التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي

التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي

[escenic_image id="5592471"]

في عام 1988، كان الاتحاد السوفياتي ما زال موجودا، ولم يكن سور برلين قد سقط بعد. قبل ذلك بعامين، نشر المؤرخ الكبير بول كيندي كتابا تحت عنوان: «صعود وسقوط القوى العظمى» متنبئا فيه باستمرار الخلاف بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي على مدار قرون مقبلة. وفي عام 1988، كان أسامة بن لادن بطلا مجاهدا بالنسبة للغرب، حيث كان مسؤولا عن تسديد ضربات قاصمة للإمبراطورية السوفياتية في أفغانستان. ولم تكن الصين في ذلك الوقت ذات أهمية اقتصادية، عندما أشارت أحداث الشغب الشهيرة التي وقعت في ميدان تيانانمين إلى عودة المتشددين المناهضين للإصلاح إلى المكتب السياسي بقوة. وفي النهاية، كانت اليابان عام 1988 مثل الصين اليوم تهدد السيادة الاقتصادية للعالم الغربي.

على الرغم من أنه يبدو حدثا ضئيلا أمام تلك الأحداث التاريخية الكبرى، فإن عام 1988 شهد أيضا توقيع اتفاقية تعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، التي تقضي بتعزيز التعاون الاقتصادي والسياسي والتفاوض حول اتفاقية تجارة حرة. وبعد مرور 22 عاما وانعقاد 20 اجتماعا سنويا مشتركا بعد ذلك؛ لا يعرف سوى قلة من الخبراء الاقتصاديين الدوليين ومن مسؤولي الاتحاد الأوروبي وكبار المسؤولين عن الأعمال، ما الذي حققته بالفعل اتفاقية التعاون. ويسود شعور عام بأن اتفاقية التعاون بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي تعد منتديا ضخما من أجل إعادة ترديد تفاهات عامة لا معنى لها، لا أكثر ولا أقل.

وفي هذا السياق، يؤكد البيان الختامي لمجلس الوزراء العشرين المشترك بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي الصادر في 14 يونيو (حزيران) 2010 على أن التاريخ يعيد نفسه. وكان الاجتماع الذي عقد في لوكسمبورغ بين الشيخ محمد صباح السالم الصباح، نائب رئيس وزراء دولة الكويت، والسيد عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، والمفوضة السامية كاثرين أشتون من الاتحاد الأوروبي، مليئا بأفضل التصريحات وخاليا من أي إجراءات ملموسة. وأعاد البيان الختامي المشترك التأكيد على التأييد وإدانة جميع المجالات التي تعارضت فيها المصالح تاريخيا - مثل الوضع في العراق والصراع الإسرائيلي الفلسطيني - و«الجهود المستمرة» في جميع القضايا التي تتفق فيها مواقفهما، مثل التعاون والتنسيق الاقتصاديين.

وإذا كان هذا النقص في التعاون يعكس اختلافا في المواقف، فهو لا يعني بالتأكيد تعارض المصالح. ويعد الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي شريكين اقتصاديين مهمين. وفي نهاية عام 2007، وصلت أسهم الاستثمارات الثنائية المباشرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي إلى ما يزيد على 22 مليارا و27 مليار يورو بالترتيب. وفي عام 2008، تجاوز حجم التبادل التجاري بين المنطقتين 105 مليارات يورو. وإذا اعتبر مجلس التعاون الخليجي دولة، فسيصبح سابع أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بعد اليابان مباشرة. ويعد الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لمجلس التعاون الخليجي، مباشرة بعد اليابان، ولكن بزيادة قدرها 40 مليار يورو عن الولايات المتحدة في المركز الثالث. ونظرا للعقبات التجارية بين المنطقتين، يمكن أن يتوقع المرء زيادة تلك الأرقام، والمنفعة الاقتصادية الحقيقية التي تتضمنها، فقط من خلال المزيد من التعاون الاقتصادي.

