تعهدات مؤتمر الجنائية الدولية في كمبالا

تعهدات مؤتمر الجنائية الدولية في كمبالا

[escenic_image id="5597814"]

في المؤتمر الاستعراضي للمحكمة الجنائية الدولية الذي عقد خلال الشهر الماضي في كمبالا، تصدرت المفاوضات بشأن إضافة جريمة العدوان إلى أجندة المحكمة جدول الأعمال. فعلى الرغم من وجود قانون لجرائم شن حرب هجومية منذ الحرب العالمية الثانية، فقد أجل نظام روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية عام 1998 كأول محكمة دائمة لمحاكمة الجرائم التي ترتكب ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، والمذابح، القرار بشأن العدوان إلى وقت آخر.

وبعد ذلك باثني عشر عاما، وفي ظل استعداد المحكمة الجنائية الدولية لأولى محاكماتها، أولى أعضاء المحكمة الذين يبلغ عددهم 111 عضوا انتباههم إلى تعزيز المحكمة والصراع العالمي ضد الحصانة، بالإضافة إلى جريمة العدوان. فقد توصلت الدول الأعضاء في اللحظة الأخيرة لاتفاق يمهد الطريق لإحالة تلك الجريمة إلى المحكمة.

ومع ذلك، فلن تنظر المحكمة في وقت قريب في جرائم العدوان؛ حيث تحتاج الصفقة التي تم التوصل إليها إلى موافقة المزيد من الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية الذين لن يعلنوا عن قرارهم قبل عام 2017.

وعلى الرغم من أن ذلك ربما يبدو تباطؤا فإنه ربما يمنح المحكمة الوقت الذي تحتاج إليه كي تستعد لمواجهة التحديات التي ستفرضها تلك الجريمة. وذلك حيث إن تعريف متى ولماذا وأين يمكن للمحكمة أن تقوم بذلك يعد مهمة صعبة بالفعل، ويتجلى ذلك في الاتهامات التي تم توجيهها للمدعي العام للمحكمة الدولية «باستهداف» أفريقيا، بعدما أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال لعمر البشير رئيس السودان. وذلك بغض النظر عن أن ثلاثة من بين أربعة قضايا تدرسها المحكمة في ذلك الوقت هي قضايا أحالتها حكومات أفريقية.

كما أن نظر المحكمة في قضايا العدوان سوف يجعل المحكمة تتدخل في كثير من النزاعات السياسية الكبرى، وهو ما يتطلب تحديدا أكثر دقة لمهمة المحكمة الجنائية الدولية وسلطاتها.

ويستطيع الزمن وحده أن يخبرنا بعواقب القرار المتعلق بجرائم العدوان، بالإضافة إلى التسويات التي تم التوصل للقرار عبرها. وذلك حيث إن استثناء الجرائم التي يقترفها مواطنو الدول غير الأعضاء بالمحكمة الجنائية الدولية - الولايات المتحدة، والصين، وروسيا على سبيل المثال - سوف يثير الانتقادات للمحكمة الدولية باستخدام معايير مزدوجة في تطبيق العدالة الدولية.

كما تقلل الحكومات التي تحصل على حصانة سواء في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني على سبيل المثال أو في سريلانكا، من مطالب المساءلة في الأماكن الأخرى. وفي الوقت نفسه، تقاوم الصفقة محاولات الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تحديد نوع قضايا العدوان التي يجب على المحكمة قبولها.

وبالتالي فإنه ليس من الصواب تقييم مؤتمر كمبالا على أساس ما حققه بشأن جرائم العدوان فقط، فعلى نفس القدر من الأهمية، كان هناك كثير على المحك فيما يتعلق بتعزيز دور المحكمة الحالي.

فخلال النقاشات، كان أعضاء المحكمة الجنائية الدولية يعملون على تقييم التحديات التي تواجه تطور العدالة الدولية، وتم طرح أفكار جديدة لتقوية المحاكم القومية حتى تتمكن من النظر في القضايا الجنائية الدولية بالإضافة إلى الأسئلة الصعبة المتعلقة بالعلاقة بين ملاحقة العدالة وجهود حفظ السلام. كما ناقشت الدول الأعضاء كذلك سبل تعزيز تعاونهم مع المحكمة وللتأكد من أن العدالة لا يتم تحقيقها فقط بل ويتم تحقيقها في الأماكن التي يمثل تحقيقها فيها أهمية قصوى وهي المجتمعات التي اقترفت فيها تلك الجرائم.

