلب مني القيام بعمل ما، فأنا كنت هناك لأنني أحببت أن أكون هناك. فذلك أمر ذاتي للغاية، فلم أكن أفعل ذلك من أجل الأهداف العظمى لخدمة الإنسانية. بل كنت أقوم بذلك للمتعة الذاتية لأنني قضيت في الحقيقة أوقاتا طيبة في الشرق الأوسط. فقد أحببت الحياة مع البدو الأردنيين في جنوب البلاد وقضيت أوقاتا طيبة معهم. وقد أحببت الحياة في القاهرة عندما كنت طالبا، ولكن الأمر كان مختلفا عندما عدت إلى هناك كرئيس لمكتبنا في القاهرة لأنني كنت أحمل مسؤوليات إدارة المكتب، ودائما ما كان الطاقم المصري لديه شكاوى لا تنتهي، ولم يكن هناك وقت كاف لأسرتي. وكنت دائما ما أسافر إلى غزة، وطرابلس والكويت وبالتالي لم يكن هناك كثير من الوقت، فلم يكن وقتا سعيدا بالنسبة لي ولكن عندما كنت أعيش هناك كطالب، قضيت وقتا ممتعا. وقد عقدت صداقات طيبة مع البحرينيين. ولدي صديق كويتي قابلته قبل 20 عاما، وذهبنا معا بالسيارات في 1991 إلى آبار البترول المشتعلة، بل ودخلنا العراق، وقد أرسل لي رسالة إلكترونية في ذلك الصباح.

وربما كان تميز العرب بدفء العلاقات الإنسانية هو ما دفعني إلى الاستمتاع بقضاء ذلك الوقت الطويل في الشرق الأوسط. فأنا لا أنظر إلى عملي كوظيفة ولا أقوم بمهام صحافية مكلف بها، بل إنه جزء من العالم المثير في ذاته. فسواء كنت صحافيا أم لا فقد ألفت كتابا حول ذلك ولكنني عندما كنت أمر بكل تلك التجارب؛ الحياة مع البدو، والحياة مع العائلة المصرية والحياة في البحرين، والحياة في دبي، لم أكن أعرف في ذلك الوقت أنني سوف أكتب كتابا حولها. فقد قررت تأليف الكتاب بعد تعرضي لإطلاق النيران.

 

«المجلة»: إذا ما عدت للخليج غدا وسألت الناس عن مشاعرهم حيال الغرب، في رأيك هل ستكون مواقفهم قد تغيرت مقارنة بمواقفهم قبل سبع سنوات في أعقاب غزو العراق؟

- أعتقد أن تأثير الأحداث الثلاثة؛ الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي بدأت في سبتمبر (أيلول) 2000 والتي أعقبها عملية طرد حركة طالبان وتنظيم القاعدة من أفغانستان في أواخر 2001، ثم غزو العراق في 2003، قد ساهم بلا شك في تهدئة آراء كثير من الناس في الخليج وفي العالم العربي بأسره تجاه الغرب. ومن خلال خبرتي، فإنه قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) كان رد فعل الناس العاديين في العالم العربي تجاه الزائرين الغربيين هو رد فعل من الترحاب والضيافة. فإذا تحدثت للناس الذين ذهبوا كسائحين إلى مصر أو سورية، سيقولون إن ذلك ما زال هو الوضع. فأنا لم أقابل أبدا أحدا ذهب إلى سورية ولم يقض وقتا ممتعا. ولكنني قضيت وقتا صعبا هناك لأن سائق التاكسي اتخذ طريقا خاطئا أو شيئا من هذا القبيل! ولكن المحصلة النهائية لتلك الأحداث الثلاثة تركت بلا شك أثرا على علاقة الود الطيبة التي كان يشعر بها الناس تجاه الغرب.

وربما يعود بعض الناس بالذاكرة إلى الوراء مستعيدين الثورة العربية التي يطلق عليها خيانة لورانس أو حتى الحملات الصليبية، فبالنسبة للتكفيريين، حدثت الحملات الصليبية في الماضي القريب.

فهم يرون أن أي شيء يقوم به الغرب سياسيا في الشرق الأوسط هو امتداد للحملات الصليبية. فتنظيم القاعدة يطلق على كافة الغربيين في شبه الجزيرة «صليبيين» وهو أمر سخيف للغاية. ففكرة أن نصم السيدة مغينز المتقاعدة التي ذهبت في جولة ثقافية داخل عمان بالـصليبية أمر سخيف للغاية، ولكن تلك هي الطريقة التي يرى بها بعض الناس الأمر.

