ما زال غزو الاتحاد السوفياتي الذي استمر لعشر سنوات في أفغانستان والهزيمة المذلة التي مني بها على يد المجاهدين.

ما زال غزو الاتحاد السوفياتي الذي استمر لعشر سنوات في أفغانستان والهزيمة المذلة التي مني بها على يد المجاهدين.

[escenic_image id="5592380"]

 

أفغانستان: نظرة من موسكو

مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

ديمتري ترنين، الكسي مالاشنكو، أبريل (نيسان) 2010 - 07 - 26

ما زال الإرث الذي خلفه غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان واستمر لعشرة أعوام، والهزيمة المنكرة التي مني بها هناك على يد المجاهدين، راسخ في ذاكرة كثير من الروس حتى وقتنا الراهن. وهو ما تجلى بوضوح في تردد موسكو بشأن التورط في أفغانستان مرة أخرى. فحتى في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، رفضت روسيا وما زالت ترفض أن تضع قدما في أفغانستان مرة أخرى، مما ترك المجال مفتوحا أمام قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة هناك. فبعد انسحاب الاتحاد السوفياتي من أفغانستان عام 1989، بذلت روسيا قصارى جهدها لكي تبتعد عن آسيا الوسطى وبالتبعية عن العالم الإسلامي، حتى أصبح من المستحيل تجاهل أفغانستان.

 

ويناقش معدا تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي «أفغانستان: نظرة من موسكو» موقف روسيا تجاه التدخل في أفغانستان والتأثير المستمر لما أطلقوا عليه «متلازمة أفغانستان». فحتى الآن، تم إقصاء روسيا، وهي إحد القوى العالمية العظمى، من مشهد الحرب على أفغانستان. ويقدم ذلك التقرير أفغانستان من منظور كان مفقودا من قبل، وهو المنظور الروسي، الذي يعد منظورا حيويا في تحديد مستقبل المنطقة. بل إن التقرير يؤكد أن روسيا لديها الكثير على المحك في أفغانستان كما أنها جزء من شبكة معقدة من العلاقات مع جيرانها غير المستقرين في آسيا الوسطى، والولايات المتحدة وخصومها من الدول في النطاق الأوسع.

وعلى الرغم من أنها ليس لديها قوات على الأرض، تعد روسيا من اللاعبين المهمين في تحديد مصير أفغانستان. ورغم كل شيء، فإن روسيا، جغرافيا، أقرب إلى أفغانستان من الولايات المتحدة أو بريطانيا العظمى. فكل ما يفصلها عن الحدود الأفغانية هي الدول العازلة الخمس الجديدة قرغيزستان، أوزبكستان، تركمنستان، طاجيكستان، كازاخستان. وقد عانت روسيا خلال تاريخها الحديث من الاضطرابات الناجمة عن عدم الاستقرار في آسيا الوسطى، بالإضافة إلى إراقة الدماء على حدودها خلال المعركة العرقية في الشيشان وطاجيكستان وغيرها من الدول المجاورة. ومن ثم، فإن القيادة الروسية حريصة على أن تحتوى أزمة أفغانستان قبل أن تمتد شمالا. وفي البداية، كانت «عملية الحرية الدائمة» تبدو مكللة بالنجاح، ولكن سرعان ما اتخذت الأمور منحى مغايرا؛ وتزايدت المخاوف الروسية بعدما تمكنت حركة طالبان من محاصرة قوات التحالف في فنائها الخلفي.

ووفقا للتقرير، فإن روسيا لديها هدفان فيما يتعلق بأفغانستان؛ الأول هدف أناني للغاية؛ وهو حرص زعماء البلاد على إعادة بناء النفوذ الروسي في المنطقة. فهم ليسوا مهتمين إلى حد بعيد بمحاربة التطرف الإسلامي وبناء الدولة أو بالاستثمارات الاقتصادية، بل يرتكز اهتمامهم على تعزيز نفوذهم. وهذا الهدف البسيط أصبح معقدا نظرا للتوازن الدقيق الذي تقوم به روسيا في إبقاء الدول المجاورة وحلفائها رهن إشارتها. حيث لا تنفصل العلاقة بين روسيا وكل من باكستان والصين والهند عن الأسلوب الذي تتعامل به مع أفغانستان.

وهنا يبدأ التعقيد: فروسيا ترغب في إقامة علاقة طيبة بين الهند والصين وباكستان ولكن الهند وباكستان يكرهان بعضهما البعض، كما لا تتوافق كل من الصين والهند أيضا. وإذا ما أضفت أفغانستان إلى تلك المعادلة يصبح الأمر وكأن أقاربك يتصرفون بتهور في إحدى المناسبات العائلية. ولكن بعيدا عن التحذير والسباب، هناك هدف واحد مشترك لهذه الدول وهو الأمل في استقرار أفغانستان. حيث إنه إذا ما انتصرت حركة طالبان، وغادرت قوات التحالف، ستصبح آسيا الوسطى أرضا خصبة للمسلحين الإسلاميين، وهو ما سوف يؤثر على الأمن الداخلي لجميع الدول المجاورة لأفغانستان والشرق الأوسط أيضا. وتعد آسيا الوسطى بالفعل مصدرا للتطرف الإسلامي؛ حيث إن الاضطرابات الأخيرة في قرغيزستان سوف تمثل عامل حفز للصراعات في المنطقة.

