* خبراء اقتصاديون: حرب العملات ستكون حتمية، إذا ما قامت الولايات المتحدة بتصعيد التعريفة الجمركية إلى 25 % على 250 مليار دولار من السلع الصينية في سبتمبر.
* تلقى الدولار الدعم من تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين بالإضافة إلى انخفاض الليرة التركية، وهو ما أدى إلى انخفاض عملات الأسواق الناشئة.
* مسؤولون صينيون: الصادرات الصينية تجاوزت التوقعات في يوليو الماضي. و«ما زلنا نملك الشروط والقدرات الكافية لمواجهة الخلافات التجارية الحالية».
* هبط اليوان الصيني إلى أدنى مستوياته في عام كامل، من دون مؤشرات على تدخل البنك المركزي الصيني لإيقاف هذا الهبوط.
* قامت أكثر من عشرين دولة بينها اقتصادات كبرى، خلال الفترة بين يناير إلى أبريل من العام الحالي، إما بخفض معدل الفائدة أو تفعيل تدابير تدعم تخفيف السياسة النقدية... وهذه بداية الحرب!
القاهرة: شبح «حرب العملات» يتراقص في سماء الاقتصاد، على وقع العقوبات الأميركية على عدد من الدول، خاصة اقتصاديات الدول الكبرى، سواء كانت تلك العقوبات اقتصادية أو سياسية، ووسط معركة الرسوم المشتعلة بين الولايات المتحدة من جانب، والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وتركيا وإيران من الجانب الآخر، وبدأت الكثير من الدول في تخفيض لعملتها المحلية، وخفض لأسعار الفائدة تدريجيا، وتوقيع اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملة المحلية، في محاولة للتقليل من أثر العقوبات الأميركية، فيما اتخذت شركات الصرافة إجراءات احترازية تحسبا للحرب القادمة من العملات.
وقال الدكتور فؤاد شاكر، الأمين العام السابق لاتحاد المصارف العربية، إن الإجراءات التي اتخذتها الولايات المتحدة الأميركية قد تتسبب في خروج عدد من البلدان من عباءة الدولار وتراجع سلطته عالميا. وأضاف أن تلك الضغوط التي قامت بها الولايات المتحدة الأميركية على الصين وأوروبا وتركيا من الممكن أن يتسبب ذلك في البحث عن بدائل اقتصادية حتى وإن كانت تلك الإجراءات لن تؤثر بالسلب علي الاقتصاد الأميركي نظرا لقوته.
وأوضح الأمين العام السابق لاتحاد المصارف، أن تلك الإجراءات من الممكن أن تحدث اتفاقا على تكوين كيان مضاد للولايات المتحدة الأميركية، وقد تكون مشكلة إن حدث اتفاق، لأنه من شأنه تغيير الخريطة العالمية اقتصاديا وماليا؛ ومن ثم سينعكس في النهاية على السياسة وتغير ميزان القوى عالميا.
[caption id="attachment_55268342" align="alignleft" width="594"] رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي يتحدث خلال مؤتمر صحافي في فرانكفورت (غيتي)[/caption]
وكانت الولايات المتحدة الأميركية قد فرضت رسوم استيراد بنسبة 25 في المائة على الغسالات وألواح الطاقة الشمسية والصلب والألومنيوم أي ما يعادل 34 مليار دولار من المنتجات الأميركية، وستفرض أيضا اعتبارا من 23 أغسطس (آب) الجاري رسوما على مجموعة أخرى من المنتجات تبلغ قيمتها 16 مليار دولار. وهددت الولايات المتحدة بفرض رسوم على بضائع صينية إضافية بقيمة 200 مليار دولار اعتبارا من سبتمبر (أيلول) المقبل، مما يرفع إلى 250 مليارا مجموعة قيمة المنتجات الصينية التي ستفرض عليها رسوم أميركية. فيما فرضت عقوبات أخرى على إيران وتركيا وموسكو، ودخلت في صراع تجاري مع دول الاتحاد الأوروبي.
