* في ظل التعقيدات السياسية والعسكرية.. هل يدفع بوتين المنطقة نحو حرب إقليمية؟
بعد أسبوع من الأخذ والرد من الجانبين الروسي والإسرائيلي، حول إسقاط الطائرة «إيل 20» ومقتل طاقمها، وتحميل الأخيرة مسؤولية الحادث، تعهدت موسكو تسليم النظام السوري منظومات صاروخية متقدمة، وتجهيز المراكز القيادية لقوات الدفاع الجوي السورية بنظام آلي للتحكم لا يملكه إلا الجيش الروسي، وإطلاق تشويش كهرومغناطيسي أثناء أي هجوم مستقبلي من السواحل السورية، من أجل تهدئة الرؤوس الحامية، على حد قول موسكو.رد الفعل الأولي جاء من الولايات المتحدة، وعلى لسان بولتون، الذي حذر من تداعيات القرار الروسي، واصفاً إياه بـالخطأ الفادح، وأنه تصعيد خطير في المنطقة.
لا تحتمل منطقة الشرق الأوسط تعقيدات إضافية، خاصة أن حرباً إقليمية ليست مستبعدة بين إيران وإسرائيل، قد تقلب الأمور رأسا على عقب وتزيد من صعوبة الدور الروسي المستجد في الشرق الأوسط، وسوريا خصوصاً، إذا لم نقل انتهاءه، لذا هناك أسئلة تُطرح حول مدى جدية بوتين في تزويد سلاح «إس-300» للرئيس الأسد ومدى حكمته.
يرى الرئيس بوتين نفسه في موقف صعب، جراء الغارة الإسرائيلية، التي قصفت أهدافاً إيرانية في منطقة اللاذقية. إذ تبين أن كل الضمانات والوعود التي قطعها للإسرائيليين والتي تتعلق بضبط الوجود الإيراني أو السيطرة عليه وإبعاده عن الحدود مع الجولان، غير قابلة للتحقيق، لعدة أسباب، قد يكون أحدها حاجة الروس الماسة للوجود الإيراني من أجل إحكام سيطرتهم على سوريا.
أما فيما يتعلق تحديدا بمنظومة «إس-300»، فالتقنية الإسرائيلية متقدمة بأشواط عن هذا السلاح القديم نوعا ما، وهو لن يمنع الإسرائيليين من استهداف إيران في سوريا، فإسرائيل لن تقبل بوجود إيران على حدودها الشرقية كما لن تقبل بأن يمرر الحرس الثوري لـ«حزب الله» سلاحاً نوعياً مثل الصواريخ الموجهة والدقيقة والتي تشكل إرباكاً للإسرائيليين.
هنا يجد بوتين نفسه في مأزق، إذ إن «إس-300» لن تردع إسرائيل، وستضع التفاهمات مع الولايات المتحدة فيما خص الشأن سوريا في خطر.
أضف إلى ذلك كله الخطر الذي يمكن أن ينتج من جراء استعمال تلك الصواريخ وإطلاقها بشكل عشوائي على الملاحة الجوية في حوض البحر المتوسط.
تتكشف يوماً بعد يوم عدم قدرة الروسي على السيطرة على الوضع في سوريا أو فرض شروطه على شركائه في الجريمة هناك، كما تتضح حاجة الإيرانيين إلى الغطاء الروسي من أجل البقاء في سوريا وترك طريق طهران بيروت سالكة لكل أنواع السلاح الفتاك الذي سيميت اللبنانيين وسيدمر لبنان على رؤوسهم في أي حرب قادمة.
كل هذا يجري مع اقتراب نوفمبر (تشرين الثاني)، حيث ستعود العقوبات الأميركية على اقتصاد إيراني مترنح يدفع بالشعب للتظاهر والاعتراض، وفي ظل انكفاء كل الشركات العالمية عن السوق الإيرانية خوفا من أن تطالها العقوبات. كل هذا فيما الجرح السوري لا يزال يستنفذ موارد بلاد جبهة الممانعة. ما يهم الروسي هو الإسراع في إعادة الاستقرار إلى سوريا من أجل خفض الإنفاق الحربي والولوج إلى مرحلة إعادة الإعمار حيث يمني النفس بالاستئثار بحصة الأسد منها. الأميركي يهمه أمن إسرائيل والقضاء على «داعش»، الإيراني يريد المحافظة على وسيلة الاتصال البرية بـ«حزب الله» سالكة، أما الإسرائيلي فيرفض وجود الحرس الثوري على مقربة من الجولان.
في ظل كل هذه التعقيدات، اتصل بوتين بالرئيس الأسد وأبلغه بقرار تنفيذ عدد من التدابير بهدف توفير الأمن للعسكريين الروس في سوريا وتعزيز منظومات الدفاع الجوي، بما في ذلك تسليم دمشق منظومات «إس-300». فهل هي مجرد مناورة أم سيدفع بوتين المنطقة نحو حرب إقليمية؟