الاتجاه نحو الحرب وليس السلام في أفغانستان

الاتجاه نحو الحرب وليس السلام في أفغانستان

[escenic_image id="5594931"]

في الأسبوع الماضي، عقدت أفغانستان أول مؤتمر كبير للسلام بها. ولكنه لم يبدأ بصورة جيدة. فقد أطلق مسلحو طالبان صاروخين على مقر المؤتمر في كابل حيث كان الرئيس حامد كرزاي يلقي خطابه، وفجر انتحاري من طالبان نفسه بالقرب من المكان. وقتلت قوات الأمن الأفغانية انتحاريين آخرين؛ وأصيب أحد حراس كرزاي بجروح خطيرة في الهجوم. وأجبر هذا الانتهاك الأمني اثنين من مسؤولي الحكومة الأفغانية على التخلي عن منصبيهما: ففي أعقاب الهجوم، قبل كرزاي استقالة وزير الداخلية (وليس من قبيل المصادفة أنه أحد خصومه السياسيين) ومدير الأمن القومي. وفي النهاية، انتهى المؤتمر الذي استمر لمدة 3 أيام بإصدار حوالي 200 توصية من أجل وضع أفغانستان على الطريق نحو السلام.

ولكن لا ينبغي وضع آمالا عالية، فالدولة في حالة شبه مستمرة من الحرب منذ ثلاثة عقود، وتدفقت الأموال على مدار قدر مماثل من الأعوام. ومن المحزن أنه بعد انتهاء مؤتمر السلام، تأكدت مشاعر القلق حيال مستقبل أفغانستان. وعلى الرغم من أهداف المؤتمر النبيلة، إلا أن المنتقدين يرونه كوسيلة لكي تحصل حكومة كرزاي على مزيد من أموال المساعدات من المجتمع الدولي. ووصف عبد الله عبد الله، المرشح الرئاسي السابق والإصلاحي، الأمر كله بـ"ممارسة العلاقات العامة". وانتهى المؤتمر بالكشف أن تحقيق السلام الدائم أمرًا مستحيلًا، على الأقل في الوقت الراهن. وعلى كل حال فاللاعبون الرئيسيون لا يريدونه حقًا، وتتجه جميع المؤشرات إلى مزيد من الحرب.

وتبدو مطالب كرزاي بالسلام على وجه التحديد مشكوكًا فيها، فقد اتفق غالبية المشاركين في المؤتمر على أنه طالما استمر وجود القوات الأجنبية في أفغانستان، سيظل السلام صعب التحقيق. ولكن يعتمد كرزاي على قوات حلف الناتو من أجل بقائه وأمواله، فهو يريدهم هناك، على الرغم من انتقاداته الدائمة لهم بسبب قتل المدنيين، وهو ما يحقق له نقاط سياسية في الداخل. وكانت إحدى التوصيات البالغ عددها 200 والتي صدرت عن المؤتمر وضع  جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان، وهو ما بدا أن كرزاي سيصادق عليه. ولكن حقيقة الأمر أن كرزاي لا يريد بالفعل جدولًا زمنيًا. وقد أثارت محاولة إدارة أوباما لأن تضع موعدًا نهائيًا للتدخل الأميركي ذعر حكومة كرزاي، حيث صرح أوباما أنه سيبدأ في سحب القوات القتالية في يوليو/تموز عام 2011، ولكنه تراجع عنه لاحقًا ـ

وفي الشهر الماضي، ذهب كرزاي إلى واشنطن للتأكد من أن أوباما لم يكن جادًا بالفعل بشأن المغادرة في 2011، بل وتأكد كرزاي علنًا من أن القوات ستظل هناك إلى ما بعد عام 2011. وعلى الرغم من أن كرزاي سيود رؤية أعدائه يتخلون عن أسلحتهم، إلا أن مسؤولين أميركيين صرحوا سرًا بأنه لن يمنحهم أية سلطة سياسية حقيقية يمكن أن تهدد سلطته.