وأكد خبراء اقتصاديون أن حرب العملات ستكون حتمية، إذا ما قامت الولايات المتحدة بتصعيد التعريفة الجمركية إلى 25 في المائة على 250 مليار دولار من السلع الصينية في سبتمبر، إذ ستعمل هذه التعريفات على فتح العملات كواجهة ثانية في الصراع بين أكبر الاقتصادات في العالم، مما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة اليوان الصيني 15 في المائة، بحسب تحليل من مجموعة «تي إس لومبارد».
مباحثات جديدة
وانخفض اليورو، في الوقت الذي صعد فيه الدولار، قبل محادثات تجارية مزمعة بين الولايات المتحدة والصين، ويقول محللون إن مسؤولين أقل مستوى هم من سيحضرون الاجتماع، لكن الآمال مرتفعة بأن تتمخض المحادثات عن انفراجة في النزاع التجاري المستمر منذ أشهر.
وتلقى الدولار الدعم من تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين بالإضافة إلى انخفاض الليرة التركية، وهو ما أدى إلى انخفاض عملات الأسواق الناشئة.
وتستأنف واشنطن وبكين مفاوضاتهما المتوقفة منذ أسابيع في أوج حرب تجارية بينهما، مع إعلان الصين إرسال مسؤول كبير إلى الولايات المتحدة بحلول نهاية أغسطس الجاري. وتبادلت القوتان فرض رسوم جمركية على بضائع بعشرات المليارات من الدولارات منذ آخر لقاء على مستوى عال بينهما عقد في يونيو (حزيران) الماضي، ما يثير مخاوف من انعكاسات على الاقتصاد العالمي.
وأعلنت وزارة التجارة الصينية أن نائب وزير التجارة الصيني، وانغ شووين، سيلتقي مساعد وزير الخزانة الأميركي للتجارة الدولية، ديفيد مالباس، بدعوة من الولايات المتحدة.
وكان نائب رئيس الوزراء الصيني ليو هي أجرى في مايو (أيار) الماضي محادثات في واشنطن مع وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين. وبعد ذلك، استقبل ليو في بكين وزير التجارة الأميركي ويلبور روس في يونيو الماضي. إلا أن هذه المحادثات فشلت في تخفيف التوتر.
ويرى هاري لو المحلل في مصرف «ماكواري» أن الصينيين والأميركيين يمكن أن يناقشوا تنازلات من قبل بكين، أي زيادة البضائع الأميركية المستوردة وفتح السوق بشكل أكبر وكذلك تعزيز حقوق الملكية الفكرية الأميركية. وقال إن «البلدين سيحاولان أولا كسر الجليد. وسيسعيان إلى تقدير قوة كل منهما ورؤية إلى أين يمكن أن تصل الأمور». وأشار إلى أن اللقاء يعقد على مستوى أدنى من الاجتماعات السابقة.
ويؤكد المسؤولون الصينيون أن هذه الرسوم الجمركية لم تؤثر بعد على اقتصاد بلدهم، إذ إن الصادرات الصينية تجاوزت التوقعات في يوليو (تموز) الماضي. وقال كونغ ليانغ الناطق باسم وكالة التخطيط الاقتصادي الصينية «ما زلنا نملك الشروط والقدرات الكافية لمواجهة الخلافات التجارية الحالية».
اتهامات ترمب
واتهم ترمب بصورة متكررة الصين وألمانيا، بتعمد إضعاف اليوان واليورو، لخلق مجال أوسع للتنافسية لصادرات الصين وأوروبا على حساب الصادرات الأميركية، خاصة في ظل قوة الدولار. وقال في تغريدة له على «تويتر»: «تتلاعب الصين والاتحاد الأوروبي ودول أخرى بالعملة بخفض معدلات الفائدة، في حين ترفعها الولايات المتحدة مع دولار يزداد قوة يوما بعد يوم، مما يضعف قدرتنا التنافسية، كالعادة، هذا غير عادل»، متابعا: «انظروا إلى اليورو، إنه يتراجع... وعملة الصين تهبط مثل الصخرة... هذا يضعنا في وضع غير ملائم وعرضة للضرر».
