مشاري الذايدي للمجلة: أسباب القلق السعودي

مشاري الذايدي للمجلة: أسباب القلق السعودي

[escenic_image id="5533352"]

والمصدر الآخر للقلق السعودي، وهو لا يقل خطورة عن القلق الإيراني، هو طبيعة الدور الأمريكي  في المنطقة، ومستقبل  عملية السلام مع فلسطين، التي هي مفتاح أساسي، ولا أقول وحيد، لتثبيت  الاستقرار في المنطقة، نحن لا نعلم أي مصير ينتظر القضية الفلسطينية وماذا ستفعل الإدارة  الأمريكية غير ما فعلت الإدارات التي قبلها، وإلى متى يمكن تحمل حالة التفتت والفوضى وتفريخ جماعات العنف والتخريب وتأجيل التنمية  بسبب عدم وجود رغبة جادة في السلام من قِبل إسرائيل؟ وهل مطلوب من السعودية ودول العالم العربي أن تضع كفًا على خد الانتظار حتى يقرر الإسرائيليون ذات يوم أنهم مستعدون للسلام ؟ وأين دور أمريكا في ذلك كله؟

المميز في السياسة السعودية كلها فكرة رئيسية ناظمة لها، وهي أنها مع الاستقرار والسلم وضد فكرة الثورية والانقلابات التي لم تجر إلّا الحروب وتصعيد نزعات الثأر.

هناك محاولات إيرانية لسحب البساط من الدور السعودي والمصري تجاه قضايا المنطقة . فهل يمكن أن تنجح تلك المحاولات ؟

إيران تسعى لذلك من قديم، ولو لاحظت في باكستان مثلا ستجد تجليات لهذه المنازلة الكبرى بين الدولتين من خلال جماعات معينة، كذلك الأمر في باكستان، وهذا شيء يعكس حجم وتأثير دولتين عظيمتين مثل السعودية وإيران، ففي لبنان، لا يخفى على أحد أن إيران الخمينية استثمرت فيه كثيرًا، من خلال تثوير شيعته، خصوصًا أن اليقظة الشيعية السياسية والوعي بالذات الشيعية قد سبقا قيام ثورة الخميني 1979، من خلال حركة رجل الدين الإيراني- اللبناني موسى الصدر، وبعد مخاضات معينة من خلال حركة أمل ثم أمل الإسلامية تبلور الوضع النهائي عن صيغة حزب اللـه بشكل إيراني خالص ومرتبط عضويًا بفكر الثورة الإيرانية وسلاحها ومالها وسياستها، هذا الاستثمار في لبنان كان ناجحًا بالنسبة لإيران، بدليل أنها  كادت أن تزيح في  فترة معينة، الإرث السعودي في لبنان والعلاقات التاريخية، لكن عادت الأمور إلى شيء من التوازن، بعد سفور الهوية الإيرانية لحزب اللـه لكن بشكل عام لا يمكن  لأي متابع للأحداث أن ينكر أن  الأمور أصبحت، بشكل كبير، في صالح إيران داخل لبنان، لكن إيران خسرت في مناطق ومسارح أخرى أمام السعودية، مثلًا فشلت في اختراق اليمن عن طريق الحوثيين وغيرهم، رغم أنها تستثمر في الحركة الحوثية منذ سنين، وأنفقت عليها ماديًا وإعلاميًا وسياسيًا، وسلحت الحركة ودربتها، وخططت لها، ولما قامت الحرب الأخيرة ودخل الحوثيون في مواجهة مع السعودية، وقفت الآلة الإعلامية الإيرانية مع الحوثيين، ووقفت القيادة السياسية أيضًا مع الحوثيين، وصار الحديث المفضل لرئيس البرلمان، علي لاريجاني، هو الهجوم على السعودية بسبب حزْم السعودية في كسر شوكة الحركة الحوثية دون هوادة، وهو أمر ربما فاجأ المخطط الإيراني الذي كان يراهن على الهدوء السعودي المعتاد. ولذلك خسرت إيران معركتها ووجودها في اليمن الذي كانت تريده نسخة يمنية ، مع بعض التعديلات، من واقع حزب اللـه في لبنان.