 

«المجلة»: ومرة أخرى وبالتركيز على الخليج، ماذا تعتقد بشأن رؤية المواطنين في المنطقة لقضايا مثل الصراع العربي - الإسرائيلي وحرب العراق؟ هل ضجروا من تلك القضايا، هل يرغبون في النأي بأنفسهم عنها؟

- أعتقد أن المؤكد هو أن العالم العربي قد مل من العنف. ودعني أوضح ذلك؛ لقد اكتفوا من الصراعات. فقد كانت هناك كل الحروب العربية - الإسرائيلية، وحرب لبنان 2006، والحرب الإيرانية - العراقية التي استمرت لثماني سنوات وأسفرت عن مقتل نحو مليون شخص. لقد نسينا ذلك ولكن لنحو عقد كامل في الثمانينات، كانت منطقة الخليج يهيمن عليها ذلك الصراع الذي تزايدت خطورته مع بدء كلتا الدولتين إطلاق صواريخ اسكود على بعضهما البعض، وشن غارات جوية على محطات البترول في جنوب الخليج. في ذلك الوقت كان لدى نظام صدام برنامج للتسلح النووي، فقد كان يسعى للحصول على قنبلة نووية. فهل تتخيل قدر الإحباط؟ فتقريبا كانت الحسنة الوحيدة لغزو العراق 2003 هي أنه لم تعد هناك إمكانية لأن يحصل نظام صدام حسين الوحشي والمراوغ على أسلحة نووية. ولكنهم كان يجب عليهم أن يدفعوا ثمنا باهظا في مقابل ذلك. وبالتالي أعتقد أن الناس في الخليج يشعرون بأن كل ذلك امتداد لسياسة الولايات المتحدة غير العادلة، التي تسبب الضرر للمسلمين والفلسطينيين والعرب الذين يشعر معظمهم بالكراهية تجاهها.

 

كيف يمكن استخدام سلطنة عمان كنموذج لتحسين الموقف في دولة اليمن المجاورة نظرا لأن كلتيهما من المجتمعات القبلية تاريخيا؟

- إنهما دولتان مختلفتان للغاية. فعمان دولة مسالمة تماما وسعيدة. ويعد اليمن بالنسبة لي، صحافيا، مكانا مذهلا، ولم أشعر أبدا بالخطر هناك. لكن الموقف تغير هناك للأسف. إنها المقر الجديد لتنظيم القاعدة في الشرق الأوسط. ولديها كافة أنواع المشكلات التي ليس لجميعها علاقة بالإرهاب. فلديها مشكلات تتعلق بنضوب البترول والمياه وبالزيادة السكانية. وبالتالي فلا أعتقد أن النموذج العماني سيكون مفيدا في اليمن. فجزء كبير من المجتمع اليمني منعزل تماما. وهناك كثير من الأسلحة في أيدي المواطنين، حيث يمتلك المواطنون خارج المدن أسلحة الكلاشنيكوف؛ حيث يعد إطلاق النيران جزءا من ثقافتهم. في الثمانينات، ذهبت إلى صعدة مع اليمنيين وكانوا يخرجون من السيارة ويقولون: «فلنحظ ببعض المرح» ويطلقون النيران على الصخور. فهرع أحد المزارعين يشتكي من مقتل اثنين من خرافه. فهي ثقافة السلاح. وحتى في المدن يحمل الناس «الجمبية»، وعلى الرغم من أنه خنجر تقليدي فإنهم يتطاعنون به في المشاجرات.

كما أن القات من المشكلات الكبرى هناك، فهو جزء من الثقافة والعادات في المجتمع اليمني وهو طريقة لحل المشكلات؛ حيث إنهم يعقدون جلسات لمضغ القات في المساء. عندما تواجه إحدى القبائل مشكلة مع الحكومة فهم يجلسون ويمضغون القات معا ويتوصلون لحل ما. وكمشكلة وطنية، يعد القات أزمة كبرى، فهو مكلف ومهدر. فاليمن دولة فقيرة ولا يمكنها تحمل كلفة ذلك، ولكن إذا ما تخلصنا من القات فسيقول كثير من اليمنيين: «ماذا يوجد إذن لنعيش من أجله؟».