[caption id="attachment_55268343" align="alignright" width="594"] أسعار الصرف الحالية للدولار الأميركي واليورو والجنيه الإسترليني واليوان الصيني مقابل الروبل الروسي - موسكو 8 أغسطس 2018 (غيتي)[/caption]
انخفاض العملات
وهبط اليوان الصيني إلى أدنى مستوياته في عام كامل، من دون مؤشرات على تدخل البنك المركزي الصيني لإيقاف هذا الهبوط؛ بل على العكس، يشير «المركزي الصيني» إلى أنه يفضل عملة أضعف، خاصة في ظل حرب الرسوم المشتعلة بين بلاده والولايات المتحدة، كما شهدت أسواق الصرف تراجعا ملحوظا أيضا للعملة الأوروبية الموحدة، اليورو، على مدار الشهور الماضية منذ مطلع العام تقريبا. كما شهدت الليرة التركية انخفاضا حادا خلال الأسبوع الماضي إثر العقوبات الأميركية، بشأن احتجاز القس الأميركي، أما عملة إيران فتشهد تراجعا ملحوظا في أعقاب العقوبات الأميركية الهادفة إلى محاصرة الاقتصاد الإيراني، خاصة موارده من الدولار، وفرض عقوبات إثر إعلان الولايات المتحدة الأميركية الخروج من الاتفاق النووي، كما تشهد العملة الروسية انخفاضا أيضا في ظل العقوبات الأميركية المزمع تطبيقها على روسيا.
الدولار الأميركي
ويلمح الرئيس الأميركي، إلى رغبته في خفض قوة الدولار لزيادة تنافسية السلع الأميركية، ولذا انتقد ترمب بشكل معلن السياسات النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، وقال في مقابلة مع محطة «سي إن بي سي» الأميركية: «لست راضيا عن السياسة النقدية التي ترفع أسعار الفائدة تدريجيا، لكن في الوقت نفسه أتركهم يفعلون ما يعتقدون أنه الأفضل».
وقال فيراغ باتيل، من «إي إن جي إيكونومكس»: «نتساءل الآن عما إذا كان دونالد ترمب يفكر بالتدخل في سوق العملات الأجنبية، إذا ما فسر قيمة تخفيض اليوان بطريقة متعمدة، هذا ليس حتى سؤالا كنا سنأخذه في الاعتبار قبل ستة أشهر، وفي ظل هذا العالم التجاري الجديد الذي نعيش فيه، يمكن تصوره الآن، وإذا تفاقمت العلاقات، فسنحصل على تهديدات بتدخل الدول بدلا من المزيد من التعريفات».
ولا يؤيد البنك المركزي الصيني السماح بالخفض المفاجئ للعملة، وسيتحرك للتخفيف من أجل تخفيف مخاطر هروب رأس المال، ومع ذلك، يوجد الآن قبول بأن الإجراءات الأميركية قد تجعل ضعف اليوان أمرا لا مفر منه.
وقال باتيل إن «الهدف الرئيسي من الاستراتيجية التجارية لنظام ترمب، لتضييق العجز التجاري أصبح أكثر صعوبة، إن الدولار القوي وتضييق عجز الحساب الجاري غير متوافقين، ولا يمكنهم التوافق».
وارتفع سعر الدولار مقابل مجموعة من العملات، بفضل انخفاض الثقة في الأسواق الناشئة بعد بداية أزمة الليرة التركية، وأدى ذلك إلى دفع المستثمرين نحو أصول الملاذ الآمن مثل خزائن الولايات المتحدة، وخطط بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواصلة مساره لرفع أسعار الفائدة لتهدئة الاقتصاد الأميركي الساخن ستعمل على تعزيز قوة الدولار.
