* ما فعله جبران باسيل يؤكد أن لبنان بات يدور في الفلك الإيراني بالكامل
وقف رئيس وزراء إسرائيل في الأمم المتحدة، مخاطبا ممثلي دول العالم وبيده صور قال إنها مخازن لتحويل الصواريخ غير الدقيقة إلى صواريخ موجهة ودقيقة في إصابة الأهداف، مضيفاً أن إسرائيل تعلم بكل تحركات وأعمال «حزب الله» وهي سترد بالوقت المناسب.
كان سبق كلام نتنياهو تأكيد السيد نصر الله أن «حزب الله» بات يملك الصواريخ الموجهة والدقيقة التي تستطيع ضرب أهداف داخل إسرائيل بدقة لم يكن يملكها الحزب قبلا.
أما براين هوك مستشار وزير الخارجية مايك بومبيو والممثل الخاص لإيران، فقد قال في مؤتمر عقده معهد هادسون أن الولايات المتحدة لديها أدلة على أن إيران تساعد «حزب الله» في بناء منشآت لإنتاج الصواريخ.
لا شيء جديد طبعا في هذا الصراع المتعدد الأطراف. «حزب الله» لا ينفي أبداً امتلاكه ترسانة صواريخ دقيقة لردع إسرائيل، حسب قوله، من القيام بأي «عدوان حربي» ضده. أما إسرائيل فتضرب في سوريا أهدافا تقول إنها مخازن أو مصانع لإعادة تجميع الصواريخ الدقيقة تمهيدا لنقلها لـ«حزب الله»، وهي سبقت وحذرت على لسان أكثر من مسؤول أن الحرب القادمة ستشمل الجبهتين السورية واللبنانية وأن لبنان كدولة سيعتبر هدفا مشروعا للآلة الحربية الإسرائيلية وأن الأثمان ستكون كبيرة جدا لأن «حزب الله» يخبئ صواريخه في أماكن آهلة بالسكان ويستعمل شعبه دروعا بشرية.
وسبق لوزارة الدفاع الإسرائيلية قبل أعوام أن نشرت خريطة لمواقع صواريخ «حزب الله» في لبنان.
هذه الحرب الإعلامية بين «حزب الله» وإسرائيل قائمة منذ عقود، وكل كلام لأمين عام «حزب الله» أو نتنياهو في هذا السياق يكون محط متابعة وتحليل من أكثر من جهة ووسيلة إعلامية لتفكيك شيفرة الرسائل الموجهة في الخطابات.
الجديد هو دخول لبنان الرسمي على خط الدفاع عن «حزب الله»، من خلال دعوة وزير خارجية لبنان السيد جبران باسيل، الطامح في وراثة عمه، في موقع رئاسة الجمهورية، سفراء الدول الأجانب من أجل القيام بخطوة استباقية، وكشف فيها زيف اتهامات إسرائيل ونياتها لشنّ حرب شاملة على لبنان كما ادعى باسيل نفسه.
حرص باسيل على القيام بواجباته الوطنية لم يمنعه من التأخر نصف ساعة عن الموعد المحدد للمؤتمر الصحافي لانشغاله بغداء مع وزيرة خارجية النمسا. التنظيم كان سيئا حد دفع السفير الفلسطيني والقائمة بالأعمال الإيطالية إلى المغادرة.
في أي إطار يمكن وضع خطوة باسيل تلك؟ خاصة أنه فشل في كشف زيف اتهامات نتنياهو حين رافق الوفد إلى مكان واحد فقط من أصل ثلاثة أمكنة تحدث عنها نتنياهو؟ كيف يمكن تفسير هذه الجولة الفوضوية إلا أن لبنان الرسمي يتماهى ويدافع عن حزب يمتلك ترسانة صواريخ دقيقة بحجة أنها «لتحرير الأرض»؟
ألم يعطِ لبنان الرسمي من خلال تلك الجولة أنه و«حزب الله» في خندق واحد؟ ثم ألم يعطِ ذريعة إضافية لإسرائيل لاستهدف كل لبنان؟ ثم أين مصلحة لبنان الرسمي في الدفاع عن حزب متهم دوليا بالإرهاب ويخضع خمسة من أعضائه لمحاكمة غيابية بتهمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق الرئيس رفيق الحريري؟
وأين مصلحة لبنان الرسمي، ممثلا بوزير خارجيته، في الدخول في «جدال الصواريخ»، في حين يؤكد «حزب الله» وعلى لسان أعلى مرجعية لديه امتلاكه ترسانة تخشاها إسرائيل ويثني عليه القائم بالأعمال الإيراني أحمد حسين، مؤكدا أن هناك صواريخ في لبنان، ولكن «حزب الله» أعقل من زرعها قرب مطار بيروت وعلى تماس مع المدني؟ فهل معضلة لبنان الرسمي تكمن في أماكن تواجد تلك الصواريخ أم في وجود تلك الصواريخ أساسا؟
وإذا كان وجود تلك الصواريخ لا يمثل معضلة للبنان الرسمي، فلماذا إذن المسارعة إلى محاولة تبيان «زيف ادعاءات واتهامات نتنياهو» من خلال تلك الرحلة الصبيانية التي نظمتها وزارة الخارجية للسفراء الأجانب؟
ما فعله البارحة باسيل يؤكد أن لبنان بات يدور في الفلك الإيراني بالكامل، وأنه تبنى سياستها الخارجية وتخلى رسميا عن ادعائه تبني مبدأ النأي بالنفس.
كل هذا الهرج الفوضوي الذي حصل البارحة والذي لن يقدم أو يؤخر في أي قرار حرب سواء اتخذته إسرائيل أم إيران، كان يمكن تفاديه، خاصة أنه لن ينطلي على أي جهة إقليمية أو دولية، ولكن يبدو أن كرسي بعبدا ما زال يغري كثرا من الموارنة، وهم مستعدون لأن يبذلوا الغالي والنفيس من أجل الوصول إلى هذا المركز، وفي وضعنا هذا يعني أن يتزلفوا لـ«حزب الله» ويصبحوا ملكيين أكثر من الملك.