ميليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا

ميليس زيناوي رئيس وزراء إثيوبيا

[escenic_image id="5526391"]

على النقيض من أسلافه، يعد ميليس زيناوي، رئيس الوزراء الإثيوبي شخصية واعدة تنعقد حولها آمال العالم في قيادة طريق الديمقراطية في القارة السمراء. وفي 23 مايو/آيار، سوف يتجه الإثيوبيون إلى مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في رابع انتخابات وطنية في تاريخ بلادهم ،في ظل إشادة دولية بزيناوي، باعتباره نموذجًا للحكم الديمقراطي في افريقيا. ولكن  يبقي السؤال الأهم مطروحا وهو: هل نستطيع اعتبار زيناوي أملاً حقيقيًا لتحقيق الديمقراطية أم أنه سراب صنعته الحكومة والتفاؤل الغربي؟ ففي حين تعزز حكومة زيناوي  صورة الانتخابات النزيهة والصحافة الحرة، تدين الجماعات الحقوقية والمراقبون الأجانب حزب زيناوي لسحقه للمعارضة، وانتهاكاته المفجعة لحقوق الإنسان.

وباعتبارها أكبر دولة في القرن الأفريقي، تلعب إثيوبيا دورًا حيويًا في شئون المنطقة. فموقعها الإستراتيجي والدول التي تفصلها عن خليج عدن، وهي جيبوتي والصومال وإريتريا تجعلها لاعبًا مؤثرًا في تقرير مصير القرن الأفريقي. وتأمل القوى الغربية في دعم زيناوي لها، خصوصًا فيما يتعلق بأجندتها في مكافحة الإرهاب. وفي حوار مع رئيس الوزراء الإثيوبي، قالت صحيفة نيوزويك عن زيناوي؛ إنه أهم حليف أفريقي لواشنطن في حربها على الإرهاب. ونظرًا لأن الصومال المجاورة تؤرق الولايات المتحدة أرقًا شديدًا، فإن إثيوبيا اكتسبت أهمية في محاولات أمريكا تحقيق الاستقرار في المنطقة.

وهناك روابط متعددة بين الولايات المتحدة وحليفتها الأفريقية ، فعلى سبيل المثال قامت إثيوبيا بغزو الصومال عام 2006، بدعم  من أمريكا، بهدف إنهاء سيطرة المتشددين الإسلاميين علي مقديشيو وتنصيب الحكومة الاتحادية الانتقالية، ومن جهة أخري تشارك إثيوبيا، بالتنسيق مع جيبوتي وكينيا، في تجنيد وتدريب صوماليين علي أراضيها لتأهيلهم لمحاربة ميليشيا الشباب الصومالية، وذلك في إطار الإعداد لهجوم من المتوقع حدوثه خلال العام المقبل.

وكان نظام عسكري برئاسة العقيد مانجستو هيلي ماريام، قد حكم إثيوبيا اعتمادًا على الإرهاب لمدة 17 عامًا، حيث استغل مجاعات الثمانينيات التي نتجت عن السياسات الزراعية الماركسية من أجل الاحتفاظ بالسكان الضعفاء في قبضته القوية. واجتاحت جبهة التحرير الشعبية في تيجاري المناطق المرتفعة في شمال إثيوبيا، واستولت على العاصمة أديس أبابا وأسقطت نظام  منجستو الديكتاتوري الشيوعي، وكان رئيس الجبهة في ذلك الوقت هو ميليس زيناوي، والذي كان شخصية عامة قليلة الشهرة.

وكان زيناوي، الذي ولد في منطقة تيجاري بأقصى شمال إثيوبيا عام 1955، قد انتقل إلى العاصمة لاستكمال تعليمه بها، حيث التحق بكية الطب بجامعة أديس أبابا، لكنه انقطع عن الدراسة للانضمام لجبهة التحرير الشعبية في تيجاري في نضالها المسلح ضد النظام الحاكم، وبعد سقوط النظام العسكري تزعم زيناوي الحكومة الانتقالية حتى انتخابه رئيسًا للوزراء وزعيمًا للجبهة الثورية الشعبية الديمقراطية عام 1995، وتحول زيناوي، الذي كان في البداية من أتباع ماركس، إلى النظم السياسية العامة، حيث شجع سياسات السوق الحرة وأصبح من أنصار الديمقراطية.