ربما يكون الكلام سهلا وبحاجة إلى تعزيزه بالأفعال، ولكن المحكمة تعتمد على الدول كي تعتقل المشتبهين النافذين وتتمكن من تطبيق قراراتها، ولكن في الوقت الذي ما زالت ترتكب فيه الجرائم التي تصدم وعي العالم في كثير من الأماكن، تعد المناقشات في مؤتمر كمبالا بداية طيبة. فقد جاء إلى كمبالا نحو أربعين دولة تحمل أكثر من 100 وعد بتقديم المزيد من المساعدات للمحكمة. وقد رفعت المحكمة الجنائية الدولية عدد الدول المرحبة بتطبيق عقوبات السجن، بالإضافة إلى المزيد من العروض للمساعدة في حماية الشهود. وبالطبع فإن الاختبار الحقيقي لتلك الوعود سيكون في مدى التزام تلك الدول بها. ولكننا نرى أن ذلك يعني تجديد تلك الدول لالتزامها من خلال دراستها العميقة لعملية تطبيق العدالة الدولية والوعود التي أطلقوها عندما ارتأوا حاجة إلى ذلك.

كما نجح أعضاء المحكمة الجنائية الدولية - الذين يطلق عليهم «الجمعية العامة للدول الأطراف» - في كمبالا كمجتمع من الدول المتحدة في مواجهة الحصانة. وقد غرس ذلك الجدال البذرة لإحياء المناقشات المتعلقة بالتعاون وتشتمل على مساعدة المحكمة في الاعتقالات. بالإضافة إلى وضع الأساس للتنسيق بين الدول فيما يتعلق بإصلاح سيادة القانون الذي يسعى إلى تجهيز المحاكم القومية للنظر في الجرائم الدولية؛ أي تعزيز القدرة القومية على إقامة المحاكم الدولية للتكامل مع جهود المحكمة الجنائية الدولية.

ويعتمد الكثير على ما سوف يحدث لاحقا؛ حيث إن تلك النوايا الطيبة يمكن أن تترك في كمبالا. فهناك كثير من التحديات القائمة؛ مثل الحاجة الملحة لوضع استراتيجية لإنهاء الحكم الإرهابي لجيش الرب، واعتقال زعمائه، وهو ما تسعى إليه الجنائية الدولية منذ 2005. وهناك تحديات أخرى في الأفق؛ مثل الإغراء بتجاهل أمر المحكمة باعتقال البشير في ظل اقتراب استفتاء السودان حول الانفصال. وتتطلب هذه التحديات وغيرها أن تعزز الدول الزخم الذي نجم عن المؤتمر لتعزيز التزامهم صوب المحكمة الجنائية الدولية.

ولكي تتأكد المحكمة من حدوث ذلك، فإنها حددت بعض المهام التي يجب إنجازها خلال السنوات السبع التي تفصلها عن تطبيق عملياتها. وقد أدى التأخير في المحاكمة الأولى لأن تظل حتى الآن دون حكم. كما يجب ملاقاة التوقعات العالية بشأن العدالة في أعقاب أحداث العنف التي عصفت بكينيا بعد الانتخابات التي أجريت في بداية عام 2008، وهو أحدث التحقيقات التي تعمل عليها المحكمة. وفي النهاية، لا تستطيع المحكمة تحقيق النجاح دون مساعدة الدول الأعضاء. فإذا تم تفعيل الوعد الذي أطلق في كمبالا بتقديم المشتبه بهم والمسؤولين عن أسوأ الجرائم التي شهدها العالم إلى العدالة فإنها ستكون قد حققت نجاحا يستحق السعي من أجله.

 

*إليزابيث إيفنسون - المستشار ببرنامج العدالة الدولية بمنظمة «هيومان رايتس ووتش» التي حضرت المؤتمر الاستعراضي للمحكمة الجنائية الدولية الذي عقد في كمبالا بأوغندا.

font change