مراقبة أميركية
وقال وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوتشين، إن أميركا تراقب عن كثب اليوان «بحثا عن أي علامات على تلاعب بالعملة». وأوضح أن «ضعف اليوان ستجري مراجعته في إطار أحدث تقرير نصف سنوي لوزارة الخزانة بشأن التلاعب بالعملة الذي سيصدر في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل على أساس النشاط في الأشهر الستة الأولى من 2018.
وقالت وزارة الخارجية الصينية: «إن حركة سعر العملة الصينية سواء بالارتفاع أو بالانخفاض خاضعة للسوق وآلية العرض والطلب، وإن الصين لا تتلاعب بعملتها بتخفيض قيمتها لتعزيز القدرة التنافسية لصادراتها».
ورغم أن اليوان الصيني لا يتمتع فعليا بحرية حركة كافية على غرار الدولار، حيث يتحكم «المركزي الصيني» بوضع نطاق تداول يومي «استرشادي»، فإن هبوط العملة المستمر خلال الفترة الماضية ربما لم يكن «حكوميا بحتا»، بحسب المراقبين.
[caption id="attachment_55268349" align="alignleft" width="594"] مكتب لتحويل العملات يوضح أسعار الدولار واليورو مقابل الليرة التركية في شارع استقلال التجاري الشهير في إسطنبول (غيتي)[/caption]
ويرى الخبراء أن الأوضاع الاقتصادية حول العالم هي المحور الرئيسي لهبوط اليوان، حيث إن «أجواء الحرب التجارية» التي أشعلها ترمب، تسببت في زيادة التوقعات بأن «المركزي الصيني» سيتجه إلى تخفيف سياساته النقدية لدعم الاقتصاد خلال المعركة التجارية، وهو ما دفع المستثمرين إلى مزيد من بيع اليوان، وشراء الدولار «الأكثر جاذبية»، خاصة في ظل التوجه التصاعدي للفائدة الأميركية.
ولا يرى أغلب الخبراء أن الصين من الممكن أن تسمح بحدوث هبوط عنيف لعملتها خلال المرحلة المقبلة، بل ستترك اليوان - على الأرجح - في مرحلة «انزلاق محكوم هادئ»، حتى تحتفظ الصين بالتوازن الدقيق بين تنافسية عملتها، مع عدم اندفاع الأموال خارج الصين في حال الهبوط السريع الذي يؤدي إلى فقدان الثقة.
عملات مستفيدة
وقال: «دانسك بنك» الدنماركي في تقرير له إن «الفرنك السويسري» وعملات الدول الاسكندنافية، هي من ضمن أكثر العملات القابلة للتأثر بتصعيد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة، فيما يبقى كل من الروبية الهندية والدولار الأميركي والين الياباني الأكثر صمودا وسط الحرب.
وأوضح المصرف الدنماركي أن الفرنك السويسري والكرونة الدنماركية والكرونة السويدية من المحتمل أن تكون أكثر العملات تأثرًا بشكل سلبي بالأزمة التجارية بين واشنطن وبكين.
وتابع أن الدول الاسكندنافية «حساسة بشكل خاص لتصعيد التوتر التجاري»، كونها اقتصاديات مفتوحة وصغيرة في الوقت نفسه: «وإن كان التعرض التجاري المباشر لتلك الاقتصاديات مع الصين منخفضا».
وشدد التقرير على أن عملة الفرونت المجرية أكثر عملات الأسواق الناشئة ضعفًا، نتيجة حساسيتها المرتفعة تجاه أسعار المعادن. ويأتي في المركز الثاني كأكثر العملات المعرضة للتأثر سلبًا بالحرب التجارية الفرنك السويسري، يليها في المركز الثالث الكرونه الدنماركية.
وأرجع التقرير ذلك إلى اعتماد اقتصاد الدنمارك على نشاط الشحن، والتعرض المرتفع لاقتصاد سويسرا إلى نظيره الصيني، ما يجعل من عملاتهم المحلية الأكثر حساسية بالحرب التجارية. ومن المركز الرابع حتى السادس، تأتي عملات الكرونه السويدية ثم نظيرتها التشيكية وأخيرًا الدولار النيوزيلندي.
