ما الذي كان يفعله لولا في إيران؟

ما الذي كان يفعله لولا في إيران؟

[escenic_image id="5530670"]

كان كلايتون لياو تشافيس رئيس شرطة بلدة برازيلية صغيرة في ولاية باهيا يجري حوارًا مع محطة إذاعة محلية عبر هاتفه الجوال. وكان موضوع الحوار هو مكافحة الشرطة لتجار المخدرات. وفجأة صرخ تشافيس: "انتظر، انتظر"، وحل محل صوته صوت طلقات نيران، تبعه صوت صراخ سيدة. واتضح أنه أثناء إجراء الحوار كان تشافيس يقود سيارته ومعه زوجته، وحاول ثلاثة رجال سرقة السيارة، وعندما أدركوا أنه شرطي أطلقوا النيران عليه وفروا هاربين. وأصيب تشافيس بطلقتين في رأسه وتوفي عندما وصل إلى المستشفى. قد يبدو هذا حادثاً مروعًا للكثيرين، إلا أنه حدث يومي في البرازيل.

وفي الوقت ذاته، في البرازيل، تتعلق الأمور بالمشروعات كالمعتاد. يتمتع رئيسها، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، من حزب العمال، بشعبية هائلة داخليًا في حين يستعد للتنحي بعد قضاء فترتين رئاسيتين. وبالتأكيد ساهمت نسبة النمو الاقتصادي السنوي التي بلغ متوسطها 3.6 في المائة أثناء فترتي رئاسة لولا في ارتفاع معدلات شعبيته. وكذلك صورته في الخارج أيضاً جيدة. وقد اختارت مجلة التايم لولا ليكون أكثر قادة العالم تأثيرًا في عام 2010، ورشحته شائعات أطلقت مؤخرًا ليكون الخليفة المحتمل لبان كي مون في منصب الأمين العام للأمم المتحدة.

منذ أسبوعين، سافر لولا إلى إيران لمقابلة الرئيس أحمدي نجاد، مما ألقى بظلاله على قمة مجموعة الدول الـ15 المنعقدة في طهران. كان لولا - مستندًا إلى ارتفاع نسبة شعبيته  - يهدف إلى انتزاع فوزًا دبلوماسيًا يثبت وجود البرازيل على الساحة الدولية من خلال الوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني. ومن المتوقع أن يسير الأمر على النحو التالي: تقوم إيران بشحن يورانيوم منخفض التخصيب إلى تركيا، وتحصل في المقابل على كمية أقل من اليورانيوم عال التخصيب لتغذية مفاعل الأبحاث لأغراض طبية. وكما أشار ستيفن والت في مدونته التي تحمل اسم Foreign Policy (السياسة الخارجية)، "لقد شاهدنا مثل ذلك الفيلم من قبل أو على الأقل شاهدنا شيئًا ما يشبهه، ويبقى أن نرى ما إذا كان هناك يورانيوم سيتم تبادله." وعلى الأرجح، ما يجري هو قصة أخرى من الإستراتيجية الدبلوماسية الإيرانية: أن تزيد الآمال من أجل حدوث تقدم يخفف من حدة الضغوط ثم العودة إلى التصعيد عندما يخف الضغط، كل ذلك من أجل كسب الوقت.

وبغض النظر عما سيكشف عنه الملف النووي برمته، يتعجب المرء من دوافع الرئيس الأميركي الجنوبي الذي يحاول أن يزاحم قوى عظمى مثل الولايات المتحدة أو روسيا بالتدخل في قضية شديدة الحساسية في منطقة بعيدة. ووفقاً لمعدلات شعبيته الداخلية، يبدو لولا وكأنه زعيم فوق النقد. ولكن إذا سُئل معظم المحللين السياسيين المستقلين العالمين بحقائق السياسة والمجتمع البرازيلي عن أفضل كلمة تصف لولا، على الأرجح أنهم لن يختاروا "ذي شعبية" بل "شعوبي". ومن خلال الحكم على الأولوية التي وضعتها حكومة لولا لقضية لم يكن أحد يتخيل منذ عامين أن تكون في جدول أعمال البرازيل، ربما يفترض المرء أن الوضع الاجتماعي والسياسي في البرازيل مشرق لدرجة أن لولا أنجز أعماله هناك. ولكن الأمر ليس كذلك.

