إيران تبدأ خطة إصلاح اقتصادي بإلغاء الدعم الحكومي

إيران تبدأ خطة إصلاح اقتصادي بإلغاء الدعم الحكومي

[escenic_image id="5530562"]

مما يثير السخرية أن تؤدي الضغوط الغربية على إيران إلى إنجاز ما لا يمكن تصوره، وهو إقناع حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد الشعبية بالقيام بالإلغاء التدريجي للدعم الحكومي المكلف، وإحداث حالة من الانتعاش الاقتصادي في البلاد.

فعلى مدى العقود الماضية، ظل النقاش في الدوائر السياسية العليا في طهران حول كيف ومتى يمكن أن تتم معالجة كعب أخيل الموجود في الاقتصاد الإيراني، وبالرغم من أنه لم يكن هناك، حتى الآن، استعداد لدى أي زعيم سياسي إيراني لتحمل أي ضربة سياسية، وعلى الأخص أحمدي نجاد، فإن الضغوط التي نتجت عن "العقوبات التعجيزية"، قد نجحت أخيرًا في توحيد صفوف القوى السياسية الرئيسية، والتي تتكون من، المرشد الأعلى، والبرلمان (المعروف أيضًا باسم المجلس)، والبنك المركزي، والحكومة.

ومن المقرر أن تبدأ إيران هذا الشهر في تنفيذ خطتها الخمسية لإصلاح الدعم الحكومي، مع التركيز بشكل خاص على منتجات الطاقة. والهدف النهائي هو توفير نحو 100 مليار دولار سنويًا من أجل مساعدة إيران على تحديث اقتصادها وجعله أقل عرضة للخطر، وهو ما قد يتحقق بالفعل، إذا ما تم تطبيق السياسة المصاحبة للخطة بشكل صحيح. ورغم أن الخطة، بلا شك، ستكون مؤلمة ومحفوفة بالمخاطر. لكنها شر لابد منه لتصحيح تشوهات السوق الشديدة، وتعزيز الطبقة الوسطى، التي بدأت في الصعود، وتنويع القطاع الإنتاجي، وتقليل اعتماده على النفط.

الخطة ليست جديدة، فقد دأب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنك المركزي الإيراني، ومعظم الاقتصاديين، على نصيحة إيران، وغيرها من بلدان الشرق الأوسط الأخرى، بتنفيذ خطة مشابهة لخطة الإصلاح الحالية. وقد قام العراق بالفعل بإلغاء معظم الدعم الحكومي للوقود، بغض النظر عن حجم ثروتها النفطية الكبير. وإذا ما تم تطبيق هذه الخطة بشكل صحيح في إيران، فإن هذا سيؤدى، بلا شك، إلى تقوية وتحديث وإنعاش اقتصادها، دون التخلي عن الفقراء وتركهم يواجهون مصيرهم.

وخطة الإصلاح الاقتصادي، كما هو معروف، قد تم إعدادها في يناير/كانون ثانٍ بعد مناقشات عديدة وجدل كثير، ومن المتوقع تنفيذها في بداية السنة الإيرانية المقبلة (21 مارس/آذار)، جنبًا إلى جنب مع الميزانية الجديدة، والخطة الخمسية الإيرانية الجديدة.

وسوف يتم إلغاء الدعم الحكومي تدريجيًا على مشتقات النفط والغاز الطبيعي والكهرباء والمياه والغذاء والصحة والتعليم. وستتولى الحكومة مهمة إنفاق الوفورات الاقتصادية التي ستتحقق، والتي ستبلغ قيمتها 100 مليار دولار مع نهاية الخطة الخمسية (20 مليار دولار سنويًا)، تحت إشراف المحكمة الإيرانية العليا لمراجعة الحسابات، التي تتولى الإشراف على الإنفاق الحكومي.

وسيتم استخدام جزء من الأموال التي تم توفيرها لمساعدة العائلات ذات الدخل المنخفض، حيث سيتم تقديمها لهم في صورة إعانات نقدية، وهو نوع الدعم الحكومي المفضل لدى صندوق النقد الدولي. ومن المتوقع أن تسهم المشتقات النفطية في تحقيق أكبر قدر من الوفورات، فهي من أكبر القطاعات التي تتمتع بالدعم الحكومي، حيث سيتم تحديد أسعار منتجات مثل الوقود وفقًا لأسعار الخليج الدولية، مع السماح بنسبة خصم لا تتجاوز 10 %. كما سيتم تحديد أسعار استهلاك الغاز والمياه والكهرباء بحيث تتناسب مع تكاليف الإنتاج.