وقد حظي زيناوي بإشادة واسعة من المجتمع الدولي لدوره في تخفيف الفقر وتعزيز الديمقراطية،   واستحداثه نظامًا فيدراليًا  يقوم على أساس عرقي بدلًا من نظام منجستو ذي الطبيعة المركزية، كما أنه لعب دورًا مهمًا في حملة "لايف إيد"، والتي كانت تمثل وجه الأمل والاكتفاء الذاتي في أفريقيا، حيث تم اختياره عام 2005، للانضمام لـ"لجنة أفريقيا" التي كانت ترعاها بريطانيا وكانت تتعامل مع المساعدات وتخفيف الديون والتجارة في القارة السمراء، وأشاد به توني بلير، رئيس الوزراء البريطاني السابق، لقيادته البراجماتية والعادلة. كما حقق زيناوي أيضًا نجاحًا كبيرًا في توصيل المساعدات والمياه والكهرباء إلى سكان إثيوبيا البالغ عددهم 70 مليون نسمة، ورغم معركته المستمرة ضد الجفاف وضد هجمات المتمردين، وضد الاعتماد على المساعدات، تمكن زيناوي من تحسين مستوى المعيشة في البلاد خلال فترة ولايته التي استمرت 15 عامًا حتى الآن، وانخفضت وفيات الأطفال بمقدار النصف وارتفع العمر المتوقع عند الولادة من 45 عامًا إلى 55 عامًا.

إلا أن النظرة الوردية من جانب الكثيرين تجاه الفترة التي قضاها زيناوي في السلطة، تلاشت سريعًا في أعقاب انتخابات عام 2005، حيث الفوز المثير للجدل لحزبه فيها، والاتهامات بتزويرها ، واندلاع مصادمات بين المتظاهرين من المعارضة والقوات الحكومية حينها مما أدى إلى مقتل 183 شخصًا، لكن وزارة الخارجية الإثيوبية دافعت عن تصرفات الحكومة قائلة إن "معظم التقارير الصحافية الحالية لم تتطرق إلى حقيقة؛ أن سبعة من رجال الشرطة قتلوا في أعمال العنف التي أصيب فيها أيضًا 340 من رجال الشرطة، كما أن الرشق بالقنابل اليدوية وإشعال النار في الحافلات التي تقل الناس وتدمير المباني الحكومية والخاصة لا يمثل تظاهرًا سلميًا".

إلا أن منظمة هيومن رايتس ووتش، اتهمت حكومة زيناوي بارتكاب انتهاكات، وبتعذيب وحبس أعضاء المعارضة، وفي عام 2007، هدد الكونجرس الأمريكي بفرض عقوبات على إثيوبيا لقمعها منتقدي الحكومة، وذلك ما لم تقم بإصلاحات ديمقراطية، لكن حكومة زيناوي رفضت الاعتراف بأي انتهاكات لحقوق الإنسان. وظهرت أيضًا مزاعم بتسييس المساعدات الغذائية، خاصة القيام بمنع الأغذية عن منطقة أوجادين، التي توجد بها حركة انفصالية، وهو ما تم رفضه أيضًا باعتباره رؤية خاطئة يتداولها برنامج الغذاء العالمي، وصرح زيناوي نفسه بأنه في حالة صحة ذلك، فإنه سوف يقوم بإقالة الأفراد المسئولين عن هذا الأمر.

ومع اقتراب الانتخابات التي تُجرى في شهر مايو/آيار، سوف يبحث المراقبون الدوليون عن أي تجاوزات   من جانب الحزب الحاكم بزعامة زيناوي، وتتسم الحكومة الإثيوبية بنفس الدرجة من الحرص على عدم تكرار ما حدث عام 2005، حيث يراقب المجلس الوطني للانتخابات التغطيات الإعلامية والأمور التي تتصل بتمويل الحملات الانتخابية من قِبل الأحزاب التي تخوض الانتخابات، كما استحدثت الحكومة مدونة سلوك بالنسبة للأحزاب السياسية وافق عليها 65 حزبًا، وصدرت  في شكل قانون يضم قواعد اللعبة السياسية وذلك في محاولة لمنع الخلافات ومنع التزوير، ولم يرفض سوى حزب "فورم"، وهو التجمع الرئيسي للمعارضة، التفاوض مع الجبهة الثورية الشعبية الديمقراطية، زاعمًا أنها سوف تستدرجه للموافقة على شروط مفيدة لأجندتها.

وتعد الفرصة متاحة لزيناوي الآن لإثبات خطأ منتقديه، وذلك رغم أن الغرب نفسه لديه استعداد بشكل عام لتجاهل أي انتهاكات لحقوق الإنسان، وللاستمرار في العلاقة الحميمة معه، بهدف تجنب تدهور الأوضاع في القرن الأفريقي، ويأمل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في فوز زيناوي في الانتخابات المقبلة للاحتفاظ بمن ينفذ لهم مصالحهم في هذه المنطقة الهشة.

font change