٪26 من الموازنة الوطنية للسعودية موجهة إلى قطاع التعليم

٪26 من الموازنة الوطنية للسعودية موجهة إلى قطاع التعليم

[escenic_image id="5530504"]

بينما كان يجلس في مكتبه في الرياض، ابتسم خالد الخضير عندما تذكر كيف أن"الجميع ضحكوا"عندما بدأ في بناء جامعة اليمامة في الضواحي الصحراوية لهذه المدينة، حيث قال الناس في ذاك الوقت إنها "بعيدة جدًا". وانخفضت الدفعة الأولى من الطلبة من  126 إلى 40 طالبًا في أول موسم دراسي، لأن الكثيرين منهم لم يستطيعوا الاستمرار في الدراسة . و قال الناس إن الجامعة الجديدة كانت "صعبة جدًا". لكن الخضير ثابر وأصبح في  اليمامة اليوم، 1,400 طالب، نصفهم من النساء، وأصبحت الجامعة معروفة بأنها واحدة من جامعات المملكة الخاصة الأكثر ابتكارًا وتطلعًا، ولكن النقاد  ما زالوا موجودين، يرسلون لـ "الخضير" رسائل بريد إلكتروني ورسائل نصية تنتقده بشدة وتتهمه بأنه ينشر أفكارًا "ليبرالية" ضارة بين الشباب السعودي، بعض الأشخاص يبتعدون في بعض الأحيان عندما يكتشفون أن الخضير هو مؤسس اليمامة. الخضير هو رجل أعمال في منتصف العمر وهو ليس منزعجًا من الانتقادات الموجهة إليه، لأنه يرى نفسه في مهمة تاريخية.


يقول الخضير  "إذا عدنا إلى تاريخنا الإسلامي، سنجد أنفسنا  قد ابتكرنا الكثير من الأشياء "، وأضاف "أعتقد أن علينا أن نكون جزءًا من العالم، لدينا شعب ذكي.. وأريد من تلاميذي أن يفكروا في أنهم يستطيعون الحصول على جائزة نوبل في يوم من الأيام".


نجاح اليمامة في هذا الوقت القصير- افتتحت في 2004 - دليل على التعطش لفرص أفضل للتعليم في هذه المملكة الغنية بالنفط. في العقد الماضي، خصوصًا منذ اعتلاء الملك عبد اللـه بن عبد العزيز العرش في عام 2005، كان هناك إدراك متزايد بين صانعي السياسة أن المملكة العربية السعودية، يجب أن تصلح وتوسع نطاق النظام التعليمي بأكمله، إذا أرادت أن تواجه التحديات الديموجرافية والاقتصادية للمملكة. وتشمل تلك التحديات زيادة تعداد الشباب : فنحو 70 في المائة من سكان المملكة العربية السعودية، البالغ عددهم 22 مليون نسمة تحت سن  الـ30، وبهم معدل بطالة مرتفع، ما يقرب من 7 % منهم من الرجال و 25 % من النساء. علاوة على ذلك، إذا كانت المملكة العربية السعودية تنوي تنويع اقتصادها بعيدًا عن الاعتماد شبه الكلي على النفط، فضلا عن اعتمادها على العمالة الأجنبية، التي كانت تمثل51 % من إجمالي القوة العاملة في البلاد عام 2007، فسيكون عليها  أن تطور قدرات شعبها كي يصبحوا عمالًا مهرة ومتعلمين.


وقد جعل الملك عبد الـله بن عبد العزيز للتعليم أولوية قصوى؛ حيث إن 26 في المائة من الميزانية الوطنية مكرسة الآن لهذا القطاع. في عام 2009، بلغ المبلغ المرصود لذلك 32.5 مليار دولار.
 قدر كبير من هذه الأموال ذهب نحو توسيع قاعدة التعليم العالي. منذ عقد من الزمان، كان في المملكة العربية السعودية  ثماني جامعات عامة فقط، الآن هناك 26 جامعة عامة، فضلا عن 8 جامعات يديرها القطاع الخاص. وهناك الآن 70,000 سعودي يدرسون في الخارج كمنحة دراسية حكومية.