فحتى الآن لا تزال الحكومة تدعم أسعار الطاقة بشكل غير مباشر عن طريق تنظيم الاستهلاك، دون وضع أي اعتبار لأسعار السوق الدولية أو تكاليف الإنتاج التي تتحملها شركات الطاقة المملوكة للدولة. وقد أسهم هذا في خلق عجز هائل في الميزانية، يصل لأكثر من 20 % من الناتج المحلي الإجمالي.

كما أن انخفاض الأسعار الناتج عن الدعم الحكومي يشجع على الإسراف وإهدار موارد الطاقة، خاصة من جانب الصناعة والأسر الغنية، حيث أدى الطلب المتزايد للوقود والغاز والكهرباء إلى جعل إيران تعتمد بشكل متزايد على الواردات الأجنبية المكلفة، بالإضافة لما يمثله ذلك من حواجز إضافية جديدة أمام الصادرات. ففي حالة الغاز الطبيعي، على سبيل المثال، تتسبب التشوهات في أسواق الطاقة في فقدان إيران نحو 20% من ناتجها المحلي الإجمالي في شكل مبيعات غاز طبيعي ممكنة، وذلك طبقًا لصندوق النقد الدولي، وهو ما يتناقض بشكل صارخ مع أهداف السياسة الخارجية الطموحة لإيران، في ضوء النفوذ الجيوبوليتيكي الكبير الذي يمكن أن يصاحب الأسعار الأعلى لصادرات الغاز الطبيعي.

وتتعرض الإنتاجية هي الأخرى لمعوقات بسبب الدعم، فالتكاليف المنخفضة بشكل غير واقعي للطاقة الصناعية تقضي على الرغبة في تحسين الفعالية الصناعية، مما يجعل المنتجات الإيرانية بشكل عام تتسم بدرجة منخفضة من الجودة، وذلك رغم كونها تعد أحيانًا أكثر غلاء من المنتجات الأجنبية، وبالتالي تفقد المنتجات الإيرانية الإقبال عليها في الأسواق الدولية. كما أدى انخفاض أسعار البنزين إلى زيادة التهريب عبر الحدود، فطبقًا لتقديرات السلطات تصل الخسائر إلى نحو خسارة 17 % من الإنتاج المحلي من الوقود ـــ أي ما يعادل 11 مليون جالون يوميًا ــــ بسبب التهريب.

إن ما يجعل خفض الدعم من الأمور الملحة حقيقة أن سياسيات أحمدي نجاد التي كانت تهدف إلى زيادة شعبيته تسببت في ارتفاع التضخم وتزايد البطالة، فقد انكشف خطر تلك السياسات مع تسبب الأزمة الاقتصادية العالمية في انخفاض أسعار النفط، وهو ما أدى إلى اضطرار الحكومة إلى استخدام احتياطياتها، مع عدم تقييد الطلب المحلي.

وتأتي خطة إصلاح الدعم مع قيام الغرب بزعامة الولايات المتحدة بزيادة الضغط الدبلوماسي من أجل زيادة العقوبات المفروضة على طهران بسبب تحديها فيما يتعلق ببرنامجها النووي، حيث أمر أحمدي نجادـ الذي لا يزال يواجه توترات واضطرابات بسبب اتهامات بتزوير الانتخابات ـــ بتخصيب اليورانيوم بدرجة تزيد  بنسبة 20%،  عن الدرجة المطلوبة للأغراض العلمية، ويكون اليوانيوم الصالح لتصنيع الأسلحة مخصب إلى درجة تزيد على 90%.

وزادت خطة أحمدي نجاد لإصلاح الدعم أيضًا من التشكك داخل إيران، فينظر إليها كثيرون إليها على أنها حيلة لحشد المزيد من التأييد لفصيله السياسي، فقد حارب من أجل السيطرة الكاملة على المدخرات، وذلك رغم محاولات مجلس الشورى الحد من الإجراءات التدخلية.

إن الميزانية الإيرانية المقترحة، والتي سوف تحتاج إلى إقرارها من جانب البرلمان، تقوم على أن سعر النفط سوف يكون 60 دولارًا للبرميل، وهو ما يعد أعلى بكثير من السعر الذي استخدم في ميزانية العام الماضي وهو 37.5 دولار للبرميل، وتعد الميزانية التي تصل قيمتها إلى 370 مليار دولار أعلى بنسبة 25% عن ميزانية العام الماضي التي كانت بقيمة 298 مليار دولار.

