بغداد: هشام الهاشمي*
* محللون: إيران توظف العراق من أجل تصفية حساباتها مع أميركا وتحرص على أن لا يحظى العبادي بولاية ثانية لأنها تعتبره حليفاً لأميركا.
* طهران تضغط في هذه اللحظة الحرجة بقطع 1400 ميغاواط من أجل دفع الشعب للتحرك ضد الحكومة العراقية.
* أهم ميزة لاحتجاجات الصيف، تكمن في تبني المتظاهرين ثقافة اللاعنف، ومنع المندسين من تخريب المؤسسات العامة، وعدم التصادم مع القوات الأمنية.
أكدت مصادر مقربة من الحراك السياسي الشيعي أن لقاء مفاوضي القوائم الحزبية العراقية برئيس الحكومة حيدر العبادي، لم يفلح في تكوين موقف موحد إزاء الاحتجاجات التي يشهدها جنوب ووسط العراق منذ السابع من يوليو (تموز) الحالي، رغم سقوط 14 قتيلا و831 جريحا في صفوف المتظاهرين والعناصر الأمنية واعتقال 348 محتجا أغلبهم من دون مذكرات توقيف قضائية، واقتحام جموع المحتجين في أحيان كثيرة مباني لمؤسسات حكومية سيادية وأمنية ومالية وحزبية مثل المطارات وحقول النفط، وعجز القوات الأمنية والدوائر الخدمية عن تقديم تطمينات تهدئ الحراك الغاضب على الفساد وسوء الخدمات وارتفاع نسبة البطالة لأكثر من 40 في المائة من فئة الشباب التي تشكل قرابة 63 في المائة من سكان العراق.
العراق بالمرتبة الرابعة عالمياً والثانية في منظمة أوبك بأعلى إنتاج للنفط وبمقدار 4.836 مليون برميل. كل هذا والبلد يعيش بطالة شبابية بسبب ثقل التبذير والفساد المالي وضعف التخطيط الحكومي، واستبداد مافيات اللجان الاقتصادية في الوزارات التي يصل مجموع سرقاتها من المال العام سنويا 10.7 في المائة من موازنة العراق، بالإضافة إلى البطالة المقنعة وآلاف الفضائيين المحميين بالأحزاب والمسلحين.
يذكر أن السلطات الإيرانية قد أوقفت إمدادات الطاقة الكهربائية إلى العراق على الرغم من أن وزارة الكهرباء العراقية قد سددت مبلغ مائة مليون دولار من إجمالي الديون العراقية المترتبة للنظام الإيراني. ويرى محللون أن إيران توظف العراق كساحة من أجل تصفية حساباتها مع أميركا وتحرص طهران على أن لا يحظى العبادي بولاية ثانية نظراً لأنها تعتبره حليفاً لأميركا، لذلك فهي تضغط في هذه اللحظة الحرجة بقطع 1400 ميغاواط من أجل دفع الشعب للتحرك ضد الحكومة العراقية.
يظل سؤال الإخفاق والسكون السريع من أكثر الملامح المميزة لاحتجاجات البصرة، فما إن تندلع الاحتجاجات، حتى تنتهي سريعا، ومن غير الوصول إلى الحلول الجذرية لمشاكل سوء الخدمات والبطالة.
ذلك أن القنوات التفاوضية العشائرية أو الشبابية عفوية غير منظمة تقابلها قنوات أمنية قمعية أو حكومية ترشو تلك اللجان الشعبية بتلبية مطالبهم الشخصية أو تقوم بتخويفهم، وسرعان ما يتم إنهاء الاحتجاج...
وأهم ميزة لاحتجاجات الصيف، تكمن في تبني الاحتجاج لثقافة السلمية واللاعنف، بحيث تتم السيطرة على غضب الجماهير الاحتجاجية ومنع المندسين من تخريب المؤسسات العامة أو إضرام النَار، بعيدا عن التصادم مع القوات الأمنية والتي تحسم في النهاية دوما لصالح الأجهزة الأمنية ولصالح أكاذيب الإعلام الممول حكومياً.
فالوقوف في وسط الطريق الدولي وأمام بوابات المنشآت النفطية وقطع طريق المطار والاكتفاء بالاحتجاج السلمي وترديد الشعارات المطلبية دون الانتقال إلى ممارسة العنف، يلزم الحكومة وأصحاب القرار على الاستجابة لمطالب المحتجين المشروعة، ومثل هذا النوع من الاحتجاج قد حصل في هذا العام وفي دول كبرى ومدنيات متقدمة مثل ألمانيا وإنجلترا وفرنسا، حيث ألزمت الحكومات بالتفاوض والاستجابة لمطالب المحتجين.
