* احتمالات خروج 100 مليار دولار من محافظ الاستثمار في سندات الدين.
* عدم اليقين بشأن التجارة لا يزال في صعود مستمر... ويضر الاستثمار والصناعة التحويلية.
* عقوبات واشنطن تؤدي لركود اقتصادي مقترن بتضخم الاقتصاد الإيراني.
* رفع أسعار الفائدة الأميركية يزيد أعباء موازنة لبنان... وانخفاض الجنيه فى مصر... وارتفاع تكاليف الاقتراض للقطاع العائلي والحكومي وقطاع الشركات فى دول الخليج.
القاهرة:أدت زيادة الرسوم الجمركية التي أعلنت عنها الولايات المتحدة مؤخرا، والتدابير الانتقامية من جانب شركائها التجاريين إلى تقليص آفاق الانتعاش العالمي، عن طريق الحد من التجارة وخفض معنويات المستثمرين وزيادة التقلبات المالية العالمية. وإذا أدت النزاعات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين إلى حرب تجارية، فمن الممكن أن يحيد الانتعاش الاقتصادي العالمي عن مساره، بحسب تقرير البنك الدولى.
ولا تزال توقعات أسعار النفط منخفضة بسبب الصدمات المتعددة. فخلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2018، أدى النمو القوي للاستهلاك وخفض المعروض والعقوبات الجيوسياسية نتيجة فرض العقوبات الأميركية على إيران إلى زيادة أسعار النفط بنسبة 11 في المائة، من 66 دولارا للبرميل في يناير (كانون الثاني) إلى 73.40 دولار في مايو (أيار) الماضى.
ورفع البنك الدولي توقعاته لأسعار النفط عام 2018 إلى 70 دولارا للبرميل في المتوسط، بزيادة 12 دولارا للبرميل عن توقعاته في يناير، وإلى 69 دولارا للبرميل في عام 2019، بزيادة 10 دولارات للبرميل. ومع ذلك، فإن الأسعار تقل نحو 40 في المائة عن متوسطها في الفترة من 2011 إلى 2014، كما أن احتمالات العودة إلى هذه المستويات المرتفعة ضئيلة وقد تؤثر عدة عوامل تعويضية على أسعار النفط. منها، إمكانية حدوث تراجع وتيرة الانتعاش العالمي، وعدم اليقين بشأن الاستثمار والاستهلاك بسبب التوترات التجارية، وهو ما يمكن أن يضر بالطلب العالمي على النفط.
من ناحية أخرى، فإن فرض العقوبات الأميركية على إيران في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل قد يخفض صادرات النفط الإيرانية بمئات الآلاف من البراميل يوميا. ما لم يقترن انخفاض الإنتاج بزيادته من بلد آخر مصدر للنفط.
ضغوط تصاعدية
يمكن أن تفرض العقوبات الجديدة أيضًا ضغوطا تصاعدية على الأسعار بسبب عدم اليقين بشأن شحن النفط عبر المسار التجاري الحيوي في الشرق الأوسط. وهناك عامل آخر يمكن أن يدفع الأسعار للارتفاع وهو الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة مؤخرا على الصادرات والسلع الحساسة وتقنيات قطاع النفط إلى روسيا وفرض عقوبات على قطاع النفط الفنزويلي. ويمكن أن يخفض كل منهما من إنتاج النفط، مما يزيد من مخاطر نقص المعروض في سوق النفط إذا لم ينخفض الطلب على الخام. وقد تؤدي التوترات الجيوسياسية المتزايدة في بلدان رئيسية منتجة للنفط- بما في ذلك ليبيا والعراق وأنغولا- إلى تقلبات في أسعار الخام.
وهناك مخاطر تصاعدية ونزولية كبيرة في توقعات أسعار النفط. ومن شأن زيادة التقلبات في أسواق النفط أن تضر بالبلدان المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وكذلك بالبلدان المستوردة للخام في المنطقة والتي تعتمد بشكل كبير على التمويل الخارجي من البلدان المصدرة.
الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
من المتوقع أن ينتعش النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى 2 في المائة في المتوسط عام 2018 من 1.4 في المائة عام 2017. وسيقود هذا الانتعاش نمو اقتصادي أفضل من المتوقع في بلدان مجلس التعاون الخليجي، حيث سيتحول الانكماش في النمو (- 0.3 في المائة) الذي شهده عام 2017 إلى نمو يُقدر بنحو 2 في المائة في إجمالي الناتج المحلي عام 2018. ويعكس الانتعاش المعتدل في النمو الإقليمي التأثير الإيجابي للإصلاحات وسياسات تحقيق الاستقرار في الكثير.