وفي العراق، ورغم حجم التدخل الإيراني الكبير، ورغم كثرة الأحزاب الشيعية المرتبطة بإيران، ورغم الحدود الطويلة مع العراق، ورغم التاريخ القديم للإيرانيين في العراق و" العتبات المقدسة" فإن إيران "تعاني" في العراق، وهناك ضربات كثيرة تلقتها سواء من الطبقة السياسية الوطنية في العراق أو من الأمريكيين، وأصبحت الهوية الطائفية الخمينية للأحزاب الشيعية الأصولية في العراق سافرة، وما جرى أخيرًا من قبل هيئة المساءلة والعدالة التابعة لهذه الأحزاب في استئصال القوى السياسية العراقية المضادة لها، ليس إلا دليلًا على مدى التخبط وضعف التخطيط والنزق الذي صار يحكم الدائرة الإيرانية في العراق. باختصار، إنني ورغم إعجابي بسرعة الهجوم الإيراني على المناطق الخالية في الشرق الأوسط بعد فترة فقدان التوازن التي مرت بها المنطقة عقب 11 سبتمبر/أيلول، وقبل ذلك بعد الحصار الطويل للعراق، وتنوع هذا الهجوم ، فإنني أعتقد أن المخطط الإيراني ارتكب أخطاء فادحة وبدأت بعض أحجار معبده بالتساقط، الكامل أو الجزئي كما في اليمن أو العراق.

الخطر الإيراني ليس قدرًا لا مفر منه، إنه صراع مصالح وسياسات، وإذا وجدت إيران سياسة جادة ومضادة لها ستفشل في تحقيق مآربها، أو على الأقل ستجد صعوبة في تحقيق"كل" مآربها. وهذا ما تحققه السياسة السعودية التي أصبحت الآن بمثابة حائط الصد أمام تحقيق إيران لأجندتها وأطماعها في منطقة الخليج والشرق الأوسط .

وما المطلوب من السعودية لوقف المحاولات الإيرانية؟            

 - السعودية عليها دور كبير يتمثل في بناء موقف عربي موحد وسياسات محددة تجاه الأزمات الموجودة بداية من اليمن أو العراق ومرورًا بالسودان، وصولًا إلى أزمة فتح وحماس.  السعودية، حتى لو كنت لا تريد، أو يردد بعض مثقفيها بالعزلة الداخلية وتنمية البلد، لا تستطيع إلا أن تكون هي، ومتمثلة لذاتها وقدرها، وذاتها وقدرها يقول إنها الآن مركز الاستقطاب السياسي والاقتصادي والمعنوي. السعودية مركز العالم الإسلامي، ومركز الطاقة، ومركز الاستقرار السياسي، والدولة الواضحة الأهداف والسياسات في المنطقة، كل هذا هو قدرها، وهي تعي هذا القدر وهذا الدور، بوجود قائد يتمتع بمصداقية كبيرة هو الملك عبد اللـه بن عبد العزيز، لذلك واجب السعودية هو السعي لخلق موقف عربي للتصدي لتلك الأزمات، وألا تترك الساحة لأي تدخلات من جهات خارجية أو إقليمية.

