بركان ايجافجالاجاكول

بركان ايجافجالاجاكول

[escenic_image id="5560915"]

لقد كان الأسبوع الثالث من شهر نيسان/أبريل صعبًا على اللندنيين فقد كانت أسواق الطعام خالية من الأناناس. وحتى أفضل مطاعم السوشي توقفت عن تقديم وجبات قنفذ البحر وسمك الراهب والسكالوب. وفي الجانب الآخر من العالم اقتصدت هونج كونج في استهلاك مخزون الشوكولاته البلجيكية والويسكي وجبنة الماعز chèvre.

شعر الأفراد الذين لم يكونوا ضمن السبع ملايين شخصًا الذين علقوا في المطارات جرّاء أكبر تعطل للسفر الجوي على مدار التاريخ بتأثير بركان آيسلندا وسوف يستمر ذلك التأثير لفترة طويلة.

وكان التأثير الاقتصادي للبركان سببًا للقلق في قطاع السياحة لعدة أيام وحتى الآن، حيث قدرت الخسائر بسبعة مليارات جنيه استرليني بقطاع الطيران وحده، حسب تقدير اتحاد النقل الجوي. فلقد خسرت الولايات المتحدة حوالي 650 مليون دولار بينما كان الأثر طويل الأمد على الاقتصاد الأوروبي أقل حدة. ومن المرجح أن تخسر الاقتصادات الأوروبية حوالي 2-3 بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي إذا حدث تعطل آخر في حركة الطيران.

ويصل تأثير بركان أيسلندا إلى ما هو أبعد من صناعة السياحة كما تجلى في مأساة حصول لندن المحدود على الأزهار الغريبة وغيرها من السلع القابلة التالف. لقد أثر انخفاض حركة الرحلات على بائعي الورود ومتعهدي الحفلات، وبالتالي على سوق الترفيه. حتى حفلات الزواج تم تأجيلها لأنه نظرًا لحالة الفزع التي أصابت العرائس، لم تصل الورود ولم يتمكن الضيوف من الحضور.

وبعيدًا عن السخرية، بالرغم من أن هذه النوادر قد تبدو أول المشاكل العالمية٬ إلا أن تأثير سحابة الدخان يمتد لأبعد من عملية إستيراد السلع الفاخرة الخاصة بالنخب الاقتصادية.

فبينما وجدت الدول الأوروبية نفسها دون قرنفل، تكدست البضائع القابلة للتلف في مستودعات مصدريها٬ من ضمنهم الكثير من الدول النامية. وبحسب التايم، يتم نقل 10.000 طن بضائع بين آسيا وأوروبا يوميًا. وبتطبيق هذه الأرقام على المستوى العالمي يبدو جليًا أن إغلاق المجال الجوي قد أثر بشكل جدي على خطوط الإمداد العالمية.


خسر المنتجون المحليون للبضائع القابلة للتلف القادمة من كولومبيا والاكوادور وإسرائيل وكينيا كثيرًا لأن المشترين غير ملزومين بالدفع مقابل بضائع تالفة قبل شحنها. خسارة العوائد بهذه الدول سوف تؤثر على حياة أرباب الاعمال وموظفيهم. وبمعزل عن ايقاف العمال بشكل مؤقت خلال تلك الفترة٬ قد يعجز العديد من منتجي البضائع القابلة للتلف عن تجاوز الخسائر الاقتصادية التي عانوا منها حيث لا تزال الظروف الاقتصادية في مرحلة الانتعاش بعد الأزمة الاقتصادية العالمية.

جزيرة الجبل الجليدي أو التي تسمى ايجافاجالاجوكوول هي واحدة من أضخم البراكين في أيسلندا. وقد مضى على هذا الجبل الجليدي تحديدًا ما يقارب المائتي عام وهو في حالة سبات إلى أن بدأ نشاطه الزلزالي من جديد في أواخر شهر آذار الماضي .وفي الرابع عشر من نيسان الماضي تسبب الانفجار الذي حدث في إطلاق الرماد على ارتفاعات عالية مما سبب إرباكاً في حركة النقل الجوي. وكإجراء وقائي وحفاظًا على الأمن والسلامة العامة تم إيقاف حركة الطيران في شمال ووسط أوروبا لمدة أسبوع . وكان ذلك بمثابة اختبار لدرجة مرونة صناعة النقل الجوي وقدرة المسافرين الذين تقطعت بهم السبل على تحمل الصبر.