 

«المجلة»: عندما تقوم بزيارة أماكن خطرة، كيف تضع الخط الفاصل بين المخاطر المحسوبة وبين المخاطر التي يمكن أن تعرض حياتك للخطر؟

- أنا أميل بشكل عام للمغامرة، ولكنني لا أقوم بمغامرات مجنونة. فأنا أعرف مراسلين يقومون بمغامرات مجنونة. فعلى سبيل المثال، كان هناك شخص ما مصاحب لقوات المارينز الأميركية عندما كانوا يعيدون الاستيلاء على الفلوجة التي كانت تتسم بالعنف والمعارك المروعة والدموية قبل عدة سنوات في العراق. ولكنني لا أفعل مثل تلك الأمور أبدا حتى قبل أن أصبح على كرسي متحرك؛ فالطريقة التي يمكنك أن تحسب بها الأمور هي هل أركب على متن تلك المروحية للانتقال من النقطة (س) إلى النقطة (ص) في أفغانستان؟ وما أحتاج إلى معرفته هو: هل أطلق أي أحد قبل ذلك النيران على المروحيات التي تسير في ذلك المسار؟

هل يمتلك المتمردون صواريخ أرض جو في تلك المنطقة؟ وما هو نمط حركة المتمردين في تلك المنطقة؟ فبنفس الطريقة التي تعبر بها الطريق، فهل ذلك هو عبور خطر؟ وبالطبع لن يكون آمنا بنسبة 100% نظرا لأنه ربما يكون هناك من يقود سيارته بسرعة 100 ميل في الساعة وهو مخمور وعلى الاتجاه المعاكس من الطريق! فأنت تأخذ مخاطرة محسوبة في كل مرة تركب فيها سيارة أو طائرة أو قطار. فهل ستشعر بالسعادة إذا ما ركبت طائرة على إحدى الخطوط الجوية المرموقة مثل الخطوط الجوية البريطانية أو لوفتهانزا؟ أجل. هل ستشعر بالسعادة إذا ما سافرت على الخطوط الجوية الصينية غير الموثوق بها التي لا تتم صيانتها على نحو جيد وسط إعصار استوائي؟ بالطبع لا. فالأمر يتعلق بالاحتمالات. وبالطبع فإن الأمر خاضع للمصادفة في النهاية ولكن يمكننك على نحو ما أن تصنع مصيرك، وبالطبع لا تستطيع رسم مصيرك بشكل نهائي. أنا لست متدينا ولكن الأمر بيد الله في النهاية. «المجلة»: ولكنك تستطيع تعزيز فرصك أو جعلها أسوأ..

- يقول كثير من الناس: «أنت مجنون لذهابك إلى أفغانستان فهي مكان خطر للغاية!» لا، ليس ذلك حقيقيا. فعندما كنت أعمل كمراسل من أفغانستان، كنت أغطي الأخبار من قاعدة كبيرة بحجم مطار هيثرو. أجل كانت هناك صواريخ تتساقط كل يوم ولكنها صواريخ صغيرة وفرص إصابتها لنا كانت ضئيلة للغاية. وبالتالي فكانت مغامرة مقبولة. فالذي يعد خطرا بالنسبة لي هو أن أركب مروحية في قاعدة صغيرة تتعرض للهجوم باستمرار مثل سانغن بأفغانستان. فسيكون من الغباء، من وجهة نظري، أن أقوم بمثل ذلك العمل وأنا على كرسي متحرك. فأنا لا أقوم بمثل ذلك النوع من المخاطرة. فلدي زوجة وعائلة، فلماذا أفعل ذلك؟

يجب أن أتجاوز الحدود بعض الشيء لكي أقوم بعملي. فلم أكن أرغب أبدا في أن أكون مراسلا يعمل عبر مكتبه، ناهيك عن العمل من على كرسي متحرك ولكنني أنا هو ذاك ويجب علي الاستفادة بقدر الإمكان من واقعي.

 

«المجلة»: هل رغبت قبل ذلك في أن تستبدل تلك الحياة بحياة أكثر هدوءا في القطاع المالي حيث بدأت؟

- لا، بل إنني حتى لن أدعك تكمل سؤالك! فالناس الذين عملت معهم في القطاع المالي، كانوا جميعهم يعتقدون أنني سوف أعود بسرعة وقد اندهشوا لأنني لم أفعل ذلك واندهشوا كذلك عندما اكتشفوا أنني حقا أستمتع بما أقوم به. فأنا أحب العمل الصحافي. وما زلت أشعر بالإثارة تجاه الصحافة التلفزيونية، حيث إنك لا تستطيع مقاومة إثارة أن تصبح على الهواء مباشرة تقدم بثا حيا للملايين من الناس حول قصة مؤثرة. فالأمر حقا مثير.

font change