التطور السعودي داخليا ... إلى أين يتجه؟

 ـ هناك بعض العراقيل، ولكن بشكل عام يتجه الوضع السعودي داخليًا إلى الأفضل. البلد داخليًا تركيبة غنية ومعقدة، تخيل أن المجتمع تقريبًا هو مجتمع شاب، بنسب يجعلها البعض تقارب 60% من السكان، وهناك فورة تعليمية في الخارج مع برامج الابتعاث المستمرة، وهناك ثورة حقيقة في عالم الاتصالات الحديثة، وهناك جدل غني حول الخيارات المجتمعية في الصحافة والإنترنت، المرأة السعودية تتحرك بعد طول سكون وتغييب عن المشهد، أعتقد أن مصير مجتمعات الخليج على الأقل مرهون بما سيحدث في المجتمع السعودي، أو لنقل"مجتمعات" السعودية، وما سيحدث في هذه المجتمعات كبير ومثير للشغف والترقب، طبعًا الوضع بشكل الحالي ما زال محبطًا في بعض الجوانب خصوصًا المرأة والشفافية والحقل الديني والتعليم، لكن هذا لا يمنع من القول إن هناك حركة كبيرة وتحولات تطبخ على نار هادئة أو حتى ملتهبة أحيانًا، الأمر يحتاج إلى بعض الصبر وبعض العزم، ومن يعش ير.

  أزمة سيول جدة كشفت عن ماذا، وكيف تعاملت السلطات مع المشكلة؟

ـ كشفت عن أن السعودية مثل غيرها من البلدان، ليس استثنائيًا ولا يتمتع بخصوصية تمنع وجود الفساد والفاسدين والمستهترين، أو تمنع وجود من يحاول التغطية عليهم و"لملمة الموضوع". خلاصة ما جرى في جدة: كارثة بسبب هطول أمطار عادية على مدينة مهترئة في شبكة صرفها الصحي وتصريف السيول، وهي مدينة مهمة جدًا في بلد غني، الأمر الذي يعني شيئًا واحدًا: من تسبب بالكارثة هو البشر وليس المطر، أي فساد إداري ومالي بشري، هذا هو الجانب السيئ من الكارثة، أما الجانب الآخر فيتمثل في يقظة المجتمع وحس المسئولية والشفافية الذي تمتَّع به الملك، عبد اللـه بن عبد العزيز، في بيان المحاسبة الشهير الذي صِيغ بلغة جديدة على  موقع الملك، ثم إنشاء لجنة التحقيق التي منحها الملك جميع الصلاحيات، والجميع يترقب نتائج هذه اللجنة الملكية، إننا نعيش في إيقاع سعودي جديد.

  من وجهة نظرك هل مستقبل التعاون العربي يدعو إلى التفاؤل أم أنه محاط بالأخطار؟

- التعاون العربي لا يزال في وضع سيئ، وإن كان أفضل الآن عن خمس سنوات مضت، لكن الشعارات ما زالت أكبر من الأفعال ولا تترجم على أرض الواقع.. بل إن الدول العربية تتعارض مواقفها في أمور كثيرة حتى داخل دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى سبيل المثال؛ هناك تناقض شديد بين السعودية والبحرين والكويت والإمارات أيضًا من طرف، وبين قطر وحتى عمان تجاه الموقف من  إيران ومَن معها، إلى آخر تلك التناقضات ..هذا في خيمة مجلس التعاون الخليجي التي يفترض أن دولها تتمتع بتجانس كبير وهواجس مشتركة، لكن ها أنت ترى! ليست المشكلة في أن يكون هناك اختلاف وجهات نظر في ملفات إقليمية ما، لكن أن يكون هناك"اتجاه" معاكس ومستمر ضد مصالح الإقليم الخليجي كما يراها أغلب أعضاء هذا الإقليم. أما في الإطار العربي الأوسع، فالأمور أكثر وضوحًا في السوء، أحيانًا تشعر أن العداء والكيد هما الأساس وليس التعاون على أساس المصالح المشتركة، ولكن في النهاية، لا بد أن يغلب صوت المصلحة والعقل على دوافع الكيد السطحية.

  وما الذي كشفت عنه أزمة الحوثيين؟

- كشفت عن تغلغل إيران في المنطقة وضعف دولة اليمن، وأكدت قدرة السعودية على الدفاع عن حدودها بكل قوة وحسم.

