[caption id="attachment_932" align="aligncenter" width="620" caption="الأسد يستقبل ميتشل في دمشق "][/caption]
فبعد تدهور تاريخي، وهو ما دفع إدارة بوش لسحب السفير من دمشق، عاد الأمل في تجاوز الماضي والبدء من جديد مع إدارة أوباما. إلا أن عامين من التشكك قد تركا آثارهما على سورية وسط التوتر المتزايد في المنطقة.
على غرار غيرها من الدول، رحبت سورية بفوز باراك أوباما بالرئاسة في يناير (كانون الثاني) 2009، كفرصة لإعادة علاقتها بالولايات المتحدة. وكانت فترة إدارة بوش السابقة قد شهدت أبعادا جديدة للعلاقة بين البلدين، من خلال فرض واشنطن للعقوبات وسحب سفيرها، بل وحتى شن القوات الأميركية للغارات على الأراضي السورية من العراق. ومن ثم فقد احتفى الرئيس بشار الأسد بمقاربة أوباما الأكثر إيجابية. وبعد شهر من تنصيبه، عين الرئيس الرابع والأربعين سفيرا جديدا في دمشق.
وفي يونيو (حزيران)، زار المبعوث الخاص للشرق الأوسط جورج ميتشل العاصمة السورية وهو أعلى مسؤول أميركي يزور سورية رسميا منذ عقود. إلا أن آثار عامين من التشكك قد ظهرت مرة أخرى في سورية. فقد بدا العصر الجديد من التواصل مع الولايات المتحدة كفجر زائف. إقليميا، أفقد الإخفاق في تحقيق أي تقدم حقيقي في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية الإدارة قدرا كبيرا من مصداقيتها. وعلى الرغم من أن دمشق قد رحبت بموقف واشنطن القوي بشأن الاستيطان الإسرائيلي، فإن تنازل أوباما بعد ذلك تحت ضغوط من العناصر الموالية لإسرائيل في الكونغرس قد أثار التساؤلات حول قدرته على أن يصبح وسيطا محايدا. كما أن رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير لصفقة الأسلحة الكبرى في مقابل نحو 90 يوما من تجميد الاستيطان في إطار جهود إحياء مباحثات السلام قد أساء إلى صورة الرئيس الأميركي في العيون العربية.
وفي سورية، ازداد انخفاض شعبية أوباما نظرا لعلاقته المضطربة بدمشق. فمن جهة، قام مسؤولون رفيعو المستوى من أمثال ميتشل، ومساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، جيفري فيلتمان، والسيناتور جون كيري، بزيارات متكررة للعاصمة السورية، في تغير هائل عن المقاطعة الدبلوماسية التي قام بها جورج بوش. ومن جهة أخرى، أعربت بعض الشخصيات الرئيسة في الإدارة مثل فيلتمان، ووزيرة الخارجية هيلاري كلينتون، بصراحة، عن انتقاداتهما لسورية، وكان من أهمها اتهام دمشق بتسليح حزب الله.
وقد ساهمت مخاوف أوباما المحلية في زيادة الأمور تعقيدا. فقد نجح السياسيون الموالون لإسرائيل في الكونغرس في الضغط على الرئيس لتجديد العقوبات الاقتصادية على النظام البعثي في مايو (أيار) 2010. كما أخرت المجموعة نفسها تعيين سفير أوباما الجديد لدمشق، روبرت فورد، في أعقاب مزاعم تل أبيب بأن سورية قد أعطت حزب الله صواريخ سكود.
ولم يتم إنهاء تلك الورطة إلا عقب إجازات عيد الميلاد 2010، عندما وجد البيت الأبيض ثغرة قانونية لتعيين فورد في موقع موقت وهو قرار يستطيع الكونغرس الجمهوري إلغاءه خلال عام.
وفي الوقت الذي تزايد فيه تأرجح العلاقات بين واشنطن وسورية، تمكنت سورية من تعزيز علاقاتها الثنائية بمناطق أخرى. جزئيا كنتاج لما يقارب العقد من الانعزال الذي قاده بوش، ونظرا، من جانب آخر، لأن الرئيس الأسد تمكن في النهاية من وضع لمسته الدبلوماسية، أصبحت سورية في موقف دولي قوي على رغم التردد الأميركي. فقد تمكن الأسد من تعزيز علاقته بالدول العربية الكبرى ومن أهمها المملكة العربية السعودية، بعدما كانت العلاقات قد تباعدت بسبب لبنان في 2005. كما أنه تمكن من تكوين تحالف مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وهو ما أدى إلى تعاون اقتصادي وسياسي وعسكري هائل. ومن جهة أخرى، تجاهل الاتحاد الأوروبي حذر واشنطن، وقدم - بقيادة فرنسا - لسورية اتفاقية الجوار والشراكة الأوروبية التي طال انتظارها. والأهم من ذلك، وبعد عقد من الركود، بدأت الإصلاحات الاقتصادية لنائب رئيس الوزراء السوري عبدالله الدردري تؤتي ثمارها وأظهر الاقتصاد السوري نموا مستمرا زاد عن 4 في المائة خلال السنوات الثلاث الماضية. وبالتالي، نقلت سورية نفسها إلى موقع لم يعد فيه للعلاقات السيئة مع أميركا ذلك التأثير المزعج الذي كانت تمثله من قبل.