ويمثل زخم النمو الحالي فرصة أمام حكومات المنطقة لتسريع وتيرة إصلاح السياسات والإصلاحات المؤسسية التي تبني رأس المال البشري وتحسّن بيئة الأعمال. فمن شأن هذه الإصلاحات أن تحفز الاستثمار وأنشطة القطاع الخاص، الأمر الذي سيعزز النمو الشامل لجميع الفئات في الأجل المتوسط.
تحسن الاختلالات المالية
من المنتظر أن تشهد البلدان المصدرة للنفط، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، تحسنا كبيرا في اختلالاتها المالية مع ارتفاع أسعار الخام، وزيادة إنتاج النفط مع انتهاء العمل باتفاق «أوبك +»، وقد حققت الجهود المبذولة لتنويع الإيرادات بعيدا عن النفط قدرا من النجاح. كما سيشهد مستوردو النفط- جيبوتي ومصر والأردن وتونس والمغرب والضفة الغربية وقطاع غزة- 2020، نتيجة الإصلاحات التي جرت مؤخرا.
ومن المتوقع أن تتحسن الأرصدة المالية العامة وموازين المعاملات الجارية في هذه المجموعة من البلدان، باستثناء إيران، حتى عام 2020 وتتحول إلى فائض في العراق، إذا ما تحسنت الأوضاع الأمنية وتراجعت حالة عدم اليقين السياسي. ويتوقع أن يسهم تصحيح أوضاع المالية العامة، وارتفاع أسعار النفط وإنتاجه بالإضافة إلى انتعاش العائدات الأجنبية في التحول الاقتصادي الإيجابي.
المخاطر والتحديات
تواجه بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عدة تحديات، يمكن إذا لم يتم التصدي لها أن تكبح الانتعاش الاقتصادي وتعوق آفاق النمو طويل الأجل. وتشمل هذه التحديات ضعف وتيرة الإصلاحات، وإغراء العودة إلى سياسات المالية العامة المواتية وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب والنساء، فارتفاع مستويات الديون في بلدان المنطقة قد يؤدي أيضا إلى تراجع آفاق النمو.
إن المخاطر التي تواجه الآفاق الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متنامية. وتشمل المخاطر التصاعدية ارتفاع الإنفاق على إعادة الإعمار في البلدان التي مزقتها الحروب، أولا في العراق، ثم في ليبيا، واليمن، وسوريا، والاستثمار في البنية التحتية المادية والناعمة، مثل الإنترنت عريض النطاق والهواتف المحمولة، التي يمكن أن تعزز آفاق انتعاش اقتصادي له مقومات الاستدامة ونمو يشمل الجميع في المنطقة. وقد يؤدي ذلك إلى إطلاق العنان لإمكانات زيادة النمو وخلق فرص العمل المطلوبة بشدة بين الشباب في المنطقة.
وعلى العكس من ذلك، فإن فقدان الزخم في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية وسياسات تحقيق الاستقرار في المنطقة قد يؤثر سلبا على إمكانات النمو. ويمكن أن يؤدي تدهور البيئة الأمنية وتزايد المخاطر الجيوسياسية في المنطقة إلى إبطاء الانتعاش في قطاع السياحة وتحويلات المغتربين والاستثمار الأجنبي المباشر، وهي مصادر مهمة لوظائف قطاع الخدمات وإيرادات النقد الأجنبي لمستوردي النفط في المنطقة. ويمكن أن يؤدي ارتفاع مستويات الدين العام والخارجي نتيجة سنوات من ضعف مراكز الحساب الجاري والمالية العامة إلى كبح آفاق النمو. كما أدى غياب سياسة مالية عامة تواجه التقلبات الدورية خلال الطفرة في أسعار السلع الأولية، التي أعقبها تباطؤ في تصحيح أوضاع المالية العامة بعد صدمة أسعار السلع الأولية، إلى زيادات حادة في الدين العام. وتشمل البلدان التي تشهد أكبر زيادة في نسب الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي في السنوات القليلة الماضية، البحرين ومصر والأردن ولبنان وسلطنة عمان وقطر.