وعلى الرغم من ندرة الأبحاث التي أجريت حول التأثير الاقتصادي لاتفاقية تجارة حرة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، فإن الدراسات الحالية، مثل الدراسة التي أجراها مركز الدراسات السياسية الأوروبية في يوليو (تموز) 2004، تثبت أن الوصول إلى مثل ذلك الاتفاق بين المنطقتين سيعود بالنفع المتبادل عليهما. ووفقا لدراسة مركز الدراسات السياسية الأوروبية، فإن عقد اتفاقية تجارة حرة بين الكتلتين الإقليميتين سيعزز من إجمالي الناتج المحلي لمجلس التعاون الخليجي بنسبة 2.3 في المائة وللاتحاد الأوروبي بنسبة 0.3 في المائة. ويعني صغر حجم أسواق مجلس التعاون الخليجي بالنسبة للاقتصاد الأوروبي أن المجلس سيستفيد بصورة أكبر نسبيا من الاتحاد الأوروبي من تعزيز العلاقات التجارية. وسيساعد عقد اتفاقية التجارة الحرة أيضا على تقليل عدم التوازن المالي في المنطقتين، بخفض فائض الحساب الجاري في دول مجلس التعاون الخليجي، مما يؤدي إلى رفع قيمة أسعار عملات تلك الدول (وهو مجال آخر كان التعاون الثنائي فيه راكدا).

وفي حين يستفيد مجلس التعاون الخليجي من عقد اتفاقية تجارة حرة بصورة تزيد نسبيا عن الاتحاد الأوروبي، من الغريب دون شك أن يعرف المرء أن مجلس التعاون هو الذي يعيق في الحقيقة إتمام تلك المفاوضات. في الواقع، تسبب الرفض السعودي في الوقف التدريجي لدعم صادرات النفط، وممانعة المنطقة في السماح بتملك الأجانب لشركات محلية في تعطيل عملية المفاوضات المستمرة منذ 20 عاما مرة أخرى في 12 مايو (أيار) من العام الحالي. ولعل ما يثير مزيدا من الدهشة هو أن هذا الاتجاه يسير ضد مصلحة مجلس التعاون الخليجي بشكل مضاعف: أولا، بتقييد التجارة؛ وثانيا، بتقوية العيوب الداخلية التي تجعل من الصعب تنفيذ عملية التنويع الاقتصادي.

ومن جانب آخر، سيزيد التخفيف من القيود على الملكية الأجنبية من جاذبية المنطقة للمستثمرين الأجانب، مما يجلب المزيد من الاستثمارات والخبرة في اقتصاد المنطقة. وعلاوة على ذلك، سيرتفع مستوى رفاهية المستهلك بدرجة كبيرة نتيجة لزيادة الواردات (من خلال خفض الأسعار وزيادة الخيارات)، بل وستؤدي تلك الزيادة أيضا إلى رفع قيمة سعر الصرف. وذلك بدوره سيؤدي إلى إعادة توزيع الموارد الوطنية والتوسع في القطاع غير النفطي. بمعنى آخر، لا تقتصر نتيجة تحرير التجارة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على ارتفاع مستوى الرخاء في دول المجلس، بل ستسهل أيضا من عملية تطوير استراتيجيات ما بعد النفط وجدواها.

وقد جلبت الأعوام العشرون الماضية تغيرات لم تكن واردة حتى بالنسبة لعقول مفكرين عظام أمثال بول كيندي. فلم يعد هناك اتحاد سوفياتي؛ وأصبح الأبطال أشرارا؛ وتفوقت دولة فقيرة ومتخلفة على اليابان كـ«منافس» سياسي واقتصادي رئيسي أمام الغرب. وعندما يفكر المرء في التغيرات التي حدثت في غضون 20 عاما، يتعجب من حقيقة عدم إنجاز شيء في مجالات تتقابل فيها المصالح. وفي حين تصعد إمبراطوريات وتسقط أخرى، لا يزال السياسيون غير قادرين على الاتفاق على وقف الإضرار بمصالحهم. وإذا كانت قوة الإمبراطوريات لا تستمر إلى الأبد، فربما يظل العناد السياسي.

جدير بالذكر أن منطقة مجلس التعاون الخليجي هي خامس أكبر سوق تصدير بالنسبة للاتحاد الأوروبي، بقيمة 61.5 مليار يورو، تتكون في الأساس من صادرات الآليات الصناعية ووسائل النقل.

أما منطقة الاتحاد الأوروبي فهي أكبر شريك تجاري بالنسبة لمجلس التعاون الخليجي، بصادرات قيمتها 30.7 مليار يورو، أغلبها من الوقود ومشتقاته. ويرجع هذا إلى حد ما إلى المزايا التفضيلية في الوصول إلى الأسواق بموجب النظام العام للتفضيلات. كما تبلغ قيمة الاستثمار المباشر للاتحاد الأوروبي في منطقة مجلس التعاون الخليجي 2.5 مليار يورو.

 

* دانيال كاباريلي

font change