هل يحرم الصراع الطائفي العراقيين من تغيير بلادهم للأفضل؟

هل يحرم الصراع الطائفي العراقيين من تغيير بلادهم للأفضل؟


الانتخابات العراقية المقبلة تحظى بالكثير من الاهتمام، على الصعيدين المحلي والدولي. فغالبية العراقيين يأملون في أن تؤدي هذه الانتخابات ـ التي طال انتظارها ـ إلى تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والوضع الأمني في البلاد. ويأمل العراقيون، بعد أكثر من أربع سنوات من الهيمنة الطائفية الدينية على السياسة، في الحصول على حكومة علمانية تكنوقراطية، وبرلمان فعال، قادر على التعامل بإيجابية مع الفوضى التي اندلعت منذ احتلال العراق في عام 2003.


ولكن للأسف قد لا يتحقق الكثير من آمال العراقيين، وذلك لسببين في غاية الأهمية. الأول هو سيطرة الأحزاب الطائفية الدينية على السياسة العراقية، والتي امتدت لفترة طويلة، حيث مكّن هذا الاتجاه الأحزاب والأفراد من تحقيق نفوذ كبير في الماضي. والسبب الثاني هو ضعف كل التحالفات والأحزاب الأخرى. وهذا الوضع المنقسم سوف يمكِّن الإدارة الأمريكية من مواصلة سياستها الفاشلة في العراق.


وفي الواقع، فإن الإدارة الأمريكية في العراق تشجع مثل هذا الانقسام حتى تبقى هي القوة المنظمة الوحيدة والوسيط الوحيد في السياسة العراقية.


والجماعات الدينية الرئيسية التي تحكم العراق الآن هي؛ الائتلاف العراقي الموحد الذي يتزعمه المجلس الإسلامي الأعلى الشيعي بقيادة، عمار الحكيم. وهناك أيضًا حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه رئيس الوزراء الحالي، السيد نوري المالكي. وقد قام المالكي بتغيير اسم قائمته إلى ائتلاف دولة القانون بعد أن استشعر استياء الشعب من أداء الأحزاب الطائفية، وذلك في محاولة منه لإعادة تقديم نفسه كزعيم علماني يمثل جميع العراقيين. ولكن على الرغم من هذا التغيير في الاسم، فإن الحقيقة هي؛ أن حزب الدعوة هو القوة الرئيسية التي تقف وراء قائمة دولة القانون.


قد تحصل هذه القائمة، وكذلك قائمة الائتلاف العراقي الموحد، على عدد لا بأس به من المقاعد في الانتخابات المقبلة، بسبب الدعم الطائفي الذي يمكن أن تتلقاه من المؤسسة الدينية. والأهم من ذلك هو الدعم القوي الذي تتلقاه هذه المجموعات من إيران. كما أنهما قد يحصلان أيضا على دعم من التحالف السني الإسلامي الرئيسي، والمكون من جبهة التوافق العراقية والحزب الإسلامي. وعلى الرغم من الاختلاف الطائفي بين الكتلتين، فإن هناك دلائل على أنهما سوف توحدان جهودهما إذا شعرا بأن ائتلافًا علمانيًا قد يؤدي إلى الإطاحة بهما. و في حالة فوز هذه الجماعات الطائفية الدينية في الانتخابات، سوف تبقي هذه الحكومة الفاسدة وغير الفاعلة في السلطة، ولن يكون هناك أي أمل في تحسن الأوضاع.


والتحالف الثاني في السياسة العراقية من حيث القوة هو؛ التحالف الكردي، الذي يتكون من الحزبين الكرديين الرئيسيين اللذين يتمتعان بنفوذ كبير، وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني (بزعامة مسعود برزاني) والاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتمتع بدعم قوي في إقليم كردستان العراقي. ومن المحتمل أن يقوم هذا التحالف بدعم حكومة ضعيفة وغير فاعلة. وفي تلك الحالة، من الممكن أن يقوم بتنسيق جهوده مع الأطراف الدينية الأخرى وذلك لسببين مهمين: أولًا، أن هذا التحالف يعرف أن الأحزاب الدينية الطائفية على استعداد للرضوخ لمطالب الأكراد من أجل الحصول على دعمهم. وثانيا، أنهم يدركون أن هذه الأحزاب لها علاقات وثيقة مع إيران، ويدركون أيضًا أنها ستدخل في مواجهات مع قوات الاحتلال الأمريكي، وذلك من شأنه تحسين فرص قيام الولايات المتحدة بدعم استقلال إقليم كردستان العراقي.


والمجموعة الثالثة هي؛ مجموعة من التحالفات العلمانية المفككة، مثل مجموعة رئيس الوزراء السابق السيد إياد علاوي، والحركة الوطنية العراقية، وتحالف الوحدة العراقية، الذي يرأسه حاليًا وزير الداخلية العراقي جواد البولاني. ومن الواضح أن أيًا من الفئات المذكورة أعلاه لن تكون قادرة على الفوز بأغلبية الأصوات. وفي الحقيقة فإن هذه الجماعات العلمانية تتعرض بالفعل لمضايقات من قِبل الحكومة الحالية، حيث تم استبعاد عدد كبير من المرشحين التابعين لهم (500 مرشح) من المشاركة في الانتخابات بحجة أنهم بعثيون. هذه الخطوة خلقت حالة من الفوضى في الساحة السياسية العراقية الممزقة بالفعل.


من ناحية أخرى، هناك الأحزاب والجماعات المعارضة، التي تعاني هي أيضًا من التفكك والتمزق. ولكن الحكومة الحالية تنظر إلى هذه المجموعات المتعارضة بشك، وقد تم اتخاذ تدابير فاعلة لإضعاف دور هذه الأحزاب والجماعات. وتتهم الحكومة حزب البعث القديم بالتسلل إلى مختلف المجموعات العلمانية. وسواء تمّ تزوير نتائج الانتخابات أم لا، فإن الانتخابات المقبلة ستؤدي إلى انقسام البرلمان وإلى وجود حكومة ضعيفة، ستفشل في النهاية  في مواجهة التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد.

font change