كان من المقرر أن يصبح اقتصاد البرازيل من أكبر خمسة أنظمة اقتصادية في العالم. وكما أشارت مجلة الإيكونومست، فإن كثيرًا من الفضل في نجاح البرازيل يجب أن ينسب خصيصًا إلى فترة الرئيس السابق فرناندو انريك كاردوسو (1995- 2003) "التي خلفت بيئة اقتصادية كلية مستقرة وقابلة للتوقع يمكن أن تزدهر فيها المشروعات." وإلى جانب ذلك، يجب إضافة الاكتفاء الذاتي في مجال البترول، مع وجود "أكبر موارد المياه العذبة في العالم، وأكبر غابة استوائية، وأرض خصبة للغاية لدرجة أنه في بعض المناطق يحقق المزارعون ثلاثة مواسم للحصاد في العام الواحد، وثروة هائلة من المعادن والهيدروكربون." ولكن، مثل الهند أو الصين، لا تعكس أرقام النمو الاقتصادي الحقيقة الكاملة للواقع الاجتماعي.

وفيما يلي بعض الأرقام المتعلقة بالواقع الاجتماعي في البرازيل. تعيش نسبة تزيد على 25 في المائة من السكان – يبلغ تعدادها 50 مليون نسمة - تحت خط الفقر. ويعاني 42 في المائة من الشعب البرازيلي – ونحن نتحدث هنا عن حوالي 80 مليون نسمة - من الأمية، ويستطيع 30 في المائة من السكان قراءة نص ولكن لا يمكنهم تفسيره. ولا تصل نسبة 33 في المائة من السكان الذين تقع أعمارهم ما بين 18 و24 عام إلى المدارس الثانوية.

ووفقًا لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، قتل ما يزيد عن 500,000 شخص بأسلحة نارية في البرازيل ما بين عامي 1979 و2003. وتوصلت الدراسة إلى أن عدد جرائم القتل المرتبطة بالأسلحة النارية في البرازيل يزيد عن العديد من مناطق الحروب الأخرى في جميع أنحاء العالم. ومنذ عام 2003، استمرت معدلات القتل والجرائم في أكبر المدن البرازيلية في الارتفاع، وانتشرت لتصل إلى المناطق الريفية. ومنذ عدة أشهر، في ريو دي جانيرو – التي ستستضيف بطولة كأس العالم لكرة القدم عام 2014 - أسقطت إحدى عصابات المخدرات مروحية للشرطة. وتسود ثقافة الإفلات من العقاب ولا يحل لغز أغلبية الجرائم. ويخشى السكان من الشرطة الفاسدة عمومًا التي يحصل أفرادها على رواتب متدنية والتي تقتل بدون تمييز، كما يخافون من عصابات المخدرات والجريمة المنظمة، التي تسيطر على مناطق كبيرة في المدن الرئيسية في البرازيل.

ومع وجود تلك التحديات الصعبة التي تشبه الأوضاع في العالم الثالث، ليس من الواضح ما إذا كان رئيس البرازيل (وهو رئيس السلطة التنفيذية، حيث أن البرازيل لديها نظام جمهوري فيدرالي رئاسي لا يوجد فيه منصب رئيس وزراء) يضع الملف النووي الإيراني كأولوية وطنية. ويمكن للعلاقات الجيدة مع إيران أن توفر بعض الفرص في مجال التجارة والاستثمار أمام البرازيل. ولكن يوجد الكثير من الأشياء المشتركة بين الرجل الذي ألقى باللوم في الأزمة المالية على "أشخاص ذوي بشرة بيضاء وعيون زرقاء" وأحمدي نجاد. وعلى الرغم من أنه انتُخب بطريقة عادلة وسوية، وهو ما لم يحدث مع نظيره الإيراني، إلا أن لولا أيضا شعوبي لديه شعور قوي للغاية بالذات. ومثل أصدقاء أحمدي نجاد من رجال الحرس الثوري الإيراني، يجمع لولا حوله شخصيات فاسدة للغاية (حيث يواجه حوالي نصف أعضاء المؤسسة السياسية المحيطة بلولا اتهامات خطيرة بالفساد داخليًا). وفوق كل ذلك، يتبنى كلا الزعيمين تصورًا غير ملائم لما يجب أن تكون عليه المصالح الرئيسية لبلديهما.

وفي المرة المقبلة التي يجتمع فيها لولا وأحمدي نجاد لن تكون مفاجأة إذا انضم إليهما شافيز لتناول الشاي، الرئيس الفنزويلي، وليس تشافيس الشرطي البرازيلي المسكين الذي قتل.

font change