وعلى الصعيد الدولي، فإن المخاطر كلها تقريبا ليست كبيرة. ويمكن أن يحد ارتفاع أسعار الفائدة الدولية من حصول معظم بلدان المنطقة على التمويل من الأسواق العالمية، لا سيما تلك التي تعاني من مستويات عالية من الدين. فارتفاع الدولار الأميركي منذ شهر أبريل (نيسان) الماضى والذي عرّض عددا من البلدان الناشئة والنامية ذات المديونية الكبيرة للخطر، يمكن أن يؤثر على اقتصاد بلدان يتسم بدرجة عالية من الدولرة بالمنطقة، وخاصة لبنان.
أسعار السلع الأولية
ومن الممكن أن تؤدي إجراءات الحماية والحروب التجارية المحتملة إلى انخفاض أسعار السلع الأولية، بما في ذلك أسعار النفط بسبب تقلص الطلب. فعلى سبيل المثال، انخفضت أسعار النحاس والزنك انخفاضا حادا منذ يونيو (حزيران) الماضي، مع احتدام التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين. ولأن حصة الصين من الاستهلاك العالمي للسلع الأولية تتزايد بسرعة، فإن تراجع وتيرة نمو الاقتصاد الصيني سيضر بأسعار تلك السلع ومن بينها النفط. ففي عام 2017، بلغ استهلاك الصين من النفط 12.8 مليون برميل يوميا، وهو ما يعادل نحو 13 في المائة من الاستهلاك العالمي للخام. ومع ذلك، كانت بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا محصنة إلى حد كبير من التقلبات المستمرة في الأسواق الناشئة والتوترات التجارية المتصاعدة، حيث كان تعرضها للمخاطر التجارية والمالية في الاقتصاد العالمي محدودا.
العقوبات الأميركية على الاقتصاد الإيراني
توجد حالة من عدم اليقين بشأن تأثير العقوبات الأميركية، اعتمادا على رد فعل الشركاء التجاريين، فإن العقوبات الأميركية على إيران التي أعلنت، والعقوبات النفطية اللاحقة التي ستفرض في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل أدت إلى تفاقم نقاط الضعف والتحديات التي تواجه الاقتصاد الكلي في إيران. على الصعيد المحلي، من المتوقع أن تخفض العقوبات النفطية القادمة صادرات النفط بمئات الآلاف من البراميل يوميا، مما سيخفض بشكل كبير الإيرادات الحكومية.
إن انخفاض عائدات النفط، التي لا تزال تُعد مصدرا رئيسيا للأموال الحكومية، قد يفاقم اختلالات الاقتصاد الكلي والموازنة والاختلالات الخارجية، وقد يؤدي إلى حدوث ركود في عامي 2018 و2019.
وتشير التقديرات إلى أن النشاط الاقتصادي سينكمش بنسبة 2.5 في المائة في المتوسط خلال العامين المقبلين، مما يزيد معدلات البطالة والتضخم والفقر سوءا. إن الهبوط الحاد في قيمة العملة الإيرانية في السوق غير الرسمية، وتزايد الضغوط التضخمية، وارتفاع معدلات البطالة، وخاصة بين الشباب، والتى قدّرها البنك الدولي ومنظمة العمل الدولية بنحو 30 في المائة، عام 2018، يمكن أن يؤدي كل ذلك إلى ركود اقتصادي مقترن بالتضخم إذا لم تتخذ إيران تدابير مضادة فعالة. علاوة على ذلك، فإن فرض العقوبات الأميركية قد يؤخر خطط تطوير شركة النفط الوطنية الإيرانية. لقد تعرقلت تنمية صناعة الطاقة في إيران لعقود جراء نقص الاستثمارات وعدم القدرة على الحصول على التكنولوجيا، الأمر الذي سيزداد سوءا في ظل العقوبات ويمكن أن يعوق شركة النفط الوطنية الإيرانية عن تحقيق أهداف نمو الإنتاج.
ومن الناحية الجيوسياسية، قد تزيد العقوبات الأميركية من المشاركة الروسية والصينية في تنمية قطاع النفط والغاز الإيراني. وتقوم الحكومة الإيرانية بوضع استراتيجية طويلة الأمد للطاقة للحد من مخاطر أي عقوبات مستقبلية قد تعمل على تخفيف بعض آثار العقوبات الأميركية على صناعة النفط.