ويعد الهدف الثاني لروسيا، الذي يعادل السبب الأول في الأهمية بالنسبة للشعب الروسي، هو المخدرات؛ وذلك حيث يذكر التقرير أنه «من بين العدد الذي يقدر بنحو 100000 مدمن مخدرات يموتون سنويا في كافة أنحاء العالم، يوجد ما بين 30 ألفا و40 ألفا من الروس». وبالطبع ليس من الصعب التكهن بالمصدر الذي تأتي منه تلك المخدرات. حيث إن المخدرات التي يتم تهريبها من أفغانستان عبر آسيا الوسطى إلى روسيا تؤثر على حياة الأفراد في البلاد. ومنذ وصول قوات التحالف إلى أفغانستان تضاعفت تجارة المخدرات 44 ضعفا.

ولكن روسيا تستطيع معالجة هذه القضية داخليا، حيث يشير التقرير إلى أن الأمم المتحدة تعتبر الفساد وعدم كفاءة مكافحة المخدرات الروسية من الأسباب الرئيسية للمشكلة وليس إنتاج أفغانستان للمخدرات في حد ذاته.

إذن كيف سيحدد الكرملين مصير أفغانستان؟ يشير التقرير إلى أن الآراء منقسمة بشأن ذلك؛ فالبعض يرغب في مشاهدة الولايات المتحدة وهي غارقة في الصراع هناك، مع الحرص على أن يظل خصمهم السياسي الأساسي غارقا في حرب خلال السنوات التالية، ويتمنى ذلك الفريق أن يتمكنوا من الانحياز للجهة المنتصرة في النهاية، فيما يرغب آخرون في إقامة علاقة وثيقة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لكي يحققوا مكاسب دبلوماسية ولزيادة رقعة الكتلة السوفياتية السابقة. وكان معدو التقرير حريصين على تأكيد أنه على الرغم من أن «بعض القادة الروس يرغبون من داخلهم في مشاهدة فشل الولايات المتحدة في أفغانستان وانضمامها إلى جانب الاتحاد السوفياتي وبريطانيا إلى قائمة (الأمم المنهارة)، يرغب أغلبية الزعماء الروس في أن ينتصر التحالف».

وبالعودة إلى رغبة روسيا في الهيمنة السياسية على وسط آسيا، يذكر التقرير عدة خطوات اتخذتها الحكومة لكي تضع لها قدما في المنطقة؛ ومنها تأسيس قاعدتين عسكريتين في طاجيكستان، وقرغيزستان في نفس الوقت الذي كانت تسعى فيه روسيا بهدوء إلى إزالة القواعد العسكرية الأميركية من دول آسيا الوسطى.

وبالتالي، تعد مصالح روسيا متناقضة إلى حد كبير؛ فالولايات المتحدة ستقوم بالعمل القذر نيابة عنهم من خلال القضاء على حركة طالبان، وفي نفس الوقت تتمكن روسيا من تعزيز نفوذها في آسيا الوسطى. وهما هدفان غير متوافقين معا؛ حيث إن وجود الولايات المتحدة هناك، ناهيك عن تزعمها للتحالف بأكمله في أفغانستان، يجعلها قوة مهيمنة في المنطقة. وليس لروسيا أي هيمنة على منطقة آسيا الوسطى، بل إنه من دون وجود الولايات المتحدة، سيكون على روسيا خوض معركة أفغانستان بنفسها نظرا لأنها تمثل أكبر التهديدات لأمنها. وعلى الرغم من أن الصين تعد في الواقع أكبر منافسيها في المنطقة، تنظر روسيا إلى قوة الجيش الأميركي باعتبارها أكبر التهديدات التي تواجهها، حتى أن روسيا قد أقامت شراكة بالفعل مع الصين لمواجهة النفوذ الأميركي من خلال إنشاء «منظمة شنغهاي للتعاون» التي تنظم اللقاءات بين القوى الآسيوية وقوى آسيا الوسطى.

وعلى الرغم من أن التقرير يوصي بأن تصبح روسيا جزءا من جهود التنسيق الدولية بين حلف شمال الأطلسي والصين والهند وآسيا الوسطى ودول الخليج، في تأمين مستقبل مستقر لأفغانستان، جاءت معظم التوصيات للولايات المتحدة وأفغانستان، فيما تم ذكر تدخل روسيا في نهاية التقرير وكأنه فكرة ثانوية، وهو أمر ملحوظ طوال التقرير. فعلى الرغم من عنوان التقرير، فإن التقرير تركز على مهمة الولايات المتحدة في أفغانستان.

وربما يسمح المستقبل لروسيا بأن تضطلع بدور أكبر في أفغانستان. فقد كانت هناك الكثير من العروض المطروحة التي تتحدث حول رغبة روسيا في المشاركة في منحى «نقل الحضارة» إلى أفغانستان. غير أنه حتى الآن يبدو أن روسيا مكتفية بالدعم المالي والاستخباري لجهود التحالف، دون التورط المباشر. وفي النهاية، فإن روسيا حريصة على ألا يكرر التاريخ نفسه مرة أخرى.

font change