وقد زاد من التشكك قيام أحمدي نجاد بمفاجئة البرلمان بتضمين 40 مليار دولار للإنفاق في الميزانية، وهو المبلغ الذي سوف يتم تدبيره عن طريق المدخرات التي يتم توفيرها عن طريق عمليات خفض الدعم، وذلك طبقًا لوسائل الإعلام الإيرانية، وبينما تراجع الرئيس بعد رفض مجلس الشورى لهذا التحرك ـــ مذكرًا الرئيس بأن الخطة تدعو إلى 20 مليارًا مدخرات بشكل سنوي ـــ يبدو أن عوامل القلق من أن أحمدي نجاد يمكن أن يسيء إدارة التمويلات تعد ذا أساس جيد.
إن القضية، وكما هي الحال بالنسبة للكثير من الأشياء في إيران، تظل غير مؤكدة حتى يتم إقرارها، فالخطة تقترح إعادة توزيع نصف المدخرات تقريبًا في صورة دعم موجه إلى الأشخاص الأكثر فقرًا، وسوف تذهب 30% أخرى إلى تحسين فعالية الطاقة، وسوف تحتفظ الحكومة بنسبة العشرين في المائة المتبقية لتعويض خسائر الشركات المملوكة للدولة، لكن يظل السؤال هو كيف سيتم تطبيق الإصلاح وهو ما يعد مكمن الخطر؟!

وفيما يتعلق بالتوتر، يعد 40% من الإيرانيين تحت خط الفقر.. و11% على الأقل عاطلون عن العمل، وبالتالي تنطوي إساءة إدارة مسألة إصلاح الدعم على مخاطر كبيرة فيما يتعلق بالاستقرار الداخلي، وسوء الإدارة من جانب الحكومة يمكن أن يكون محفوفًا بالمخاطر، خاصة في البيئة السياسية الحالية، لكن الخطر الأكبر يتعلق في الواقع بالتضخم، فخفض الدعم بشكل مفاجئ يعني أن الأسعار سوف ترتفع، وسوف يتبعها التضخم هو الآخر في الارتفاع، لكن إصلاح الدعم يعد أمرًا ممكنًا تحقيقه، لكن إذا تم بشكل صحيح.

إن معدلات التضخم حاليًا تعد منخفضة جدًا، وهو ما يعد إنجازًا كبيرًا في ضوء أنه قبل عام واحد كانت معدلات التضخم تتراوح بين  20% و 30%، ويرى صندوق النقد الدولي أيضًا أن خطة إصلاح الدعم يجب ألا يصاحبها بالضرورة ارتفاع كبير في معدلات التضخم، فماليزيا على سبيل المثال زادت أسعار الديزل بنسبة تزيد على 80% والكيروسين بنسبة تزيد على 70%، وصاحب ذلك زيادة التضخم بنسبة 4% فقط، وهناك أمثلة مشابهة، وإن لم تكن بنفس الدرجة من النجاح، ففي إندونيسيا وتركيا، وهي الأمثل التي تؤكد أهمية السياسات عندما يتم خفض الدعم.

وعلى أي حال هذا يوضح الفائدة التي تعود على الاقتصاد من الإدارة الملائمة لعملية خفض الدعم، وسوف يعتمد هذا بالطبع في حالة إيران على كيفية إدارة عملية إصلاح الدعم.

وفي هذا الصدد يبدو أن أحمدي نجاد لديه خطة، على الورق على الأقل، وتقوم هذه الخطةـ على حد قوله ـ لدى عرضه الميزانية على "تأكيد خفض الاعتماد على عوائد النفط وزيادة العوائد غير النفطية، مع التركيز على الصناعة والزراعة والإسكان"، فعلى سبيل المثال يعد نصيب الاستثمار العام على مجال الإنشاءات في الميزانية 110 مليارات دولار.

إلا أن التحدي الحقيقي يتمثل في تحقيق أكبر درجة ممكنة من التنويع الاقتصادي. وقد كتب جواد صالحي-أصفهاني، وهو زميل "مبادرة دبي" بمركز بلفر للعلوم والشئون الدولية بجامعة هارفرد في مدونته أخيرًا: "لا يجب إضاعة فرصة فريدة تعرضها حكومة تتسم بالشجاعة  الكافية لرفع الأسعار إلى معدلات السوق، وهو العرض الذي سوف ينجح إذا استطاعت مع الحكومة تحقيق درجة أكبر من المساواة في توزيع الدخل جنبًا إلى جنب مع إصلاح الأسعار.

font change