المشهد في خليج عدن و سعي القوى العظمى لتعزيز نفوذها

المشهد في خليج عدن و سعي القوى العظمى لتعزيز نفوذها

[escenic_image id="55125705"]

أصبحت القرصنة قبالة الساحل الصومالي قضية عالمية كبرى، حيث وقع 250 هجومًا على سفن شحن وحاملات نفط وقوارب صيد وغيرها من السفن منذ تصاعد أعمال القرصنة عام 2007. نجح القراصنة في 60 هجومًا على الأقل في السيطرة على سفن اضطر ملاكها لدفع عشرات الملايين من الدولارات لتحريرها. لقد زاد خطر عبور السفن خليج عدن الذي يدعى «ممر القراصنة» من الكلفة على مالكي السفن. يعد هذا الخليج أحد أهم طرق التجارة في العالم، الأمر الذي يعني أن نفقات التعامل مع هذه المشكلة ستكلف الاقتصاد العالمي الكثير.

تكشف خارطة القرصنة التي يوفرها مركز الإبلاغ عن عمليات القرصنة في المكتب البحري الدولي عن حجم المشكلة، فنحو ثلثي الهجمات الناجحة ومحاولات الهجوم على السفن وقعت على ساحل الصومال. لذلك، لم يكن مفاجئا استجابة القوى الرئيسية في العالم لدعوة الأمم المتحدة في  أكتوبر (تشرين الأول) 2008 للتعاون على منع القرصنة بالقوة إذا اقتدى الأمر. حيث توظف الولايات المتحدة الأميركية والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا أساطيلها لصد خطر القراصنة الصوماليين. وفي ظل غياب حكومة مركزية حقيقية في مقديشو، تأهبت دول حول العالم لحماية مصالحها التجارية.

لقد فتحت القرصنة الصومالية المجال أمام التعاون بين القوات البحرية لقوى دولية لم تتعاون مع بعضها البعض من قبل. كان تعاون هذه الدول للدفاع عن أحد أهم طرق النقل في العالم سببًا وراء استجابتهم السريعة لنداء الأمم المتحدة. وحولت المصالح المشتركة خليج عدن إلى ساحة تتنافس فيها القوى العظمى التي تسعى لاختبار نفوذها في المنطقة.

 بالنسبة للولايات المتحدة، تعزز القرصنة الصومالية من التزامها بالمحافظة على وجودها الحيوي في المنطقة وتؤكد هيمنتها البحرية. أما الصين والاتحاد الأوروبي فتمثل البعثات المتكررة لمحاربة القرصنة تطورًا جديدًا في إستراتيجيتهم العسكرية. وتمثل لروسيا عودة للأيام الخوالي للاتحاد السوفياتي حين كانت الولايات المتحدة تملك قوة بحرية أقوى. أضحى خليج عدن أحد أهم ساحات المعارك على النفوذ بين القوى العظمى الحالية والصاعدة والساعية لذلك. وبعيدًا عن المصالح الاقتصادية تنظر الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والصين إلى الوجود في ممر القراصنة من زاوية القوة والهيمنة.

يبحر الأسطول الأميركي الخامس من الخليج العربي إلى ساحل شرق أفريقيا منذ عام 1995، ولا توجد قوة بحرية أخرى قادرة على هزيمة هذا الأسطول الأكثر تقدمًا والأقوى ماديا في المنطقة. لذلك، يقود الأسطول الخامس المتمركز في البحرين قوة مكافحة القرصنة التابعة لقوة المهام المشتركة 151 متعددة الجنسيات منذ عام 2009. تعمل الدول التسع والعشرون المشتركة في القوة من ضمنها دول عربية وجنوب شرق آسيوية معًا مستعينة بمقر الأسطول الخامس في المنامة. ويمكن تصور قوة المهام المشتركة 151 كتمرين للقوة الأميركية الناعمة والصلبة، ومن ناحية أخرى، تسمح أميركا لأطراف أخرى باستخدام مواردها في المنطقة. وهو في الوقت نفسه استعراض للهيمنة البحرية الأميركية، فلا أحد يستطيع منافسة سفنها المتطورة وقدراتها الاستطلاعية أو خبرتها في التنسيق.

يعد وجود الأسطول الصيني في خليج عدن حدثا تاريخيا، فلأول مرة منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية عام 1949 ترسل الصين أسطولها البحري في مهمة كهذه في مناطق بعيدة. بالإضافة إلى ذلك، في يناير (كانون الثاني) 2010 حصلت الصين على الموافقة للاشتراك في رئاسة منظمة الوعي المشترك وفض النزاعات (شيد)، وهي الآلية التي يتم من خلالها تنسيق جهود مكافحة القرصنة. السفن الحربية الصينية مسؤولة أيضا عن حراسة أحد أخطر المناطق في خليج عدن.