أما أقل العملات تعرضًا لتبعات الحرب التجارية، فتأتي الروبية الهندية في المركز الأول، ثم الدولار الأميركي ثانيا، وفي المركز الثالث الين الياباني.
إجراءات احترازية
فيما أكدّت مصادر في شركات صرافة في الإمارات أن قطاع الصرافة يقوم حاليًا بالتحوط من احتمالات تذبذب أسعار صرف العملات الرئيسية، على خلفية التداعيات المحتملة للحرب التجارية، والتي قد تتطور إلى حرب عملات، وأهم هذه التداعيات إمكانية قيام الاحتياطي الفيدرالي، بدعم موقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب من خلال خفض قيمة الدولار، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع قيمة العملات الأجنبية الرئيسية الأخرى.
وقال أسامة آل رحمة، مدير عام مجموعة الفردان للصرافة، إن الكثير من شركات الصرافة تقوم بالتحوط من حالة عدم الوضوح بسبب النزاعات التجارية الحاصلة عالميًا، والتي أدت إلى تذبذب أسعار العملات من خلال شراء العملات على قدر الحاجة فقط، لمواجهة أي تذبذبات حادة في أسعار العملات والحفاظ على استقرار هذا القطاع.
وأوضح أن قرارات منظمة التجارة العالمية مثل تلك التي شجعت على التجارة البينية بين الدول وعزّزت من إجراءات الحمائية من خلال فسح المجال للدول الكبرى لرفع الرسوم الضريبية على واردات الدول الأخرى، جميعها عوامل أثرت على قدرة الدول الأضعف على التصدير، وبالتالي على اقتصاد وعملة تلك الدول، مشيرًا إلى أن انخفاض قيمة الكثير من العملات في بعض الدول وانخفاض الطلب عليها حاليًا بسبب فرض الولايات المتحدة رسومًا إضافية على صادرات تلك الدول هو انعكاس غير مباشر لتأثير التوجهات الأميركية في الوقت الراهن. ولفت إلى أن قوة الدولار تصب في صالح الدرهم على خلفية ارتباط العملتين.
وأكّد راجيف رايبانتشوليا أمين صندوق مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي ومالك شركة المشرق للصرافة، أن معظم شركات الصرافة في الدولة تتحوط في هذه الآونة من مخاطر تذبذب سوق العملات، والانكشاف تجاه عملات رئيسية عالمية من خلال الاحتفاظ بالعملات مع بعض البنوك العالمية.
سيناريو مرعب
وأفادت حروب العملات الدولار الأميركي، الذي سجل الآن أعلى معدل له منذ أكثر من عشر سنوات مقارنة بكل العملات الرئيسية، بينما انخفض اليوان واليورو والجنيه الإسترليني وعملات أخرى بنسبة ١٠ في المائة خلال نفس الفترة. وبفضل ارتفاع قيمة الدولار، أصبحت الولايات المتحدة أكثر جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر، لكن ذلك انعكس بالسلب على جهود إدارة ترمب لدعم الإنتاج الصناعي وزيادة الصادرات الأميركية.
[caption id="attachment_55268345" align="alignright" width="594"] أوراق نقدية من الدولار الأميركي واليوان الصيني (غيتي)[/caption]
ومع اتجاه الصين لتخفيض قيمة اليوان مجددا، ردا على تهديدات ترمب بفرض تعريفات جمركية على كل واردات بلاده من السلع الصينية، قد يضطر الرئيس الأميركي لتخفيض قيمة الدولار لدعم صادرات بلاده ومعالجة الخلل في الميزان التجاري مع الصين.
لكن تخفيض قيمة الدولار المحتمل لن يحل المشكلة، فالولايات المتحدة من الصعب أن تفوز في حرب عملات أمام الصين، التي يمكنها الاستمرار في تخفيض قيمة اليوان، بينما تبدو سيطرة وزارة الخزانة الأميركية على الدولار محدودة.
