محاكمة مجرمي الحرب تقوض مباحثات السلام في أفغانستان

محاكمة مجرمي الحرب تقوض مباحثات السلام في أفغانستان

[escenic_image id="5530670"]

 إذا تدخلت المحكمة الجنائية الدولية ـــ التي تعد أفغانستان من الدول الموقعة على معاهدة تأسيسها ـــ وقام لويس مورينو-أوكامبو، مدعي عام المحكمة، بفتح تحقيق رسمي في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبت في أفغانستان.

لقد كانت محاكمة زعماء طالبان حتى الآن من الأمور المستبعدة، إلى أن كتب "كانداس روندو" و"نيك جرونو" اللذان ينتسبان للمجموعة الدولية لمواجهة الأزمات، مقالًا في صحيفة هيرالد تريبيون الدولية تحت عنوان "محاكمة مجرمي حرب طالبان" ليوضحا أنه مع قيام باكستان بإلقاء القبض على الملا برادار، وهو الرجل الثاني في حركة طالبان (إضافة إلى زعماء آخرين في طالبان)، يجب أن يقوم مدعي عام المحكمة بـ "فتح تحقيق رسمي، ويسعى من أجل إصدار مذكرة توقيف ضد برادار ويطلب من باكستان تسليمه للاهاي إذا كان يعتقد أن لديه من الأدلة ما يبرر ذلك.

لقد أعربت جماعات المجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان والكثير من مواطني أفغانستان (خاصة الذين لا يعدون من البشتون) عن القلق الشديد تجاه الحصانة التي تتمتع بها طالبان الأفغانية والتي يتمتع بها زعماء الحرب، إلا أن هناك مشكلات مهمة تتعلق بالتدخل المفترض للمحكمة الجنائية الدولية في شئون أفغانستان، وهي المشكلات التي تبدأ بطبيعة صدى كلمة "دولي" في أفغانستان، فليست حركة طالبان وحدها هي التي ترفض الوجود الأجنبي في أفغانستان، فالأفغان العاديون يكرهون التدخل الأجنبي من أي نوع، مع استثناء نادر يتمثل في المساعدات المالية.

يروي الممثل السابق للأمم المتحدة بأفغانستان (والعراق) الأخضر الإبراهيمي قصة في مناسبة عامة عُقدت أخيرًا حول أفغانستان. وتقول القصة إن رجلًا عسكريًا بريطانيًا طلب من السكان المحليين في إحدى قرى ولاية هلمند أن يتمنوا ثلاث أمنيات، وكانت الإجابة "نحن نعلم جيدًا ما هي تلك الأماني، أولا، نود أن ترحل طالبان بعيدًا، وثانيًا، أن ترحل أنت بعيدًا، وثالثًا، ألا يعود أي من القوات الأجنبية مرة أخري. "

وبالرغم من أن الكثيرين في أفغانستان لا يرغبون في وجود طالبان فإن حركة طالبان أفغانية تضم مواطنين أفغان، وسوف يتضمنها أي حل سياسي للصراع، و قد أصبحت حركة طالبان الآن تحت ضغط شديد من الهجوم الأمريكي الأخير على معاقلها في المرجة وقريبًا في قندهار، وقد بدأت المفاوضات ومن المرجح أن تسنح فرصة ثمينة للتوصل إلى اتفاق سياسي  .

وفي حوار أُجري أخيرًا مع "المجلة"، أوضح أحمد رشيد، الكاتب الباكستاني الشهير، أن طالبان الأفغانية باتت متعبة من الحرب وعانت من خسائر فادحة، حيث إنهم يدركون أن العودة إلى السلطة ستؤدي بهم إلى العزلة مرة أخرى عن المجتمع الدولي، و لذا باتوا مقتنعين بأنه من الأفضل التوصل إلى اتفاق مع كابول.

وعلاوة على ذلك ، يعتقد رشيد أن طالبان الأفغانية تدرك الآن أن جلب الأجانب إلى أفغانستان يعد خطأً إستراتيجيًا، وهذا ينطبق على وجهات نظرهم حول القاعدة.

وكما أوضح روندو وجرونو في مقالتهما، "قوانين العفو العام لا تسري على الملاحقات القضائية الخاصة بالمحكمة الجنائية الدولية". وإذا كان هذا صحيحًا، فما الدافع الذي يجعل زعماء طالبان يتفاوضون إذا كانوا يخشون من ملاحقتهم ومقاضاتهم بغض النظر عن اتفاقهم مع الحكومة في كابول؟ ويمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تقوض أساس عملية المصالحة التي تضع نهاية للصراع.

ومن نافلة القول إن هذه قضية معقدة، لنتأمل معًا قضية أوغندا، في عام 2006، دخل جيش الرب للمقاومة في مفاوضات مع الحكومة الأوغندية بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق خمسة من الزعماء البارزين لجيش الرب للمقاومة، وبدلًا من القبض عليهم وتسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية، عرضت الحكومة الأوغندية عفوًا عامًا لجميع أفراد جيش الرب للمقاومة كجزء من اتفاق السلام. وقد تم منح هذا العفو بناءً على قانون محلي يطلب من المتورطين الاعتراف بجرائمهم وطلب العفو، ولم ينجح هذا الاتفاق، واليوم تعتبر الحرب بين الحكومة الأوغندية وجيش الرب للمقاومة من أطول صراعات إفريقيا أمدًا.

العدالة من المثل النبيلة، وكذلك السلام والنظام، وفي حالة أفغانستان، ربما يكون أمرًا سيئًا فكرة إيثار العدالة الدولية الدخيلة على الحلول محلية الصنع، حتى وإن كانت هذه الحلول في صورة عدالة تصالحية من خلال المحاكم الأفغانية وعفو يتم منحه لمجرمي الحرب. هل يمكن أن يكون هناك سلام دائم دون عدالة شاملة؟ في أفغانستان وبعد ثلاثة عقود من الصراع، على الأرجح أن الإجابة عن هذا السؤال تكون بـ "نعم"، وحري بنا أن ننتظر ونرى ما يحدث.    

font change