بعد عام 2003 أعطى الجنوب العراقي من نفطه الكثير للعراق وساند حكوماته، وتصاعدت احتجاجات الصيف منذ عام 2015. حتى أصبح المراقب يقول أتى زمان التغيير الاجتماعي والثقافي الكبير في البصرة، جميع سكّان الجنوب والوسط العراقي يتطلعون إلى مستقبل فيه قدر واضح من العدالة والحريّة والمساواة في الحقوق والثروات والواجبات، احتجاجات غاضبة موسمها في شهر يوليو من كل سنة؛ حيث ارتفاع درجات الحرارة إلى أكثر من خمسين درجة مئوية وانعدام الخدمات الضرورية وخاصة الكهرباء والماء وتراكم البطالة في الفئة الشبابية، احتجاجات تتطلع إلى تغيير واقعهم البائس ولا يعني لها تصرفات واستفزازات قوى الأمن شيئا، المواطن الجنوبي من شدة الظلم الذي أصابه أصبح لا يعرف ما عساه أن يفعل بهذا الانهيار الكبير الذي أصاب مدنه، وربما تتوسع احتجاجات الصيف الغاضبة إلى كافة نواحي العراق ومع الوقت يزداد قلق الجماهير وانزعاجها.
يدرك المحتج العراقي المستقل أن التجاوز على مؤسسات الدولة جريمة ضد العراق وأهله قاطبة، وقد أحسن المحتج حينما حدد هويات هؤلاء المتجاوزين على البنى الحكومية وعزلهم بعيدا عن جموع الجماهير.
الدكتور العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة كان قد خاض معارك تقليدية وهجينة لتحرير مدن العراق الشمالية والغربية التي احتلها «داعش»، وقد انتصر العراق في خلال ثلاث سنوات، ولكنه فشل في حربه لمكافحة الفساد التي أعلن عنها مرات كثيرة، وأيضا لم يُوَف بالكثير من وعوده في برامج تمكين الاستقرار والتنمية وإعادة الإعمار وتوفير فرص عمل خارج وظائف الحكومة ودعم القطاع الخاص، وطالما اكتفى في خطابات ما بعد «داعش» باتهام البعض من شركاء حكومته بالفساد وأنهم من يصنع الفوضى والإشاعات...
وأدرك العبادي أن أكبر خطر يمكن أن يتعرض له العراق هو سوء الظن بالجماهير ومطالبهم واتهامهم بالخيانة والتخابر...
أتت احتجاجات الصيف كالعاصفة التي هبت نتيجة الفقر والفساد، ومن المُجازفة أن تعالج هذه العاصفة الشعبية باقتراح تنفيذ حملات أمنية واعتقالات أو الخطف المجحف بحق عدد كبير من الشباب الغاضب، وأظن مدنية العبادي سوف تمنعه من اختيار هكذا قرار في نهاية حكومته فهذا سيعرض سمعته وتاريخ عائلته النضالي للتشويه على المستوى الشخصي والعائلي.
ويجد رئيس الحكومة حيدر العبادي وفريق مستشاريه أنفسهم لأول مرة منذ عام 2014 أمام مواجهة مباشرة مع كتاب وجموع شعبية كانوا من أنصارها مع نقد شديد وندم شعبي عارم على أدائه، في مرحلة فشله بتحقيق شروط مقتدى الصدر من أجل دعمه بولاية ثانية.
احتجاجات الصيف أصبح لديها من القوة أن تغير قوالب تشكيل الحكومة الائتلافية حسب الأعراف السياسية السائدة ولكنها هذه المرة خدمية أكثر من كونها حربية أو أمنية أو محاصصة فَسَاد، إذ ستضغط لتنظيف الوزارات من مافيات الفساد الحزبي والطائفي والقومي في مكاتب مشاريع الوزارات، وتوزير للخبراء والتكنوقراط المستقلين، دعماً لبرنامج «سائرون» الذي أسس له مقتدى الصدر وحلفاؤه وهم مجموعات علمانية وشيوعية، وقوى وطنية مقربة إليها؛ مثل تيار رئيس الحكومة الأسبق إياد علاوي وشريحة الليبرو-إسلامي من السنة والكرد.
* كاتب وباحث عراقي