وتخفيض قيمة الدولار الأميركي يهدد باشتعال حرب عملات عالمية، شبيهة بتلك التي حدثت عامي 2015 و2016، مما قد يتسبب في انتشار الفوضى في الأسواق العالمية وتضرر التجارة الدولية ووقف رهان المستثمرين طويل الأمد على العملة الأميركية.
وفي حال تخفيض قيمة الدولار سوف تضطر كثير من الدول المصدرة حول العالم لتخفيض قيمة عملاتها في وقت واحد، لجعل صادراتها أكثر قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية، مما سيدفع البنوك المركزية في الأسواق الناشئة لتثبيت سعر الصرف، عبر شراء أو بيع عملات أجنبية، بهدف دعم العملات المحلية.
لكن نجاح هذه العملية يتوقف على ما تملكه البنوك المركزية من احتياطيات بالعملات الأجنبية، وفي حالة نفاد الاحتياطي أو تعرضه لخطر النفاد، سوف تضطر البنوك المركزية للتخلي فورا عن هذه العملية. كما ستضطر البنوك المركزية لمواجهة المضاربات في العملات الأجنبية، والتلاعب في السندات الدولية، التي يقوم بها وكلاء أو مضاربون لصالح دول أجنبية، وأيضا مواجهة عمليات تزوير العملات المحلية.
ويتضمن تخفيض قيمة العملة استراتيجية عالية المخاطر، فانخفاض قيمة عملة بلد ما بشكل فردي، سوف يؤدي حتما إلى رفع قيمة عملة بلد آخر، وفي المقابل فإن حرب العملات التي تشارك فيها أكثر من دولة في وقت واحد قد تتسبب في نتائج كارثية، من بينها انتشار الفقر وارتفاع التضخم وتدهور مستويات المعيشة.
وحتى الآن لم تتحول حرب التجارة التي تقودها واشنطن في مواجهة حلفائها وشركائها إلى حرب عملات عالمية، لكن الشرارة الأولى لهذه الحرب سوف تبدأ في حال قيام واشنطن بتخفيض قيمة الدولار الأميركي، وعندها سوف تقوم دول كثيرة بتخفيض قيمة عملاتها في وقت واحد، وهو سيناريو مرعب قد يترتب عليه تكرار ما حدث في ثلاثينات القرن العشرين، حين دخل العالم في مرحلة كساد عظيم استمرت عشر سنوات.
آليات تخفيض العملة
يشير الاقتصاديون إلى عدة طرق يتم من خلالها تحفيض العملة، منها:
التدخل المباشر: وهي طريقة تقليدية تقوم بها البنوك المركزية عن طريق بيع العملة المحلية وشراء نظيرتها الأجنبية، مما يساهم في خفض قيمة الأولى.
توظيف معدل الفائدة: يساهم خفض معدل الفائدة في الضغط على العملة المحلية والتخلي عنها نظرا لأنها لا تشجع الاقتراض بها أو تكون بمثابة أموال رخيصة لا تعطي صاحبها ميزة.
التيسير الكمي: هذه الأداة الشهيرة التي وظفها المركزي الأميركي عن طريق شراء الديون والسندات السيادية وغيرها من الأصول مقابل ضخ سيولة.
حرب التصريحات: يمكن أن تتسبب التصريحات من صناع السياسات بتفعيل أي من الأدوات السابقة بالضغط على العملة، ومن ثم تخفيض قيمتها، لكن ذلك قد لا يؤتي ثماره إذا كانت العملة قوية وتعد ملاذا آمنا مثل الين على سبيل المثال، وهو ما دعا بنك اليابان لإطلاق برنامج تيسير كمي عام 2013.
وقامت أكثر من عشرين دولة بينها اقتصادات كبرى خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) إلى أبريل (نيسان) من العام الحالي، إما بخفض معدل الفائدة أو تفعيل تدابير تدعم تخفيف السياسة النقدية لا سيما المركزي الأوروبي.. وهذه بداية الحرب!