وبالطبع، ما زالت العقوبات والمقاطعة الدبلوماسية تمثل مصدرا للإزعاج ترغب سورية في تجنبه، ولكن فعالية واشنطن قد تقلصت نظرا لضعفها الإقليمي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، والنجاح الدبلوماسي والاقتصادي الذي حققته دمشق في الأماكن الأخرى.
وعلى الرغم من أن عام 2011 بدأ بتحسن نسبي للعلاقات الأميركية - السورية أكثر مما كانت عليه خلال عهد بوش، فإنها بالطبع لم تصل للتجدد الشامل الذي كانت دمشق وإدارة أوباما تأملان به. بالإضافة إلى أنه لا يوجد ما يشير إلى أن العلاقات سوف تشهد تحسنا كبيرا خلال العام المقبل. فيبدو أن التوترات بشأن لبنان في تزايد مستمر في ظل النتائج المنتظرة لمحكمة لبنان الخاصة التي تحقق في اغتيال رفيق الحريري في 2005. وعلى الرغم من أنه من المتوقع أن تحاول سورية أن لا تتورط، فإن الجميع يتوقع أن يتسبب قرار إدانة حليفها، حزب الله، في إشعال أزمة سياسية في بيروت. ونظرا لأن قدرا كبيرا من مصالحة دمشق مع المجتمع الدولي كان يعتمد على نفوذها الظاهر في استقرار لبنان، فإنه إذا ما نشبت حرب طائفية في جارتها الغربية، فمن المرجح أن لا تقف سورية موقف المتفرج. وهو ما يمكن أن يثير غضب واشنطن، التي طالما اعترضت على تدخل سورية في لبنان، مرة أخرى.
وبالمثل، فإن مستقبل البرنامج الإيراني النووي وموقف إسرائيل منه ربما يكونان مجالا آخر للاختلاف الأميركي – السوري، فإذا ما فقدت إسرائيل صبرها إزاء جهود التوسط الدولية وهاجمت المنشآت الإيرانية بنفسها، فإن حربا أخرى بين تل أبيب وحزب الله الموالي لإيران سوف تصبح أحد الاحتمالات الكبرى. كما يمكن أن تضرب قوات الدفاع الإسرائيلية جنوب لبنان على نحو استباقي. وعلى الرغم من أن وثيقة حديثة من وثائق «ويكيليكس» تشير إلى أن دمشق مترددة بشأن المشاركة في أي حرب مع إيران ضد إسرائيل، فإن هجمة إسرائيلية على حزب الله ربما تدفع سورية للمشاركة ضد رغبتها. وهناك وثائق أخرى سربتها «ويكيليكس» تشير، بالفعل، إلى أن قوات الدفاع الإسرائيلية لديها خطط لضرب مخازن السلاح السورية في حال قيام حرب مع حزب الله كتحذير ضد أي تسليح مستقبلي من دمشق للميليشيا الشيعية.
وبالتالي فربما تتحدد العلاقات السورية - الأميركية في السنة المقبلة بناء على قدرة واشنطن على التأثير على حلفائها في تل أبيب. فيبدو أن العناصر الموالية لإسرائيل في الكونغرس مترددة في السماح لأوباما بوضع أي سياسة تجاه سورية لا ترتبط بإسرائيل، وفي ظل إصرار الكونغرس الجمهوري على إفساد سياسة البيت الأبيض، من المرجح أن يستمر ذلك التوجه. وبالتالي، سوف يعتمد كثيرا على إصرار أوباما على التغلب على أي خطط إسرائيلية لتجديد الصراع مع حزب الله أو لتغيير خطط السلام على المسار الفلسطيني أو السوري. وعلى الرغم من أن سورية قد وضعت نفسها في موقع جديد حتى تستطيع التكيف من دون العلاقات القوية مع الولايات المتحدة، فإن ذلك لن يحول دون تورطها في نزاع جديد مع إسرائيل إذا ما نشب صراع. ومرة أخرى فإن الأمل في أن يتمكن الرئيس أوباما من دفع الأمور قبل أن تنزلق إلى الهاوية.
كريستوفر فيليبس
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.