لذلك، في أقل من سنتين استطاعت البحرية الصينية أن تحصل على خبرة واسعة في نشر قواتها البحرية في مناطق بعيدة، وأن تشارك في تحمل مسؤولية التنسيق في مهمة حربية. و كما هو متوقع، عبر بعض صناع القرار والمحللين الغربيين عن عدم ارتياحهم بالدور الجديد الذي يلعبه الجيش الصيني. أما بكين فترى في تلك المهمة في القرن الأفريقي تعبيرًا عن قوتها المتزايدة، حيث أعلن نائب رئيس هيئة الأركان البحرية في جيش التحرير الشعبي شياو شينيان أن المهمة «تظهر الدور الإيجابي لجيش التحرير الشعبي في المحافظة على الاستقرار والسلام في العالم وثقة البحرية في الجيش الشعبي وقدرتها على التعامل مع مخاطر أمنية متعددة وإنجاز مهمات عسكرية متنوعة».

الاستعداد الذي أظهره الاتحاد الأوروبي للانخراط في مهمة حربية يعكس أهمية هذه المهمة في خدمة مصالح الاتحاد. فليس مفاجئا أن تسعى الولايات المتحدة لإبراز قوتها العسكرية وأن تبذل الصين جهدها لتحويل قوتها الاقتصادية إلى دور كبير تلعبه في الشؤون الدولية. فطالما شدد الاتحاد الأوروبي على قوته المدنية نائيًا بنفسه عن الوحشية المزعومة للعرض الأميركي لقوته العسكرية، ولكن ليس هذه المرة، فقد شكل الاتحاد قوته البحرية تحت اسم «إي يو ناف فور» EUNAVFOR في ديسمبر (كانون الأول) 2008 لمحاربة القرصنة على ساحل الصومال، وهي أول قوة عسكرية تابعة للاتحاد لغير غايات حفظ السلام وأول مهمة بحرية له.

 تعمل هذه القوة بشكل مستقل عن قوة المهام المشتركة CTF-151 ويعكس اهتمام القيادات الأوروبية بالقيام بعمليات عسكرية دون الاعتماد على الولايات المتحدة. في الحقيقة، الاتحاد الأوروبي هو أحد القادة المشتركين بـ(شيد). ودعا وزير الخارجية البريطاني السابق الاتحاد الأوروبي للحديث بصوت موحد ليكون مؤثرا مثل الولايات المتحدة وروسيا، وقوة «إي يو ناف فور» هي خطوة حيوية في هذا الاتجاه.

روسيا هي القوة الأخرى التي تستغل وجودها في خليج عدن لتثبت قوتها العسكرية من جديد. حتى وإن كان أسطولها الحالي أصغر من الذي كانت تملكه إبان الحقبة السوفيتية، فقد استمر وجود أسطول المحيط الهادئ قبالة القرن الأفريقي في السنوات السابقة. يعمل هذا الأسطول بشكل مستقل عن القوات البحرية الأخرى، لكنه أحد أكثر القوات فاعلية في دحر هجمات القراصنة وتحرير السفن المحتجزة. بعد الموافقة على ترشح الصين للمشاركة في قيادة «شيد» تسعى موسكو الآن إلى اللحاق ببكين والمشاركة في قيادة عملية عسكرية دولية لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفيتي.

فتحت عمليات القرصنة الصومالية الباب على مصراعيه أمام تنافس القوى العظمى على منطقة القرن الأفريقي، ولكن تبقى احتمالية حدوث اشتباكات عسكرية بين الجيوش الموجودة في خليج عدن والمنطقة المحاذية له غير واردة؛ حيث يسير التنسيق بينها بسلاسة كبيرة. بل ربما ساعد القراصنة الصوماليون على زيادة الثقة بين مسئولين عسكريين من الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا.

 غير أنهم  ، يستفيدون من وجودهم قبالة سواحل الصومال إلى حد لم يتصوروه أبدا، حيث تعمل الجيوش باستقلالية في تلك المنطقة وتتسنى لها فرصة الحصول على خبرة حربية قيمة بعيدًا عن مياهها. فالقوة البحرية أحد أهم العناصر الأساسية لأي دولة تملك طموحات إقليمية أو دولية. و يعد السيناريو الذي يجري في خليج عدن هو المشهد الأول لمسرحية جديدة من الجغرافية السياسية.

 

*رامون باتشيكو باردو - باحث في مجال مكافحة انتشار الأسلحة النووية وسياسة شرق آسيا.

font change