  وكيف ترى المبادرات التي تقدم بها الحوثيون لوقف القتال؟

- هذا دليل واضح على نجاح السعودية في ردع  الحوثيين بعد اعتدائهم على أراضيها. علاوة على ضعف الحوثيين أمام المواجهات. لكن يجب الحذر في التفاعل مع مثل هذه المبادرات، لا أحد يريد حربًا دائمة، الحرب استثناء وليست أساسًا، ولكن يجب على الأقل أن تحقق أهدافها أو أكثر هذه الأهداف، وهو أن يكون هناك "واقع جديد" بعد هذه الحرب  والخسائر في الأرواح والتوتر العام، لا أن تكون هذه المبادرة مجرد فرصة لالتقاط الأنفاس وهدنة مؤقتة، بمعنى؛ أنه لا بد من وضع الاستسلام الحوثي في إطار مبادرة يمنية داخلية لإعادة تشغيل المجال السياسي الداخلي، ودمج الحوثيين في الحركة السياسية الداخلية بعد نزع الأنياب الإيرانية منها، وأيضا ضمان ألَّا يتكرر  الاعتداء الإيراني عبر الوسيط الحوثي على  السعودية.

  من ينقذ العرب من أزمتهم في وقتنا الراهن . هل مصر والسعودية أم المجتمع الدولي؟

 ـ لا ينقذ العرب سوى العرب، أما المجتمع الدولي فهو يسعى وراء تحقيق مصالحه، وعلى العرب، عرب الاستقرار لا عرب الفوضى، أن يستيقظوا من سُباتهم العميق ويراجعوا أوضاعهم، فهناك دول غير مستقرة، وأخرى تعاني من غياب السلطة المركزية، وثالثة تعاني من قلة الموارد وخطر الجماعات والتيارات الفوضوية، ورابعة سقطت في السلة الإيرانية، أو كادت!

  هل الجامعة العربية بعيدة عن دورها الحقيقي، وما الآليات الجديدة التي تحتاجها لتطوير أدائها؟

-أنصح بقراءة كتاب السفيرة، كوكب نجيب الريس، فهي كشفت المستور في هذه الجامعة من  الداخل، خصوصًا وأنها تعتبر من أهل الدار في الجامعة، يا سيدي الجامعة ليست إلا سكرتارية للقادة العرب، كما قال ذات مرة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد  وهي ليست ذات دور فاعل، عكس ما يوهم به  الانطباع الذي يريده أمينها العام، وحتى لا نقسو على الجامعة، فهي لا تقْدِر على أن توحد العرب  وهم  لا يريدون ذلك، إنها موجودة فقط ومستمرة للقول بأنه ما زالت هناك "سياسة عربية مشتركة"، يمكن لو أن العرب تقاربوا اقتصاديا وأنشأوا روابط ومصالح مشتركة لكان دور الجامعة أجدى وأنفع من الخطب والبكاء على الأطلال العربية..لكن " اللـه غالب".

  الخلاف بين فتح وحماس إلى أي مدى أضعف القضية . ومن المتهم الأول منهما في إضاعة القضية؟

-  أضعفها إلى الدرك الأسفل، حتى صار العقل يشك أنه حتى لو فتحت السماء على قلب نتنياهو وقرر في لحظة صفاء أن يرتكب مغامرة السلام، ويعترف بكل ما يريده منه أهل الشأن في فلسطين، دولة وحدود وميناء وقدس ولاجئين...إلخ، فإنه لن يجد عنوانًا فلسطينيًا يذهب إليه، أي أن الدولة الفلسطينية وإقامتها والنقاش حولها يكاد يصبح ضربًا من الحديث البيزنطي العبثي. والمتهم الأول في هذه المأساة هو؛ النفاق العربي للفلسطينيين، والأنانية المفرطة في استخدام الورقة الفلسطينية في صراعات إقليمية ومصالح دول مثل إيران وسوريا، وأخيرًا : قابلية الطرف الفلسطيني للاستخدام والارتهان، وما سوى هذا من كلام، فأظن أنه من قبيل تجميل الواقع البائس.

font change