كثير من السعوديين يقدرون الحاجة لإصلاح التعليم منذ عقود. ولكن هذه الحاجة أصبحت أكثر إلحاحًا بعد الهجمات الإرهابية  في11 سبتمبر/أيلول 2001 على الولايات المتحدة،  والتي نفذها 19 من الانتحاريين، 15 منهم من السعودية. هذا يعطي دفعة قوية لجهود أولئك الذين يرغبون في توسيع آفاق الشباب السعودي من خلال تطوير التعليم، محمد الرشيد، الذي شغل منصب وزير التعليم  من 1995 إلى 2005، كان واحدًا منهم، وقال في مقابلة أجريت معه، إنه فخور بما أنجزه، على سبيل المثال، وضع مدارس البنات تحت إشراف الوزارة مثل مدارس الفتيان، وتحديث مناهج الرياضيات والعلوم. ويقول الرشيد "لكن في كثير من الأحيان، تواجه عملية الإصلاح مقاومة من قبل المحافظين الذين يخشون من أن التغيير سيعني إضعاف مكون التعليم الديني. حيث يرون أن الإصلاح  يمثل استرضاء خطيرًا للغرب، خصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية، عندما قاد الرشيد حملة من أجل الاستعاضة عن التلقين بطرق تعليم أكثر فاعلية، أبدى 400,000 من المعلمين بالتعليم الأساسي السعودي اعتراضهم، وعلق الرشيد على ذلك قائلًا لأنهم "لم يكونوا معتادين على ذلك"، وبالرغم من أن  كبار المسئولين في الوزارة، كانوا يتفقون معي في الرأي الخاص بالمبادرات الجديدة، فقد تبين لي بعد ذلك أنهم كانوا ينفذون شيئًا مختلفًا عما كنت أريده."


ووفقًا لما ذكره أحمد بن محمد العيسى، مؤلف كتاب "إصلاح التعليم في المملكة"، والذي صدر في عام 2009، تعد هذه المقاومة، والتي تنبع من ثقافة دينية لا ترغب في حدوث أي تغيير، واحدة من ثلاث عقبات رئيسية تقف أمام تحسين نظام التعليم السعودي، ويتمثل باقي العقبات، وفقً لكتاب العيسى، في عدم وجود رؤية تفصيلية لإصلاح التعليم لدى القيادة السياسية، والهيكل التعليمي القائم على المركزية الشديدة، كما يوضح العيسى، الذي عمل في مجال التعليم لمدة 30 عامًا، وشغل منصب أول رئيس لجامعة اليمامة، أنه ينبغي، بدلًا من تجديد النظام الحالي، أن يعاد بناؤه من الألف إلى الياء، وقد وصف وزير العمل، غازي القصيبي، كتاب العيسى، والذي نشر في لبنان ولا تتوافر نسخة منه في المكتبات هنا، بأنه "أهم كتاب يتحدث عن قضية عامة في غضون العقدين الماضيين، كما ذكر القصيبي أيضًا في كتاباته أن المقاومة لإصلاح التعليم ترجع إلى وجود "علاقات قوية بين القيم السائدة ونظام التعليم"، مما يخلق انطباعًا بأن "أية محاولة لتغيير التعليم هي اعتداء على القيم الثابتة للمجتمع"، خاصة عندما يتعلق الأمر بتعليم النساء والفتيات. ومن ثم يتضح أن كل الكتابات الإصلاحية تتجه في اتجاه تنموي واحد، وهو حصول المرأة السعودية على المزيد والمزيد من فرص التعليم في كل يوم، حيث تشكل النساء اليوم أكثر من 58 ٪ من طلاب الجامعات.


ولكن وفقًا لتقرير جديد وجريء كتبته منى المنجد، فإن هناك الكثير من الأمور الإضافية التي ينبغي القيام بها. وتعمل منى المنجد كعالمة اجتماع ومستشارة أولى لمركز "الفكر" الموجود في مدينة الرياض، والتابع لشركة بوز أند كومباني. ووفقًا لما ورد في تقرير المنجد، والذي يحمل عنوان "تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية، الطريق إلى الأمام"، فإن الحكومة بحاجة "لوضع إستراتيجية لإصلاح تعليم الفتيات تتضمن إحداث تغييرات هيكلية كبيرة في النظام المدرسي من شأنها الاستجابة لمطالب وأولويات مجتمع دينامي متغير". وأوضح التقرير أن مناهج التعليم الثانوي في مدارس البنات "تسيطر عليها الدراسات الدينية واللغة العربية ". كما أن مجالات الدراسة المتاحة أمام النساء في الجامعات "محدودة"، و"لا تتوافق مع احتياجات سوق العمل". وقالت المنجد، في واحدة من المقابلات التي أجرتها، "ينبغي علينا نحن معشر النساء أن نسعى لتطوير أنفسنا، وأن نكون على دراية بما يحدث من حولنا. والأهم من ذلك، أنه ينبغي علينا أن نفرق بين العادات والتقاليد المحلية، والدين، حيث إن هناك الكثير من الخلط بينها".


ومن المؤكد أن إزالة هذا الخلط لن تكون عملية سهلة. وهذا هو السبب في ضرورة وجود قيادة قوية، وجبال من الصبر والمثابرة، لإصلاح التعليم السعودي وتحقيق أقصى استفادة منه.

 

كاريل ميرفي - صحفية مستقلة تعمل في الرياض، فازت بجائزة بوليتزر في الصحافة عام 1991

font change