وفي حين أنه من غير المرجح إلى حد كبير أن تتمكن العقوبات الأميركية من وقف إجمالي صادرات إيران من النفط الخام والبالغ حجمها 2.2 مليون برميل، فإن العقوبات ستخلق على أقل تقدير صعوبات لوجستية على المصدرين الإيرانيين، مما يؤدي إلى انخفاض حجم الصادرات، وقد يؤدي في النهاية إلى خسائر في حجم الإنتاج من خلال تأخير الاستثمارات اللازمة.
أسعار النفط
يمثل الانتعاش الأخير في أسعار النفط اختبارا حاسما للبلدان المستوردة والمنتجة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وسيحدد المسار الاقتصادي المستقبلي للمنطقة. ولطالما اعتمدت كل بلدان المنطقة على دعم الطاقة لتوفير الحماية الاجتماعية، وفي حالة المنتجين، بلغ إجمالي دعم قطاع الطاقة قبل الضرائب نحو 240 مليار دولار في عام 2011، أي ما يعادل 22 في المائة من الإيرادات الحكومية، وما يقرب من نصف إجمالي دعم الطاقة العالمي. ومع ذلك، ففي السنوات الأخيرة، وخاصة منذ بدأت أسعار النفط في الانخفاض في عام 2014، تعمل بلدان المنطقة على خفض تقديم الطاقة المدعومة للمستهلكين والشركات، مع السعي لتحديث وتنويع أنشطتها الاقتصادية.
وتواجه حكومات المنطقة، التي استفادت من انخفاض أسعار النفط للحد من دعم الوقود الذي يرهق الميزانية، معضلة صعبة. فالعواقب طويلة الأجل للتخلي عن الإصلاحات المهمة والصعبة يمكن أن تفوق أي منافع قصيرة الأجل. وفي الوقت الحالي، سيؤدي ارتفاع أسعار النفط العالمية إلى زيادة الأسعار المحلية، ما لم تستخدم الحكومات الدعم للحد من وصول هذه الزيادة إلى المستهلك المحلي.
ولكن في حين أن هذا النهج قد يمنع تراجع الطلب الكلي واستهلاك الطاقة في الأمد القصير، إلا أنه سيزيد من مستويات الدين العام ويقلص موارد الاستثمار في تنمية القطاع الخاص والتحول الاقتصادي الأوسع. وحتى لو اعتمدت الحكومات على خفض الإنفاق في مواضع أخرى لتوفير تكلفة الدعم، فإن النتيجة النهائية قد تكون سلبية حتى في الأجل القصير. على سبيل المثال، إذا خفضت التحويلات إلى الأسر المنخفضة الدخل، فإنها ستزيد المشقّة على بعض مواطنيها الأكثر ضعفا.علاوة على ذلك، قد يفيد الدعم الموجه للوقود الأثرياء أكثر مما يفيد الفقراء. ونظرا لأن الأسر الميسورة تستهلك الوقود والكهرباء أكثر من الأسر ذات الدخل المنخفض، فهي تستحوذ على معظم الأموال المخصصة للدعم الشامل، والتي يتم حسابها لكل وحدة استهلاك من الوقود أو الكهرباء بغض النظر عن الدخل.
ويمكن لهذه الحكومات أن تستخدم الوفورات الناتجة عن إصلاحات الدعم لتوسيع وتعزيز شبكات الضمان الاجتماعي، وبالتالي حماية الفقراء مع تحقيق الديناميكية الاقتصادية اللازمة لإعطاء الفقراء فرصة للإفلات من براثن الفقر.
ومن حيث المبدأ، يمكن لإصلاحات الطاقة الذكية المقترنة ببرامج التعويضات جيدة التوجيه أن تحقق بعض الوفورات للمالية العامة مع حماية الفئات الضعيفة. لكن عملية التوازن هذه ليست بالسهلة، لا بسبب وجود خاسرين محتملين من إصلاحات الدعم فحسب، لكن أيضا لأن الإصلاحات تتطلب إدارة ماهرة للرأي العام فيما يتعلق بتكاليف الإصلاحات وفوائده. وإذا ما تمت معالجة التحديات قصيرة الأجل الناجمة عن ارتفاع أسعار النفط بعناية، فإن الجمع بين القطاع الخاص المزدهر وشبكات الضمان الاجتماعي القوية سيشجع على تحمل المخاطر وريادة الأعمال، وكلاهما بمثابة محركات قوية للنمو في الأجل الطويل.