وبالنسبة لأمريكا، لا يبدو أن للسلام أولوية أيضًا، فقد ضمنت إستراتيجية أوباما عن طريق مع مضاعفة القوات الغربية في أفغانستان إلى حوالي 150,000 جندي ، عامين أو ثلاثة آخرين على الأقل من القتال الدموي في المستقبل. وعلى الرغم من أنها مقولة مفضلة لدى المسئولين الأمريكيين والأفغان أنه لا يوجد "حل عسكري" لأفغانستان، فقط "حل سياسي"، إلا أن شريحة كبيرة من الموارد الأمريكية تنفق على صناعة الحرب في أفغانستان. وقد ضاعفت وزارة الخارجية الأمريكية أعداد المدنيين العاملين لديها في أفغانستان إلى ثلاثة أضعاف، ويقدر عددهم بـ1.000 شخص، وهو رقم ضئيل للغاية مقارنة بأعداد قوات الجيش الأميركي والمقاولين المستقلين. وستنفق الولايات المتحدة حوالي 120 مليار دولار في أفغانستان في العام المقبل، وجزء صغير من هذا المبلغ فقط هو الذي سيوجه للمساعي الدبلوماسية والمساعدات.

وبالإضافة إلى ذلك، في الوقت الذي يوجد فيه قائد عسكري واحد للقوات الأمريكية وقوات الناتو – مما يسهل عملية القيادة، معطيًا لصوته مصداقية - يوجد على الأقل خمسة قيادات دبلوماسية أمريكية وبريطانية، وأحيانًا تظهر علامات الخلاف بينهم أثناء محاولة تبين من المسؤول عن القيادة. وقلل ذلك من مصداقية ذلك كل صوت دبلوماسي منهم. وكتب خبير مكافحة الإرهاب أندرو أكسوم أن الجهود الدبلوماسية تسير على أساس "مخصص"، وكتب في صحيفة صدرت الشهر الماضي: "السياسة هي البقعة المظلمة في إستراتيجية مكافحة الإرهاب الأميركية في أفغانستان." وإن كنا لا نرى في السياسة، فنحن أيضا لا نرى السلام.

وها هم الذين يقاتلهم الأميركيون والحكومة الأفغانية: حركة طالبان، وهي في الواقع مجموعة من المقاتلين والعناصر المسلحة التي نشأت في الداخل، على اتصال عرضي بشبكات إرهابية دولية عبر الحدود في باكستان. وتبدو رغبة طالبان في السلام ضعيفة على أفضل تقدير، خاصة منذ أن أعلنت جميع الفصائل تقريبًا أنه لن يكون هناك سلام حتى تغادر أمريكا. وجعل الكثيرون من القتال تجارة لهم؛ ويفخر مقاتلون شباب آخرون بدورهم كمجاهدين، ولا يرون أية حوافز حقيقية للتخلي عن أسلحتهم. وحتى لو أرادت طالبان التوقف عن القتال، كان الاستقبال الذي وجدوه قبل ذلك من كابل عدائيًا للغاية. وفي عام 2007، طردت حكومة كرزاي دبلوماسيين غربيين لمجرد حديثهم مع طالبان.

وكانت إحدى التوصيات الصادرة عن مؤتمر السلام برفع اسم زعيم طالبان الملا عمر من على القائمة السوداء لدى الولايات المتحدة والأمم المتحدة ـ وهو الشيء الذي لن يفعله الأميركيون مطلقًا. وعلى صعيد آخر ليس من المرجح أن يوافق الملا عمر تبني الدستور الأفغاني، واتباع وجهة نظر غربية في حقوق الإنسان، ونبذ العنف.

وبهذه الوتيرة، تتجه أفغانستان نحو حرب أخرى، وليس السلام.

 

مايكل هاستينغز – مساهم منتظم بمجلة جي كيو، وعاد مؤخرًا من رحلة في أفغانستان.

font change