ما الجديد في تفجيرات القاعدة الانتحارية؟

ما الجديد في تفجيرات القاعدة الانتحارية؟

[escenic_image id="5515728"]

في الأسبوع قبل الماضي في كابل، قاد انتحاري شاحنة صغيرة مليئة بالمتفجرات إلى قافلة تابعة لحلف الناتو، مما أسفر عن مصرع 5 جنود أميركيين وجندي كندي، بالإضافة إلى 12 مدني. ولتبديد الشكوك حول ما إذا كانت القاعدة أو طالبان هما اللتان نفذتا العملية، أعلنت الأخيرة مسؤوليتها، بل وذكرت في البيان كمية المتفجرات الموجودة داخل الشاحنة: 750 كيلو غرام.

إن اللجوء إلى العمليات الانتحارية في طالبان الأفغانية أمر حديث نسبيًا. وهو ناتج عن تقارب الآراء الأيديولوجية والصلات الشخصية، خاصة على مستوى القيادة، بين طالبان الأفغانية والقاعدة، والذي انعكس على أسلوب العمل الذي تشابه على نحو متزايد بعد أحداث 11/9. وعلى الرغم من أن التفجيرات الانتحارية في أفغانستان في التسعينات كانت نادرة أو غير موجودة على الإطلاق، إلا أن القاعدة استخدمها في أماكن أخرى في أثناء ذلك العقد؛ الهجمات ضد السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا.

وإن كانت التفجيرات الانتحارية الأسوأ سمعة هي تلك التي تنفذها القاعدة، التي تسعى إلى تلك السمعة السيئة، فإنها ليست صفة حصرية على القاعدة والجماعات التابعة لها، وليست أيضا من ابتكار القاعدة. يتذكر مهدي حسن من مجلة نيو ستيتسمان كيف يمكن أن يرجع تاريخ هذا التكتيك إلى نمور التاميل في سريلانكا في الثمانينات، وقبل ذلك إلى طياري الكاميكازي اليابانيين أثناء الحرب العالمية الثانية. وأشهر  الأمثلة الأخرى هي التفجيرات الانتحارية التي نفذت أثناء الحرب الأهلية اللبنانية ضد القوات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية؛ وهي قضية خلاف حول ما إذا كان حزب الله له دخل في تلك الهجمات. وتوجد حالة أخرى في حرب إيران والعراق، والتي اعتبرها الفيلم التيلفزيوني التسجيلي "عقيدة الانتحاري" أصل التفجيرات الانتحارية.

وتعود الأعمال الانتحارية في القتال إلى ما قبل ذلك. في نهاية القرن الثامن عشر، استعانت كاثرين الثانية ملكة روسيا بجون بول جونز، ضابط البحرية الأميركي الذي يعرف باسم "أب البحرية الأميركية"، للمشاركة في حملة بحرية في البحر الأسود ضد الأتراك. وفي مذكراته، كتب جونز عن كيفية إشعال القادة العثمانيين لسفنهم والإبحار بها تجاه السفن الروسية. ومع حمولة السفن الخشبية من البارود، كان ذلك يعني موت محقق للطواقم العثمانية.

إذًا، ما الذي يميز التفجيرات الانتحارية التي نفذتها القاعدة عن جميع الحالات الأخرى؟ لأول وهلة، جميع الأمثلة المذكورة أعلاه، بما فيها تلك الهجمات التي تقوم بها طالبان في أفغانستان، تقع في سياق الحرب، ولكن القاعدة ليست ممثلة عن دولة، لذا من الصعب وضع أنشطتها الإرهابية في إطار حرب. ولكن، تغير وجه الحروب، وبينما انخفض عدد الحروب بين الدول بدرجة كبيرة، أصبحت زيادة عدد وظهور الحروب غير التقليدية داخل الدول أحد أهم سمات العالم فيما بعد الحرب الباردة. وتعتقد قيادة القاعدة بالتأكيد أنها في حرب مع الولايات المتحدة، بالإضافة إلى بعض الحكومات الأخرى في الغرب وفي الشرق الأوسط. والأكثر من ذلك، وُضع رد فعل الولايات المتحدة على هجمات 11/9، على نحو خاطئ، في إطار يدور حول عبارة "الحرب على الإرهاب"، والمقاتلين الأعداء، أي أعضاء القاعدة المشتبه بهم، الذين ألقي القبض عليهم ويعاملون بموجب قوانين الحرب.

يمكن أن يكون الأمر الآخر الذي يميز التفجيرات الانتحارية التي تنفذها القاعدة هو أنها لا تحارب من أجل أرض معينة، في حين أن جميع الأمثلة المذكورة، ومنها حالة طالبان الأفغانية، يدخل فيها بصورة مباشرة أو غير مباشرة الصراع من أجل أرض محددة. ومن جديد، لا يظل هذا الإدعاء قائمًا. يوضح بيان الجبهة الإسلامية العالمية (1998)، الذي قد يكون أكثر بيان رمزي تصدره القاعدة والجماعات التابعة لها حتى الآن، أن الدافع من ضرب الغرب هو الظلم الذي تسبب فيه الوجود العدواني للأجانب في شبه الجزيرة العربية، في العراق، وفي القدس. ويعد هذا الإدعاء أحد أهم أسلحة القاعدة الخطابية.

وعلى الرغم من أن حجم الدمار وأعداد الضحايا من المدنيين في التفجيرات الانتحارية التي نفذتها القاعدة غير مسبوق بالتأكيد، إلا أن الاستهداف غير المميز للمدنيين ليس سمة حصرية على القاعدة والجماعات التابعة لها. فقد قام نمور التاميل بعدد من مثل تلك الهجمات في سريلانكا وجميعها تستهدف المدنيين فقط، وأسفرت عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

في عام 2005، أعلن أيمن الظواهري "(إننا) في معركة، أكثر من نصف تلك المعركة يدور في ميدان وسائل الإعلام... (ونحن) في المعركة الإعلامية من أجل قلوب وعقول أمتنا." ووفقا لما ذكره فيصل ديفجي، مؤلف كتاب "صور الجهاد"، "تحقق (الشهادة المعاصرة) معناها فقط إذا شهدت عليها وسائل الإعلام". ويبدو أن معظم الخبراء في هذا الأمر يتفقون على أن الطبيعة الفريدة للقاعدة تكمن في معركة الأفكار المعلنة التي يشارك فيها التنظيم وتفجيراته الانتحارية.

وكما كتب بيتر بيرغين من مؤسسة أميركا الجديدة في نيويورك تايمز، فإن القاعدة في الوقت الحالي "تعيش كتنظيم افتراضي ولكنه واقعي، حيث تصدر شرائط فيديو وشرائط سمعية بينما يتواصل أعضاؤها مع بعضهم البعض عبر مقاهي الإنترنت التي لا يمكن تتبعها. إنها حقًا أحدث نسخة من القاعدة." قد تكون التفجيرات الانتحارية التي نفذتها القاعدة تدميرية أو بربرية، ولكنها نتاج عصرنا.

font change