أسعار الفائدة الأميركية
رغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أقل المناطق تكاملا من الناحية المالية في العالم، فإن ارتفاع أسعار الفائدة العالمية قد يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على اقتصاد بلدان المنطقة. وتاريخيا، يحتوي كثير من بلدان المنطقة معدل التضخم من خلال ربط عملاتها بعملة منخفضة التضخم مثل الدولار الأميركي. لذا فإن رفع أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي، قد يؤثر بشكل مباشر على اقتصاد هذه البلدان، لأنه يجب عليها رفع أسعار الفائدة المحلية عندما يقوم الاحتياطي الاتحادي بذلك.
ويمكن أن يعرقل تشديد السياسة النقدية الأنشطة الاقتصادية حين يكون الاقتصاد آخذا في التعافي من معدلات النمو المتدنية. وفي البلدان التي تربط عملاتها بالدولار، يعني رفع أسعار الفائدة الأميركية ارتفاع تكاليف الاقتراض للقطاع العائلي والحكومي وقطاع الشركات. ويؤثر قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي برفع سعر الفائدة أيضا على اقتصاد تلك البلدان بشكل غير مباشر من خلال ارتفاع تكاليف الاقتراض من أسواق التمويل العالمية. فيصبح تمويل المشروعات أكثر كلفة، مما يسبب تأخر المشاريع الوطنية التي تتطلب شراكة دولية.
وفي البلدان التي ترتفع فيها مستويات الدين ودولرة الاقتصاد، مثل لبنان، يؤدي رفع سعر الفائدة الأميركية إلى زيادة الأعباء على الموازنة العامة، وهو ما يمكن أن يكبح النمو الاقتصادي. وفي اقتصاد البلدان التي تطبق أسعار الصرف المرنة، مثل مصر، ستميل أسعار الصرف الاسمية إلى الانخفاض. وبقدر ما يؤدي انخفاض القيمة الاسمية إلى تراجع أسعار الصرف الحقيقية، وتكسب الصناعات التجارية قدرة تنافسية، وهو ما قد يحفز الاقتصاد.
ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت السياسات الأمثل في التعامل مع هذا الأمر هي السماح بتعويم أسعار الصرف، بسبب المخاوف بشأن تقلب أسعار الصرف والالتزامات المُقوّمة بالدولار.
تحديات كبيرة
وتشير كريستين لاغارد، مدير صندوق النقد الدولى، إلى أن النمو الاقتصادي العالمي يواجه الآن كثيرًا من التحديات، بعدما تحولت تغريدات الرئيس الأميركي ترامب إلى حقيقة جديدة متمثلة في حواجز تجارية فعلية. ولا يؤدي هذا إلى الإضرار بالتجارة نفسها فقط، بل بالاستثمار والصناعة التحويلية أيضاً، فعدم اليقين بشأن التجارة لا يزال في صعود مستمر.
وأضاف تحقق الولايات المتحدة حتى الآن نمواً قوياً، يدعمه التوسع المالي المساير للاتجاهات الدورية والأوضاع المالية، وهما مصدران محتملان للخطر في دورة اقتصادية تزداد نضجاً. غير أن هناك دلائل تشير إلى تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة الأخرى، وخاصة في منطقة اليورو، وفي اليابان إلى حد ما. ولا تزال آسيا الصاعدة تحقق نمواً بمعدلات أعلى من المناطق الأخرى، لكننا نرى إشارات على حدوث بعض التراجع في الصين، وهو ما سيزداد تفاقماً بسبب النزاعات التجارية.
وفي الوقت نفس، تتصاعد التحديات في عدد من بلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل، بما في ذلك أميركا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا جنوب الصحراء. فكثير من هذه الاقتصادات تواجه ضغوطاً بسبب ارتفاع سعر الدولار وتضييق الأوضاع في الأسواق المالية. وبعضها يواجه الآن تدفقات رأسمالية خارجة. وحال زيادة احتدام النزاعات التجارية الجارية، فمن الممكن أن تسبب صدمة أوسع نطاقاً في الاقتصادات الصاعدة والنامية.