وقد تبين أن لديهم المرونة الكافية . فبعد أن اتضح بشكل متزايد أن فترة إغلاق المطارات ستتجاوز عطلة نهاية الأسبوع، بدأت الشركات بما فيها شركات الأدوية وكبريات المحلات التجارية بنقل البضائع المعرضة للتلف من أفريفيا إلى أسبانيا ومن ثم نقلها برًا إلى الأماكن التي تأثرت بحالات الإغلاق.

وأوضحت صحيفة الفايننشال تايمز أن وفقًا لما ذكره الاقتصادي الأوروبي الكبير بغولدمان ساكس٬ ايريك نيلسون٬ أن هذا الانقطاع المؤقت في عمليات الشحن الجوي "قد تم تعويضه بشكل جزئي من خلال الاستخدام المتزايد للطرق البرية والسكك الحديدية والنقل البحري". وبحسب تقديرات نيلسون،" فإن النقل الجوي يشكل فقط 0.2 بالمائة من مجمل القيمة المضافة في الدول الستة عشر لمنطقة اليورو و 0.4 بالمائة في المملكة المتحدة" . 

وفي الوقت الذي كان فيه هذا الموضوع في طريقه إلى الطباعة في المجلة ، يبدو أن المرحلة الأسوأ قد ولّت الآن بعد أن تم فتح المطارات. وعلى كل حال ، نوه العديد من العلماء إلى أن ما حدث في الأيام الأخيرة  كان من الممكن أن يكون أسوأ لو أن بركان ايجافاجالاجوكوول تبعه ثوران بركان كاتلا وهو البركان الأضخم والاكثر خطورة . والأسوأ من ذلك أن من عادة بركان كاتلا أن يثور في حال اندلاع البراكين المجاورة له. وهذا ما تم في ثلاثة حوادث سابقة خلال الألف ومائة عام الماضية و تحديدًا في الأعوام 920 و 1612 و1821.

وبالرغم من أن تكرار هذه الواقعة ثلاث مرات على مدار1000 عام يجعل الأمر يبدو وكأن الإحصائيات في صالحنا ، إلا أن الكثيرين يرون أن هذه الأرقام اكثر إزعاجًا خاصة بعد أن علموا بتصريحات الرئيس الأيسلندي أولافور راجنار جريمسون لمحطة بي .بي. سي بأن بلاده كانت تتوقع ثوران بركان كاتلا . وبالرغم من أن أيسلندا قد اتخذت بالاستعدادات اللازمة تحسبًا لحدوث مثل هذا الأمر إلا أنه يتعين علي بقية العالم الاستعداد أيضًا لاندلاع بركان كاتلا لأنه سيكون أكثر قوة وسينجم عنه غمام ورماد بركاني أكثر كثافة والذي ربما يدمر المحاصيل الزراعية والمواشي ناهيك عن أضراره البالغة على حركة النقل.

وإذا كان هناك أي جانب إيجابي  لهذه الكارثة الطبيعية فهو أنها قد ذكرتنا بمدى ترابط مختلف أنحاء العالم . وربما الأهم من ذلك أنها بينت لنا أن الطبيعة بأفضل أو أسوأ أحوالها تبقى هي المسيطرة.  من جهة أخرى ، إذا كنا نعيش في زمن اعتاد الناس فيه أن يفكروا أن ما يقف بين نيويورك ولندن،  لا يتعدى قيمة تذكرة ضئيلة جدًا، فإن بركان ايجافاجالاجوكوول قد ذكرنا بأن لا نسلم باستمرار هذا الوضع المريح للأبد.   

وقد تعلم ذات الدرس المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والجنرال ستانلي ماكريستال قائد القوات الأمريكية وقوات حلف الناتو. فتكون السلطة عديمة الفائدة  عندما يتعلق الأمر بإجبار الطبيعة على فعل شئ ما. إذ أن المستشارة الألمانية اضطرت إلى القيام برحلة إلى ولاية داكوتا الشمالية ومن ثم إلى البرتغال وإلى إيطاليا  قبل أن تصل بالسيارة إلى ألمانيا. بينما اضطر الجنرال ستانلي - وهو بالتأكيد معتاد على السفر جوًا - لركوب الحافلة لمدة 20 ساعة ليصل من باريس إلى برلين.   

ولذا، يعد ثوران بركان ايجافاجالاجوكوول هو الحدث الذي وضع العالم أجمع على قدم المساواة٬ إذ بّين للجميع أن النقود لا تستطيع منحك السعادة كما أنها لا تقوى كذلك على مجابهة قوى الطبيعة .

font change