وقالت إن العالم الآن بحاجة إلى إدارة المخاطر وتعجيل الإصلاحات، وتحديث النظام متعدد الأطراف. أو بالتعبير المستخدم في عالم الملاحة، نحتاج إلى توجيه السفينة، وليس الانسياق مع الريح!
نظام تجاري جديد
وطرحت «لاغارد» ثلاثة محاور لإعادة توجيه السفينة، الأول بناء نظام تجاري عالمي أفضل، فقيود الاستيراد تمنع التجارة من القيام بدورها الأساسي في دفع الإنتاجية ونشر التكنولوجيات الجديدة والحد من الفقر. ولهذا نحتاج إلى العمل لنزع فتيل التصعيد في النزاعات التجارية الجارية والنجاح في تسويتها. فإصلاح النظام يعني أيضاً جعله ملائماً للمستقبل. وهنا أيضاً، يمكن استخدام اتفاقيات التجارة المرنة لإطلاق الإمكانات الكاملة للتجارة الإلكترونية وغيرها من الخدمات التجارية، مثل الهندسة والاتصالات والنقل.
أما التحدي الثاني، فهو الوقاية من الاضطرابات على مستوى المالية العامة والقطاع المالي. فبعد عقد من الأوضاع المالية الميسرة نسبياً، بلغ الدين مستويات مرتفعة جديدة في البلدان المتقدمة والصاعدة ومنخفضة الدخل. والواقع أن الدين العالمي قد بلغ مستوى مرتفعاً قياسياً هو 182 تريليون دولار أميركي، بزيادة تصل إلى 60 في المائة عن عام 2007. وقد أدى هذا التراكم إلى جعل الحكومات والشركات أكثر عرضة للتأثر بتضييق الأوضاع المالية.
وقد بدأت الاقتصادات الصاعدة والنامية تشعر بتأثيره بالفعل، حيث بات عليها التكيف مع عودة السياسة النقدية العادية في العالم المتقدم. بل إن هذه العملية يمكن أن تزداد صعوبة إذا تسارعت فجأة، حيث يمكن أن تؤدي إلى عمليات تصحيح في الأسواق، وتحركات حادة في أسعار الصرف، ومزيد من التراجع للتدفقات الرأسمالية.
وتشير التقديرات إلى أن الاقتصادات الصاعدة باستثناء الاقتصاد الصيني يمكن أن تواجه خروجاً لتدفقات محافظ الاستثمار في سندات الدين بقيمة تصل إلى 100 مليار دولار أميركي، وهو ما يكاد يعادل حجم التدفقات المماثلة أثناء الأزمة المالية العالمية.
وتتطلب الوقاية من هذه الاضطرابات أيضاً شبكة أمان مالي عالمية قوية، مما يعني بدوره ضرورة أن يكون صندوق النقد في قلب هذه الشبكة، جاهزاً بالأدوات اللازمة والموارد الكافية لأداء دوره. إنه مطلب أساسي لضمان قدرة الصندوق على القيام بدوره الفريد في مساعدة البلدان على التعامل مع الأزمات القادمة.
وأخيرا، إعادة بناء الثقة في المؤسسات وصنع السياسات لتحقيق نمو أكثر استمرارية يقتسم ثماره الجميع على نطاق أوسع. ففي كثير جداً من البلدان، أخفق النمو في تحسين المستويات المعيشية، فمنذ عام 1980، يستحوذ أصحاب أعلى 1 في المائة من الدخل العالمي على ما يعادل ضِعف المكاسب التي يحققها النمو لأصحاب أقل 50 في المائة من الدخل. وعلى مدار تلك الفترة، شهد كثير من الاقتصادات المتقدمة تصاعداً في عدم المساواة في الدخل وزيادة محدودة في الأجور، وهو ما يرجع في جانب منه إلى التكنولوجيا، وفي جانب آخر إلى الاندماج العالمي، وفي جانب ثالث إلى السياسات التي تعطي أفضلية لرأس المال على حساب العمل.
ويرتبط بهذا مصدر آخر للسخط العام، وهو ذكريات الأزمة المالية العالمية التي لا تزال حية في الأذهان. فكثير من الناس يرون هذه الأزمة باعتبارها الخيانة الكبرى لثقة الجماهير، نظراً للتصور الشائع بأن من تسببوا في الأزمة لم يتحملوا عواقبها، بينما كان الناس العاديون هم من دفع ثمنها الباهظ.